نفثت صوفيا جريشام دخان سيجارتها الرفيعة، في بطء واستمتاع، قبل أن تخفض عينيها إلى مستر زد، قائلة في ثقة ظافرة: - هذا حقيقى يا مستر زد.. أكرم صدقي صار اليوم تحت سيطرتي الكاملة. بدا الشك وعدم التصديق، وهو يتطلع إليها في صمت، طال حتى وجدت نفسها تضيف: - الفكرة قفزت إلى ذهني عندما وقع في يدي ذلك الاختراع الفذ، لشريحة إلكترونية دقيقة، في حجم ميكروسكوبي، يمكن دفعها عبر إبرة محقن عادي، في عنق أي فرد عادي، فتصدر ذبذبات خاصة، تجعل عقله ملك يمينك، يطيع أوامرك، وينفذ ما تدفعه إليه، دون أن يدرك حتى أنه يفعل. واصل مستر زد صمته لحظات، ثم تساءل في حذر: - لماذا إذن ما زال يحتفظ بكل قدراته ومهاراته؟! ابتسمت، وهي تنفث دخان سيجارتها مرة أخرى، ثم أجابت: - وما حاجتي إليه، لو لم يملك كل هذا؟! ثم مالت نحوه، مضيفة في حزم: - العبقرية ليست في أن تقضي على قاهر المستحيل، بل في أن تجند كل قدراته لصالحك. تراجع في مقعده، وهو يقول في اهتمام: - وهذا ما يبدو لي ناجحا، حتى هذه اللحظة. رفعت حاجبيها الجميلين وخفضتهما، وهي تقول: - أرأيت!! عاد يعتدل في حركة حادة، متسائلا في حزم: - ولكن ماذا تستهدفين في النهاية؟! أن يصير مجرما؟! هزت كتفيها، قائلة: - لقد صار بالفعل.. ولقد رأيت بنفسك، كيف أنه قد صار مجرم القرن كما يصفونه، وليس مجرد مجرم عادي. غمغم: - هذا صحيح. ثم استدرك في صرامة: - ولكن هذا الهدف لا يفيدنا بشيء. ابتسمت في ثقة، ولوحت بيدها الممسكة بسيجارتها، وهي تجيب: - لقد أفادنا بالفعل. وعادت تميل نحوه، مضيفة في ثقة: - وستدرك هذا، بعد أقل من ساعة واحدة. انعقد حاجباه في شدة، وهو يكرّر: - أقل من ساعة واحدة؟! اعتدلت في مقعدها، ونفثت دخان سيجارتها في بطء، وكأنها تتعمد أن تلهب أعصابه، قبل أن تقول: - منذ قليل، نجح أكرم صدقي في اقتحام مدينة البحوث العلمية، وحصل على تصميمات أحدث سلاح إلكتروني، ابتكرته العقول المصرية، وهو قادر على إيقاف عمل كل الأجهزة الرقمية، في لحظة واحدة، بحيث يصبح عدوهم أعمى، لا يملك رادارا، أو أجهزة توجيه رقمية، أو حتى نظم تصويب إلكترونية، فلا يعود قادرا على رصد طائرات تتجه نحوه، أو التصدّي لها.. باختصار، هذا السلاح سيحوّل أية مواجهة بين المصريين وأي عدو لهم إلى مواجهة بين القرن الحادي والعشرين، والقرن التاسع عشر. سألها مستر زد في انبهار: - وهل خرج به من مدينة البحوث العلمية بالفعل؟! ابتسمت ابتسامة كبيرة، وهي تقول: - إننا نتحدث عن قاهر المستحيل سابقا، ومجرم القرن حاليا. سألها في لهفة: - ومتى نستطيع الحصول على تلك التصميمات؟! أجابته في سرعة: - لقد أخبرتك. وعادت تنفث دخان سيجارتها الرفيعة، قبل أن تلقي ما تبقى منها إلى ركن الحجرة، مكملة، وعيناها الجميلتان تتألقان في ظفر: - بعد أقل من ساعة واحدة: وتضاعف انبهار مستر زد.. ألف مرة..
*** "هرب؟!".. صرخ رئيس رياض بالكلمة، في غضب رهيب، في وجه المفتش رياض، الذي بدا في حالة مزرية، يمسك أنفه، الذي لم يتوقف عن النزيف، إلا منذ قليل، بعد لكمة أكرم القوية، فغمغم هذا الأخير، في ألم واضح: - المفاجأة كانت أكبر من كل توقعاتي يا سيدي.. الرجلان نسخة طبق الأصل من بعضهما، وعندما غادرت ساحة القتال مع مجرم القرن، كنت أتصوّر أنني أغادرها مع أكرم صدقي الآخر، الذي أحضرناه من عالمه! هتف رئيسه في غضب: - بهذه البساطة؟! هز رياض رأسه، مغمغما في أسى: - مع الأسف. انقلبت سحنة رئيسه في غضب شديد، وحدجه بنظرة نارية، ثم دفع قدميه دفعا؛ للعودة إلى خلف مكتبه، قبل أن يقول في عصبية: - وماذا عن الآخر؟! التقط رياض نفسا عميقا، قبل أن يقول: - لا أحد يدري! هتف به رئيسه مرة أخرى: - ما الذي يعنيه هذا؟! رجلان داخل مدينة جديدة، يواجهان بعضهما بعضا، وكلاهما في مثل قدرات الآخر، وأحدهما عاد ظافرا، فأين ذهب الآخر؟! أهذا سؤال بهذه الصعوبة؟! صمت رياض لحظات، قبل أن يجيب: - قوات اللواء فتحي أعادت تمشيط المدينةالجديدة، وكل ما يحيط بها، مترا مترا، وشبرا شبرا، دون أن يسفر هذا عن العثور على أي مخلوق حي. ضرب رئيسه سطح مكتبه براحته، وهو يقول في حدة: - هذا يتعارض مع المنطق. غمغم رياض، وكأنه يحادث نفسه: - ومع الوقائع أيضا. ران على كليهما صمت مهيب، قبل أن يسأل رئيسه مرة أخرى: - وماذا عن قائد الهليوكوبتر؟! هل استجوبته بشأن ما حدث، بعد أن أفقدك مجرم القرن وعيك. أومأ رياض برأسه إيجابا، قبل أن يقول: - كل ما يعلمه هو أن مجرم القرن قد أجبره على الهبوط بالهليوكوبتر، خارج حدود تلك المدينةالجديدة، ثم استولى على الهليوكوبتر، وفر بها من المكان. سأله رئيسه في سرعة: - وماذا عن تقارير وحدات الرادار، ووحدات الدفاع الجوي؟! أجابه رياض بنفس السرعة: - الهليوكوبتر هبطت على بعد خمسة كيلومترات، من المدينةالجديدة، وتم العثور عليها قبل قليل، ولكن دون أن يعثروا على أي أثر لمجرم القرن، باستثناء بصماته داخلها. تراجع رئيسه في مقعده، ولاذ بالصمت والتفكير لحظات، قبل أن يقول في عصبية: - مهما كان أو حدث، فما زال السؤال الأساسي مطروحا. وعاد يميل إلى الأمام، مضيفا: - أين ذهب الآخر؟! وكان هذا هو السؤال بالفعل.. أين ذهب أكرم صدقي؟! أكرم عالمنا؟!
