اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سعيد مرزوق" فنان الصورة والصوت والصمت!!
نشر في الدستور الأصلي يوم 14 - 12 - 2010

أحببتها.. لا بل عشقتها تمنيت أن أرسم عليها.. كان طريقي إليها محدداً واضحاً.. شعرت لحظة أنها أكبر مني وشعرت أني أكبر منها.. تمنيت أن أمتلك أدواتها لأسيطر عليها.. كنت متأكداً أنني سأمتلكها.. هذه هي كلمات "سعيد مرزوق" المخرج السينمائي الذي عشق السينما منذ صباه المبكر.. لم يدخل معهداً لدراسة السينما لكنه تخرج من أكاديمية الحياة التقط كل التفاصيل البشر والأماكن واختزنها وقدمها لنا بعد ذلك في أفلام.
ربما كان صحيحاً ما تقوله الحكمة القديمة ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. إلا أن المؤكد أن ما يتخيله الإنسان يدركه.. فرق كبير بين التمني وإعمال الفكر والخيال.. التمني فعل سلبي والخيال عمل إيجابي.. و "سعيد مرزوق" كان من النوع الثاني فهو في طفولته كان يرى الصورة شفافة لما سوف يحدث له في قادم الأيام والسنوات.
هذا الفنان الذي عشق الصورة وهو دون الثامنة وحلم بها.. تحققت أحلامه وتحول إلى صانع للصورة.. مزج بداخله حب التشكيل بحب الموسيقى، ولهذا جاء هذا التناغم بينهما وعبر عن نفسه في كل أفلامه.. السينما هي الأداة التي تقبل هذا التفاعل بسهولة ويسر، ولهذا اختار السينما بل اختارته السينما!!
هذا الفنان الذي تراه للوهلة الأولى فتشعر أن بينك وبينه مسافات لكنك تكتشف بعد لحظات قليلة أنه يحمل قلب ومشاعر طفل، وأن ما تحسه غروراً هو حالة من الانطواء تحتويه وتسيطر عليه لتصنع له سور وهمي من الحماية في وجود أي غريب، وأنه يمتلك في أعماقه قدراً كبيراً من الحب والدفء، وأن الشاشة ملعبه الحقيقي الذي يحقق فيه مشاعره.. أما علاقاته الإنسانية فهي ربما كانت نقطة ضعفه، وهي بالتحديد - كعب أخيل – الذي يحاول أن ينفذ من خلاله من يريد أن يطعنه في رؤيته الفنية.
"سعيد مرزوق" حالة فنية خاصة ولهذا فإنه لا يقيم جسوراً إنسانية لحماية هذه الموهبة ولا يلقي بالاً لتجمعات سينمائية أو إعلامية تصنع منه بطلاً على الورق ومخرجاً لا يشق له غبار، وتحيل هزائمه الفنية إلى انتصارات زائفة.
لم أجد أصدق من هذا الفنان وهو يعترف لي قائلاً: لم أرض إلا عن أفلام البدايات فقط ليبوح بهذا الاعتراف برغم التقدير الشعبي والنقدي الذي حظيت به أفلامه الأخيرة، لكنه يريد أن يكون صادقاً في إحساسه لا يضخم من حجم إنجازه الفني.. لديه دائماً عين أخرى يقظة تبحث عن الكمال وتنشده ولهذا لا يرضى ولن يرضى لأن جذوة الإبداع بداخله لا تعرف أبداً الشبع.
