عندما ماتت العاشقة العجوز فى أوبرا «زوربا» لم يبكها أحد سوى زوربا، بينما هجمت نساء القرية على البيت للاستحواذ على بقاياها: فلوس، سرير، كنبة، فستان، مفرش، ملابس داخلية. أتخيل ملامح أصحاب شركات التليفزيون عندما تلقوا دعوة لإنقاذ الدراما فى تليفزيون الدولة أن كلًا منهم كان يمنى نفسه بشىء يحصل عليه من الفقيد قبل تشييع جثمانه، اعتقدوا أن الصفقات آتية لا ريب فيها، ثم أصيبوا جميعًا بخيبة أمل عندما اكتشفوا أن ماسبيرو العجوز فقد كل شىء قبل الرحيل.
اجتمعت قبل أيام وزيرة الإعلام درية شرف الدين مع عدد من أصحاب شركات الإنتاج من أجل العثور على حل لتوقف الإنتاج الدرامى فى تليفزيون الدولة، وخرج الجميع محبطين من هذا الاجتماع، درية اعتقدت أن المنتجين سوف يضخون أموالًا فى شرايين الإنتاج، الذى يعانى من تصلب، فهو يملك فقط معدات وجيشًا عرمرمًا من العمالة لا يعملون، أغلب النجوم يتعاملون حاليًّا مع الدولة بنظام «النوتة»، الدفع حين ميسرة، ولا أمل فى ميسرة، لا توجد حلول ثورية حتى لو باع التليفزيون بعض ما يملكه من أصول مثل الأراضى أو الموجات الإذاعية أو عددًا من الاستوديوهات، لن يتغير شىء فى المعادلة، وسوف يتم تبديد هذه الأموال فقط فى بند الأجور، أول واجبات الوزارة أصبح توفير المرتبات وعدم المساس بالحوافز، وإلا فإن هناك مظاهرة على باب المسؤول «مش ح نمشى هو يمشى».
يجب أن تتغير فلسفة الدولة فى بناء وبنية الإعلام الرسمى، نحتاج إلى ثورة فكرية قبل أن نفكر فى إنتاج برامج أو مسلسلات، فى الحقيقة لا يمكن أن يلتقط أحد أنفاسه أمام 45 ألف موظف، ويتساوى فى العادة من يعمل أو لا يعمل، موهوب كان أم موهوم، الكل أمام الخزينة سواسية كأسنان المشط.
وفى مجال الدراما يدخل على الخط الفنانون الذين صوروا مسلسلاتهم، ولم يحصلوا على باقى أجورهم، وعلى صفحات الجرائد هناك حرب تجرى فصولها، كل من يريد أن يحصل على أجره يفرش الملاية ويفضح المسؤول وينسى أن هذا المسلسل هو جسم الجريمة الذى يدينه هو قبل إدانة المسؤول، وعدد من الموظفين تعودوا أن هناك نسبة ما يتم رصدها لهم، ولهذا تجد مثلًا شركات الإنتاج محددة عرفت الشفرة، وبدأت فى عقد الصفقات.
سألت مرة المخرج الكبير كمال الشيخ عن الفارق بين الأفلام التى أخرجها لحساب الدولة عندما كانت تنتج فى الستينيات وبين أفلامه لحساب القطاع الخاص، قال لى الفيلم الذى تصل ميزانيته إلى 200 ألف جنيه فى القطاع الخاص تزداد للضعف فى إنتاج الدولة، وضرب مثلًا بأسابيع التصوير وأشرطة الخام التى يتضاعف عددها فى إنتاج الدولة، كان أحد المنتجين عندما يريد تخفيض أجر نجمة فى شركته الخاصة يلجأ إلى هذه الحيلة إذا كان أجرها فى السوق 4 آلاف يمنحها خمسة فى فيلمه الذى يعمل فيه منتجًا منفذًا لحساب الدولة، وعلى المقابل تخفض أجرها فى الفيلم الذى تقدمه لشركته الخاصة إلى ثلاثة، أى أنه سرق من جيب الدولة ألفًا.
لكن مؤسسة السينما للقطاع العام كانت تقدم فى نهاية الأمر أفلامًا لها قيمة، بينما إنتاج ماسبيرو الآن هو الأسوأ بكل المقاييس، أول سؤال يبحث عنه المنتج الخاص قبل تعاقده هو كم سيبيع هذا المسلسل فى سوق الفضائيات؟ وهل هؤلاء النجوم الذين يحصلون على الملايين لديهم أسماء جاذبة؟
بينما نجد فى إنتاج الدولة أن من يريد أن يحافظ على نجومية زوجته التى تعيش الأفول يلجأ إلى ماسبيرو، ومن يتمنى زيادة أجره يتوجه إلى ماسبيرو، ومن يرى أن صديقه النجم تجاوزه الزمن ولم يعد أحد يسند إليه أدوارًا يحقق ذلك على حساب صاحب المحل، من يتولى المسؤولية فى هذه القطاعات يشاركون فى تلك الجرائم على الأقل بالصمت، كان المسؤول عن شركة «صوت القاهرة» فى العام الماضى يتباهى بأنه ينتج 10 مسلسلات دفعة واحدة، ولم يستكمل سوى مسلسلين، وبدلا من أن يتم إدانته بتهمة إهدار المال العام، تم منحه ستة أشهر للاحتفاظ بوظيفته بعد إحالته إلى المعاش، ربما للمشاركة فى تشييع جثمان ماسبيرو والفاتحة أمانة.