الكثير من المعادلات السياسية ربما تكون غامضة وملتبسة على قطاع كبير من المصريين، ولكن مع الأرقام تبدو العملية أكثر سهولة، فالأرقام دائما لا تكذب، وبالعودة إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011 الذى شارك فيه 41.2٪ ممن لهم حق التصويت ودستور الإخوان 2012 الذى شارك به 32.9٪ ممن لهم حق التصويت، والمؤشرات الأولية للاستفتاء على الدستور 2014 التى يذهب أغلبها لنسب تتراوح من 38 إلى 40٪ تؤكد نسبة التأييد الكبيرة التى يتمتع بها هذا الدستور، وبالنظر أيضا إلى نسبة التصويت بنعم على هذا الدستور التى تجاوزت كل التوقعات وارتفعت عن كل الاستفتاءات السابقة لتتخطى حاجز ال95٪ دون وجود أى شبهة تزوير واحدة أو تشكيك فى نزاهة عملية الاستفتاء، مما يعد دليلا قويا على مدى تميز هذا الدستور والتوافق المجتمعى الكبير الموجود حوله أكثر من أى دستور سابق. الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال إن نسبة المشاركة فى الاستفتاء على هذا الدستور أكبر بشكل كبير مقارنة بالاستفتاءات السابقة على التعديلات الدستورية وعلى دستور 2012 وذلك بسبب حجم الذين نزلوا وكانوا مؤيدين بشكل قوى للدستور، إضافة إلى أن هذه المشاركة القوية توضح حرصهم على إنهاء المرحلة الانتقالية والبدء فى بناء الدولة المصرية الجديدة والسير فى بناء مؤسسات الدولة، واعتبار أن هذا الدستور نقطة للانطلاق إلى استكمال باقى خطوات خارطة الطريق وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. عبد الوهاب أضاف أن هناك الكثير من الشرائح الموجودة بالمجتمع شاركت فى الاستفتاء على الدستور كالسيدات وكبار السن الذين شاركوا بدافع البحث عن الأمان والاستقرار الذى غاب عنهم خلال الفترة الأخيرة، مضيفا أن أكبر ملاحظة هى عدم وجود شكاوى فى أمور تتعلق بنزاهة عملية الاستفتاء وهذا أمر يحسب للجنة العليا للانتخابات والجهات الأمنية التى أمّنت عملية الاستفتاء على الدستور. الخبير بمركز الأهرام أوضح أن هناك شرائح مجتمعية واضحة وظاهرة شاركت فى الاستفتاء كالشباب عكس ما يشاع قائلا «ربما يكون شباب الثورة أو شباب الجامعات لم يشاركوا فى الاستفتاء ولكن هذا لا يعنى أن الشباب بصفة عامة لم يشاركوا فجزء كبير من الشباب والشرائح الأخرى الباحثة عن الاستقرار والبعيدة عن الاستقطاب السياسى شاركت فى الاستفتاء»، مضيفا أن النتيجة محسومة بشكل كبير وستزيد على ال95٪، لأن من أيدوا الدستور هم من تحملوا مشقة النزول والتصويت عليه ولكن من اعترضوا أو لم يكن لهم مصلحة قاطعوا الدستور. شهاب وجيه المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار قال إن دستور 2014 كان صاحب النصيب الأكبر الدعم والتأييد مقارنة بتعديلات مارس 2011 ودستور 2012، مرجعا السبب فى ذلك إلى حالة التوافق المجتمعى التى كتب فيها هذا الدستور قائلا «تعديلات مارس كتبت دون مشاركة القوى السياسية ودستور 2012 كتبه فصيل واحد أما دستور 2014 فشهد حالة توافق كبيرة من كل المشاركين فى كتابته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار».
وجيه أضاف أن الدستور لاقى تأييدا كبيرا من جانب القوى السياسية لأنه يمهد لحياة سياسية تعددية تضمن وجود منافسة قوية وحقيقية بين كل القوى السياسية.
الدكتور فريد زهران نائب رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى قال إن التأييد الكبير الذى حصده هذا الدستور يعكس تغيير المزاج العام للشعب المصرى خلال الثلاث سنوات الماضية وذلك يثبت أن الشعب المصرى ككل شعوب العالم قابل للتغير وفق مجريات الأحداث على الأرض مضيفا أن ما حدث خلال الفترة الماضية تغيير إيجابى فالمواطن أصبح لديه درجة عالية من الوعى السياسى ويختار ما يراه صحيحا.
زهران أوضح أن سر الإقبال الشديد من المصريين على المشاركة والتصويت فى الاستفتاء هو درجة الحماسة العالية لديهم فى ظل حالة الاستقطاب المرتفعة الموجودة فى المجتمع وعلى العكس تراجعت نسبة الرافضين للدستور الذين اتخذوا قرارا بعدم المشاركة فى الاستفتاء من الأساس. حسام الخولى سكرتير عام مساعد حزب الوفد قال إن نتيجة هذا الاستفتاء رائعة وذلك بسبب الجو الذى تعيشه مصر خلال هذه المرحلة، مضيفا أن السر وراء الإقبال الكبير على المشاركة فى التصويت على هذا الدستور مقارنة بتعديلات مارس 2011 ودستور 2012 هو تعدد أسباب المشاركة، موضحا أن هناك من ذهب للاستفتاء إعجابا بمواد الدستور فى حد ذاتها وهناك من ذهب ليرد الصفعة للإرهاب ويثبت أن المصريين لا يخافون من تهديداته وهناك من ذهب نكاية فى الإخوان وتأكيدا لشرعية النظام الحالى، قائلا إن كل هذه الأسباب ضاعفت من نسبة المشاركة والإقبال ورجحت من كفة التصويت بنعم على الدستور الجديد.
الخولى أضاف أن عامل البحث عن الاستقرار لعب أيضا جزءا كبيرا فى ارتفاع نسبة المشاركة فى التصويت على الدستور ودفع المصريين إلى النزول للجان التصويت، موضحا أن الجميع وضع تصورا أن الإخوان المسلمين سوف يتعاملون مع الاستفتاء بالحشد للتصويت بلا مثلما فعلت القوى السياسية مع دستور 2012 وهو ما جعل نسبة التصويت برفض الدستور مرتفعة وصلت تقريبا إلى 6 ملايين رافض مقابل 10 ملايين مؤيد أو الدعوة لمقاطعة الاستفتاء نهائيا وهو ما حدث فجعل نسبة التصويت بنعم مرتفعة جدا مقابل مجموعة صغيرة من الغاضبين والمتعاطفين مع الإخوان صوتوا ب«لا». سكرتير عام مساعد حزب الوفد قال إن أكثر ملاحظة أخذها على هذا الاستفتاء هى مقاطعة فئة صغيرة من الشباب فى محافظة القاهرة للدستور قائلا «لم يكن الإقبال كبيرا من شباب القاهرة ولذلك لرؤيتهم بعض رجال النظام السابق من رموز الحزب الوطنى يتصدرون المشهد ولكن الحال كان معكوسا فى المحافظات الأخرى التى ارتفعت فيها نسبة إقبال الشباب على المشاركة والتصويت على الدستور».