عودة إلي مؤتمر المواطنة الذي استضافته مطرانية شبرا الخيمة في 26فبراير الماضي والذي تناول بالتفنيد الأسبوع الماضي تصريحات المستشار عدلي حسين -محافظ القليوبية-...اليوم، أتناول تصريحات الصديق الدكتور مصطفي الفقي حيث عقب علي التساؤل القبطي الأزلي عن مصير القانون الموحد لبناء دور العبادة بقوله: إنه يلزم أولاً قبل إصداره النظر في استحداث وزارة أو لجنة عليا للشئون الدينية تتولي دور العبادة والإشراف علي إجراءات بناء المساجد والكنائس، علي أن تكون تلك الوزارة أو اللجنة خطوة نحو إصدار القانون وفرصة لصياغة جميع التفاصيل المتعلقة بتطبيقه، لأن المشاكل الكبيرة التي تواجهها وعلي رأسها عدم وجود جهة موحدة تتولاه هي التي تؤجل صدوره. وأرجو أن يكون الدكتور مصطفي الفقي ملماً بتفاصيل مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة لأن ما يدعو إليه هو بعينه ما يدعو القانون إلي ترسيخه...فنسخة القانون التي تقدم بها المستشار محمد الجويلي عام2004 وأجازتها لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب بسيطة ومباشرة إلي أقصي الحدود وتضع نهاية لتعدد جهات الاختصاص التي تتحكم في بناء الكنائس-دونا عن المساجد-إذ تحدد أن جميع أبنية دور العبادة إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية تتبع أحكام قانون الإسكان، وبذلك تنتفي سطوة وسيطرة الأجهزة الأمنية وأجهزة مباحث أمن الدولة والإدارات السياسية علي طلبات بناء الكنائس، وهي السلطات التي طالما تمتعت بصلاحيات مطلقة منزهة عن الرقابة والمساءلة سمحت لها بتعليق الأوراق كيفما شاءت دون قبول أو رفض كما سمحت لها بالرفض بدون إبداء الأسباب...وفي جميع الأحوال لعبت تلك السلطات دور عنق الزجاجة الذي يمر منه النذر اليسير من الطلبات لترفع إلي رئيس الجمهورية، الذي دأب علي الموافقة عليها وإصدار القرارات الجمهورية ببنائها دون التحقق من تاريخ تقديم الأوراق أو من عدد الطلبات المقدمة التي لم تصل مكتب سيادته بعد...وهكذا أصبح من المحتم لتحقيق المساواة التشريعية بين المسلمين والأقباط وبين المساجد والكنائس إصدار تشريع موحد ينطبق علي الجميع ويتبع أحكاماً مباشرة لا تخبط فيها بين جهات اختصاص متعددة. وأعود وأكرر أن مشروع قانون 2004 الذي تقدم به المستشار الجويلي توجد في مجلس الشعب نسخة مطابقة تماماً له عاد وتقدم بها أربعة نواب عام2007 عقب انفجار الأحداث الطائفية في العياط جنوبالجيزة وهم: سيد رستم والدكتورة ابتسام حبيب وياسين عليوة ومصطفي الهواري... هذا غير النسخة المفصلة من القانون التي أعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان في خريف نفس العام وتقدم بها لمجلس الوزراء وظل في تقاريره السنوية الصادرة منذ ذلك الحين يلح علي حتمية إصداره دون أدني استجابة من الحكومة أو من مجلس الشعب. إذن يؤسفني أن أقول إن تضارب وتعدد جهات الاختصاص الذي يعول عليه الدكتور مصطفي الفقي في تبرير تأخر صدور القانون الموحد لبناء دور العبادة، القانون الجديد بريء منه بل علي العكس تمت صياغة القانون للقضاء عليه في واقعنا التشريعي الراهن. ثم