*** انطلقت تلك السيارة الرياضية الصغيرة، عبر شوارع القاهرة، متفادية مواقع أكمنة الشرطة، التي انتشرت في العديد من الشوارع، مسترشدة بجهاز تحديد مواقع عالمي GPS، من نوع خاص، تمت برمجته سلفا؛ ليقودها إلى نقطة بعينها، على أطراف مدينة القاهرة.. وفي داخلها بدا أكرم صدقي هادئا واثقا، وكأنما هو في نزهة جميلة، وليس شخصا مطلوبا، على أعلى درجة من الأهمية والخطورة، على مستوى مصر كلها.. وأمام منزل من طابقين، توقفت سيارة أكرم، وهبط هو منها بنفس الهدوء، وتلفت حوله، ثم اتجه نحو باب المنزل، وأخرج من جيبه بطاقة ممغنطة، مررها في جهاز صغير، إلى جوار الباب، فانفتح الباب في هدوء، ليعبره هو، ثم يغلق خلفه في إحكام.. ومع انغلاق الباب، أضيئت الأنوار على نحو تلقائي، وظهر رجل أصلع، ضخم الجثة، يقف في منتصف قاعة كبيرة، استقبل أكرم بابتسامة كبيرة، وهو يقول: - نجحت كالمعتاد. اكتفى أكرم بابتسامة هادئة، دون أن يجيب، فمد إليه الأصلع يده، قائلا: - هل أحضرت المطلوب؟! أجابه أكرم في هدوء: - ومن أنت لأعطيك إياه؟! بدا الأصلع غاضبا، صارما، وهو يقول في حدة: - أنا من ينبغي أن تعطيني إياه. ابتسم أكرم ابتسامة ساخرة، وهو يقول: - وماذا لو رفضت؟! هل ستحاول الحصول عليه بالقوة؟! قالها أكرم، وهو يضم قبضته، فتطلع إليها الأصلع لحظات، مستعيدا كل ما سمعه عن قدرات أكرم، وساد صمت ثقيل لحظات، ثم التقط الأصلع هاتفه الخاص، وطلب رقما قصيرا، ثم قال في صرامة وعصبية: - إنه يرفض منحي ما جئت لأجله. استمع إلى الطرف الثاني لحظات، ثم غمغم: - فليكن.. سأنتظر. قالها، وأعاد هاتفه إلى جيبه، ثم عقد كفيه أمامه، وتطلع إلى أكرم في اهتمام، فعاد أكرم يبتسم في سخرية، قائلا: - هل تنتظر نجدة من السماء؟! حاول الأصلع أن يبتسم، وهو يقول: - بل من رأسك. مع نهاية عبارته، انعقد حاجبا أكرم، وبدا وكأنه يعاني ألما ما، ثم لم يلبث أن رفع كفيه إلى رأسه، يمسكه بكليهما، وكأنه يحاول منعه من الانفجار، فاتسعت عينا الأصلع، وهو يقول: - استسلم يا مجرم القرن.. لن تستطيع المقاومة طويلا. بدا وكأنه على حق في قوله هذا، فقد تضاعفت ملامح الألم على وجه أكرم، وأحنى رأسه، وهو ما زال يمسكه بكفيه، وندت من بين شفتيه آهة ألم، جعلت الأصلع يقول في ظفر: - ما رأيك في الحديث عن القوة الآن؟! وفي هدوء، اتجه نحو أكرم، مضيفا: - كان الأفضل لك أن تعطيني ذلك الشيء بنفسك، بدلا من أن أنتزعه من جثتك. تعالت آهات الألم، من بين شفتي أكرم، والأصلع يقترب منه.. ويقترب.. ويقترب.. ومع ابتسامة واسعة كبيرة، مد يده إلى جيب أكرم، و.. وفجأة، قبضت يد أكرم على معصمه بأصابع من فولاذ، على نحو جعل الأصلع يرتجف في قوة، وتتسع عيناه عن آخرهما، مع ابتسامة أكرم الساخرة، وهو يعتدل بكل الحيوية والنشاط، قائلا: - بمناسبة الحديث عن القوة. وكانت مفاجأة.. مذهلة.
*** يُتبع الحلقات السابقة: د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (1) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (2) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (3) الهدف أنت (4).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (5).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق الهدف أنت (6).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق