أنا سيدة في أواخر العشرينيات من عمري, وأحيا حياة مستقرة مع زوجي وأسرتي الكبيرة بين أبي وأمي وإخوتي.. ولا يعكر صفوها شيء.. ومع انني أقرأ كثيرا عن المشكلات الاجتماعية والانسانية في بريدك, لكني لم أتصور يوما أن اكون واحدة منهم, فلقد بدأت القصة التي دفعتني للكتابة إليك منذ حوالي عام ونصف العام, وهي لطفل تزوجت أمه عرفيا من شاب, وكانت تعيش حياة قاسية مع زوجة أبيها, فهجرتها واقامت عند أحد الجيران بعد أن رق قلبه لحالها, ووافق علي أن يؤويها مع أسرته إلي أن تدبر أمرها, وعندما علم هذا الشاب بحلمها تركها وتنصل منها, وانكر أي صلة له بها.. ومرت الشهور ووضعت طفلها, وصارت حديث الناس في المنطقة, وفوجئ جارنا باختفائها تاركة لهم هذا الطفل قبل أن يكمل اسبوعا واحدا!.. وهنا اسقط في يده.. ماذا يفعل في هذه المصيبة التي وجد نفسها فيها, وقرر إدخاله ملجأ لأطفال الشوارع أو ما يسمونه بملجأ الأيتام. وفي أحد مساء الأيام اجتمعت اسرتي لتناول طعام العشاء, وفتح أبي موضوع هذا الطفل وعرض علينا أن يذهب إلي الجيران ويأخذه منهم لكي يعيش بيننا ونربيه كأي طفل في الأسرة, وأيده أخي, ولم يدعا لنا فرصة للاعتراض أو حتي المناقشة, وذهبا إلي بيت جارنا, وبعدها عادا الينا حاملين الطفل. والحقيقة ان احساسي نحوه بعد أن رأيته اختلف تماما عن شعوري قبل ذلك, وأدركت ان الله زرع في قلوبنا الراحة إليه لكي لا يتشرد.. وتحدث والدي معنا قائلا لنا: إنه استأذن الجيران في أن يقيم معنا أسبوعا, وظل الطفل هو شغلي الشاغل, ومرت الأيام سريعا, وعرض والدي مع جارنا استضافته فترة أطول فرحب ولم يعد يفتح معنا أي شيء يخصه.. وسرعان ما اندمج الطفل معنا.. ومرت شهور تزوجت خلالها. وانتقلت إلي عش الزوجية كما تزوج أخي, ويسودنا الآن شعور بالأمان والطمأنينة في حياتنا, ولا يقلقنا شيء سوي هذا الضيف الذي نخشي عليه من غدر الأيام. هل تتصور أننا لم نستطع حتي الآن استخراج شهادة ميلاد له, واننا نتسول التطعيمات له, لكي نحميه من الأمراض, ثم كيف سيكون وضعه في المجتمع وهو بلا شهادة ميلاد وبالتالي ليس محسوبا كفرد في المجتمع؟.. اليس من حقه أن يحيا ويعيش مثل كل الناس؟ لقد طرقنا كل الأبواب لكننا فشلنا في حل هذه المعضلة.. وصار الحل الوحيد أمامنا كما أخبرنا المحامي هو إيداع الطفل أي ملجأ لكي يصدر له شهادة ميلاد علي أنه مجهول النسب,ثم نتقدم بطلب لرعايته من جديد.. وهنا قد يحتمل الأمر الرفض أو القبول.. هكذا يقول القانون. فأي قانون هذا الذي يتعارض مع مصالح الأطفال الشخصية والاجتماعية؟ لقد أعيانا التفكير في هذه المشكلة, وأملنا أن تجد حلا لطفل لا ذنب له سوي ان والدته انسانة ضعيفة, ووالده رجل جبان وكلاهما لا يستحق نعمة الأبوة.. ونرجوك أن تتبني قضيته لاستخراج شهادة ميلاد له وليس اكثر من ذلك, فنحن أسرة ميسورة الحال, ولا نريد سوي هذه الشهادة لكي نتمكن من الحاقه بالتعليم, فلقد فكر أبي في نسبه اليه, ولكن خوفه من الله عز وجل منعه من ذلك, والأيام تمر, والمشكلة تزداد تعقيدا, ونحن نبذل أقصي ما في وسعنا لكي لايواجه المجهول! * ارتكبت أسرتك خطأ كبيرا بالانتظار لمدة عام ونصف العام لكي تتحرك باتجاه استخراج شهادة ميلاد للطفل اللقيط الذي تجرد أبواه من كل من المشاعر الانسانية وألقيا به إلي المجهول, فلقد كان بإمكان أبيه أن يعترف به وأن يضمه إليه أو يتزوج من أمه زواجا شرعيا حتي ينشأ في كنفهما ورعايتهما.. لكن آفة البعض أنهم لا يفكرون إلا في غريزتهم, ولا تحركهم إلا اهواؤهم, ولا يلقون بالا لما يترتب علي أفعالهم من أضرار بالآخرين. وتثير رسالتك ياسيدتي تساؤلات أبرزها: أين ورقة الزواج العرفي لأمه من أبيه؟ فهذه الورقة وحدها تكفي لإثبات نسبه إليه واستخراج المستندات الرسمية التي تكفل حقوق هذا الطفل في المجتمع, فالزواج العرفي لا تترتب عليه حقوق للزوجة.. ولكنه يحفظ للمولود حقه في النسب لأبيه.. ولماذا لا يوافق أبوك علي الحاقه بدار للأيتام لاستخراج شهادة الميلاد المطلوبة ثم يقدم طلبا إليها لكي ينشأ في رعايتكم كما أشار عليكم المحامي؟ وهل الخوف من رفض الدار تسليمه اليكم مرة أخري مبرر للقضاء علي مستقبل هذا الطفل فتصبحون مثل الدبة التي قتلت صاحبها؟!. إن الحل المنطقي لمأساة هذا الطفل هو أن تسلكوا الطرق الشرعية لتبنيه ورعايته, وأعتقد أن أي دار للأيتام سوف يسعدها أن تسجله لديها وأن تجد من يرعاه نيابة عنها.. والمطلوب منكم الآن التحرك العاجل لكيلا تلقوه إلي المصير المجهول بأيديكم وأنتم لا تدرون!.