"تم إخلاء المبنى تماما يا سيادة اللواء".. نطق ضابط أمن مدينة الأبحاث العلمية العبارة، في لهجة عسكرية تقليدية، وهو يؤدي التحية للواء فتحي، الذي شدّ قامته، وهو يقول في صرامة: - أطلقوا أسطوانات الغاز. رفع ضابط الأمن جهاز الاتصال، إلى شفتيه؛ ليلقي أوامر إطلاق الغاز، ولكن هاتفه المحمول انطلق في هذه اللحظة، فانعقد حاجباه، وهو يلقي نظرة على شاشته، مغمغما في توتر: إنه المفتش رياض.. المسئول عن عملية مجرم القرن. أجابه اللواء فتحي في صرامة: - لقد وصل متأخرا.. أطلق أسطوانات الغاز أوّلا، ثم أجب اتصاله. غمغم الضابط في تردّد: - ولكن ربما.. قاطعه اللواء بصيحة هادرة: - أطلق الغاز. أسرع الضابط يصدر أوامره إلى رجاله بإطلاق أسطوانات الغاز، داخل المبنى الرئيسي، ثم ضغط زرّ الاتصال في هاتفه، وهو يقول في توتر: - سيادة المفتش. هتف به رياض عبر الهاتف: - أوقفوا عملية إخلاء المبنى فورا. بلغ صوته المرتفع مسامع اللواء فتحي، فانعقد حاجباه في شدة، في حين ارتفع حاجبا الضابط في دهشة، وهو يقول في اضطراب: - ولكن الإخلاء قد تم بالفعل يا سيادة المفتش. فوجئ بالمفتش رياض يصرخ فيه: - أيها التعس.. لقد أفسدت كل شيء! لم يدر الضابط ماذا يقول، وهو يدير عينيه في ارتياع إلى اللواء فتحي الذي انعقد حاجباه أكثر، وهو يتمتم في صوت خافت، يموج بالانزعاج: - أي قول هذا؟! تغّير صوت رياض، عندما اختطف أكرم جهاز الاتصال من يده، هاتفا: - هل انفصل أحد رجالك عن الفريق، دون مبرّر واضح؟! أدار الضابط عينيه فيما حوله، وهو يغمغم في توتر: - كيف علمت هذا؟! أحدهم انفصل بالفعل، متجها نحو واحدة من السيارات المدرّعة، التابعة ل.. قاطعه أكرم في سرعة وحزم: - لا تدعه يصل إليها.. مرْ رجالك بإيقافه فورا. لم يستوعب الضابط أو اللواء الأمر، وعندما انتزعا نفسيهما من دهشتهما، كان ذلك الذي انفصل على بعد خطوة واحدة من السيارة المدرّعة، فأشار إليه اللواء، هاتفا: - أوقفوا هذا الرجل. لم يستوعب رجاله أيضا هذا الأمر، الذي يطالبهم بإيقاف أحد زملائهم.. وأضاعوا ثانية.. ثانية واحدة فقط.. وبالنسبة لأي شخص عادي، تُعتبر الثانية زمنا قصيرا للغاية.. ولكن ما فعله فيها ذلك الرجل، الذي انفصل عن الباقين، جعلها تبدو أشبه بدهر كامل!! لقد استوعب الموقف قبل الباقين، فوثب في خفة مذهلة، يفتح باب السيارة المدرّعة، ويلكم سائقها، ثم يدفعه خارجها، وهو يدير محرّكها في الوقت نفسه.. وعندما تحرّك الرجال، بعد استيعاب الموقف، كان هو ينطلق بالسيارة المدرّعة، بأقصى سرعة تسمح بها محركاتها.. وعلى الفور، انطلقت الرصاصات خلفه كالمطر، وارتطمت كلها بدروع السيارة، وارتدّت عنها في عنف، دون أن تنجح في إيقافها، في حين اندفعت هي تخترق الأسوار القوية المكهربة، المحيطة بالمدينة، وتنطلق مبتعدة عنها.. وعبر جهاز اتصاله الخاص، صرخ اللواء في طائرات