سعل ريكو مرتين في توتر، ورجال دونا كاترينا يوصّلون أسلاك جهاز كشف الكذب بصدره ورأسه وسبابته*، ونفثت صوفيا دخان سيجارتها، وهي تسأله في صرامة: - متوتر.. أليس كذلك؟! أجابها في عصبية واضحة: - أكنتِ ستبقين هادئة في موقف كهذا؟! سحبت نفسا كبيرا من سيجارتها الرفيعة، ونفثته في الهواء في قوة، قبل أن تُجيب: - لو أنني لا أخفي شيئا. مط شفتيه الغليظتين، مغمغما: - هراء! رمقته بنظرة غاضبة، ثم أشارت إلى الفني الذي يجلس أمام الجهاز، والذي سأله في هدوء: - اسمك ريكو؟! سحب ريكو نفسا عميقا، وأجاب: - نعم.. أشارت مؤشّرات الجهاز إلى صدق إجابته؛ فأضاف الفني: - وجنسيتك فرنسية؟! أجاب ريكو في سرعة: - بل إيطالية. مرة أخرى أشارت المؤشّرات إلى صدق الإجابة؛ فصمت الفني لحظة ثمّ قال في حزم: - السؤال التالي أريدك أن تُجيب عنه إجابة خاطئة. بدا التوتّر على وجه ريكو، ورفع عينيه إلى دونا كاترينا التي أومأت برأسها إيجابا؛ فقال الفني بعدها: - أيبلغ طولك مترا واحدا؟! بدا الغضب على وجه ريكو، وتطلّع مرة أخرى إلى دونا التي عاودت الإشارة برأسها إيجابا، فأجاب هو في توتر: - نعم. أشارت مؤشرات الجهاز إلى خطأ الإجابة؛ فالتقطت صوفيا نفسا آخر مِن سيجارتها، وسألته في صرامة: - هل حصلت على البرنامج من المصري؟! أجاب ريكو في اندفاع: - لا.. أقسم إن.... قاطعته دونا بإشارة صارمة مِن يدها، في حين أشارت المؤشرات إلى صدق الإجابة؛ فانعقد حاجبا صوفيا في شدة، وهي تغمغم في عصبية: - مستحيل! رفع الفني عينيه إليها؛ قائلا في حزم: - الجهاز لا يخطئ.. ازداد انعقاد حاجبيها، وعادت تنفث دخان سيجارتها في قوة؛ فهتفت بها دونا في حدة: - أطفئي هذه السيجارة فورا. ألقت صوفيا سيجارتها في حدة، وسحقتها بقدمها في عنف، وهي تقول في غضب: - الأمر أخطر مِن أن نأخذ قوله على علاته، على هذا النحو من الاستسلام. كرّر الفني في شيء من الغضب: - الجهاز لا يخطئ. صاحت به في حدة: - هذا ما تتصوّره. كانت تهم بإطلاق المزيد من الصراخ في وجهه، عندما ارتفع رنين هاتفها الخاص فجأة؛ فالتقطته في سرعة، وعاد حاجباها ينعقدان في شدة، وهي تلقي نظرة على شاشته، قبل أن تلتفت إلى ريكو في حدة، قائلة: - إنه هاتفك. انعقد حاجبا ريكو في توتّر شديد، في حين ضغطت هي زر الاتصال، دون أن تنبس ببنت شفة، فأتاها صوت ساخر مألوف، يقول: - كنت واثقا من أنك ستجيبين يا صوفيا. كاد حاجباها الجميلان يلتحمان من شدة انعقادهما، ووجها الفاتن ينفجر مِن شدة ما أصابه من احتقان.. فصاحب الصوت كان هو نفسه أكرم.. أكرم صدقي.. مجرم القرن.. شخصيا..
