رغم أن الامتحان هو الدليل والمقياس الوحيد لأي طالب يدرس أي شيء في الدنيا، ورغم أن يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، فإن لوائح وقوانين المعهد العالي للسينما ومثله كثير من الأكاديميات الفنية لها رأي آخر، حيث اللوائح والقوانين وطاعتها المطلقة جزء صميم من إهانة روح الإبداع داخل طالب الفنون ووسيلة خلق جيل يقدس اللوائح والقوانين، وهذا التكريس لحالة الاستبداد التعليمي تؤكد أن مشكلة طلبة المعهد العالي للسينما وحال المعهد هو جزء لا يتجزأ من حال السينما المصرية المعاصرة، فإذا كان المعهد يخرج للسينما عقليات بيروقراطية مقموعة فمن الطبيعي أن نشاهد الآن سينما بيروقراطية مقموعة ونستمع إلي أغان تنافق الحكومة وأفلام فاشلة في التعبير عن حال المجتمع وفاشلة حتي في أن تكون مسلية وظريفة.. السينما التي نراها تبدأ مشاكلها من العقليات التي تدير المعاهد والأكاديميات الفنية بعقلية عبد الروتين، ولهذا نجد أن السينما حالها من سئ لأسوأ بداية من حال التمثيل المتردية وغياب كتاب السيناريو الذين يستطيعون صنع سيناريو جيد ويحتوي علي أي فكرة سينمائية لامعة ومبتكرة، وانتهاء إلي صناع سينما مستسلمين لمحظورات قوانين ولوائح الرقابة البالية.. هذه الحالة البيروقراطية التي تقدس القوانين والروتين واللوائح ونسب الحضور والغياب لن تخلق أبداً فناناً مبدعاً. هذا الجدل والصراع بين عميد معهد السينما وهيئة التدريس وطلاب الفنون والتي وصلت إلي جدل لا يليق علي القنوات الفضائية، بل وصلت ببعض الطلاب إلي رفع قضايا علي المعهد، ونبرة عناد العميد وأسلوب مخاطبته للطلاب مثل الأطفال في برامج التوك شو علي الفضائيات لا توحي بتعامله مع طلاب المعهد علي أنهم مشاريع مبدعين وفنانين، بل هي علي العكس تحول الفنان من مبدع يبحث عن الاختلاف الي موظف يحمل لقب ممثل أو مخرج أو سيناريست كل همه أن يقوم بعمله حسب القوانين واللوائح.. ما يحدث في المعهد يفسر تماماً فقر الإبداع السينمائي، ويفسر تماماً دهشة بعض صناع السينما التي تصل إلي حد البله من فشل أفلامهم رغم أنهم صنعوها كما فهموا وتعلموا ودرسوا.. بعض الممثلين الشباب يرفضون أي نقد لأدائهم ومثلهم مخرجين وكتاب سيناريو ومصورين وغيرهم، لأنهم يعتبرون أنهم كمتخرجين من معاهد وأكاديميات الفنون يقومون بدورهم الفني كمن يستعين بكتالوج للفن، لهذا هم يعتبرون أنهم كمتخصصين دارسين صنعوا أعمالهم وحكموا عليها بالنجاح، ورفضوا أي نقد لها وبدأوا في الحديث عن أي أسباب أخري خارج قدرتهم الحقيقية عن الإبداع والتمرد علي الواقع، كلها أسباب تتعلق بالإنتاج والتوزيع تكون هي شماعة الفشل بالنسبة إليهم، وغالباً ينسون أن يضيفوا إلي تلك الأسباب أنهم لم يعيشوا في كلياتهم ومعاهدهم في مناخ يحرض علي الحرية والإبداع، فقد كانوا مشغولين بنسب حضورهم التي تمنحهم صك حضور الامتحانات التي هي في البداية والنهاية المقياس الأول والأخير للطالب الناجح والفاشل. من المفهوم أن اللوائح والقوانين صنعت لجميع أنواع الدراسات بغرض معاونة الطالب وليس بغرض ممارسة الأساتذة لسلطة المنع والحرمان والتأديب وبتر وترويض حرية دارس الفن.. كيف يمكن لطالب مرتعش كل همه تنفيذ وتطبيق اللوائح حتي لا يحرم من الدخول إلي الامتحان أن يكون مبدعاً ومحلقاً في إبداعه؟ ولماذا لا يعتبر المعهد أن الامتحان هو الوسيلة الوحيدة للكشف عن تحصيل الطالب، إذا كان فاهمًا أو فاشلاً؟