الهليوكوبتر، المحيطة بالمكان: - طاردوا هذه السيارة الهاربة.. أوقفوها بأي ثمن. دارت طائرات الهليوكوبتر كلها، واندفعت تطارد السيارة، التي واصلت طريقها، عبر المنطقة الخالية، المحيطة بمدينة الأبحاث العلمية، متجهة نحو منطقة سكنية تحت الإنشاء، تبعد كيلو مترين فقط عن المكان.. وعبر جهاز الاتصال، تساءل أحد قائدي طائرات الهليوكوبتر: - سيادة اللواء.. هل نكتفي بمطاردتها، أم.. قاطعه اللواء، في توتر صارم: - قلت أوقفوها بأي ثمن.. أطلقوا عليها النار.. انسفوها لو اقتضى الأمر، ولكن لا تسمحوا لها، أو لقائدها بالفرار أبدا. مع هذا الأمر، وعلى الرغم من ثقة الطيّارين بأن رصاصات مدافعهم لن تكفي لنسف سيارة مدرّعة، من هذا الطراز الحديث شديد التصفيح، إلا لو تواصلت على نحو متصل، راحوا يمطرون السيارة برصاصاتهم، وهي تواصل انطلاقها، في مسار شديد التعرّج، يشفّ عن براعة قائدها وحنكته وجرأته، على الرغم من الرصاصات، التي ترتطم بجسمها في قوة، حتى بلغت تلك المباني الجديدة، التي لم يكتمل إنشاؤها بعد.. ولأن قائد طائرات الهليوكوبتر الأمنية، كان يدرك صعوبة مواصلة المطاردة، إذا ما بلغت السيارة المدرّعة تلك المباني، فقد هتف عبر جهاز الاتصال: - سيادة اللواء.. أطلب الإذن بقصف السيارة بالصواريخ. صاح به اللواء فتحي: - وهل تنتظر الإذن بهذا؟! قلت: أوقفوها بأي ثمن. حمل صوت قائد الهليوكوبتر توتره، وهو يقول: - لا بد من أمر مباشر يا سيادة اللواء، فالقانون يمنع استخدام الصواريخ داخل المدن، و... قاطعه اللواء بصيحة هادرة: - اقصفها يا رجل، قبل أن تضيع الفرصة.. اقصفها.. هذا أمر. كان قائد الهليوكوبتر متحفزّا للقصف بالفعل، كما أن الهليوكوبتر كانت على مشارف تلك المدينةالجديدة بالفعل، لذا فما أن آتاه الأمر المباشر، حتى ضغط زر الإطلاق على الفور.. وانطلق الصاروخ نحو السيارة المدرّعة.. وأصابها مباشرة، و.. ودوى الانفجار.. وبمنتهي العنف..
*** "لقد نسفوه!!" تراجع رياض بحركة حادة، وهو يهتف بالعبارة، مع ذلك الوهج، الذي بدا واضحا، والهليوكوبتر التي تحمله مع أكرم صدقي، الذي انعقد حاجباه، وهو يغمغم: - حقا؟! كانت طائرات الهليوكوبتر الأمنية تدور حول السيارة، التي نسفها الصاروخ نسفا؛ للتيقّن من تمام تدميرها، وارتفع صوت قائدها، عبر جهاز الاتصال، في هليوكوبتر رياض، وهو يقول في صرامة: - إلى قائد الهليوكوبتر القادمة.. عرّف عن نفسك. التقط رياض جهاز الاتصال في سرعة، وهو يقول في صرامة: - المفتش رياض.. . من الأمن العام.. أبلغني فورا. آتاه صوت قائد طائرات الهليوكوبتر، يجيب في ارتياح: - مرحبا يا سيادة المفتش.. . ننتظر قدومك بالفعل.. أظن أن مهمتك قد وضعت أوزارها يا سيّدي.. لقد نسفنا مجرم القرن على التو. انعقد حاجبا أكرم في شدة، وسرت في جسده، وربما لأوّل مرة في حياته، قشعريرة باردة، لم يختبر