«واشنطن بوست»: صفقة الأباتشى تقدَّر 820 مليون دولار.. والتلويح بها يتواكب مع إلغاء «النجم الساطع» الأوضاع فى مصر تزداد تأزُّما واشتعالا ومعها تتزايد الاتصالات والتشاورات من أجل وقف التدهور الأكثر للأوضاع والمواجهات بين الحكومة والإسلاميين. ونعم المظاهرات الرافضة للواقع الجديد لم تعد سلمية. ولكن هل واشنطن وهى تتعامل مع هذا الواقع الجديد (والمتجدد) وأيضا المواجهة الأمنية ستقوم بتعديل أو تغيير مواقفها وخطابها فى ما يخص الإخوان وأيضا الجيش؟ وما سياسة واستراتيجية الإدارة الأمريكية فى التعامل مع الشأن المصرى خلال الأيام المقبلة؟ وهل الأمر يستدعى زيارة جديدة لوزير الخارجية «كيرى» إلى مصر؟ وماذا عن مبادرة جديدة من الاتحاد الأوروبى وواشنطن ودول الخليج لإيجاد مَخرج آمن لمصر أو فلنقل مخرجًا أقل دموية؟!
بالأمس واصل قيادات بارزة فى الكونجرس انتقادهم للإدارة وتخاذلها (كما يصفون) فى التعامل مع الحكومة المصرية والجيش. إذ ظهر القيادى الجمهورى البارز السيناتور راند بول وأيضا السيناتور جون ماكين الشهير وآخرون فى حوارات تليفزيونية ليكرروا إلقاء اللوم على الرئيس أوباما ومطالبته بقطع المساعدات عن مصر. بالتأكيد الإدارة خلال اليومين الماضيين تتابع أحداث رمسيس و«مسجد الفتح». وأيضا لم تفُتها حرق الكنائس والمقرات الحكومية والمنشآت العامة. والأنباء عن احتمال حل الإخوان أو الإعلان أنها «جماعة إرهابية». إلا أن الإدارة ما زالت «تتردد» و«تتخبط» أو «لا تريد» إعلان مواقفها وبالتالى خطواتها فى الأيام القادمة. بل تريد أن «تبرر» و«تجمِّل» مواقفها من خلال تصريحات وأيضا تسريبات للصحف الأمريكية الكبرى لكى تقول إنها حاولت من قبل وتحاول الآن ولكن «ما باليد حيلة».
صحيفة «واشنطن بوست» تحدثت أمس عما يحاول أوباما أن يحافظ عليه من توازنات فى أهداف أمريكا ومصالحها فى مصر والمنطقة. وحسب ما ذكرته الصحيفة فى التقرير فإن إرسال مجموعة جديدة من طائرات الهليكوبتر «أباتشى» الأمريكية قد يكون الورقة التالية التى يتم التلويح بها قريبا فى وجه الجيش المصرى. والمجموعة من المقرر إرسالها الشهر القادم. وهى ضمن صفقة تقدر ب820 مليون دولار تم الاتفاق عليها فى عام 2009 وتشمل 12 طائرة هليكوبتر «أباتشى». ويأتى التلويح بهذه الورقة بعد إلغاء مناورات «النجم الساطع» وإرجاء إرسال دفعة جديدة من «إف 16».
ونقرأ أيضا فى «نيويورك تايمز» وقبلها فى «واشنطن بوست» كيف أن واشنطن فشلت فى مساعيها وخابت آمالها فى تحقيق مصالحة وطنية مصرية قبل تفجّر الموقف. وأن الحكومة والجيش لم يَقبلا بهذه المبادرة أو الصفقة الأمريكية الأوروبية (كما تقول وتبرر واشنطن). واشنطن وقبلها الاتحاد الأوروبى بدأت تتحدث عن محاولتها (ربما لكى تبرئ ذمتها وتقول إنها فعلتْ المستحيل) عن جهد دبلوماسى تفاوضىّ مكثّف مع الحكومة وأيضا مع الإخوان. وقد قامت واشنطن أخيرا بتسريب بعض التفاصيل (أو روايتها هى) عما كان يمكن أن يحدث فى إطار مبادرة أو «صفقة» من أجل نزع فتيل المواجهة.
ولا شك أن الحديث عن عملية سياسية لا إقصاء فيها اختفى من المشهد. ولم نسمع عنه منذ أيام. فهناك قضايا لها أولوية ولها أهمية أكثر. والشغل الشاغل والهم الأكبر اليوم وبالتأكيد غدا أيضا هو الأمن والأمان فى الشارع وتفادى المواجهات والمصادمات واللجوء إلى العنف وبالطبع بدء وضع الأمور على مسارها الطبيعى واستمرار الحياة للمصريين.
وفى مقال كتبه ليزلى جيلب الرئيس الفخرى لمجلس العلاقات الخارجية، نُشر فى «دايلى بيست» الإلكترونية، طالب الخبير الأمريكى القدير الرئيس أوباما بأن يحسم أمره فى ما يخص مصر ويقف داعما للجيش. لأنه كما كتب: «إذا عاد الإسلاميون من جديد للتحكم فى زمام الأمور فكل الأمل بالنسبة إلى الديمقراطية سوف يضيع. وبالتالى مهما كانت المشاعر فإن العمل مع الجيش المعتدل هو أملنا الوحيد» وذكر أيضا: «فلنكن واقعيين ونضع جانبا الموقف الأخلاقى حول الديمقراطية فى مصر. فالرئيس المنتخب مرسى وحكومة الإخوان المسلمين التى تمت إزاحتها لم يكونوا يمارسون الديمقراطية».
وأشار جيلب فى مقاله إلى ما قد يراه البعض من تعاطف مع الإسلاميين قائلا: «إن الإسلاميين يفهمون الثقافة الأمريكية بشكل أفضل من المعتدلين المصريين وهم أفضل كثيرا فى البروباجاندا (الدعاية). يعرف ون كيف أن الأمريكيين تصدمهم بشدة أعمال العنف. وبالتالى لا يدعون الفرصة تفوتهم فى أن يثيروا ويعرضوا مشاهد القتل لكاميرات التليفزيون. هم يريدون شهداء. هم يريدون الكاميرات والمذبحة، والأمريكان يتفاعلون بنيات طيبة وغضب عارم».
وأبدى الخبير الأمريكى تفهما لموقف الجيش ورفضه المساومة ذاكرا «أن الجيش رفض مبادرة دبلوماسية طُرحت لكى تضع (الإخوان) حدًّا للتظاهرات ويمتنع الجيش عن استعمال العنف. وعلى الرغم من أن هذا الرفض قاسٍ فإنه أيضا مفهوم».
وأضاف جيلب «إن استراتيجية الإخوان هى أن تدفع بالدول الأجنبية إلى أن تقوم بتقييد أيدى الجيش بينما يتم السماح للإخوان إلى حد ما بمواصلة المظاهرات فى الشوارع. كما أنه إذا انهارت هذه التهدئة المحدودة فإن استراتيجية الإخوان قد تكون تقديم شهداء أكثر فى الشوارع لكى يتم عزل الجيش من الدعم الدبلوماسى. إن واشنطن يجب أن تحث قيادات العسكرية المصرية على ضبط النفس، ولكن أيضا الواقع يقول إن الإخوان ينوون على خلق الفوضى ورغم ما قد يبدو بأن ما أقوله ليس كلاما حسنا فإن الجيش يفعل ما سيفعله الكثير من الحكومات فى العالم تحت نفس الظروف».
إن الأيام المقبلة حُبلَى بمواجهات وأزمات ومفاجآت غالبا قاسية ومؤلمة.. ومصر تواجه كل هذه التحديات وتحاول الخروج من المأزق والأزمة بأقل الخسائر. وبالتالى على السادة المقيمين خارج مصر مراعاة فروق التوقيت والظروف والأجواء والبشر وبالطبع فروق التاريخ والذاكرة!