العمل : ندوة بعنوان "المخاطر الكيميائية وأسبابها" بقطاع الملابس الجاهزة بالإسماعيلية    الدفاع الروسية: إسقاط 6 مروحيات و36 مسيرة للقوات الأوكرانية وتحرير 4 بلدات بخاركوف    قصور الثقافة تقدم 20 عرضا مجانيا في موسم المسرحي بالزقازيق وكفر الشيخ    رئيسة الأوبرا تصدر قرارا بتكليف خالد داغر مديرا لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ال32    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    «صحة المنيا»: الكشف على 1492 مريضا في قافلة طبية بمركز بني مزار    مدبولي: نرغب في المضي بأسرع ما يمكن لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد    بطاقة 600 طن يوميًا.. إنشاء مصنع لتدوير المخلفات الصلبة فى الدقهلية    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    مسؤولو الإسكان يتفقدون مشروعات أكتوبر    هاني سعيد عميدا لكلية التربية الرياضية بجامعة طنطا    الدفاع المدني في غزة: خسرنا أكثر من 80% من قدراتنا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    مظاهرات الجامعات توقظ ضمير العالم    الأردن يدعو إلى استكمال أطر التكامل الاقتصادي العربي    انفجار أكبر توهج لعاصفة شمسية ضخمة يحدث الآن    الإطاحة بتامر مصطفى.. قرار عاجل بتولي طلعت يوسف تدريب فيوتشر    أخبار الأهلي: غضب في الأهلي من اتحاد الكرة بسبب 3 ملفات    نائب بالشيوخ يستعرض تفاصيل طلب مناقشة بشأن التوسع في مراكز التنمية الشبابية    إخماد حريق شب فى سيارة بجوار بنزينة فى أسوان    القبض على 4 أشخاص بالقاهرة لاتهامهم بتزوير المحررات والكارنيهات    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    الآثار تنظم سلاسل فعاليات ومعارض مؤقتة بالمتاحف احتفالا بهذه المناسبة    رئيس اليونان تزور المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية (صور)    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    في العالمي للتمريض، الصحة: زيادة بدل مخاطر المهن الطبية    جامعة الأقصر تخطط لإنشاء مستشفى وكليتي هندسة وطب أسنان    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    هيئة الرعاية الصحية: تعزيز الشراكات مع القطاع الأهلى والخاص يضمن جودة الخدمة    بعد ظهورها بملابس عروس.. لقاء سويدان تتصدر مؤشر جوجل    البريميرليج يقترب من النهاية.. من يحسم اللقب؟    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    قبل انطلاق الامتحانات.. رابط الحصول علي أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024    قضية "ضحية كلب البيتبول".. ابرز تطورات محاكمة زوج الإعلامية أميرة شنب    عبر «فيس بوك».. «الداخلية»: ضبط 3 أشخاص لقيامهم بترويج العقاقير والأدوية المخدرة    حريق يلتهم سيارة داخل محطة وقود في أسوان    مصلحة الضرائب: مليار جنيه حصيلة الضرائب من المنصات الإلكترونية في 9 أشهر    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    انطلاق فعاليات معرضي «بروباك مينا» و«في أفريكا» بمشاركة 350 عارض .. 26 مايو الجاري    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    مدبولي: نراقب الدين العام ووضعنا قيودا على النفقات الحكومية    الداخلية تُعلن قبول دفعة جديدة بمعاهد معاوني الأمن 2024 (تفاصيل)    حازم إمام: لا تذبحوا شيكابالا.. وغيابه عن نهضة بركان مؤثر علي الزمالك    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    رئيس بلدية رفح الفلسطينية يوجه رسالة للعالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة الرابعة.. محمود صلاح يكتب: كيف أعد الهضيبي قوائم اغتيالات قيادة ثورة 23 يوليو؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 19 - 02 - 2013

هيكل: سألت الهضيبى: لماذا اختلفت مع الثورة؟ ولماذا خرجت تحاربها؟ قال: هل أنا حاربتها؟

هيكل: قلت للهضيبى: هذا سيقودنا مرة أخرى إلى الرصاصات الثمانى
قال: ما لها؟
قلت: الذى أطلقها أحد أفراد التنظيم الخاص المسلح.
رد الهضيبى والمحاولة التى كان يبذلها للتمسك بالثبات تتخلى عنه كما تخلت الابتسام: إذن يكون التنظيم الخاص قد انحرف مرة أخرى.. لكن ذلك كان بغير علمى!
ومرت فترة صمت أخرى..
وأطرق فيها برأسه مرة أخرى!
فقلت للهضيبى: لماذا اختلفت مع الثورة.. ولماذا خرجت تحاربها؟
قال: هل أنا حاربتها؟
قلت له: إذا تركت جانبا الرصاصات الثمانى ومخازن السلاح التى ليس لها عدد.. لبقى شىء آخر.
سألنى: ما هو؟
قلت له: المنشورات السرية التى وزعتها؟
قال الهضيبى: أنا.. هل أنا وزعت منشورات سرية؟ ما ذنبى إذا كان الشيوعيون والوفديون لا يملكون الشجاعة. لكى يوقعوا بأسمائهم الصريحة على المنشورات التى يوزعونها فينتحلون اسمى، أنا لم أكتب أى منشورات. لكن الوفديين والشيوعيين طبعوا المنشورات. ووضعوا اسمى فى ذيلها وأنا لا أعلم من أمرها شيئا.
ومن جديد مرت فتر صمت..
وكنت أفكر فى السؤال التالى الذى أوجهه للهضيبى لكنه رفع رأسه فجأة..
وقال: هل أوجه أنا إليك سؤالا؟
قلت: تفضل.
قال: لماذا قتلوا أولادى جميعا؟
قلت: أولادك؟!
قال: نعم.. قتلوهم كلهم.. أبادهم الجيش!
قلت: غير معقول.
قال: أقسم بالله العظيم أن هذا حدث.. لقد بلغنى بطريقة لا أشك فى صحة روايتها أبدا.
قلت له: لا أستطيع أن أصدق.
قال فى إصرار عنيف: يا رجل لقد أقسمت لك بالله العظيم قتلوهم جميعا.. أنت لا تعرف، لكنهم قتلوهم.. ولست أريد منهم الآن إلا أن يقتلونى أنا أيضا!
وهنا.. تدخل فى المناقشة البكباشى أحمد أنور مدير البوليس الحربى.
وقال للهضيبى فى دهشة: نحن قتلنا أولادك؟
رد الهضيبى: نعم.. أظنك تريد أن تنكر..
لا يهمك أن ترانى ثابتا متجلدا رغم أن أولادى كلهم قتلوا. وقتلت زوجتى أيضا.. لكن هكذا الصابرون المجاهدون.
قال له أحمد أنور: لكن هذا الذى تقوله غير صحيح.
ووقف الهضيبى.. وتشنجت ملامحه.
وقال: والله العظيم والله العظيم. أن الذى قلته صحيح صحيح صحيح.. وأن أولادى كلهم وأزواجهم وزوجاتهم قد قتلوا وزوجتى قتلت أيضا‍!
قال له أحمد أنور: كيف تطلق يمينا مقدسة بهذه الطريقة؟!
قال الهضيبى: أنا واثق.. وأنا أكرر وأقسم بالله العظيم.
قال له أحمد أنور على الفور: ما هو رقم تليفون بيتك؟
قال الهضيبى: 27024.
وهنا بدأ أحمد أنور يدير قرص التليفون..
والهضيبى ما زال حيث كان واقفا متشنجا ينظر إليه نظرة غريبة.
وساد الغرفة صمت مفاجئ..
حتى سمعنا صوت جرس التليفون يدق فى الناحية الأخرى.
قال أحمد أنور فى التليفون: منزل الأستاذ الهضيبى؟ هل أستطيع أن أكلم السيدة زوجته؟
ويبدو أن الذى رد سأل عن شخصية المتكلم..
فقال أحمد أنور: قل لها صديق للهضيبى يحمل رسالة منه!
■ ■ ■
مرت فترة صمت..
وأنظارنا معلقة على التليفون. وآذاننا مسلطة عليه.
ثم تسرب صوت نسائى!
وبدأ أحمد أنور يتحدث إلى زوجة الهضيبى.
سألها: هل أنت بخير؟
واقتربنا جميعا برؤوسنا من جهاز التليفون. نقرب آذاننا بقدر المستطاع..
تسرب منه صوت السيدة تقول إنها بخير..
قال لها أحمد أنور: وأولادك كلهم بخير؟
قالت السيدة: كلهم بخير.
ونظر الهضيبى إلى أحمد أنور نظرة الذى يرى شيئا لا يستطيع أن يصدقه..
ناوله أحمد أنور السماعة.
وقال له: خذ وتحدث إليها أنت وتأكد أنها زوجتك!
أمسك الهضيبى سماعة التليفون بحذر واسترابة.. تماما كرجل سلموه فى يده لغما يمكن أن ينفجر!
وقال: أنا حسن الهضيبى!
ثم استطرد: أسمعى.. كيف حال الأولاد؟
وأخذ يهز رأسه فى ذهول..
وعاد ليقول فى التليفون: لم يقتلوهم.. غريبة!
بدأ يهرش رأسه بيده..
ومد أحمد أنور يده يأخذ سماع التليفون. ويقول لزوجة الهضيبى كلمة ينهى بها المحادثة ثم يضع السماعة مكانها..
وسأل الهضيبى: هل قتلناهم؟
أخذ الهضيبى يهز رأسه ويحك شعره..
وقال: يظهر أنهم لم يقتلوا!
■ ■ ■
وساد صمت من جديد..
فقلت للهضيبى: أنت طلبت أن توجه لى سؤالا.. فهل أستطيع أن أوجه لك سؤالا أخيرا؟
قال: أجيبك عليه.
قلت له: ما رأيك فى الأيمان التى أقسمتها بالله العظيم ثلاثا. مؤكدا أن أولادك قتلوا؟
قال: كنت أظن..
قلت له: هل تقسم بالله العظيم ثلاثا على الظن؟
قال الهضيبى وهو يضحك: بسيطة.. يمين باطلة أكفر عنها!
قلت له: هكذا ببساطة؟ ما أسهل اليمين إذن؟!
قال الهضيبى: الدين يسر!
نهضت واقفا..
فقد كان الوقت قد انتهى..
والتفت الهضيبى لأحمد أنور..
وقال له: لقد ضاعت على ساعة الفسحة.. أمضيت معظمها هنا!
قال له أحمد أنور: لا تحمل هما.. سوف أعطيك ساعة أخرى.
التفت أحمد أنور إلى أحد الضباط..
وقال له: لا بد أن يتسلى ساعة الفسحة.. اسمعوه أغنية أم كلثوم مرة ثانية!
ومرقت بسيارتى من باب السجن الحربى..
وصوت أم كلثوم يلعلع فى فضائه. تغنى لجمال عبد الناصر وتقول لجمهور الحفلة: ردا علىّ!
وكان فى خيالى وأنا أندفع بالسيارة خارج السجن.. منظره!
منظر حسن إسماعيل الهضيبى
فى فناء السجن الحربى يسمع أغنية أم كلثوم.
ولا يرد عليها بالطبع!
توقيع: محمد حسنين هيكل

اعترف أحد أعضاء الجهاز السرى للإخوان بأنه كان سيتصل بالهضيبى فى مخبئه وكان يتلقى منه الأوامر ويبلغها لقيادات الإخوان
كان يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 1954 يحمل كثيرا من الأخبار المثيرة. كغيره من الأيام التى سبقته. منذ ليلة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية.
ففى صباح ذلك اليوم..
تم الإعلان عن تشكيل «محكمة الشعب» التى ستنظر القضية.


وظهرت جرائد الصباح فى ذلك اليوم أيضا، وهى تحمل صورا للرئيس جمال عبد الناصر. مع العامل خديوى آدم الذى عثر على مسدس محمود عبد اللطيف على أرض ميدان المنشية بعد أن أطلق الرصاصات الثمانى على جمال عبد الناصر!
وفى نفس اليوم أعلنت وزارة الداخلية على مكافآت كبيرة لمن يدلى بأى معلومات تؤدى إلى القبض على يوسف طلعت رئيس الجهاز السرى فى جماعة الإخوان!
ونشرت الصحف تقول: إنه تم تشكيل محكمة مخصوصة برياسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائمقام أنور السادات والبكباشى حسين الشافعى. لمحاكمة المتهمين بخيانة الوطن. والعمل على قلب نظام الحكم الحاضر وأسس الثورة.

والعقوبات التى تطبقها المحكمة هى كل العقوبات من الإعدام إلى الحبس. ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من 48 ساعة للضرورة ولمرة واحدة. على أن يحضر المتهم شخصيا أمام المحكمة. وتنطق المحكمة بأحكامها فى جلسات علنية ويجوز لمجلس قيادة الثورة تخفيفها.
■ ■ ■
وكان مجلس قيادة الثورة قد أصدر أمرًا بتشكيل «محكمة الشعب» يقول:
تشكيل محكمة مخصوصة وإجراءاتها.. بعد الاطّلاع على المادة 7 من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة:
مادة «1» - تشكل محكمة على الوجه الآتى.. قائد الجناح جمال مصطفى سالم عضو مجلس القيادة (رئيسا)، قائمقام أنور السادات عضو مجلس القيادة (عضوا)، بكباشى أركان حرب حسين الشافعى عضو مجلس القيادة (عضوا).
وتنعقد المحكمة بمقر قيادة الثورة بالجزيرة بمدينة القاهرة. أو فى المكان الذى يعنيه رئيسها. وفى اليوم والساعة اللذين يحددهما.
مادة «2» - تختص هذه المحكمة بالنظر فى الأفعال التى تعتبر خيانة للوطن أو ضد سلامته فى الداخل والخارج. وكذلك الأفعال التى تعتبر موجهة ضد نظام الحكم الحاضر. أو ضد الأسس التى قامت عليها الثورة. ولو كانت قد وقعت قبل هذا الأمر.
كما تختص المحكمة بمحاكمة كل من أخفى بنفسه أو بواسطة غيره. متهما بارتكاب الأفعال المنصوص عليها فى الفقرة السابقة وتطلبه المحكمة. وكذلك كل من أعان بأى طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء.

كما تختص هذه المحكمة بالنظر فى ما يرى مجلس قيادة الثورة عرضه عليها من القضايا أيا كان نوعها. حتى ولو كانت منظورة أمام المحاكم العادية أو غيرها من جهات التقاضى الأخرى. ما دام لم يدر فيها حكما. وتعتبر هذه المحاكم أو الجهات متخلية عن القضية. فتحال إلى المحكمة المخصوصة. بمجرد صدور الأمر من مجلس قيادة الثورة بذلك.

مادة «3» - يعاقب على الأفعال التى تعرض على المحكمة بعقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. أو بالسجن أو بالحبس. المدة التى تقدرها المحكمة. أو أى عقوبات أخرى تراها المحكمة.

مادة « 4» - ينشأ بمقر قيادة الثورة مكتب للتحقيق والادعاء. يلحق به نواب عسكريون وأعضاء من النيابة العامة. يتولى رئاسته البكباشى أركان زكريا محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة. وعضوية كل من البكباشى محمد التابعى نائب أحكام والبكباشى ابراهيم سامى جاد الحق نائب أحكام. البكباشى سيد سيد جاد نائب أحكام والأستاذ عبد الرحمن صالح عضو النيابة.