*** إنه أكرم صدقي.. قالها خبير المعمل الجنائي في حسم وحزم؛ فانعقد حاجبا المفتش رياض في شدة، وهو يسأله في توتر: - أأنت واثق من هذا؟! أجابه خبير المعمل الجنائي في ثقة: - دون أدنى شك.. البصمة الجينية لبقعة الدم التي عثر عليها رجال اللواء فتحي في الطرف البعيد للمدينة الجديدة، تنطبق بنسبة مائة في المائة، مع تلك الموجودة في ملف العميد أكرم صدقي، والتي زودتنا بها المخابرات العمومية. صمت رياض لحظات لاستيعاب الأمر، قبل أن يسأل في قلق: - وما الذي يمكن أن يشير إليه هذا؟! هزّ الخبير كتفيه، مجيبا: - أن بقعة الدم تخصّه. هتف رياض مستنكرا: - أي جواب هذا؟! أجابه الخبير في سرعة: - آه.. لو أنك تقصد سبب وجودها؛ فهذا أمر قد يجيب عنه خبراء مسرح الجريمة الذين يفحصون المكان، ويلتقطون الدلالات منه، أمّا بالنسبة لنا؛ فكل ما يعنيه هذا هو أن عميد المخابرات العمومية السابق، قد نزف بعض الدم هناك. استعاد رياض تقرير خبراء مسرح الجريمة، والذي أشار إلى حدوث مشاجرة ما في نفس المكان الذي تمّ العثور على بقعة الدم فيه، وهو يغمغم متوتّرا: - إذن فأحدهما قد نزف دمه. لم يفهم خبير الآلة الجنائية ما يعنيه هذا؛ فمال برأسه متسائلا: - أحدهما؟! أشار إليه رياض بيده في صرامة، وهو يقول: - ربما أخطأت المصطلح يا هذا. مع قوله، قفزت إلى ذهنه فكرة مخيفة؛ فلاذ بالصمت لحظات ثم قال في حزم: - هل يمكنني رؤية الدم الذي قمت بتحليل بصمته الجينية؟! مرة أخرى لم يفهم خبير الأدلة الجنائية، ولكنه هزّ كتفيه، قائلا: - بالتأكيد.. ولكنها كمية قليلة، ولن تختلف نتائج فحصها عن النتيجة التي توصّلنا إليها هنا. كرّر رياض في حزم وصرامة: - هل يمكنني رؤيتها؟! مطّ الخبير شفتيه، وهز كتفيه، ثم اتجه إلى براد ذي واجهة، والتقط فيها قنينة صغيرة، وصنعها أمام رياض الذي أسرع يفتح حقيبته، ويلتقط منها ذلك المنظار ذا العدسات الداكنة، والذي أعاره إيّاه شقيقه راضي، ووضعه على عينيه؛ فسأله الخبير في حيرة: - ما هذا الشيء بالضبط؟! ولم يجِبه رياض.. أو لم يستطِع إجابته.. فحول القنينة الصغيرة، ومن خلال عدسات المنظار الخاص، كانت هناك هالة حمراء نصف داكنة.. هالة تعني أنه يتطلّع إلى دماء أكرم صدقي الحقيقي.. أكرم صدقي عالمنا.. مباشرة..
*** لثوانٍ، ألجمت المفاجأة لسان صوفيا، وبدا الأثر واضحا على ملامحها، حتى أن دونا كاترينا سألتها في قلق: - ماذا هناك؟! أشارت إليها صوفيا بالصمت، وهي تحلّ في صعوبة عقدة لسانها، قائلة: - كان المفترض أن تقوم بتسليم البرنامج لعميلي يا أكرم. نقل إليها الهاتف ضحكة ساخرة، طالما استفزتها، قبل أن تسمعه يقول: - بهذه البساطة؟! برنامج دفاعي يساوي المليارات، تريدين الحصول عليه بكبسة زر. قالت في حدة شرسة: - أنت تعلم أنك غير قادر على مخالفة أوامري. أجابها بنفس السخرية: - هراء.. أعلم أنك تستطيعين التحكّم في عقلي مِن بعيد يا صوفيا، ولكنك عندما قمت بحساب الأمر، تجاهلت نقطة شديدة الأهمية. لم تحِرْ جوابا، في انتظار أن يُكمل حديثه، وأدرك هو هذا، فتابع في صرامة، خلت من السخرية: - الإرادة يا صوفيا.. الإرادة البشرية التي تفوق أي جهاز إلكتروني مهما بلغت قوته. قالت في حدة: - مستحيل! استعاد ضحكاته الساخرة، قبل أن يقول: - لماذا إذن كانوا يلقّبونني ب"قاهر المستحيل"، أيام دفعتني الحماقة إلى المجازفة بحياتي طوال الوقت، من أجل راتب هزيل؟! عضت شفتها السفلى لحظة، ثم قالت في غل: - يبدو أنني قد صنعت وحشا. أجابها في استهتار: - بل صنعت منافسا قويا يا عزيزتي صوفيا.. والمنافس القوي لا يتنازل عن صفقة العمر لمنافسيه.. أليس هذا ما تقتضيه أصول اللعبة؟! عادت تعضّ شفتيها في حنق، قائلة في عصبية: - لا توجد منافسة من الأساس يا أكرم.. برنامج كهذا، ليس من السهل بيعه، دون أن تلاحقك مخابرات العالم كله. مرة أخرى أطلق ضحكة ساخرة، قبل أن يقول: - ولكنني عثرت على مشترٍ بالفعل يا صوفيا. وقسا صوته، وهو يضيف في صرامة: - مستر زد شخصيا. كادت أصابعها تعتصر الهاتف، وهي تصرخ: - مستحيل!! جاوبتها ضحكة ساخرة عالية، قبل أن ينهي المحادثة، تاركا عقلها ملتهبا كالحمم.. أو أكثر لهيبا.. ألف مرة..
*** "لا يوجد تفسير آخر...". قالها رئيس رياض في توتر شديد، جعل جسد هذا الأخير يرتجف مع تلك القشعريرة الباردة كالثلج، والتي سرت في جسده كله، من قمة رأسه، وحتى أخمص قدميه، وعندما حاول أن يقول شيئا، اختنقت الكلمات في حلقه، فسعل وتنحنح، ثم قال في صوت مبحوح، يموج بكل الانفعال: - ربما هناك تفسير آخر. ضرب رئيسه سطح مكتبه براحته، قائلا: - إليّ به. قلب رياض كفيه في حيرة وتوتر، دون أن يجد جوابا، فتابع رئيسه بكل توتره: - الأمر أوضح من أن تجد له تفسيرا آخر.. أكرم صدقي العالم الآخر وثب من الهليكوبتر ليواجه مجرم القرن، ثم عاد مجرم القرن إليك، واستولى على الهليكوبتر، وفرّ بها، ولم يعثر أحد على أكرم صدقي الآخر، فكيف يمكن أن تفسّر هذا؟! ظلّ رياض صامتا متوترا، فتابع رئيسه في صرامة، امتزجت بتوتره: - لقد واجه القرينان بعضهما البعض، بكفاءة متساوية، ولكن قرين عالمنا كانت له مزية كبيرة. انعقد حاجبا رياض، وهو يتطلّع إليه في انتظار الجواب، فأردف رئيسه: - إنه منعدم الأخلاق، ومجرم لا يشق له غبار. غمغم رياض في حنق: - أتراها مزية يا سيدي؟! أجابه في حدة: - على الأقل ستدفعه نحو خطوات لا يتوقّعها قرينه. ثم لوح بيده، مضيفا: - وبقعة الدم تثبت هذا. شعر رياض بألم حاد في ضميره لشعوره بأنه هو من أحضر أكرم الحقيقي إلى عالمه، وتمتم في توتر: - ولكننا لم نعثر على جثته. أجابه رئيسه في حدة: - لأن أحدا لا يعلم أين وكيف أخفاها مجرم القرن. ازدرد رياض لعابه في صعوبة، مغمغما: - سنواصل البحث، و.. قاطعه فجأة رنين هاتفه المحمول، فالتقطه من جيبه في سرعة، وقال عبره في اهتمام متوتر: - ما الجديد يا علي؟! ثم انعقد حاجباه في شدة، وهو يستمع إلى مساعده الذي ينقل إليه خبرا لم يتوقّعه.. على الإطلاق،،،
*** يُتبع * جهاز كشف الكذب: polygraph مخطاط متعدد، لكشف التغيرات الفسيولوجية في التنفّس والضغط وسرعة النبض، اخترعه جون.أ.لارسن عام 1921.
الحلقات السابقة: د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (1) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (2) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (3) الهدف أنت (4).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (5).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (6).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (7).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (8).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (9).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق