في عام 1948 صدر الأمر العسكري رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شعبها , وبعدها بعام تم اغتيال النقراشي باشا رئيس الوزراء علي يد الإخواني عبد المجيد أحمد حسن, ورغم أن الإمام حسن البنا استنكر الحادث, فقد تبع قتل النقراشي تعرض الإخوان لحملة إرهاب حكومي شديدة, وتم اعتقال المنتسبين للجماعة عدا حسن البنا, والذي تم اغتياله في 12 فبراير 1949 .. وفي صباح يوم الثورة 23 يوليو أراد عبد الناصر أن يصدر ' الإخوان المسلمين ' بيانا بتأييد الثورة لكن حسن العشماوي لسان حال المرشد العام وقتها لم يصدر أي بيانات إلا بعد مغادرة الملك البلاد , وبعد ذلك كانت العلاقات جيدة بين مجلس قيادة الثورة والاخوان .. حتي أن رجال الثورة زاروا قبر الإمام الشهيد حسن البنا وقرأوا له الفاتحة , ثم جلسوا يذكرون فضله وجهوده وحسن بلائه ' , وتم إسناد ثلاث وزارات في وزارة محمد نجيب في 7 سبتمبر 1952 للاخوان , وقامت الجماعة بترشيح أحمد حسني ومحمد كمال الديب ومنير الدلة وحسن العشماوي لاختيار ثلاثة منهم , لكن جمال عبد الناصر اختار واحدأ فقط وهو الشيخ أحمد حسن الباقوري وزيرا للأوقاف , فرد مرشد الاخوان بفصل الباقوري من الجماعة , كما قام مجلس قيادة الثورة بتشكيل ' هيئة التحرير ' كتنظيم سياسي لملء الفراغ السياسي الناجم عن حل الأحزاب , في اليوم التالي لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبي قرارا ' بأن كل من ينضم إلي هيئة التحرير يعد مفصولا من الإخوان ' وبدأ الصدام بين جماعة الإخوان و منظمة الشباب ذراع هيئة التحرير إلي حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات والمشاجرات في الجامعات , وانهارت العلاقة بين مجلس قيادة الثورة والإخوان عقب قرار 12 يناير 1954 بأنه يجري علي جماعة الإخوان المسلمين قانون حل الأحزاب السياسية , ومما قيل في بيان حل الجماعة والذي تلاه أنور السادات في مؤتمر صحفي ' إن نفرا من الصفوف الأولي في هيئة الاخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية مستغلين سلطان الدين علي النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو لدين , ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الاخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة لاحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين ' , و في يوم 17 يناير 1954 خرجت جريدة الجمهورية بالمانشيت التالي ' كميات هائلة من أسلحة الإخوان في ههيا ' والحكاية أن وزارة الداخلية شنت حملة علي عزبة حسن العشماوي القيادي الإخواني , وحسبما قالت الصحيفة فإنه تم العثور علي 200 قنبلة هاون و 15 ألف طلقة مدفع أوستن و 6 قنابل يدوية و 300 متفجر وعمليات نسف , وصندوقين بهما حوالي 200 دانة مدفع هاون وجهاز ارسال واستقبال ' يستعمله الجواسيس في الميدان ' ولوحة للتدريب علي اطلاق الرصاص , ثم جاءت أزمة مارس بعد إعلان قبول استقالة محمد نجيب .. وخرجت المظاهرات تطالب بعودته , وكان من المعروف أنها من تدبير الإخوان المسلمين , واضطر عبد الناصر إلي إعادة نجيب . ومرت الأيام إلي أن وقعت محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية في أكتوبر 54 وبدأ التحقيق مع الجاني الذي اتضح انه عضو من الإخوان ويعمل سمكريا . واسمه محمود عبد اللطيف أعطوه مسدسا وقالوا له اقتل عبدالناصر وفي طاعة عمياء نفذ أوامرهم , كما اعترف أن هذه ليست المحاولة الأولي بل سبقتها محاولتان باءتا بالفشل . وأن هنداوي أحد أعضاء التنظيم السري المشترك في محاولة الاغتيال عرض عليه أن يلبس الحزام الناسف ليغتال به الرئيس فرفض . لكن الملاحظ وسط التحقيقات وموجات الاتهام التي كانت تلاحق الإخوان أن قيادات الجماعة كانت تنفي تماما أي صلة لها بهذا الحادث