الثلاثاء 6 مايو 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    محافظ الإسماعيلية: توريد 20 ألف طن ونصف من القمح المحلى حتى الآن    مطالب بفتح تحقيق عاجل.. تحرك برلماني حول انتشار البنزين المغشوش    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة ببداية تعاملات اليوم الثلاثاء    مندوب فلسطين ينتقد في رسائل إلى مسئولي الأمم المتحدة استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    تعليق الرحلات الجوية من وإلى مطار بورتسودان حتى الخامسة من مساء اليوم    مبادرات مشتركة لتسهيل حركة السائحين والاستثمار بين الدول الثماني الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادي    الخارجية الصينية: الحرب التجارية بدأتها أمريكا وإذا أرادت التفاوض " فبابنا مفتوح"    التشكيل المتوقع لقمة إنتر وبرشلونة في دوري الأبطال    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    هدوء الرياح وصفاء السماء.. ارتفاع كبير بدرجات الحرارة على الإسكندرية    ضبط 12 طن مصنعات ودواجن منتهية الصلاحية بالقليوبية    النيابة تأمر بإيداع 3 أطفال بدار إيواء بعد إصابة طفل بطلق ناري بكفر الشيخ    النجمة ريانا تستعرض بطنها المنتفخ بعد الإعلان عن حملها الثالث في حفل ميت جالا    مهرجان أسوان يناقش حضور المرأة في السينما المصرية والعربية    وزير الثقافة يعلن إطلاق مشروع «أهلا وسهلا بالطلبة» لإتاحة دخول المسارح والمتاحف بتخفيض 50%    انطلاق اجتماعات وزراء السياحة بمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصاديD8    إعلام جنوب الوادي تشارك في مؤتمر «الابتكار الإعلامي الرقمي وريادة الأعمال»    تامر عبد الحميد: لابد من إقالة بيسيرو وطارق مصطفى يستحق قيادة الزمالك    شوبير: الأهلي استقر على المدرب الجديد من ال 5 المرشحين    "هذه أحكام كرة القدم".. الجزيري يوجه رسالة لجماهير الزمالك بعد التعادل مع البنك الأهلي    حبس وغرامة، عقوبة إيواء طالب اللجوء دون إخطار وفقا لقانون لجوء الأجانب    تعرف على موعد امتحانات الترم الثاني 2025 لكل مرحلة في محافظة الجيزة    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    120 جنيهًا أنهت حياتها.. نقاش أمام الجنايات بتهمة قتل زوجته ضربًا حتى الموت    نشرة مرور "الفجر".. تكدس بحركة المرور في شوارع القاهرة والجيزة    إعلام إسرائيلي: لم تتوفر أي معلومات استخباراتية عن الحوثيين قبل الحرب    توقيع بروتوكول بين جامعة حلوان وشركة التعاون للبترول    كامل الوزير: مصر منفتحة على التعاون مع مختلف دول العالم لتعميق التصنيع المحلي    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    الصحة: حصول 8 منشآت رعاية أولية إضافية على اعتماد «GAHAR»    وزارة الصحة: حصول 8 منشآت رعاية أولية إضافية على اعتماد «GAHAR»    علي الشامل: الزعيم فاتح بيته للكل.. ونفسي أعمل حاجة زي "لام شمسية"    ياسمين رئيس: كنت مرعوبة خلال تصوير الفستان الأبيض لهذا السبب    سعد الصغير ل رضا البحراوي: «ياريتك اتوقفت من زمان»| فيديو    "تمريض قناة السويس" تنظم ندوة حول مشتقات البلازما    19 مايو.. أولى جلسات محاكمة مذيعة بتهمة سب المخرج خالد يوسف وزوجته    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحان مادة التربية الرياضية    محافظ الدقهلية يوافق على إنشاء المعهد الفنى للتمريض ومعهد بحوث الكبد    محافظ أسوان يترأس إجتماع المجلس الإقليمي للسكان بحضور نائب وزير الصحة    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025 وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع    طرح فيلم «هيبتا المناظرة الأخيرة» الجزء الثاني في السينمات بهذا الموعد؟    باكستان ترفض اتهامات الهند لها بشأن صلتها بهجوم كشمير    انفجارات داخل كلية المدفعية في مدينة حلب شمال سوريا (فيديو)    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المواقع الانشائية بمدينة بدر    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجد خلف تكتب: حوار مع الدكتور طه حسين
نشر في الدستور الأصلي يوم 20 - 02 - 2013

- ولد طه حسين عام 1889 فى عزبة الكيلو بمركز مغاغة بمحافظة المنيا .

- عمل والده كموظف بسيط فى شركة السكر ، وكان يعول أسرة كبيرة من ثلاثة عشر ولدا ، سابعهم طه الذى فقد بصره إثر إصابته بالرمد وهو ابن ثلاث سنين .

- حفظ القرآن الكريم فى صغره ، والتحق بالأزهر للدراسة ثم بالجامعة الأهلية .

- حصل على درجة الدكتوراه الأولى من الجامعة المصرية فى الآداب عام 1914 ، ثم سافى إلى باريس ليحصل على الدكتوراه الثانية فى علم الاجتماع من جامعة مونبلييه عام 1919 .

- عمل أستاذا ثم عميدا لكلية الآداب فى الجامعة المصرية التى أصبحت بعد ذلك جامعة فؤاد الأول .

- من مؤلفاته: فى الشعر الجاهلى ، مستقبل الثقافة فى مصر ، الأيام ، دعاء الكروان ، أديب ، حديث الأربعاء ، مع أبى العلاء فى سجنه .

ذهبت في زيارة إلى منزله - الذي صار متحفا - في منطقة الهرم، وعلى سور المنزل علقت لافتة تحمل الاسم الذي اختاره لمنزله (رامتان)، وهما كثيبان رمليان في القصيم في الجزيرة العربية، تغنى بجمال طبيعتهما الخلابة العديد من شعراء العرب.. وهناك برقت في ذهني فكرة الحوار معه.

حوار مع طه حسين :

- ما هي قضية الشعر الجاهلي ؟

- لقد شككت في قيمة الشعر الجاهلي ، أو ألح علي الشك فأخذت أبحث وأقرأ وأتدبر ، حتى انتهى بي هذا كله إلى شئ إلا يكن يقينا ؛ فهو قريب من اليقين ، ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شئ ، وإنما هي منتحَلة مختلقة بعد ظهور الإسلام ، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين ، وأكاد لا أشك في أن ما بقي من الشعر الجاهلي الصحيح قليلٌ جدا ، لا يمثل شيئا ولايدل على شئ ، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي ، وما يقرأه القراء على أنه شعر إمرئ القيس أو عنترة أو ابن كلثوم ليس من هؤلاء الناس في شئ ، وإنما هو انتحال الرواة أو اختلاق الأعراب أو صنعة النحاة أو تكلف القصاص أو اختراع المفسرين والمحدثين والمتكلمين .

- وكيف انتهى بك البحث إلى هذه النظرية الخطرة ؟

- يجب أن نتحدث في طائفة مختلفة من المسائل ، عن الحياة السياسية الداخلية للأمة العربية بعد ظهور الإسلام ، وما بين هذه الحياة وبين الشعر من صلة ، وعن نشأة العلوم الدينية واللغوية وما بينها وبين الأدب من صلة ، وعن اليهود في بلاد العرب قبل الإسلام وبعده ، وبين اليهود هؤلاء وبين الأدب العربي من صلة ، ثم نتحدث عن المسيحية وماكان لها من الانتشار في بلاد العرب قبل الإسلام ومابين هذا كله وبين الأدب العربي والشعر العربي من صلة ، ثم المؤثرات السياسية الخارجية التي عملت في حياة العرب قبل الإسلام ، وكان لها أثر قوي جدا في الشعر العربي الجاهلي وفي الشعر العربي الذي انتحل وأضيف إلى الجاهليين ، ثم يأتي نحو آخر من البحث أظنه أقوى دلالة وأنهض حجة من المباحث الماضية كلها ، ذلك هو البحث الفني واللغوي ، وسينتهي بنا هذا البحث إلى أن هذا الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس أو إلى الأعشى أو إلى غيرهما من شعراء الجاهلية لا يمكن من الوجهة اللغوية والفنية أن يكون لهؤلاء الشعراء ، ولا أن يكون قد قيل أو أذيع قبل أن يظهر القرآن .