أنا اعتبر "سعيد مرزوق" أكثر المخرجين المصريين امتلاكاً لروح التجريب في السينما، وأغلب التجريبيين في العالم كان بداخلهم دائماً فنان تشكيلي يريد أن يعثر على الوسيلة لكي يعبر عن نفسه، ولهذا ليس غريباً أنه بعد أن صور أغنية "أنشودة السلام" للتليفزيون المصري، يقدم على الفور في أعقاب هزيمة 67 فيلماً تسجيلياً "أعداء الحرية" لجأ فيه إلى الصورة الثابتة "الأبيض والأسود" ومنحها الحياة بحركة الكاميرا.. قدم "سعيد مرزوق" فيلماً عالمياً لا يتحدث عن عدوان إسرائيل وتواطؤ أمريكا، لكنه يقدم هذا العداء السافر للحرية في كل بقاع الدنيا، وليس في مصر فقط.. العمق في هذا الفيلم لا يأتي من الفكرة، فإنه قد تتشابه الأفكار، إلا أن هذا المخرج جاء متمرداً على الروح السينمائية السائدة.. ولا أعتقد أنه كان يقصد هذا التمرد بقدر ما أراد أن يعكس صورته الحقيقة على الشاشة.. وعندما يعتمل شيء بداخله يحيله إلى صورة ويكتشف بعد ذلك أن هذه الصورة السينمائية يقرأها العالم بكل اللغات، ولا أعتقد أن قيمة هذا الفيلم أنه حصل على الجائزة الثانية في مهرجان "ليبزج" أهم مهرجان عالمي للأفلام التسجيلية وأنه نافس بقوة على الجائزة الأولى التي كانت من نصيب الفرنسي الشهير "كلود ليلوش" وكذلك ليست قيمته الحقيقية في أن هذا الفيلم ظل يدرس في أكثر من معهد سينمائي في العالم، فهذا يحسب في إطار القيمة الوقتية المرتبطة بالفيلم وبتقدير لجنة تحكيم.. لكن "أعداء الحرية" يحتفظ – رغم مرور حوالي 42 عاماً- بروح التجريب والتمرد والخصوصية وهذه هي قيمته التي لا يمحوها الزمن بل يزيدها تألقاً ورسوخاً.
وبعد رحيل "عبد الناصر" يقدم "دموع السلام" ليعبر عن "جمال عبد الناصر" كما شاهدناه في هذا الفيلم قامة وقيمة، ومكاناً ومكانة تعيش بعده وبعدنا.
الحياة تنتهي بعد أن يسجى الجسد، إلا أن "جمال عبد الناصر" في فيلم "سعيد مرزوق" عاش في حياة الأمة، ولهذا جاء التوازي الدائم في بناء الفيلم السينمائي بين رحلات "عبد الناصر" واستقبال الملايين له وبين مراسم الرحيل ووداع الملايين له..
ربما كانت روح التجريب في السينما المصرية ممكنة أكثر في الأفلام التسجيلية لكنها مع السينما الروائية تصبح نوعاً من التحدي لا يجرؤ عليه أحد في ظل قوانين السوق.. إلا أن "سعيد مرزوق" فعلها مرتين الأولى في إنتاج مؤسسة السينما من خلال المنتج المنفذ ومدير التصوير المبدع "عبد العزيز فهمي" الذي كان من أ وائل الذين تحمسوا لموهبة "سعيد مرزوق" بمجرد أن شاهد له أغنية "أنشودة السماء" أول أعماله التي أخرجها للتليفزيون عبارة عن أغنية مصورة، واستشعر "عبد العزيز فهمي" أن هناك مخرجاً كبيراً وراء تقديم هذه الأغنية ولهذا وقف وراءه وهو يرسم بالإضاءة ما يريده هذا المخرج في فيلمه الأول "زوجتي والكلب" الرهان لم يكن فقط على "سعيد مرزوق" ولكن الرهان الأكبر هو كيف تغامر فنانة مثل "سعاد حسني" تمتلك كل هذه الشعبية بأن تُقدم عام 1971 على تجربة غير مأمونة العواقب، لكن "سعاد" من المؤكد استطاعت بشفافيتها الفنية- التي كانت تتجاوز في تلك السنوات حدود إدراكها- استطاعت أن تراهن على الإبداع قبل الجماهيرية.. أما مبدعنا "محمود مرسي" فإنه طوال تاريخه لا يعرف غير هذا النوع من المراهنات.
"سعيد مرزوق" يقدم نفسه كمخرج متمرد على كل القوالب الثابتة في السينما.. كان "سعيد مرزوق" بإسناده دور البطولة أمام "سعاد" و "محمود" إلى "نور الشريف" يريد فناناً غير محمل بنجومية تقيده فلم يكن يريد أن يسبح هو أيضاً في سينما النجوم بل أراد أن يحرر نفسه من هذا القيد، وجاء "نور الشريف" في "زوجتي والكلب" بأداء تلقائي وشاهدنا "سعاد" و "محمود مرسي" في حالة وهج إبداعي.. إن "سعيد" يكثف الموقف الدرامي ويعبر عنه بالصورة، وكان لقاؤه بالمبدع فنان الضوء "عبد العزيز فهمي" محققاً لهذا الطموح.
يحرص "سعيد مرزوق على أن يتحرك في ثلاثة أزمنة الماضي والحاضر والمستقبل.. وفي العادة فإن هذا المستقبل يتحول إلى مجرد صورة من الخيال لا تتجسد في الواقع.. إن هذا البناء المتداخل في الأزمنة قدمه "سعيد مرزوق" بحرفية عالية فهو لا يريد أن يجهد جمهوره في التلقي.. لكنه يضع نفسه والجمهور على نفس الموجة!!
لحظات الصمت الكثيرة جسدها باقتدار "محمود مرسي" وروح التجريب للمخرج ساعده على تأكيدها المصور المبدع عبد العزيز فهمي.. استطاع "سعيد مرزوق" أن ينقل جمهور الفيلم معه إلى هذا المكان الموحش لكننا في نفس الوقت ألفنا هذا المكان واقتربنا من شخصياته لكننا لم نصدر أحكاماً.. "محمود مرسي" الذي خان أصدقائه لا تشعر أن عليه أن يدفع الثمن ويشرب من نفس الكأس.. المخرج حافظ على تلك المسافة بيننا وبين الشخصيات فلا نتعاطف معها وفي نفس الوقت لا نصدر أحكاماً أخلاقية عليها!!
إن هدف الفيلم أبعد من ذلك.. إننا نرى في "زوجتي والكلب" الصراع الذي لا يهدأ داخل كل منا بين الحلم الي نريده وبين الواقع الذي يكبل هذا الحلم.. كانت نقطة الانطلاق هي هذه الحكاية البسيطة لرجل له ماضي يتزوج فيتشكك في زوجته.. لكن ما أراده "سعيد" أبعد بكثير من ذلك إنه يقدم الخيال والواقع داخل كل منا وكيف أن الإنسان – كل إنسان – يعيش حياتين واحدة واقعية والثانية في الخيال لكنها لا تقل في واقعيتها عن الأولى!!
وجاء فيلمه الروائي الثاني "الخوف" المغامرة الثانية مواصلاً فيها إحساساً بالتجانس مع فريق العمل الواحد "سعاد حسني" و "نور الشريف".
"نور" هو المعادل الموضعي "لسعيد مرزوق" أسقط عليه أحلامه وإحباطاته ونزواته وشهوانيته أيضاً.
الهزيمة في 67 لهذا الفنان الذي تربى في أحضان ثورة يوليو وأحب زعيمها، ومن المؤكد أن جميع مخرجي هذا الجيل هزمتهم الهزيمة على المستوى المادي والنفسي لكنها أشعلت لديهم جذوة الإبداع، وجاء "سعيد مرزوق" ليقدم رؤية فنية لم يقصد فيها أن يكون مختلفاً بقدر ما كان فيها صادقاً مع مشاعره التي أحالها إلى صورة فنية محلقة بقدر ما هي معبرة.