واعتبرته ' تصرفا فرديا ' قام به أحد عناصر الإخوان المسلمين دون أن يكون لمكتب الإرشاد أو لهذه القيادات أي دور في تدبيره , بل قام حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة وقتها بإرسال خطاب إلي الرئيس جمال عبد الناصر جاء فيه : أقسم بالله العظيم وكتابه الكريم أني ما علمت بوقوع جريمة الاعتداء عليك إلا في الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي , ولا كان لي بها علم , وقد وقعت من نفسي موقع الصاعقة ; لأنني ممن يعتقدون أن الاغتيال يؤخر حركة الإخوان , ويؤخر الإسلام والمسلمين ويؤخر مصر . وفي مؤتمر صحفي وقف الصاغ صلاح سالم ليذيع بعض اعترافات المتهمين , وقال : الأمر صدر بقتل جمال عبد الناصر من رئاسة التنظيم السري للإخوان , وكان إشارة أولية لتنفيذ مؤامرة دموية تبدأ بقتل جميع أعضاء مجلس الثورة ما عدا محمد نجيب , والتخلص من 160 ضابطا بالقتل أو الخطف , والإخوان كانوا يدبرون لحركة شعبية تعقب هذه الاغتيالات , ثم يقومون بتكليف محمد عشماوي وزير المعارف الأسبق وعبد الرحمن عزام الأمين العام السابق للجامعة العربية ليحلا محل مجلس قيادة الثورة !! وفي يوم 30 أكتوبر 1954 اجري الاستاذ محمد حسنين هيكل حوارا مع الجاني في جريدة أخبار اليوم كما أجري الأستاذ هيكل تحقيقا صحفيا مع حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في محبسه في السجن الحربي , جاء فيه : هيكل : هل تري أن الإسلام يبيح إنشاء تنظيمات سرية مسلحة للإرهاب وهل السياسة في هذا البلد والحريات التي نتطلع إليها يمكن أن تسمح بقيام منظمات سرية مسلحة؟ سكت الهضيبي فترة .. أطرق خلالها برأسه إلي الأرض , ثم قال : من قال هذا؟ لست أنا الذي انشأ التنظيم السري , هذا التنظيم أنشأه حسن البنا سنة 1946, وكان الغرض الأول منه محاربة أعداء الإسلام , والذي حدث بعدها أن هذا التنظيم السري انحرف عن هدفه الأصيل , واتجه إلي أعمال العنف والاغتيال , فلما جئت أنا منذ ثلاث سنوات وتوليت منصب المرشد العام كان أول ما فعلته أن قلت : إنني لا أريد تنظيمات سرية , وأخرجت من الجماعة أولئك الذين عرفت أنهم كانوا يتزعمون الإرهاب المسلح , وأقمت مكان النظام القديم نظاما جديدا حددت له أهدافه , وهي أن يقوم أفراده بنشاط رياضي وكشفي . محكمة الشعب ! تشكلت هيئة المحكمة من قائد الجناح جمال سالم , والقائمقام أنور السادات , والبكباشي حسين الشافعي , وممثلي الادعاء البكباشي محمد التابعي , والأستاذ مصطفي الهلباوي . وقال رئيس المحكمة للمتهم محمود عبد اللطيف : أنت متهم بأنك في يوم 26 أكتوبر 1954 وما قبله في مدينتي القاهرة والإسكندرية أولا قمت بالاشتراك مع آخرين في تنفيذ اتفاق جنائي . الغرض منه إحداث فتنة دامية لقلب نظام الحكم . وذلك بإنشاء نظام خاص سري مسلح للقيام باغتيالات واسعة النطاق , وارتكاب عمليات تدمير بالغة الخطورة وتخريب شامل في جميع أرجاء البلاد تمهيدا لاستيلاء الجماعة التي تنتمي إليها علي مقاعد الحكم بالقوة . وثانيا بالشروع في قتل البكباشي أركان حرب جمال عبدالناصر رئيس الحكومة تنفيذا للاتفاق الجنائي المشار إليه في الفقرة الأولي .. مذنب أم غير مذنب؟ .... لم يرد المتهم محمود عبداللطيف ... قال رئيس المحكمة : سمعت الادعاءات اللي قلتها .. فاهم الادعاء اللي عليك؟ المتهم : أيوه . رئيس المحكمة : مذنب ولا غير مذنب؟ المتهم : مذنب ! ما هي حكاية سيناريو 54 وفي صباح يوم الخميس 11 نوفمبر 1954 وقف هنداوي دوير رئيس الجهاز السري للاخوان بامبابة أمام محكمة الشعب ليدلي بأخطر اعترافاته , قال : أبلغني إبراهيم الطيب رئيس الجهاز السري أن الإخوان علي اتفاق مع اللواء محمد نجيب أن ' يمشي معنا ' بعد قتل جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس الثورة , وأن هناك اتصالا بمحمد نجيب , علي أن يتولي تهدئة البلاد بعد الاغتيالات ! وتأكدت من هذا عندما كنت في بيت المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي يوم عودته من سوريا , واتصل محمد نجيب بالتليفون الساعة الواحدة ليلا وطلب أن يتحدث إلي الهضيبي .. إن الهضيبي كان من رأيه أن تتولي الحكم حكومة تتجه بالبلاد نحو الاتجاه الإسلامي ولا تكون حكومة إخوان مسلمين , لأن البلاد غير مستعدة الآن لتقبل النظم الإسلامية بأكملها . وأضاف هنداوي أنه سأل قبل أن يسلم محمود عبد اللطيف المسدس هل الهضيبي موافق علي اغتيال جمال عبد الناصر؟ ; فقال له إبراهيم الطيب رئيس الجهاز السري : إن الهضيبي وافق علي هذا , وبناء علي ذلك أمر محمود عبد اللطيف بتنفيذ الخطة , وقال دوير إنه صدرت إليه الأوامر بدراسة منزل القائمقام أنور السادات ومقر عمله تمهيدا لقتله , وقد نفذ هذه الأوامر . في محكمة الشعب أطاحت اعترافات الإخوان باللواء محمد نجيب , وبرغم أن هذه الاعترافات كانت بمثابة صدمة عامة للمصريين الذين كان الكثير منهم يعجبون بمحمد نجيب , فهو رئيس الجمهورية , وهو الرجل الأكبر سنا والأكثر حكمة بين الضباط الأحرار الذين صنعوا الثورة , برغم كل ذلك فقد وضعت هذه الاعترافات فصل النهاية لوجود محمد نجيب علي رأس الثورة .. وعلي رأس الحكومة المصرية , وصدرت الجرائد في صباح يوم 15 نوفمبر 1954 تحمل الأخبار الأكثر إثارة : ' إعفاء نجيب ' .. ' مجلس الثورة يقرر بقاء منصب رئيس الجمهورية خاليا ' وفي محكمة الشعب .. كشف جمال سالم رئيس المحكمة عن أسرار خطيرة , فقال إن الإخوان طلبوا من مجلس قيادة الثورة خلال شهري يوليو وأغسطس سنة 1952 - أي فور قيام الثورة - إقامة حكم عسكري مطلق دون دستور أو برلمان لمدة عشر سنوات ليكون الحكم تحت وصاية الإخوان ! وقال جمال سالم : إن مجلس قيادة الثورة رفض هذا العرض وطلب من الأحزاب تطهير نفسها تمهيدا لإعادة الحياة النيابية لكنها لم تفعل ! . كلمة أخيرة ! كل ما سبق نتيجة تحقيقات تمت في ظروف غير عادية وبالتالي التاريخ وحده يملك الحكم علي مدي نزاهتها وعدالتها , أيضا ما نشر بالصحف ليس ' مقدسا ' ويحتمل الصواب والخطأ , مثلا الصحفي الكبير محمد التابعي كتب مقالا يهاجم فيه الاخوان سنة 1955 بعنوان ' حسن ' قال فيه : ' قرأت لأديب معروف مقالا قيما عن جماعة : ( الحشاشين ), وهذا هو الاسم الذي عرفت به في التاريخ .. ولكنها جماعة دينية أو هكذا كانت تزعم .. وكانت تتوسل بالاغتيال والقتل إلي تحقيق مآربها .. وكانت تستعين ( بالحشيش ) علي تهيئة أعضائها المكلفين بالقتل وجعلهم آلات صماء لا إرادة لها , ومن هنا أطلق التاريخ علي الجماعة اسم ( الحشاشين ) , ومن العجب أن الذين توالوا علي رئاسة أو زعامة هذه الجماعة كان كل منهم اسمه حسن : حسن بن الصباح ثم حسن بن محمد .. ومن بعدهما الحسن جلال الدين . وجماعة الإخوان تستعين بالاغتيال علي تحقيق مآربها السياسية , وكانت الجماعة الأولي - جماعة الحشاشين - تخدر أعصاب آلاتها بالحشيش .. أما الجماعة الأخري - الإخوان - فكانت تخدرهم بالدين , وتبشرهم بدخول الجنة من غير حساب . والغريب أن التابعي نفسه في فبراير 1952 قبل الثورة - كتب في مجلة ' الدعوة ' : لقد تفضل المغفور له الأستاذ حسن البنا المرشد العام بزيارتي مرة في مكتبي بمجلة ' آخر ساعة ' في عام 1946 , ولم أكن موجودا وقتها , ثم التقيت به مصادفة مرتين في عام 1948 بمكتب صديقي مصطفي أمين في أخبار اليوم , والذي وقع في نفسي أنه - رحمه الله - كان ذا شخصية قوية , سليم المنطق , قوي الحجة , وما من شك أن المرحوم الأستاذ حسن البنا قد ترك أثرا عميقا في تاريخ مصر الحديث , وأنه سيأخذ مكانه إلي جانب قادة الجماهير من أمثال مصطفي كامل وسعد زغلول '!!