يعود الدكتور مصطفي الفقي ليعقب علي شكوي الأقباط الأزلية من شعورهم بالتمييز السلبي من جراء حرمانهم من تقلد كثير من المناصب القيادية والوظائف العليا التي يستحقونها بالكفاءة والأقدمية في سائر مؤسسات الدولة، فيقول: إن عهد الرئيس مبارك لم يشهد أي تمييز بين قيادة مسلمة وقيادة مسيحية ووصل الأقباط إلي مناصب عليا في جميع المجالات ونفي أن تكون هناك وظائف بعينها يتم حرمان الأقباط منها وضرب مثلاً بوزارة الخارجية التي كانت تضم نخبة من السفراء الأقباط. لكن الدكتور مصطفي الفقي نزع إلي الحديث بشكل مطلق لأنه يعلم أن المجال لا يسمح بمداخلات المتخصصين والدارسين وإلا كان يمكن سؤاله عن المناصب العليا التي يشارك فيها الأقباط في إدارات رئاسة الجمهورية وأجهزة المخابرات العامة والقوات المسلحة والشرطة ومباحث أمن الدولة ورئاسات الجامعات والبنوك علاوة علي نسبة وجودهم في حقل القضاء-وأقول نسبة وجودهم لأنني أعرف مثال المرحوم المستشار ألفونس رياض الذي أنصفه الرئيس مبارك والذي دأب الدكتور مصطفي علي ذكره كلما أراد التدليل علي أنه لا يوجد تمييز ضد الأقباط في الوظائف العليا والمناصب القيادية-لكن المتابع المدقق لما ينشر عن حركات الترقيات في مجالات القضاء والنيابة وكذلك حركات ضباط الشرطة لن يفوته ندرة وجود الأقباط في المراتب الدنيا وشحنها في المراتب الوسطي وانعدامها في المراتب العليا....ولذلك أتساءل: ماذا يجدي استمرار استدراجنا في جدل إنكار الواقع؟ أن الأنفع والأجدي أي نجتهد في جدل علاج هذا الواقع. ولعلي قبل أن أترك هذا الملف أهدي الصديق الدكتور مصطفي الفقي هذه الاستغاثة التي وصلتني من الأستاذ الدكتور عادل غالي سيف -رئيس شعبة العلوم النووية الأساسية بمركز البحوث النووية بهيئة الطاقة الذرية- والتي يصرخ فيها من جراء استبعاده العام الماضي من شغل منصب نائب رئيس الهيئة رغم كونه المرشح الأول طبقاً لأقدميته، لكن قيل له في حينه إن ذلك المنصب «ليس للأقباط»(!!)..ثم تكرر نفس الأمر في مستهل هذا العام عندما تأهل لشغل منصب رئيس مركز البحوث النووية باعتباره أقدم وأول المرشحين، وله زهاء خمسين بحثاً منشوراً في الدوريات العلمية العالمية وحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية عام 1996 ونوط الامتياز من الطبقة الأولي عام 1997 وغير ذلك من قائمة طويلة من الإسهامات في مجال التخصص تشهد علي كفاءته واستحقاقه. شكوي الدكتور عادل غالي التي ذكرتها سبق إرسالها إلي الرئيس مبارك -رئيس الجمهورية- وإلي الدكتور نظيف -رئيس الوزراء -وإلي الدكتور بطرس غالي -رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان- فهل يستقيم غض النظر عنها واغتيال حقه المغتصب بمقولة إنه لا يوجد تمييز أو بذكر واحد أو اثنين من الأقباط الذين أنصفهم السيد الرئيس؟....لا يا دكتور مصطفي، إن درء شبهة التمييز ضد الأقباط يكون بالاهتمام بأي حالة وبكل حالة وبالعمل علي التحقيق فيها وإعطاء الحق لصاحبه...بذلك فقط تتحقق معايير المواطنة... فالمواطنة لا يمكن أن ترتكز علي ساق واحدة لذكريات جميلة بل تلزمها الساق الأخري للواقع المعاش.