كنت أسعد واحدة في العالم مع زوجي، حتى بدأت عليه أعراض إغماءات وتشنّج، وعرفت السبب أنه كان يتعاطى ترامادول، ومن بعدها بقت حياتي عذاب. هو خضع للعلاج وخرج السم من جسده فقط، أما عقله فلا، فأصبح بلا إحساس ولا مبالاة بأي شيء. الأشياء التي من المفترض أن تزعج الناس مثل مرض أو موت وتحزن عليها هي عنده لا شيء، مش بيعبر عنها صح، وبتكون عنده مثل الأشياء العادية، وكمان بيدخل في حالات اكتئاب شديدة.
حياتي تنهار.. مش عارفة أتعامل معاه.. حد يقول لي كيف أتعامل معه؟
mory
أختي الكريمة.. الترامادول لعنة جديدة نسبيا في مساحة الإدمان، فكثير من المدمنين تصوروه يعالج الاكتئاب والحقيقة أنه على المدى الطويل هو ما يسبب الاكتئاب، وهو بعيد كل البعد عن قصة علاج الاكتئاب.
والبعض وخصوصا الأزواج يستخدمونه لإطالة فترة الجماع والتقليل من سرعة القذف، وهو يفعل ذلك حقا ولكنه بمرور الوقت يدمنه، ولا يتمكن من العلاقة الطبيعية دونه كما كان، بل ونجد الزوجة تتورط في رضاها بالترامادول. والحقائق العلمية تؤكد أنه يعمل عملا قريب الشبه بالكوديين، ويعمل على نفس المستقبلات التي يعمل عليها الموفين، ولكن الترامادول ليس مسكنا يتعامل مع مصدر الألم ولا يتعامل مع المفاصل ولا العضلات، ولكنه يتجه مباشرة ليتعامل مع الجهاز العصبي المركزي، هل تتخيلين؟ وبالطبع حين يتم التوقف عنه تحدث أعراض انسحابية شديدة الوطأة، خصوصا إذا كانت الجرعات تتخطى 400 مجم يوميا، أو تم تناوله بجرعات زيادة لأكثر من عامين، فهو يشعر بآلام شديدة بالمفاصل، وصداع قوي ومستمر، وارتباك في الهضم، وفقدان للشهية، وقلة تركيز، وانفعال وتوتر، ورعشة ودقات قلب غير منتظمة، وغيره من الأعراض الثقيلة التي تصل في بعض الحالات إلى الفشل الكلوي والصرع لا قدر الله تعالى. ويبدو أن زوجك تناوله لفترة طويلة نسبيا، لأن الاكتئاب ينتج عن الترامادول على المدى البعيد، والاكتئاب مرض له أعراضه، فهو يؤثر بقوة على رغبة الإنسان في عمل أي شيء، فالكسل يكون العنوان الكبير له، حيث يكسّل عن التفكير، ويكسل عن الإحساس، ويكسل عن غسل وجهه، ويتنهد كثيرا ويشعر بالإرهاق المستمر، ويتأثر نومه بالزيادة أو النقصان، وتتأثر شهيته بالزيادة أو النقصان، ويشعر الشخص وكأن وجوده حي بين الأحياء عقاب له، ويشعر بأنه أقل وأسوأ من كل الناس، ويفقد طعم الحياة، وتتأثر رغبته الجنسية كثيرا، وقد يصل في بعض الحالات للرغبة الشديدة في الموت، والبعض يصل لدرجة التفكير في الانتحار. ولكننا وجدنا أن المؤمنين الذين يخافون الله يرغبون في ذلك ولكنهم لا ينفذونه خوفا من عقاب الآخرة، ولقد حدثتك عن أهم أعراض الاكتئاب، ليس لإزعاجك ولكن حتى تتحملي مسئولية الزوجة الأصيلة حين يمرض زوجها مرضا ثقيل الظل كالاكتئاب، وتتفهمي وتعي أن الاكتئاب علميا يؤثر على كيمياء المخ، فهو عاجز بالفعل عن أن يشعر، وقد يؤلمه هذا كثيرا دون أن يبوح، وهو كسول وقد يترك الصلاة دون إرادة منه، وأنه عاجز بالفعل أن يفعل شيئا أو يرى أي أمر ذا جدوى أو بهجة. ولأن الله العظيم لا يحاسب البشر عما يخرج عن إرادتهم أو ما لا دخل لهم به، فارحميه يا أختي الكريمة وتعلمي كيف تتعاملين مع اكتئاب زوجك، فرغم ما حدثتك عنه فيما يخص عفو الله تعالى عما لا طاقة لنا به لأنه غير إرادي، لكن الله تعالى لن يعفو عما هو إرادي، وهو العلاج، فلكل داء دواء، فكما استجمع قواه وعزيمته في التخلص من الترامادول بقي عليه واجب أن يتعالج من الاكتئاب، وأن تساعديه بالكلام المناسب والوقت المناسب لاقتراح العلاج النفسي وأنك ستكونين بجانبه حتى يتخطى تلك الأزمة. لا تكثري من الحديث معه ولا تنتقديه أو تلوميه، فهو يتعذب لمرضه، وأعلم أنك تعاني مثله منذ أن اكتشفت هذا الأمر المؤلم، وتتوقين لزوجك الذي أحببته ورغبت في مشاركته الحياة، ولكن هو الآن مريض يحتاج إلى دعم وعون، فلتقفي بجانبه وتشجعيه بلباقة وحب على العلاج النفسي، واسألي طبيبه عما يمكنك فعله له ومعه، ولا تعرّضيه لضغوط قدر إمكانك، واقتربي منه كصديقة واجعليه يبوح عما بداخله وعن مشكلاته فسيساعده ذلك كثيرا. وكلما شعر أن علاقتك به لا تتطلب فقط أن يركز معك، وأنه مقصر في حقك، وأنه.. وأنه.. فسيجعله هذا أفضل مع علاجه بالطبع جنبا إلى جنب، إذن خطوات التعامل معه، تبدأ في التقرب منه كشريك وصديق وفضفضة بحب وتقبّل وتحمل، ثم عرض اقتراح العلاج النفسي، ودعمه ومساندته، خصوصا أنك لم تتحدثي بشكل واضح عن اكتئابه وشدته، لأن الاكتئاب ليس نوعا واحدا ولا بشدة واحدة ولا بخطورة واحدة، فالطبيب النفسي سيكون مهما جدا في علاجه وفي بقاء ارتباطك به كورقة أخيرة تستخدميها معه بعد استخدامك لسياسة النفس الطويل في دعمه وتشجيعه على مواصلة العلاج إن شاء الله.