ويتولون التحقيق ورفع الدعوى بالادعاء بالجلسة. فى الأفعال التى تختص هذه المحكمة بنظرها. ولهم حق الأمر بالقبض على المتهمين. وحبسهم احتياطيا. ولا يجوز المعارضة فى هذا الأمر.
مادة «5» - يخطر المتهم بالتهم يوم الجلسة بمعرفة المدعى قبل ميعادها بأربعة وعشرين ساعة على الأقل. ولا يجوز تأجيل القضية أكثر من مرة واحدة. ولمدة لا تزيد على 48 ساعة للضرورة القصوى. ويجب على المتهم أن يحضر بنفسه أمام المحكمة. وإذا تخلف جاز القبض عليه وحبسه.
مادة «6» - للمحكمة أن تتبع من الإجراءات ما تراه لازمًا لسير الدعوى. ولا يجوز المعارضة فى هيئة المحكمة أو أحد أعضائها.
مادة « 7» - تجرى المحاكمة أمام هذه المحكمة بطريقة علنية. إلا إذا قررت جعل الجلسة سرية لأسباب تراها.
مادة «8» - أحكام هذه المحكمة نهائية. ولا تقبل الطعن بأى طريقة من الطرق أو أمام أى جهة من الجهات. وكذلك لا يجوز الطعن فى إجراءات المحاكمة أو التنفيذ.
مادة «9» - يعمل بهذا الأمر من تاريخ صدوره: القاهرة فى أول نوفمبر 1954
***
فى صباح نفس اليوم..
ظهرت الصحف المصرية وعلى صفحاتها الأولى صورة للرئيس جمال عبد الناصر وإلى جواره عامل مصرى قصير القامة أسمر البشرة. كان العامل البسيط ينظر باتجاه كاميرات المصورين.. أما جمال عبد الناصر فقد كان يحمل بيديه مسدسا وهو يتفحصه وعلى شفتيه ابتسامة!

وكان هذا المسدس هو نفسه الذى استخدمه محمود عبد اللطيف فى إطلاق الرصاص عليه فى ميدان المنشية. ثم سقط من يده فى زحام المتدافعين حوله وعليه. وكان هذا العامل البسيط موجودا يستمع إلى خطاب عبد الناصر. وعثر على المسدس على الأرض!

وروت الصحف القصة المثيرة فقالت:
«خديوى آدم شاب من الأقصر عمره 23 سنة. يعمل عامل بناء، ويتقاضى 25 قرشا يوميا. كان ذاهبا إلى منزله بالإسكندرية بعد انتهاء العمل فى الساعة الخامسة مساءً يوم الحادث. فوجد أشخاصا كثيرين يتجمعون فى ميدان المنشية. وسأل عن سبب هذا الاجتماع. فقيل له إن الرئيس جمال عبد الناصر سيخطب فى أهالى الإسكندرية فى هذا الاجتماع.

نظرا لرغبته فى رؤية الرئيس فقد هبط من الترام الذى كان يركبه. وقف مع الشعب فى الميدان. حتى حضر الرئيس جمال عبد الناصر. واستمع خديوى إلى خطبة الصاغ صلاح سالم والأستاذ أحمد حسن الباقورى. ثم بدأ يستمع إلى خطاب الرئيس جمال.

