منذ أن تغيرت طبيعة الدراما التليفزيونية قبل نحو 10 سنوات صارت قضية «أسامة أنور عكاشة» هي التصدي للبقرة المقدسة.. وكان يقصد بها الإعلانات.. كان «أسامة» يري أن الكل يعبدها فهي التي شكلت ملامح الدراما في كل المسلسلات خلال السنوات الأخيرة وتحديداً بعد أن اقتحم الشاشة الصغيرة عدد من نجوم ونجمات السينما وفرضوا قواعدهم وصارت وكالات الإعلان هي التي تحدد توقيت عرض المسلسل وذلك طبقاً لعدد إعلانات الزيت والسمن والشيبسي التي تتهافت علي المسلسل، وكثيراً ما دخل «أسامة» معارك ضارية لمواجهة مظاهر الخضوع التي ارتضي بها مع الأسف الآخرون.. لم يكن «أسامة» ضد النجوم ولكن ضد أن نفصل الأعمال الدرامية علي مقاسهم.. كان ومعه عدد من المخرجين والكتاب يناضلون في هذا الاتجاه وعلي رأسهم «إسماعيل عبدالحافظ»، «محمد فاضل»، «إنعام محمد علي»، «محفوظ عبدالرحمن».. «وحيد حامد».. النص أولاً هو شعار «أسامة» الذي لم يكن يقبل أبداً مهنة الترزي ليفصل ما يراه النجم ملائماً علي مقاسه.. قال لي كاتب كبير وشهير لقد صارت يدي مرتعشة فأنا أكتب وأفكر في التورتة المفروض أن ينالني جزء منها دائماً ما يزغلل عيني حجم القضمة التي سوف أنالها.. يقصد الفلوس التي ترصد للمسلسل وهو لن يحصل علي شيء إلا إذا وافق النجم ولهذا صارت أيدي أغلب الكتاب حتي الكبار منهم مرتعشة لأنه إذا عبر عن نفسه بعيداً عما يريده النجم ربما يتم التخلص منه ولهذا قبل أن يسأل نفسه عن منطق الدراما يسأل نفسه عن المنطق الذي يحكم الفنان الذي يتعامل مع النص.. «أسامة» لم أضبطه يوماً إلا ويده «واثقة»، أما عدد كبير من الكتاب فلقد كانت أياديهم «موثقة».. خذله النجوم أكثر من مرة لكنه لم يستسلم مثلاً كتب الجزء الثالث من «زيزينيا» وكان ينتظر أن يستكمل «الفخراني» المسيرة لا يوجد من يلعب دور «بشر عامر عبدالظاهر» بطل «زيزينيا» سوي واحد فقط «يحيي الفخراني» ولكنه انسحب ولم يستطع أن يقدم بديلاً له.. وأجهض مشروعه كان قد حدث في الجزء الثاني من نفس المسلسل «زيزينيا» موقف مشابه عندما اعتذرت «آثار الحكيم» عن دور «عايدة» ووقع اختياره هو والمخرج «جمال عبدالحميد» علي «هالة صدقي» أما هذه المرة ومع اعتذار «الفخراني» كان من المستحيل استبداله بأحد.. في «المصراوية» الجزء الثاني فوجئ باعتراضات «غادة عادل» و«هشام سليم» فتم التغيير إلي «ميس حمدان» و«ممدوح عبدالعليم».. قبل ذلك مسلسل «حسن أرابيسك» كان مرشحاً له في البداية «عادل إمام» ولم تتوافق القناعات بين «أسامة» و«عادل» في توقيت ما كان المرشح هو «محمود عبدالعزيز» ثم استقر الأمر علي «صلاح السعدني» وهو واحد من أكثر المقدرين لموهبة «أسامة» وهو أيضاً كان يقدر موهبة «السعدني».. لم يكتب «أسامة» لنجم ولكن كان يكتب حالة إبداعية.. حتي مسلسل «ضمير أبلة حكمت» لم يكتبه لفاتن حمامة ولكن ألح عليه كفكرة وقدمه لإنعام محمد علي بعد أن أسفر لقاؤهما معاً عن المسلسل الناجح «الحب وأشياء أخري» بطولة «آثار الحكيم» و«ممدوح عبدالعليم».. ثم اكتشف أن «فاتن» متحمسة بل وضعت شرطاً واحداً للتمثيل للتليفزيون وهو أن يكتب «أسامة» لها النص الذي تقدمه، وبعد أن قرأت كانت لها هي والمخرجة «إنعام محمد علي» عدد من الملاحظات الثانوية.. «فاتن» هي التي اقترحت أن تذهب إلي منزل «أسامة» لتناقشه شعرت بأنه ليس من اللائق أن يأتي هذه المرة إلي منزلها، هل رأيتم رقة في التعامل مع الكبار أكثر من ذلك؟! وهكذا نري «فاتن» تعطي درساً في العلاقة التي ينبغي أن تسود بين النجم الكبير والكاتب المبدع.. «البقرة المقدسة» غيرت الكثير من قواعد اللعبة الدرامية وتأثر أيضاً «أسامة» بها، فلقد كان يعرف أن النجوم أسلحة لتوصيل أفكاره، ولكنه اكتشف أن بعضهم صار سلاحاً لاغتيال أفكاره ويتوقف عن الكتابة لهم ولكن أبداً لم تتوقف معركة «أسامة».. ظل يكتب ويبدع إلي اللحظة الأخيرة وحافظ علي اسمه باعتباره علامة الجودة.. لم يهزم «البقرة المقدسة» التي لا تزال تملك مقاليد الحكم في التليفزيون لكنها أيضاً وهذا هو الأهم لم تهزمه!!