- ما المنهج الذي اتبعتموه في هذا البحث؟

- سلكت في هذا البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم والفلسفة فيما يتناولون من العلم والفلسفة ، فأنا أريد أن اصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه (ديكارت) للبحث عن حقائق الأشياء ، والناس جميعا يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرد الباحث من كل شئ كان يعلمه من قبل ، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قد قيل فيه خلواً تاما ، وهذا المنهج الذي سخط عليه أنصار القديم في الدين والفلسفة يوم ظهر ؛ قد كان من أخصب المناهج وأقومها وأحسنها أثرا ، فلو أن القدماء استطاعوا أن يفرقوا بين قلوبهم وعقولهم ، وأن يتناولوا العلم على نحو ما يتناوله المحدثون ، لا يتأثرون من ذلك بقومية ولا عصبية ولا دين ولا ما يتصل بهذا كله من الأهواء ، لتركوا لنا أدبا غير الأدب الذي نجده بين أيدينا ، ولأراحونا من هذا العناء الذي نتكلفه الآن ، ولكن هذه طبيعة الإنسان ، لا سبيل إلى التخلص منها ، فلو أن الفلاسفة ذهبوا في الفلسفة مذهب ديكارت منذ العصور الأولى ؛ لما احتاج ديكارت إلى أن يستحدث منهجه الجديد ، وبعبارة أدنى إلى الإيجاز ؛ لو أن الإنسان خلق كاملا لما احتاج إلى أن يطمع في الكمال .

- قلتم في كتابكم في الشعر الجاهلي: ( الحق ألا سبيل إلى فهم التاريخ الإسلامي مهما تختلف فروعه إلا إذا وضحت مسألة الدين والسياسة ) ، كيف ذلك ؟

- أرادت الظروف ألا يستطيع العرب منذ ظهر الإسلام أن يخلصوا من هذين المؤثرين في لحظة من لحظات حياتهم في القرنين الأول والثاني ، هم مسلمون لم يظهروا على العالم إلا بالإسلام ، فهم محتاجون إلى أن يعتزوا بهذا الإسلام ، وهم في الوقت نفسه أهل عصبية وأصحاب مطامع ومنافع ، فهم مضطرون إلى أن يراعوا هذه العصبية ، ويلائموا بينها وبين منافعهم ومطامعهم ودينهم ، فكل حركة من حركاتهم وكل مظهر من مظاهر حياتهم متأثر بالدين متأثر بالسياسة ، وكانت حياتهم تأثرا متصلا بالدين والسياسة ، واجتهادا متصلا في التوفيق بينهما ، ففي أول عهد الإسلام بالظهور حين كان النبي وأصحابه في مكة مستضعفين ؛ كان الجهاد جدليا خالصا ، ونستطيع أن نسجل مطمئنين أن هجرة النبي إلى المدينة قد وضعت مسألة الخلاف بين النبي وقريش وضعا جديدا ، جعلت الخلاف سياسيا ، يعتمد في حله على القوة والسيف ، بعد أن كان دينيا يعتمد على النضال بالحجة ليس غير ، ولقد مضت قريش في جهادها بالسنان واللسان والأنفس والأموال ، وأعانها من أعانها من العرب واليهود ، ولكنها لم توفق ، وأمست ذات يوم فإذا خيل النبي قد أظلت مكة ، فنظر زعيمها أبو سفيان فإذا هو بين اثنتين: إما أن يمضي في المقاومة فتفنى مكة ، وإما أن يصانع ويصالح ويدخل فيما يدخل فيه الناس وينتظر ، لعل هذا السلطان السياسي الذي انتقل من مكة إلى المدينة ومن قريش إلى الأنصار أن يعود إلى قريش وإلى مكة مرة أخرى ، أسلم أبو سفيان وأسلمت معه قريش ، وتمت للنبي هذه الوحدة العربية ، وأصبح الناس جميعا في ظاهر الأمر إخوانا مؤتلفين في الدين ، ولعل النبي لو عمّر بعد فتح مكة زمنا طويلا ؛ لاستطاع أن يمحو تلك الضغائن ولكنه توفي بعد الفتح بقليل ، ولم يضع قاعدة للخلافة ولادستورا لهذه الأمة التي جمعها بعد فرقة ، فأي غرابة أن تعود هذه الضغائن إلى الظهور وفي أن تستيقظ الفتنة بعد نومها ؟ فقد اختلف المهاجرون من قريش والأنصار من الأوس والخزرج في الخلافة أين تكون ولمن تكون ، ولولا أن القوة المادية كانت إذ ذاك إلى قريش ؛ فما هي إلا أن أذعن الأنصار وقبلوا أن تخرج منهم الإمارة إلى قريش ، وظهر أن الأمر قد استقر بين الفريقين ، وانصرفت قوة قريش والأنصار إلى ما كان من انتفاض العرب على المسلمين أيام أبي بكر ، وإلى ما كان من الفتوح أيام عمر ، ولكن المقيمين من أولئك وهؤلاء في مكة والمدينة لم يكونوا يستطيعون أن ينسوا تلك الخصومة العنيفة التي كانت بينهم أيام النبي ، ولا تلك الدماء التي سُفكت في الغزوات ، وليس من شك في أن حزم عمر قد حال بين قريش والأنصار وبين الفتنة ، ولما قتل عمر وانتهت الخلافة بعد المشورة إلى عثمان ، تقدمت الفكرة السياسية التي كانت تشغل أبا سفيان خطوة أخرى ، فلم تصبح الخلافة في قريش فحسب ، بل أصبحت في بني أمية خاصة ، واشتدت عصبية قريش ، واشتدت عصبية الأمويين ، واشتدت العصبيات الأخرى بين العرب ، وهدأت حركة الفتح وأخذ العرب يفرغ بعضهم لبعض ، وكان من نتائج ذلك قتل عثمان وافتراق المسلمين ، وانتهاء الأمر كله إلى بني أمية بعد تلك الفتن والحروب .

- ماذا تقول في امرئ القيس وما نسب إليه من الشعر الجاهلي ؟

- بداية .. مَن امرؤالقيس ؟ لا يختلف الرواة في أنه رجل من كِندة ، ولا يختلفون في أنها قبيلة من قحطان من ناحية اليمن ، أما اسمه فلم يتفق عليه الرواة ، فقد كان اسمه حندجا وقد كان اسمه قيسا وكان يعرف بأبي وهب وكان يعرف بأبي الحارث ، وكان يعرف بالملك الضليل وكان يعرف بذي القروح ، وكان اسم أبيه عمرا وكان اسم أبيه حجرا أيضا ، وكان اسم أمه فاطمة وكان اسم أمه تملِك ، وعليك أنت أن تستخلص من هذا الخليط المضطرب ما تستطيع أن تسميه حقا أو شيئا يشبه الحق ، وأي شئ أيسر من أن تأخذ ما اتفقت عليه كثرة الرواة على أنه حق لا شك فيه ؟ وكثرة الرواة قد اتفقت على أن اسمه حندج بن حجر ولقبه امرىء القيس ، وأنا قد أطمئن إلى آراء الكثرة ، أو قد أراني مكرَها على الإطمئنان لآراء الكثرة في المجالس النيابية ومايشبهها ، ولكن الكثرة في العلم لا تغني شيئا ، فقد كانت كثرة العلماء تنكر كروية الأرض وحركتها ، وظهر بعد ذلك أن الكثرة كانت مخطئة ، فالكثرة في العلم لا تغني شيئا .

- وشعر امرئ القيس ما شأنه ؟ وماتأويله ؟

- شأنه يسير وتأويله أيسر ، فأقل نظر في هذا الشعر يلزمك أن تقسميه إلى قسمين: القسم الأول انتُحل لتمثيل التنافس القوي الذي كان قائما بين قبائل العرب وأحيائهم في الكوفة والبصرة ، وأقل درس لهذا الشعر يقنع قارئه إن كان من الذين يألفون البحث الحديث ، بأن هذا الشعر الذي يضاف إلى إمرئ القيس ويتصل بقصته إنما هو شعر إسلامي لا جاهلي . وأما القسم الثاني فشعر لا يتصل بقصة امرئ القيس ، وإنا يتناول فنونا من القول مستقلة من الأهواء السياسية والحزبية ، على أننا نحب أن نسأل عن شئ آخر ، فامرؤ القيس هو ابن فاطمة بنت ربيعة ، أخت مهلل وكليب ابني ربيعة - فيما يقولون - وقصة طويلة عريضة قد نسجت حول مهلهل وكليب هذين ، هي قصة حرب البسوس التي اتصلت أربعين سنة - فيما يقول القصاص - وأفسدت ما بين القبيلتين الأختين بكر وتغلب ، فمن العجيب ألا يشير امرؤ القيس بحرف واحد في شعره إلى مقتل خاله كليب ، ولا إلى بلاء خاله مهلهل ، ولا إلى المحن التي أصابت أخواله من بني تغلب . إذن فأينما وجهت فلن تجد إلا شكا ؛ شكا في القصة ، وشكا في اللغة ، وشكا في النسب ، وشكا في الشعر ، وهم يريدون بعد هذا أن نؤمن ونطمئن إلى كل ما يتحدث به القدماء عن امرئ القيس ! نعم نستطيع أن نؤمن وأن نطمئن لو أن الله قد رزقنا هذا الكسل العقلي الذي يحبب إلى الناس أن يأخذوا بالقديم تجنبا للبحث عن الجديد ، ولكن الله لم يرزقنا هذا النوع من الكسل ، فنحن نؤثر عليه تعب الشك ومشقة البحث .

