أطفال الشوارع.. هو مصطلح للتعبير عن الأطفال تحت سن 18 عامًا الذين يعيشون بلا مأوى.. منهم قاطنون بالشارع وهؤلاء يعيشون في الشارع بصفة دائمة بما يضمه من مبان مهجورة وحدائق عامة وكباري منخفضة.. هؤلاء أطفال يعيشون في الشارع بصورة دائمة أو شبه دائمة بلا أسر وعلاقاتهم بأسرهم الأصلية إما منقطعة أو ضعيفة جدا إن كانت لديهم أسر.. ومنهم عاملون بالشارع وهؤلاء يقضون ساعات طويلة يوميًا في الشارع في أعمال مختلفة غالبًا تندرج تحت البيع المتجول والتسول وأغلبهم يعودون لقضاء الليل مع أسرهم وبعض الأحيان يقضون ليلهم في الشارع.. وهناك أيضاً أسر الشوارع أطفال يعيشون مع أسرهم الأصلية بالشارع. هؤلاء في الشارع ليس حباً فيه ولا طوعاً.. فهناك العديد من الأسباب لانتشارهم في الشارع من أهمها عدم اهتمام الحكومة بمتوسط دخل الفرد الذي حتماً يؤدي إلى الفقر المضجع الذي يجعل الأسر تدفع بأبنائها إلي ممارسة أعمال التسول والتجارة من بعض السلع الهامشية مما يعرضهم لانحرافات ومخاطر الشارع.. وهذا الفقر غالباً ما يكون العامل الأساسي لتفكك الأسرة إما بالطلاق أو الهجر، فكبر حجم الأسرة عن الحد الذي يعجز فيه الآباء عن توجيههم وتلبية احتياجاتهم وارتفاع كثافة المنزل إلي درجة نوم الأبناء مع الوالدين في حجرة واحدة تكون نتائجه الخلافات والمشاحنات المستمرة بين الزوجين التي تؤدي إلى هروب أحد الزوجين من هذا الجحيم.. مما ينعكس هذا على سلوك الطفل ويقرر هو الأخر الهروب للبحث عن المجهول.
المجهول الأن أصبح لكثيرٍ منهم هو الميدان.. حيث الأسرة وإن كانت مؤقتة.. حيث الإستماع وإن كان الكلام غير مفهوم.. حيث الحرية وإن كانت كلمة.. حيث الطعام وإن كان تسولاً... والأهم حيث الهتاف ضد الدولة الظالمة التي لم ترعاه ولم ينال حقوقه منها وإن كان سباباً.
هؤلاء سوف نحاسب جميعاً على جريمتنا في حقهم.. هؤلاء لهم حقوق لدينا.. دولة ومجتمع.. الدولة التي لا تراه وإن رأته سجنته .. والمجتمع الذي يريد أن يراه وإن رأه غض الطرف عنه.
مازالت العربة حزينة واقفة هناك وحدها في الميدان الكبير المجاور لمجلس الشيوخ.. الطفل صاحب العشر سنوات يتفقد اللجان ولم تستهويه سوى الجنة المالية للدولة البائسة، فقرر أن يلقي نظرة على ما تلقيه الدولة من فتات لهذا الشعب الجائع.. وعندما سؤل أبيه الشيخ الذي إصطحبه معه إلى هنا ؟ "أتيت به هنا ليتطلع على التجربة الديمقراطية بالمجلس وما يدور داخله وتعريفه أن مصر بخير ما دامت الهيئة البرلمانية والتشريعية تمارس نشاطها بحرية" هكذا أجاب وهكذا بدى أنه لا يعلم شيئاً مما يجري في هذا الوطن، وهكذا سئمنا من هؤلاء العابثين بمقدرات هذا البلد.
كل هذا ومازال صاحب العربة ينتظر من يأتي إلى المشرحة ليأخذه من هذا المكان الشديد البرودة على غير الذي إعتاد أن ينام فيه، هذا المكان الذي يسكنه منذ أيام.. ينتظر من يأتي ليحمله في العربة التي تذهب به إلى الآخرة.. صاحب العربة هو طفلٌ في عمر ذلك الطفل الذي يلهو ويلعب ويتفقد أروقة المجلس.. لكنه ليس مثله في شيء.. هو من هؤلاء البؤساء اللذين وجدوا أنفسهم في هذه الدنيا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.. جاء بعربة "البطاطا" كي يعيش هنا وسط الشباب والثورة صنعت له معنى وجوديا في هذا الميدان.. يكتشف نفسه لحظة لقاءه مع الغرباء فيه.. أصبحت له دائرة أصدقاء واسعة من الثوار المعتصمين، كأنها كانت لحظة ولادة جديدة أو حميمية، لقاء بعائلة تحكمها رابطة الحلم.. حلم التغيير من واقعه الأليم إلى واقعٍ أخر يجب أن يكون أقل ألماً، فلا ألم أعظم من هذا الذي يعانيه نهاراً من الجوع وليلاً من البحث عن مأوى من هذا البرد القارص.
طفل إستكتروا عليه الجنود الدفء النابع من العربة صاحبة الرائحة الذكية.. فقرروا قتله كي لا ينعم بهذا الرخاء.. أصابته رصاصة طائشة من جندي يدهه مرتعشتان.. فسكنت قلبه ثم حاول أن يضبط يده فسكنت الأخرى بين عينيه فخر مفترشاً على الأرض، حملوه الجنود إلى المستشفي كي يلقوه هناك يموت وحده رغم أنه ميت، فكان إصرار المستشفى على كتابة محضر أولاً.. هنا فزع الضابط وجنوده ورفضوا أن توثق جريمتهم.. فقرروا أن يداروا سوأتهم بعيداً عن هنا، وذهبوا به إلى المشرحة حيث.. المصير المجهول.
خرج الطفل مبتسماً ويداعبه ضباط وجنود الحراسة خلف أسوار المجلس.. وفور ركب سيارة أبيه الفارهة سأله عن اليوم الذي سوف يصطحبه معه إلى قصر الرئاسة.. كي يلعب "بلاي ستيشن" مع الرئيس.