وأثناء إلقاء الخطاب سمع الرصاص ينطلق تجاه الرئيس. وكان خديوى يقف فى نهاية الميدان من الخلف. وفى أثناء إطلاق الرصاص جرى الجمهور على غير هدى. وكان خديوى من الذين تشتتوا فجرى إلى الأمام. وفى أثناء جريه وقع على الأرض فى الزحام. فوجد تحته المسدس. وأحس بجسم ساخن يلسعه فى يده!
أطل خديوى على هذا الجسم الساخن. فوجده مسدسًا مفتوحًا فأخفاه فى جيبه وذهب إلى منزله. وهناك روى القصة على ابن عمه محمد جبريل. الذى يعمل فى جراج سيارات. فأشار عليه ابن عمه أن يسلم المسدس إلى ثكنات مصطفى باشا، لأنه رجح أن هذا المسدس لا بد أن يكون قد استعمل فى الجريمة.
لكن خديوى رفض تسليم المسدس إلى ثكنات مصطفى باشا وأصر على أن يسلمه هو بيده إلى الرئيس جمال عبد الناصر. واعتقد خديوى أن الرئيس سافر إلى القاهرة. حاول أن ينام فى تلك الليلة فلم يستطع النوم!
ولم يكن مع خديوى أى مبلغ من المال. فخرج من منزله يوم الأربعاء فجرا. وسار على قضيب السكة الحديد متجها إلى القاهرة لمقابلة الرئيس!
فى الطريق أحس خديوى بالجوع!
ولم يكن معه ثمن رغيف عيش!
فباع «قفطانه» لشيخ فى الطريق وقبض ثمنه قروشا قليلة. اشترى منها طعامًا..‍
وظل خديوى ابن الأقصر سائرًا على قدميه منذ فجر الأربعاء وحتى وصل الساعة الثانية عشرة ظهر الإثنين إلى شبرا!
أى أنه قطع المسافة سيرا على الأقدام بين الإسكندرية والقاهرة فى حوالى أربعة أيام ونصف!
وفى شبرا..
قابلته نقطة تفتيش فسأل هناك عن مقر القيادة العامة لجيش الثورة. فأرشدوه إليها.
ومرة أخرى واصل خديوى السير على قدميه من شبرا حتى وصل مقر القيادة العامة بكوبرى القبة بعد ساعتين.
وتقدم من الجندى الذى يقف على باب القيادة العامة..
وقال له: أريد مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر!
وبالطبع رفض الجندى السماح له بالدخول..
فأبرز له خديوى المسدس.
وقال له: أنا لقيت الطبنجة دى على الأرض فى ميدان المنشية.. وعايز أقابل الرئيس جمال عبد الناصر: أسلمها له يدا بيد!
وأسرع الجندى بإبلاغ أحد ضباط البوليس الحربى. واستمع الضابط مذهولا إلى قصة خديوى.
ولم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف مساءً..
عندما اقتربت سيارة يقودها أحد الضباط من مدخل مقر مجلس قيادة الثورة فى الجزيرة. وكان خديوى آدم يجلس إلى جوار الضابط!
وما هى إلا دقائق..
حتى وجد خديوى آدم نفسه فى حجرة الرئيس جمال عبد الناصر. الذى كان قد انتهى لفوره من اجتماع لمجلس القيادة. وتم إبلاغه بقصة خديوى آدم، وكيف عثر على المسدس. وكيف جاء من الإسكندرية إلى القاهرة سيرًا على قدميه فى رحلة استغرقت أربعة أيام. لكى يسلم المسدس «للريس يدا بيد»!
وتأثر جمال عبد الناصر بالقصة بشدة..
وطلب إدخال خديوى آدم..
وبمجرد أن دخل خديوى حتى أسرع يعانق الرئيس جمال عبد الناصر فى حرارة وهو يبكى متأثرا.
وقال له جمال عبد الناصر: يعيش أبناء الأقصر!
وجلس خديوى يروى بلهجة أهل النوبة قصته وكيف عثر على المسدس. وكيف جاء إلى القاهرة سيرا على قدميه. وكيف باع قفطانه لكى يأكل!
كل ذلك وجمال عبد الناصر وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة يستمعون له فى اهتمام.
وفى النهاية..
أمر جمال عبد الناصر بصرف مبلغ مئة جنيه مكافأة لخديوى آدم!
وغادر خديوى مجلس قيادة الثورة وهو سعيد..
وعلى البوابة..
سأله بعضهم: ماذا ستفعل بمكافأة المئة جنيه؟
قال: حا أفتح محلا.. وأتجوز!
سألوه: ليه أصريت تدى المسدس للرئيس جمال شخصيا؟
قال خديوى: أصله بطل.. ومن الصعيد كمان!
***
كانت تحقيقات النيابة تجرى ليل نهار..