- لخص لنا كتاب في الشعر الجاهلي ؟

- قد يظن من يقرأون هذا الكتاب وفي نفوسهم شئ من الأثر المؤلم لهذا الشك الأدبي الذي نردده في كل مكان من الكتاب ، وقد يشعرون مخطئين أو مصيبين بأننا نتعمد الهدم تعمدا ونقصد إليه في غير رفق ولا لين ، وقد يتخوفون عواقب هذا الهدم على الأدب العربي عامة وعلى القرآن الذي يتصل به هذا الأدب خاصة ، ولهؤلاء نقول إن هذا الشك لا ضرر منه ولا بأس ، لأنه قد آن للأدب العربي وعلومه أن تقوم على أساس متين ، ولسنا نخشى على القرآن من هذا الشك والهدم بأسا فنحن نخالف أشد الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة للشعر الجاهلي كي تصح عربيته وتثبت ألفاظه ، ونحن مطمئنون إلى مذهبنا مقتنعون بأن الشعر الجاهلى أو كثرته لا تمثل شيئا ولا تدل على شئ إلا العبث والكذب والانتحال ، وأن الوجه إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص إنما هو الاستدلال بنصوص القرآن على عربية هذا الشعر ، لا بهذا الشعر على عربية القرآن .

- ربطتم بين مفهوم الديمقراطية والحرية ومفهوم التعليم ربطا وثيقا لا انفكاك بينهما حدثنا عن ذلك؟

- الديمقراطية لا تتفق مع الجهل إلا أن تقوم على الكذب والخداع ، والحياة النيابية لا تتفق مع الجهل إلا أن تكون عبثا وتضليلا ، إن الذين يريدون أن تصير أمور الشعب إلى الشعب يريدون بطبيعة الحال أن يثقَف الشعب حتى يرشد ، وحتى يأخذ أموره بحزم وقوة ويصرفها عن فهم وبصيرة ، وحتى يصبح بمأمن من تضليل المضللين وتغفل المتغفلين إياه ، لا يستجيب لكل ناعق ولا ينخدع لكل مخادع ، ولا يتخذ أداة للطامعين وإرضاء شهوات الساسة الذين كثيرا مايتخذون الشعب الجاهل الغافل مطية إلى كثير من الجرائم والآثام .
- من أساسيات الحكم في بلادنا أن الشعب مصدر السلطات .. ما رأيكم ؟


- إنه لمن المضحك حقا أن يقال هذا عن شعبنا ، وأن يظن أن هذا الكلام يدل على شئ في بلد كثرته جاهلة غافلة ، وقلته ذكية مثقفة ، فمن الذي يصدق أن الرجل المثقف المهذب الذي أخذ من العلم ما استطاع ، وبلغ من الرقي العقلي ما أراد ، ثم ينهض بالأعمال العامة في الحكومة أو في البرلمان .. من الذي يصدق أن هذا الرجل يؤمن فيما بينه وبين نفسه بأنه يستمد سلطانه الذي يصرف به الأمور العامة من هذا الشعب الغافل الذليل ، وبأنه مسئول حقا أمام هذا الشعب يؤدي إليه حسابا دقيقا عما عمل في أثناء الحكم أو في أثناء النيابة البرلمانية .

