لم يعد خافيا أن الدولة مستعدة أن تصنع أي شيء لإزاحة خطر الدكتور البرادعي عن الطريق، فالرجل الذي يتمتع بشهرة عالمية وسمعة نظيفة براقة، يصبح رأس حربة قادراً علي التهديف بركلات سريعة في مرمي الحكومة عندما يوجد بالخارج. هناك تفتح الصحف ووسائل الإعلام أبوابها للفارس القادم من الشرق لتستطلع وتستكشف توجهاته وانتماءاته وقدراته علي المنافسة الحقيقية للسلطة الحاكمة في مصر أيا كان القابض علي زمام الأمور، وهنا - بالنسبة للدولة - مكمن الخطر، حيث لم يكن بوسع أي من المرشحين السابقين لانتخابات الرئاسة السابقة عام 2005 صنع ربع أو خمس ما يحدثه الدكتور البرادعي من أثر أمام المجتمع الدولي، كما أنه ليس بمقدور أي من السياسيين المحليين المعارضين داخل الأحزاب أو المجتمع المدني إحداث أثر يذكر في الخارج، ولهذا لم يتردد الحزب الوطني في أن يد فع بأمين تنظيمه المهندس أحمد عز ليواجه خطر البرادعي علي شاشة «سي. إن. إن» أمام مذيعة ومحاورة صلبة لها شعبيتها الواسعة هي كريستينا أمانبور. حديث أحمد عز في مواجهة البرادعي والدكتور سعد الدين إبراهيم يكشف عن حالة الانزعاج الشديدة التي تنتاب الحزب الحاكم وهو ما يفسر الرغبة القوية برسم صورة سلبية عن البرادعي لدي المجتمعات الغربية باعتبار البرادعي منافسا محتملا للرئاسة في مصر، منها تلميحات أحمد عز بأن البرادعي متحالف مع جماعة الإخوان المسلمين التي يرتاب فيها الغرب، وأن البرادعي يريد أن يصل إلي سدة الحكم في مصر علي طريقة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد علي أكتاف الإخوان والقوي اليسارية التي تريد العودة لنهج الستينيات علي حد قوله. لكن الدولة ذاتها تستخدم خطابا مغايرا حينما تتوجه إلي الداخل المصري، فهي لا تثير قضية تحالفه مع الإخوان وقوي اليسار، بل علي العكس تماما .. تحاول إلباس الدكتور البرادعي لباس الكاوبوي الأمريكي والمستعمر الغربي المناهض للإسلام والعروبة، فهي لم تتردد في استغلال عدد من أحزاب المعارضة المجهولة ودفعتها دفعا إلي طلب فتوي دينية حول تصريحات سابقة للبرادعي رأي فيها أن من حق البهائيين إعادة فتح محافلهم التي كانت قائمة في مصر، وهكذا جاءت الفتوي كما ترغب الحكومة وهي اعتبار البرادعي خطراً داهماً علي الإسلام وأنه يساعد علي تدمير الديانة الإسلامية وتخريب عقائدها بهذه الآراء والأفكار. الحكومة تعرف كيف تلاعب خصومها وكيف تستدرجهم إلي مواطن الزلل فتشوه صورتهم وتحرق مكانتهم. وهذا هو السبب وراء إلحاح الدولة والحزب الوطني الحاكم في مطالبة البرادعي بإعلان برنامجه السياسي أو بتقدمه لانتخابات الرئاسة عبر بوابة أحد الأحزاب القائمة لأنه في هذه الحالة يكون قد قبل بقواعد الانتخابات الرئاسية، ويصبح حينئذ مجرد «أحد المرشحين» وسط عشرة مرشحين آخرين معظمهم في حقيقة الأمر ظلال للدولة ومسخ لهما، ومن ثم يضيع صوته وسط ضجيج المرشحين. أما البرادعي فيحاول التحلي بالصبر عسي أن تعدل الدولة مواقفها وتسمح للمستقلين بالترشح للانتخابات الرئاسية دون عوائق مبالغ فيها، والأهم هو توافر ضمانات بنزاهة الانتخابات وبالرقابة الدولية والمحلية عليها، وهو مطلب تبدو الدولة حتي الآن متمسكة برفضه لأنها تعلم يقينا مدي السأم والضجر من سياسات الحكومات المتعاقبة لدي الشارع المصري. وفيما يظل البرادعي - بالنسبة للحكومة - شخصاً يتمتع بشعبية افتراضية لا تتجاوز عشرات أو مئات الآلاف علي موقع فيس بوك، فإنه لن يمثل خطراً داخليا طالما لم تناصره الأحزاب السياسية الأكبر ولم تدعمه جماعة الإخوان المسلمين بالنزول معه إلي الشارع للمطالبة بالتغيير والضغط واقعيا أمام أعين العالم وعدسات الفضائيات المحلية والعربية والدولية. الدكتور سعد الدين إبراهيم يدرك أن ذلك لن يحصل ولا توجد مؤشرات علي اقتراب حدوثه ولهذا فقد طالب في الحلقة التليفزيونية ذاتها علي شاشة «سي.إن. إن» بانتهاج سياسة «العصيان المدني» فتتوقف الحياة وتجبر الدولة علي الانصياع مثلما فعل غاندي ومارتن لوثر كينج حينما ضحيا مع الآلاف لنيل الحرية والديمقراطية والاستقلال. لكن السؤال يبقي في مدي استعداد الشعب المصري في بذل التضحيات المطلوبة.. الأسعار تقفز، والحياة تتلون بالكآبة.. وحالة الانسداد العام تقترب.. لكن لحظة العصيان لم تحن بعد.