وكشفت التحقيقات عن أشياء خطيرة ومثيرة..
وكانت مفاجأة بعد انتهاء التحقيق مع المحامى هنداوى دوير الذى حرض المتهم الأول محمود عبد اللطيف على إطلاق الرصاص على الرئيس جمال عبد الناصر. فقد وقف هنداوى دوير أمام النائب العام ليعتذر فى نهاية التحقيق معه على تحريضه لمحمود عبد اللطيف.
وقال للنائب العام: أنا موافق كل الموافقة على اتفاقية الجلاء. وأعتقد أنها عمل وطنى جليل؟ ولهذا فإنى نادم على الاشتراك فى هذه الجريمة.. وأعتذر!
وقال هنداوى أيضا: أنا تلقيت الأوامر من رئيسى المباشر فى الجهاز السرى!
وكان وكيل أول النيابة أحمد صديق جعفر قد سافر إلى المنيا لسماع أقوال زوجة هنداوى دوير. فقالت إنها سافرت إلى المنيا لمناسبة قرب وضعها. وأنها لا تعلم شيئا عن اشتراك زوجها فى الحادث، لكنها فقط تعرف أنه ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. ولم تكن تتخيل أنهم سيلقون به إلى مثل هذه الجريمة!
وفى تحقيقات النيابة أيضا.
اعترف أحد أعضاء الجهاز السرى للإخوان بأنه كان سيتصل بالهضيبى فى مخبأه، وكان يتلقى منه الأوامر ويبلغها لقيادات الإخوان. وقال إنه قام بإبلاغ الهضيبى بسفر محمود عبد اللطيف لارتكاب جريمته فى الإسكندرية!
وفى نفس اليوم..
نشرت جريدة «الأخبار» على الصفحة الأولى صورة يوسف طلعت رئيس الجهاز السرى للإخوان الذى لم يكن قد تم القبض عليه. تحت عنوان «مكافأة 200 جنيه لمن يرشد عن يوسف طلعت رئيس الجهاز السرى فى الإخوان»!
وقال الخبر: أعلنت وزارة الداخلية عن مكافأة 200 جنيه لمن يرشد عن يوسف طلعت زعيم الجهاز السرى للإخوان المختفى الآن. وقد اعترف بعض المتهمين بأن يوسف طلعت هو الذى عرض على الهضيبى فى الإسكندرية. الخطة الكاملة لاغتيال جمال عبد الناصر والاستيلاء على الحكم.
وأضاف بيان وزارة الداخلية يقول فى الخبر: والمتهم الهارب يبلغ عمره من 35 إلى 40 سنة. قصير القامة وطوله 160 سنتيمترا. ممتلئ الجسم مستدير الوجه. لونه قمحى وعيونه سوداء عادية. حواجبه مفتوحة وخفيفة. عريض الجبهة وبها علامة الصلاة «زبيبة». عريض الصدر ملتح باستدارة الوجه. وله شارب خفيف متصل بالذقن. يحتمل أن يكون قد حلق ذقنه وشاربه!
ونشرت الصحيفة صورة فوتوغرافية ليوسف طلعت..
ونشرت له رسمين تخيلين..
الرسم الأول: دون لحية وكتب تحته: بعد حلاقة ذقنه!
والرسم الثانى: دون لحية ولا شارب وكتب تحته: بلا شارب ولا لحية.. هكذا يبدو يوسف طلعت إذا صادفك!
■ ■ ■
وبدأت الصحف تنشر اعترافات الإخوان المتهمين الذين تم القبض عليهم والتحقيق معهم.
واعترف أربعة من المتهمين من بينهم أحد أعضاء مكتب الإرشاد بأن الهضيبى تناقش مع قيادة الجهاز السرى حول نوع الاغتيالات التى ترتكب!
وكان رأى الهضيبى منذ أول الأمر أن تتم الاغتيالات فى أثناء الاجتماعات الشعبية. التى يحضر فيها أعضاء مجلس قيادة الثورة. أو فى أثناء مرور عرباتهم فى الاحتفالات الشعبية وسط جموع الشعب.
وقال بعض المتهمين إن تعليمات خطة الاغتيالات وصلت إليهم من قيادة الجهاز السرى منذ حوالى عشرين يومًا. اعترفوا بوجود الجهاز السرى. وأنه فى القاهرة وحدها يشمل ثلاثين فصيلة. كل فصيلة تتكون من أربع جماعات. وكل جماعة تتكون من خمسة إلى سبعة أفراد، وهو تنظيم حديث للجهاز السرى. يشبه إلى حد بعيد تنظيم وحدات المشاة فى الجيوش!
وقال بعض المتهمين إنهم تلقوا وعدا من أعضاء الجهاز السرى بأن هناك «كارت رابح» سيبرز فجأة يوم تنفيذ عمليات الاغتيالات! وأن هذا «الكارت» سيكون له تأثير كبير فى نجاح خطة الاستيلاء على الحكم. وعدم المساس بالذين ارتكبوا الاغتيالات!