- احتلت مسألة القدماء والمحدثين في الأدب حيزا لا بأس به من كتاباتكم ، ما سر هذا الاهتمام بمسألة القدم والحداثة ؟

- لم تظهر هذه المسألة في عصر من العصور أو عند أمة من الأمم إلا أحدثت خلافا عظيما وجدالا عنيفا ، وقسمت الأدباء على اختلاف فنونهم الأدبية أقساما ثلاثة: قسم يؤيد القدماء تأييدا لا احتياط فيه ، وقسم يظاهر المحدثين مظاهرة لا تعرف اللين ، وقسم يتوسط بين أولئك وهؤلاء ، ويحاول أن يحفظ الصلة بين قديم الأدب وحديثه ، وأن يستفيد من خلاصة ما ترك القدماء ويضيف إليها ما ابتكرت عقول المحدثين من ثمرات أنتجها الرقي ، وأثمرها تغير الأحوال والظروف ، وكذلك كانت الحال قديما ، وكذلك كانت الحال في هذا العصر الذي نعيش فيه ، وفي الحق أن الاختلاف بين القديم والمحدث ليس مقصورا على الأدب وحده ، وإنما هو يتناول في كل شئ ، يتناول الفن والعلم يتناول الفلسفة ، ويتناول الحياة نفسها في فروعها المختلفة المادية والسياسية والاجتماعية ، لأن الحياة الإنسانية تقوم على أصلين لا ثالث لهما ، هما: البقاء من ناحية ، والاستحالة والتطور من ناحية أخرى ، ونحن بحكم البقاء وحاجتنا إليه مضطرون إلى أن نصل بين أمس واليوم والغد ، مضطرون إلى أن نصل بين القديم والجديد لنشعر بأن حياتنا الآن هي ؛ إن لم تكن نفس حياتنا قبل الآن ؛ فهي أثر قوي من آثارها ونتيجة لازمة من نتائجها ، ونحن بحكم الاستحالة والتطور مكرهون على أن نشعر بأن يومنا يغاير أمسنا ، وإذن فنحن بين الشعور بالبقاء والحاجة إليه وبين الشعور بالتطور والحاجة إليه مترددون في ميولنا وأهوائنا وآرائنا ، فمنا من يؤثر هذا الشعور بالبقاء فيغلبه على كل شئ في نفسه ، حتى تصبح غايته الحقيقية ألا يكون إلا ابن أمسه ، ومنا من يؤثر هذا الشعور للتطور والاستحالة فيرغب في الجديد ويندفع في هذه الرغبة فلا يفكر إلا في شئ واحد ؛ هو أن يعدو وأن يعدو ما استطاع إلى الأمام دون أن يقف فيفكر في حاضره أو أن يلتفت فينظر إلى ماضيه ، إذن فالخلاف بين القديم والحديث أصل من أصول الحياة يشتد الجهاد بين أولئك وهؤلاء ، حتى يتم انتصار الجديد فيصبح هذا الجديد قديما ، ويظهر جديد آخر يحاربه .

- وكيف يبدو تطبيق هذه النظرية على مجريات حياتنا ؟

- نجد هذه النظرية في كل ضرب من ضروب الحياة العامة ، عقلية كانت أو شعورية ، سياسية كانت أو اجتماعية ، فالخلاف يشتد ويعظم بين هذين الطرفين المتناقضين بين أنصار القديم المسرفين في نصره ، وأشياع الجديد الغلاة في التشيع له ، ويشتد هذا الخلاف ويعظم حتى يشعر به أوساط الناس وجماعاتهم المختلفة التي تخضع للحياة ، تحياها هادئة وادعة غير شاعرة بتطور ولا بقاء ، فتوسط بينهما ويظهر منها هذا القسم الثالث الذي هو خلاصة الأمة ، والذي هو المحق الوحيد لاعتدال الطبع وصفاء المزاج ، والذي هو المحقق الوحيد للصلة الصحيحة المنتجة بين القديم وبين الحديث ، وهذه النظرية منتجة نتائج تختلف قوة وضعفا باختلاف موضوعاتها ، فأما نتائجها في الحياة الأدبية فهينة سهلة محتملة ، لا تتجاوز الخصومات اللفظية ، وكذلك الحال في الحياة العقلية الفلسفية ، فأما في العلم فانتصار الجديد يسير محقق لا خوف عليه ولا شك فيه ، لأن العلم قد أصبح أقل الأشياء الإنسانية استعدادا للخلاف والمناقضات .

