تركّز وسائل الإعلام العربية عموما والجزائرية بشكل خاص على موضوع رئاسة الدولة الجزائرية ومن الذي سيخلف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فرغم عودته أخيرا من رحلة العلاج التي استمرت شهرا ونصف الشهر في العاصمة الفرنسية باريس بعد إصابته بجلطة دماغية، ورغم ظهوره على شاشة التلفزة الرسمية لتنفي السلطات شائعة وفاته بشكل عملي، إلا أن الشعب الجزائري حسب ما تناقلت وسائل الإعلام العربية بات من اليوم منشغلا بهوية رئيسه المقبل. وفي حديث لموقع قناة "روسيا اليوم" قال رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله إن اثنين لا يختلفان على أن الرئاسة أهم منصب في الدولة، ما يجعل التنافس حولها شديدا، إلا في العالم العربي حيث بقي هذا المنصب منذ الاستقلال محتكرا من قبل المؤسسة العسكرية والأمنية، حتى حين يتم الوصول إلى السلطة عبر انتخابات مرتبة النتائج مسبقا.
وأضاف جاب الله أن الرئيس الحالي "أتى من طرف المؤسسة ذاتها لعهدات ثلاث، وفي العهدة الثالثة أصابه مرض أضعف فعاليته في إدارة شؤون الدولة"، وزاد الأمر سوءا في الشهرين الماضيين حيث نقل للعلاج في فرنسا.
لذلك يرى جاب الله أن الجزائر تعيش فراغا في منصب الرئاسة، وهذا دفع كثيرين لطلب تفعيل المادة 88 من الدستور، والتي تتحدث عن حالة شغور منصب الرئاسة نتيجة مرض أو وفاة، حتى يصار إلى تنصيب رئيس مجلس الأمة كرئيس مؤقت لمدة 45 يوما يجري خلالها تنظيم الانتخابات الرئاسية.
غير أن أولياء الرئيس المنتفعين منه في السلطة والأحزاب، على حد تعبير رئيس جبهة العدالة والتنمية، يرفضون العمل بالمادة 88، ويصرّون على الحفاظ على الواقع الراهن، وهذا السلوك برأي جاب الله عطّل ويعطّل مصالح الأمة بشكل كبير ويبقي الكثير من المصالح معلقة، ما يقوي القلق الشعبي وقد يدفع إلى الغضب، كما ظهر آلاف المرات خلال الولاية الأخيرة للرئيس بو تفليقة بصورة إضرابات واعتصامات وغيرها... ويعتقد جاب الله أن هذه الحالة تنذر بالخطر وإن لم يكن على المدى القريب، وبصورة خاصة فيما لو انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارا للبرميل، فحينها تعجز السلطة عن الوفاء بالتزاماتها حتى في دفع أجور الموظفين.
من جانب آخر فالجزائريون الذين مروا منذ الاستقلال بمحطات صراع عديدة استطاعوا تحقيق كثير من المنجزات، يرى المحلل السياسي الجزائري يحيى أبو زكريا على رأسها التعددية السياسية والإعلامية التي "كانت وليدة خريف الغضب الجزائري عام 1988".
وقال أبو زكريا في حديث لموقع "روسيا اليوم" إن لدى الشعب الجزائري حساسية مفرطة من الاستعمار، لذلك اعتقد جازما منذ بداية الحراك العربي أن الإرادات الغربية دخلت على خط هذا الحراك لفرض مسار سياسي جديد يخدم بالدرجة الأولى مصالح الناتو والغرب في العالم العربي، ولذلك لم ينخرط في أي لعبة "يكون مصيرها المجهول والضياع كما حدث في مصر وتونس وليبيا".
ولذلك أيضا تعامل الشعب بعقلانية مع مرض الرئيس الجزائري، ورفض منذ البداية الدخول في مهاترات المحاور التي تريد سوءا بالجزائر. وأضاف أبو زكريا أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها في عام 2014، منوها بأن الشعب الجزائري اكتشف مبكرا لعبة الإخوان المسلمين فأقصاهم عن الانتخابات التشريعية الأخيرة، "هذه الانتخابات التي صدم فيها التيار الإسلامي الجزائري الذي لم يحصل إلا على 40 مقعدا في البرلمان". وتابع المحلل أنه رغم الاتفاق الأخير بين حركة "حمس" الجزائرية الإخوانية وحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي في الجزائر، فإن العارفين بالبيت الجزائري يقولون "إن الإسلاميين لن يكون لهم حظ في الرئاسات المقبلة لتشتتهم ولارتباط بعضهم بمحور قطر وبالتيار الإسلامي الذي أخفق في مرحلة الحكم في مصر وتونس وفي ليبيا جزئيا".
ورجح أبو زكريا أن يكون الرئيس المقبل في الجزائر من مجاهدي التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، ومن الحركة الوطنية الجزائرية، وأن يكون الانتقال إلى المرحلة الرئاسية المقبلة سلسا دون تشنج سياسي.