واعترف المتهمون بأن الذى أشرف على إعداد الجهاز السرى الجديد للإخوان ثلاثة من ضباط الجيش. الذين فصلتهم الثورة من الخدمة. بعد أن ثبتت محاولتهم القيام بإنشاء خلايا سرية داخل الجيش قبل عام.

وقال أحد المتهمين إنه تحدث مع الهضيبى المرشد العام عقب اختفائه عن الخطوة التى تلى اغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة. وإن الهضيبى قال له إن البلاد لا يصح أن تحكم مباشرة برجال الإخوان المسلمين لسببين. وقال الهضيبى إن السبب الأول أنه لا يمكن تطبيق تعاليم القرآن فى مصر قبل فترة من الزمن. تحكم فيه البلاد بواسطة رجال مبتعدين ظاهريا عن الإخوان. لكن يجب أن يأتمر هؤلاء بأمر جماعة الإخوان سرا! وقال المتهم إن الهضيبى قال إن السبب الثانى أنه لا يثق بكبار رجال الإخوان!

وقال للمتهم: هل من المعقول أن أعمل عبد الحكيم عابدين مثلا وزيرا؟ إننا إذا أقدمنا على العمل فلن تمضى ستة شهور.. إلا ونصبح أوسخ من الوفديين‌‍!

وكشفت اعترافات المتهمين عن أشياء كانت تحدث داخل جماعة الإخوان، ولم يعلم بها كثيرون..

فقال بعضهم إن الهضيبى اشترط لقبوله منصب المرشد العام إبعاد أربعة من زعماء الإخوان. منهم عبد الحكيم عابدين. الذى اتهمه الهضيبى بتهم أخلاقية!

وقال أحد المتهمين: إنه بعد تولى الهضيبى منصب المرشد العام بشهر، وعندما بدأ الإخوان يمهدون لإخراج عبد الحكيم عابدين بناء على طلب المرشد العام فوجئوا بأن عابدين أصبح الساعد الأيمن للمرشد!

وقالوا إن الهضيبى لم يستطع التعاون مع الجهاز السرى القديم، ولا مع فريق صالح عشماى أو عائلة الشيخ حسن البنا. وأنه قرر التمسك بعبد الحكيم عابدين وأصدقائه. لينشئ معهم الجهاز السرى الجديد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.