أودّ أولا أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، وأريد أن أتكلّم عن مشكلة، وهي لا تخصّني أنا شخصيا، ولكن تتعلّق ببنت خالتي. هي تبلغ من العمر 26 عاما تعشق العزلة، وتميل إلى عدم الاختلاط بالناس منذ صغرها، تمتعت بقدر عالٍ من الثقافة، وطالما كانت مشكلتها الوحيدة مع والدتها التي طالما ألحّت عليها للخروج والاختلاط بالمجتمع. وكانت تُعطيها الكثير من المال حتى تخرج من البيت لكي تذهب لشراء الملابس أو تذهب للتنزه، ولكنها كانت تفسّر ذلك بأن هذه الوالدة لا تريد أن تراها، ولا تريد أن تجلس معها، وربما بعض الألفاظ هي التي جعلت هذه الأحاسيس تترسخ في ذهنها؛ مثل: "عايزين نفرح بيكي"، و"أخرجي يمكن حد يشوفك ونخلص منك، و"يوم ما ييجي العريس هعمل ليلة لوجه الله". وزادت حساسية الموقف بالنسبة إليها منذ عام ونصف تقريبا، منذ أن تزوّج أخوها الساكن معهم بنفس البيت؛ حيث إن زوجة أخيها أصغر منها بحوالي 6 أعوام، وبدأت الكثير من الخلافات بينها وبين زوجة أخيها، وكان تفسير المحيطين بها أن السبب هو الغيرة. لديها من الأخوات اثنان آخران، واحدة منهما متزوجة ومسافرة، وهي الأقرب إلى قلبها، والأخرى متزوجة أيضا، وبينهما الكثير من الخلافات، وزادت حدة هذه الخلافات بعد اضطرار أختها إلى الرجوع لبيت أبيها في فترة سفر زوجها. ولاحظ الجميع عزلتها أكثر بكثير عن ذي قبل، واختلاقها للكثير من القصص المستحيل حدوثها؛ مثل: "كانت مدعوّة لحضور أحد الأفراح، ولاحظت أن خطيبة ابن خالتها قامت بتصويرها وهي تأكل، وقالت إن زوجة أخيها كانت تقوم بتحريك يدها من تحت طاولة الطعام حتى تهتزّ يدها كثيرا، ويظنّ الناس أن لديها حالة نفسية". وفي يوم طلبت منها والدتها الذهاب لإحضار بعض الأغراض للمنزل، ولكن بعد خروجها بدقائق عادت مسرعة، وقالت لوالدتها إن جارتها تضع كاميرا على هيئة زر بالعباءة وتقوم بتصويرها. وذهبت مرة لتشتكي لزوج خالتها من مواقف مثل هذه؛ فطلبت منه هاتفه لتتأكّد أنه لا يسجّل له، وبعدها اتهمته أمام أسرتها أنه كان يسجّل لها. أصرّت على إقامتها في إحدى غرف شقة أخيها، ودخلت أكثر من مرة على أخيها وزوجته غرفة نومهما ورأتهما في مواضع محرجة. أرجو الردّ سريعا على رسالتي.. مع العلم أن والدتها عرضت عليها أكثر من مرة اللجوء لطبيب نفسي، وهي رافضة تماما.. وشكرا. doda_m
تحيةً كريمة لكِ على اهتمامك بابنة خالتك وثقتكِ بموقعنا، والحقيقة أن ما تتحدّثين عنه يُظهر -مع الأسف- إلى أي مدى نتعايش كأهل ومجتمع مع أوضاع غير سوية، ونسكت عنها لسنوات حتى تتضخّم فنتحدّث حينها باستغراب! وحتى تتضح لك الصورة؛ فسأختصر لك الأمر قدر الإمكان؛ فهناك ما يعرف ب"التفكير الشكاك"، وفيه الشخص يشكّ في تصرفات وأقوال وأفعال مَن حوله، حتى لو كانوا مقرّبين؛ فيؤول كل ذلك تأويلا خاطئا، وهذا التفكير له ثلاث درجات ولكل درجة شدتها وتداعياتها وخطورتها وطرق علاجها؛ فالدرجة الأولى هي أبسطهم، وفيها يشكّ الشخص في كلام وتصرّفات من حوله، ولكنه لا يبوح بأفكاره، ويكون هو الطرف المتألم والمشغول بتلك التأويلات ولا تحدث مشكلات بينه وبين مَن حوله. وهناك مَن يعيش طوال عمره بطريقة التفكير هذه، ولكنه يمارس حياته ويقوم بواجباته مع تألّم وتفكير بداخله فقط، وهناك مَن تتطوّر بداخله تلك الأفكار فيصل للدرجة الثانية؛ حيث يبدأ في البوح بتلك الشكوك لمن حوله، فتحدث خلافات ومشكلات مع كل مَن يتعامل معه سواء أسرة، زوج، أبناء، جيران... إلخ. وحين تتعمّق تلك الأفكار مع الشخص بشكل أكبر تصل لحدّ اضطراب الشخصية، والتي يكون فيها هذا السلوك النابع عن تفكيره قد تكيف بقوة وعمق تكيفا سيئا مع الشخصية منذ بدايات المراهقة دون أن يلاحظ الأهل، أو هو شخصيا، وهناك مَن يتعرض لسوء التأويل نظرا لأنه يعاني اضطرابا نفسيا جعله يفكّر هكذا. أمّا التطور الأكبر يكون حين يتوهّم الشخص أمرا ويكون غير قابل للشك بداخله؛ فهو يصدق ما يتصوره تماما، ولا يشكّ في إمكانية عدم صدق تصوّره، ويتطوّر الأمر فلا يكون اضطرابا في الشخصية، وإنما يكون اضطراب حالة أو فصام؛ فيه يتخيّل أمورا في رأسه هو يصدّقها تماما؛ كأن السحب في السماء هي ليست سحبا، ولكنها نوع من أنواع المراقبة والتجسّس، أو أنه مهدي منتظر، أو أن الكل يتآمرون عليه أو يضطهدونه. فصمتها الطويل وحديثها عن التجسّس ومحاولات تتبعها، يظهر أن الأمر ليس مجرّد اضطراب في الشخصية، وإنما درجة من درجات الفصام أو الذهان، وهذا يتطلّب العرض الفوري على طبيب نفسي بالطريقة التي تجدونها مناسبة؛ لأنها في الغالب ستأخذ مضادات ذهان. وهناك مَن يتمّ شفاؤه تماما، وهناك مَن نحافظ على عدم تدهوره بتناوله للأدوية المناسبة لفترات طويلة، أو على مدى العمر، ولكنه يبدأ في الحياة بشكل أفضل له ولمن حوله؛ فمن الضروري ذهابها لطبيب نفسي حتى يضع يده بجانب العلاج المناسب على مدى تطوّر حالتها والتشخيص الدقيق لها؛ سواء من حيث نوع الفصام أو درجته أو حتى لو ما تعانيه من أعراض لأكثر من مرض آخر بجانب الأعراض الذهانية، ولكن البُشرى هي أن علاجها سيجعل الأمر جيدا جدا لها ولكم جميعا. أسأل لها ولكم كل التوفيق وتمام الشفاء،،،