- فماذا عنها إذا ظهرت في الحياة الاجتماعية والسياسية ؟

- هذه النظرية إذا ظهرت في الحياة الاجتماعية والسياسية أنتجت في أكثر الأحيان أقبح الآثار وأسوأها ، لأن الحياة الاجتماعية والسياسية هما أشد ضروب الحياة مسيسا بالمنافع على اختلافها والمصالح على تباينها ، والإنسان بطبيعته عبد لمنفعته يبذل فيها حياته طيب النفس قرير العين ، ومن هنا لم نعلم أن خلافا أدبيا أو أن خلافا في نظرية من نظريات الفلسفة أو أصل من أصول العلم أحدث ثورة سفكت فيها الدماء وأزهقت فيها النفوس واختل لها نظام الأمن ، في حين كان الاختلاف في تقسيم الثروة أو في نظام الحكم ، وسيظل دائما مصدر هذه الثورات ، ومالنا نذهب بعيدا ونحن لا نعلم أن شاعرا قتل شاعرا آخر لأنه يخالفه في الوجهة الشعرية ، أو أن فيلسوفا قتل فيلسوفا آخر لأنه يخالفه في أصل من أصول الفلسفة ، لا نعلم شيئا من هذا ، ولكننا نعلم أن الفرد قد يقتل الفرد وأن الجماعة قد تعلن الحرب على الجماعة لخلاف مصدره السياسة أو مصدره المال .

- أيام كنت عميدا لكلية الآداب كيف كانت علاقتك بأولي الأمر ؟

- حين كنت عميدا لكلية الآداب طلب مني وزير المعارف العمومية حينذاك حلمي عيسى باشا أن أزوره في مكتبه ، فذهبت إليه وفي أثناء الزيارة قال لي: يا طه .. باعتبارك عميدا لكلية الآداب نريد منك أن تقدم اقتراحا للجامعة بمنح الدكتوراه الفخرية لعدد من كبار الأعيان ، علي ماهر وعبد الحميد بدوي وعبد العزيز فهمي .. ولكني على الفور قلت لوزير المعارف: يا باشا .. عميد كلية الآداب ليس عُمدة ؛ تصدر إليه الأوامر من الوزير ، أنا لا أوافق على إعطاء الدكتوراه الفخرية لأحد لمجرد أنه من الأعيان ، لا أوافق ، ولا أستطيع حتى أن أعرض الأمر على مجلس كلية الآداب لأن المجلس لن يوافق ، بعد هذه الحادثة بقليل جاء الملك فؤاد لكي يزور الجامعة وكلياتها ، وقبل وصوله سألني زملائي باعتباري عميدا للكلية: هل نلقي محاضرات خاصة بمناسبة زيارة الملك ؟ قلت: لا ، وحينما وصل الملك ودخل أول قاعة للمحاضرات ، فوجئ بالطلبة يستمعون إلى محاضرة عن النظام الدستوري ، وهنا غضب الملك ، وغضب مرة ثانية حينما دخل عدلي باشا رئيس مجلس الشيوخ حينذاك ، فصفق له الطلبة أشدّ مما صفقوا للملك ، وهنا قال الملك: كيف يصفق الطلبة لعدلي ولا يصفقون لي ؟ هذا عمل من تدبير الملعون طه .

- ماهو سبيل النهضة الثقافية في مصر كما ترونه ؟

- إن سبيل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء ، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداد ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة ، خيرها وشرها وحلوها ومرها وما يحب منها وما يكره ، وما يُحمَد منها وما يعاب ، ومن زعم لنا غير ذلك ؛ فهو خادع أو مخدوع ، فالعقل المصري منذ عصوره الأولى عقلٌ إن تأثر بشئ ؛ فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط ، فهو ليس عقلا شرقيا ، وقد نشأ هذا العقل المصري متأثرا بالظروف الطبيعية والإنسانية التي أحاطت بمصر وعملت على تكوينها فإذا كان أن نلتمس للعقل المصري أسرة تقره فيها فهي أسرة الشعوب التي عاشت حول بحر الروم .