حارس العمارة يقف بالأسفل.. يستشعر دخول غريب للعمارة.. يستمر "نور" و "سعاد" في الصعود في حين تتساقط منهما بعض الأشياء.. تطلب "سعاد" من نور أن يهبطا معاً ليواجها الحارس لكنه لا يقدر على المواجهة ويستمر في الصعود.. "نور" و "سعاد" في لقاء عاطفي ونقرأ في جريدة ملقاة على درجات السلم أن أمريكا تضع ميزانية بعدة مليارات من أجل الحرب.. صوت العصا التي يضرب بها "أحمد أباظه" – الحارس – وهو يصعد خلفهما يعلو و"نور" و "سعاد" يقرران الصعود لأعلى هرباً.. تتذكر "سعاد" ما حدث لأهلها في السويس وتحاول أن تلقي بنفسها لكن "نور" يمسك بها.. وعندما يصل "أحمد أباظة" يواجهه "نور الشريف" ويطرحه أرضاً ويذهب "أحمد أباظه" في إغماءة وتسأله "سعاد" ماذا لو استيقظ يقول لها سوف أضربه مرة أخرى.. ويحمل "سعاد حسني" على يديه ويهبط بها.
الشخصيتان في الفيلم تحملان أفكار "سعيد مرزوق" فهو يرى أن الاقتحام والجرأة قادران على هزيمة الخوف.. تكثيف الحوار وتقديم الصور الثابتة التي تتلاءم مع طبيعة مصور الفوتوغرافيا.. عندما قدم "سعيد مرزوق" العلاقة العاطفية بين "سعاد حسني" و "نور الشريف" في أحد طوابق العمارة لم يخش الخوف الأخلاقي المسبق على بطليه والذي يحد من تعاطف الجمهور معهما فهو لم يرد تزييف الموقف!!
المكان الذي اختاره – عمارة تحت الإنشاء – وكأنها مصر التي كانت تتوق إلى إعادة الإنشاء حاول "سعيد مرزوق" مع مدير التصوير "عبد الحليم نصر" أن يقدما من خلاله – رغم فقره – إحساساً جمالياً كمشهد تخيل "نور الشريف" و "سعاد حسني" لمكان إقامتهما في إحدى الشقق التي لم تكتمل.. صوت ضربات العصا لأحمد أباظة – هذا الصامت – كانت هي التي تتكلم ونجح المخرج في تأكيد حالة الترقب لصعوده لتلك المواجهة الحتمية.
أجاد "سعيد مرزوق" تقديم صورة سينمائية في مشاهد عديدة مستخدماً تكنيك بطل الفيلم المصور الفوتوغرافي في مشهد البداية الذي تتابع فيه صور ثابتة للعدوان الإسرائيلي.. إن "سعيد مرزوق" يكرر ما فعله في فيلمه الأول "زوجتي والكلب" حيث يعزل شخصياته ولا يسرف في تقديم مشاهد تزيد من تعاطف الجمهور معهما فالذي يعنيه هو أن بطلي الفيلم يحملان القضية الأساسية لديه وهي هذا الخوف الكامن في الصدور.
أكد "سعيد مرزوق" في فيلمه الروائي الثاني الخوف أنه مخرج صادق مع نفسه ومع أحاسيسه وأن بداخله شيئاً خاصاً وحميماً أراد أن ينقله للناس بلا خوف!!
تكتشف لو راجعت حياته الإنسانية أن "سعيد مرزوق" لم يكن يملك بيتاً ولا سيارة خاصة رغم أن لديه زوجة وأعباء عائلية وكان يعيش في تلك السنوات في بيت والدته في حي شبرا.
إنه فنان لم يجعل من الفن جسراً للحصول على أموال والتطلع لحياة أفضل وبرغم أنه يقطن حالياً في شقة بحي المهندسين إلا أنه الوحيد بين زملاء جيله وتلاميذه وربما أيضاً تلاميذ تلاميذه الذي يسكن في شقة بالإيجار!!
الفقرة السابقة أعتبرها "فلاش باك" لحياته ونعود الآن إلى "الفلاش باك" باعتباره أحد الحيل السينمائية التي كثيراً ما لجأ إليها "سعيد مرزوق".
"الفلاش باك" – العودة إلى الماضي- هو أبسط الحلول السينمائية وأكثرها مباشرة، حيث يلجأ السينمائي لهذه الوسيلة للخروج من أي مأزق يواجه تقديم خلفيات شخصياته الدرامية للجمهور أو ليجد حلاً نهائياً يصل به إلى ذروة الفيلم.
