مرات كثيرة أمسك فيها القلم لأكتب لكن لا كتابة.. لدي الرغبة لكنني لا أمتلك القدرة.. لدي حبر يكفي لكنني مقيد والأفكار بعيدة عني كريموت التليفزيون. أجرب أن أكتب كلمات أول أغنية تطل من فايلات الموسيقي في مخي «الحب عمره ما جرح ولا عمره بستانه طرح غير الهنا وغير الفرح»، أري أم كلثوم في صورة فوتوغرافية أبيض وأسود ترتدي فستانًا سأموت قبل أن أعرف لونه الحقيقي، هل أكتب لأصف الصورة التي أراها الآن؟، لن أمنح الفوتوغرافيا هذا الشرف، صحيح أن الفوتوغرافيا هي التطور الطبيعي للكتابة، لكن ستظل الفوتوغرافيا اختراعًا مرتبطًا بالماكينات والكتابة مرتبطة بالقلوب، دقات قلبي تتسارع الآن بحثًا عن كلمات مختبئة أو أفكار أفضل من الكلام عن أم كلثوم وفستانها. لماذا اخترت الكتابة؟، ربما كعلاج، فالكتابة تحرير والسجن كبير بحجم الكرة الأرضية، هل هناك أوراق وأقلام في الجنة؟، أرجو ألا يكون هناك لاب توب، أكره الكتابة الميكانيكية وأحب أن أري آثار نقاط الحبر علي أصابعي. هل اختارتني الكتابة؟، ربما، يعتقد الكثيرون أنهم اختاروا مهنتهم وأنهم فخورون بأنهم يعملون ما يحبون، لا أحد اختار شيئًا، كل واحد يسير في طريق ينحني حسب القدر، هنا منحني النشأة، وهنا منحني الظروف الاقتصادية، وهنا منحني حادثة مصيرية تغير حياتك، وهنا منحني به شخص يغير اتجاهك فجأة، وهنا منحني به مطب يجبرك علي التمهل، وهنا منحني عبارة عن منحدر يجعل خطواتك أسرع مما تتخيل، أكره من يقولون إنهم أصحاب خطط ويسيطرون علي مستقبلهم فهم أسري للغرور وسيعرفون يومًا أن الموضوع مش كده، بليغ حمدي التقي أم كلثوم مصادفة في جلسة كبيرة وأسمعها مطلع لحن اسمه «حب إيه» كان قد لحن منه الدخول فقط لتغنيه ثريا حلمي في ساعة لقلبك، كان وقتها في منتصف عشرينياته وفي هذا المنحني أصبح أمل مصر في الموسيقي كما كان يقدمه عبد الحليم، معظم الممثلين والمطربين يحكي الواحد منهم أنه قد ذهب إلي اختبار تمثيل أو غناء كمرافق مع صديق هاوٍ للموضوع لكنهم لم يختاروا صديقه واختاروه هو، إسماعيل يس غزا القاهرة ليغني وفي منحني ما أصبح الكوميديان الأشهر في التاريخ، كان ممكنًا أن ينام نيوتن في بيته لا أسفل شجرة لتقع عليه تفاحة فيدخل في منحني قانون الجاذبية، ليس هناك ما يسمي صدفة، هناك طريق يرسمه القدر وهناك رغبة، رغبتك في مواصلة الطريق هي التي تقودك للنجاح وربما تقودك لكارثة.. كله مكتوب.