- وماذا عن توجه العقل المصري بعد الفتح الإسلامي فى العام العشرين للهجرة ؟

- إن التاريخ يحدثنا بأن رضاء مصر عن السلطان العربي بعد الفتح لم يبرأ من السخط ، ولم يخلص من المقاومة والثورة ، وبأنها لم تهنأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظل أحمد بن طولون ، أما نحن فقد التزمنا أمام أوروبا بأن نذهب مذهبها في الحكم ونسير سيرتها في الإدارة ، ونسلك طريقها في التشريع ، التزمنا هذا كله أمام أوروبا ، فلو هممنا الآن أن نعود أدراجنا وأن نحيي النظم العتيقة ؛ لما وجدنا إلى ذلك سبيلا ، ولوجدنا أمامنا عقبات .

- ولكن إنقياد العقل المصري للمذهب الأوروبي يسلخ مصر من واقعها القومي العربي ، ويغض النظر عن وحدة الدين ووحدة اللغة ؟

- إن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للقومية السياسية ، ولا قواما لتكوين الدول ، والمسلمون أقاموا سياستهم على المنافع العملية وعدلوا عن إقامتها على الوحدة اللغوية والدينية والجنسية أيضا ، وقد فطنوا منذ عهد بعيد إلى أصل من أصول الحياة الحديثة وهو أن السياسة شئ والدين شئ آخر .

- هل يجب على المصريين مع توجههم كما ترون الوجهة الأوروبية أن ينهجوا نفس النهج في لغة التعليم ؟

- إن مصر لن تظفر بالتعليم الجامعي الصحيح ، ولن تفلح في تدبير مرافقها الثقافية الهامة ، إلا إذا عنيت بهاتين اللغتين ؛ اليونانية واللاتينية ؛ لا في الجامعة وحدها بل في التعليم العام قبل كل شئ ، وأنا أقول لمن يطالبون بإلغاء المدارس الأجنبية أنني نافر من ذلك أشد النفور، لا لأن التزاماتنا الدولية تحول بيننا وبين ذلك ؛ بل لأن حاجتنا الوطنية تدعو إلى الاحتفاظ بهذه المدارس والمعاهد .

- هل يوجد فرق جوهري بين العقل المصري والعقل الأوروبي ؟

- كل شئ يدل على أنه ليس هناك عقل أوروبي يمتاز عن هذا العقل الشرقي الذي يعيش في مصر وما جاورها من بلاد الشرق القريب ، ومهما نبحث ومهما نستقصي فلن نجد ما يحملنا على أن نقبل أن بين العقل المصري والعقل الأوروبي فرق جوهري ، فليس بين الشعوب التي نشأت حول بحر الروم وتأثرت به فرق عقلي أو ثقافي ما ، وأنا لا أخاف على المصريين أن يفنوا في الأوروبيين ، فليس بيننا وبينهم فرق في الجوهر ولا في الطبع ولا في المزاج .

- كيف ترون مستقبل الأزهر ؟

- كل شئ يدل بل كل شئ يصيح ؛ بأن الأزهر مسرف في الإسراع نحو الحديث ، يريد أن يتخفف من القديم ما وجد إلى ذلك سبيلا ، ويدفعه إسراعه إلى شئ يشبه الإسراف ، إن لم يكن هو الإسراف ، ولكن الأزهر بحكم تاريخه وتقاليده وواجباته الدينية بيئة محافظة تمثل العهد القديم والتفكير القديم أكثر مما تمثل الحديث والتفكير الحديث ، وهذا التفكير الأزهري القديم قد يجعل من العسير على الجيل الأزهري الحاضر إساغة الوطنية والقومية بمعناها الأوروبي الحديث ، ويقتضي أن يعدل الأزهر عدولا تاما عما دأب عليه من الانحياز إلى نفسه والعكوف عليها والانقطاع عن الحياة العامة ، وقد يقال إن الأزهر قد أخذ يترك هذه السيرة ويتصل بالحياة العامة ويأخذ بحظوظ حسنة من الثقافات الحديثة على اختلافها ، وهذا صحيح في ظاهره لكنه في حقيقة الأمر غير صحيح ، فالأزهر ما زال منحازا إلى نفسه مستمسكا بهذا الانحياز حريصا عليه .

وحينما انتهيت من تدوين الحوار مع أستاذ الأجيال عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ، تخيلته وهو يشد على يدى ويقول كلمته المأثورة: خلينا نشوفِك !

المراجع: فى الشعر الجاهلى، حديث الأربعاء، مستقبل الثقافة فى مصر، على هامش السيرة، الأيام، مرآة الإسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.