وهو على بساطته يفقد مصداقيته لدى الجمهور لأن الناس في العادة تستشعر الحلول البسيطة التي تخدعهم في الوصول السهل للهدف.. و"الفلاش باك" هو وسيلة دائمة في أفلام "سعيد مرزوق"، ولا تخلو السيناريوهات التي يكتبها لأفلامه من مشهد فلاش باك- أو أكثر، بل أحياناً- مثل فيلم "المذنبون" نجد أن أحداث الفيلم كلها قائمة على العودة إلى الماضي.. إلا أن "سعيد مرزوق" يختلف في رؤيته حيث لا يصبح بالنسبة له مجرد حكي عن الماضي لكنه يصنع من خلاله "Mood" حالة ما في نسيج فيلمه.
فأنت – على سبيل المثال- عندما ترى هذا المشهد "لسعاد حسني" وهي تتذكر استشهاد أفراد أسرتها على إثر العدوان الثلاثي على مدينة السويس- في فيلم الخوف- أنت كمشاهد للفيلم لا تتلقى معلومة لكن "سعيد مرزوق" يقدم لك حالة نفسية بالصورة، كان حريصاً على أن يمهد لها في – تترات- الفيلم بالصور الثابتة للعدوان الإسرائيلي في 67 لينقله بعد ذلك في الفلاش باك من حالة عامة يعيشها المجتمع إلى حالة خاصة لأسرة "سعاد حسني".
وتجد أيضاً- على سبيل المثال- في فيلم "أريد حلاً" أننا نرى بعيون "فاتن حمامة" ما فعله بها "رشدي أباظة".. يختار "سعيد مرزوق" لحظة صخب عالية عندما تتواجد "فاتن حمامة" في ردهات المحكمة وهي تنتظر إعلانها بالمثول أمام القاضي- في تلك اللحظة- ولأن "فاتن" تشعر بأنها نشاز بين كل هؤلاء النساء، وتنقل لنا كاميرا "سعيد مرزوق" أن بطلتنا لها عالمها الخاص، تصبح هناك ضرورة نفسية لتقديم الفلاش باك- لتحكي عن علاقتها ب "رشدي أباظة" في باريس، في هذه اللحظة يزداد إحساسنا بالتمزق الذي تعيشه الشخصية وتصبح المعلومة التي نعرفها عن "فاتن حمامة" وخيانة "رشدي أباظة" لها في خلفية الأحداث وهو استخدام خاص جداً ب "سعيد مرزوق" للفلاش باك يشكل ملمحاً خاصاً في سينما هذا المخرج.
الانتقال من السينما الفنية إلى السينما الجماهيرية لم يجعله يتنازل عن طموحه المشروع لكنه فقط قرر أن تصل رسالته إلى الناس.. وجاء فيلم "أريد حلاً" و "المذنبون" ، "حكاية وراء كل باب" ، "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" ، "أيام الغضب" ، "المغتصبون" ، "آي آي" ، "هدى ومعالي الوزير" ، "المرأة والساطور" ، "جنون الحياة" ويسقط "سعيد مرزوق" من تاريخه فيلم "الدكتورة منال ترقص" ويقول معقباً.. بعد "المغتصبون" أخرجت فيلم "الدكتور منال ترقص" عام 1991 الذي أعتبره من أسوأ الأفلام المصرية!! لا أرى في "الدكتورة منال ترقص" أي مقومات للفيلم الناجح.. وكنت أعلم ذلك تماماً بعد أن قرأت السيناريو.
لم يحدث في حياتي أن قبلت فيلماً من أجل الأجر وذلك رغم أنه كانت تمر عليّ أيام صعبة كثيرة أنا وزوجتي لكني كنت حريصاً على ألا أعمل فيلماً أو أي عمل لست مقتنعاً به لكن الظروف هذه المرة كانت أكبر مني.. فقد كانت والدتي مريضة بالفشل الكلوي وكانت مصاريف علاجها تصل إلى 2000 جنيه أسبوعياً وإمكانياتي المادية لا تسمح وكان عليّ أن أختار بين أن أستمر في رفض الأعمال التي لا أقتنع بها وبين علاج أمي واخترت أمي.. ولو كان هناك فيلم أسوأ من "الدكتورة منال ترقص" كنت سأقبله من أجل أمي!!
يضع "سعيد مرزوق" عينه على الناس.. يتابع قضاياهم.. ولهذا فهو يحاول أن يحيل القضايا التي يعيشها المجتمع إلى فيلم سينمائي، حتى لو استند إلى عمل روائي مثل "المذنبون" لنجيب محفوظ، فإن الفيلم ينتمي إلى المخرج وعالمه، ولا يتقيد بسيناريو، وبلغت ذروة ذلك التحرر من قيد السيناريو في فيلمه "المغتصبون" الذي كانت له علاقة مباشرة بين ملفات قضية اغتصاب شهيرة هزت المجتمع، وبين مخرج قدم كل ذلك وبالتفاصيل لكن في إطار سينمائي، ولهذا انحاز الناس إلى "المغتصبون" لأنه لم يكن فيلماً تجارياً يريد أن يستثمر قضية شغلت المجتمع بقدر ما هو ينتمي إلى سينما تنير للمجتمع، حيث تأخذ منه بقدر ما تعطيه وتنتمي إليه بقدر ما ينتمي إليها.
وهكذا "سعيد مرزوق" فنان السينما المصرية وعاشقها الذي ولد في أحضانها ومنحها نفسه وتسلق الأسوار في صباه المبكر ليدخل إلى "ستوديو مصر" متلصصاً على هذا العالم السحري.. ويعود بعد ذلك إلى الأستوديو بعد أن امتلك أدواته ليصنع عالمه السحري، عالم "سعيد مرزوق"، فنان الصورة والصوت والصمت الغائب الآن عن السينما منذ عشر سنوات ولا نزال نتوق إلى إبداعه!!
وأترككم الآن مع بعض كلماته التي كتبها في مذكراته..
وسط كل حياتي الحالمة وفي خضم أعمالي.. كنت أتوقف عند مقولة أن لكل إنسان نصيباً من اسمه وأنا "سعيد .. مرزوق"!! وفكرت في نصيبي من اسمي فوجدت أن لحظات السعادة ليست كثيرة في حياتي.. ولكنها عميقة.. فلحظة السعادة تأتي خاطفة ولكنها تحدث إحساساً رائعاً بالنشوة.. أما الرزق فكلنا مرزوق.. وكل ما يصيبني من خير هو رزق.. وكثيراً ما تحدث للإنسان مواقف غريبة تكون سبباً في رزقه من حيث لا يدري ولا يتوقع!!
وكنت قد قدمت فيلمي القصيرين "أعداء الحرية" و "طبول" وبعدها عقدت العزم على أن أدرس السينما في معهد السينما وبالفعل حملت أوراقي وتوجهت إلى المعهد وبمجرد دخولي وجت تصفيقاً وتهليلاً واقترب مني بعض الأساتذة وهم في غاية السعادة وقالوا لي "كويس إنك جيت داحنا كنا بندور عليك وقلبنا الدنيا ومش لاقيينك".. "ليه يا جماعة؟ هو في ايه؟!" قالوا "أصلنا بنعرض فيلمك "أعداء الحرية دلوقتي وعايزينك تيجي تدي محاضرة تشرح للطلاب كيف صنعت هذا الفيلم".. فأخفيت عنهم ملف الأوراق الذي أحمله كنت أريد أن أصبح تلميذاً فوجدت نفسي أستاذاً!!
هل رأيتم أحداً سعيداً ومرزوقاً أكثر من "سعيد مرزوق"؟!
المخرج الكبير "سعيد مرزوق" يعيش الآن معاناة صحية حادة.. ندعو الله لمخرجنا الكبير بالشفاء العاجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.