مثلها من قبل قط.. نسفوه!! نسفوا قرينه، في هذا العالم الموازي!! يا له من شعور عجيب، أن يسمع المرء بنفسه خبر مصرعه!! وبينما يتراجع في مقعده مفكّرا، سمع رياض يجيب قائد طائرات الهليوكوبتر في توتر: - تيّقن أوّلا، قبل أن تجزم يا رجل. بدت دهشة قائد طائرات الهليوكوبتر الأمنية واضحة، وهو يقول: - ولكننى أطلقت الصاروخ نحو السيارة، وهي تنطلق بالفعل يا سيادة المفتش، ورأيته بنفسي ينسفها نسفا. صاح به رياض في صرامة: - تيّقن أوّلا. اعتدل أكرم يقبض على معصمه فجأة، وهو يقول في حزم: - ليس بعد. التفت إليه رياض في دهشة، يسأله: - ماذا تعني؟! أجابه أكرم بنفس الحزم: - مر طائرات الهليوكوبتر بالتراجع فورا. في هذه المرة، اتسعت عينا رياض عن آخرهما، وهو يحدّق فيه بكل الدهشة، قبل أن يقول في حدة: - هل تعلم بم سيتهموننى، لو أنني أمرت بهذا؟! حمل صوت أكرم كل صرامته، وهو يقول: - هل تعلم أنت، إن لم تنفذ ما أطلبه منك، فلن تكون هناك جدوى من تركى عالمى، والحضور معك إلى عالمك؟! تطلّع إليه رياض بضع لحظات في صمت، ثم قال في توتر: - أفلت معصمي. حلّ أكرم أصابعه من حول معصم رياض، الذي تنحنح في توتر شديد، ثم ضغط زر الاتصال، وهو يقول في توتر شديد: - ابتعدوا عن المكان فورا. هتف قائد طائرات الهليوكوبتر بكل دهشته: - ماذا؟! أجابه رياض، في حدة صنعها توتره الشديد: - هل سمعت ما أمرتك به؟! سادت لحظة من الصمت، قبل أن يجيب قائد طائرات الهليوكوبتر: - كما تأمر يا سيادة المفتش. شاهد اللواء فتحي، عبر منظاره المقرّب، طائرات الهليوكوبتر تتراجع، فهتف في قائدها، عبر جهاز الاتصال: - ماذا تفعلون؟! ابقوا في المكان، حتى نصل إليكم. أجابه القائد بكل توتره: - سيادة المفتش رياض، المسئول عن ملف مجرم القرن، أمر بأن يتراجع الجميع، عن منطقة الانفجار. كان اللواء ينطلق بالفعل، على رأس فريق رجاله الخاص، نحو منطقة المدينةالجديدة؛ للتيقن من مصرع مجرم القرن، لذا فقد عقدت الدهشة لسانه لحظة، قبل أن يغمغم: - أمر بالتراجع؟! لماذا؟! لم يجد قائد طائرات الهليوكوبتر الأمنية، سوى أن يقول بكل توتره: - هو المسئول عن الملف كله، يا سيادة اللواء. في نفس الوقت، الذي كان اللواء يحاول فيه استيعاب الموقف، أشار أكرم صدقي إلى سطح أحد مبانى المدينةالجديدة، وهو يقول بلهجة آمرة: - انخفض نحو هذا السطح. أطاعه قائد الهليوكوبتر على الفور، بعد أن أدرك من محادثته مع المفتش رياض، أنه من يقود المهمة، في حين تساءل رياض في توتر: - ماذا تنوي أن تفعل؟! تطلّع إليه أكرم لحظة في صمت، قبل أن يجيب: - سترى. لم يرضِ هذا الجواب رياض، فهتف في عصبية: - المفترض أنني المسئول الأوّل عن هذا الملف. أجابه أكرم في صرامة: - قم بما ينبغي عليك فعله إذن. تراجع رياض معقود الحاجبين في غضب متوتر، في حين تساءل قائد الهليوكوبتر، وهو يقترب من السطح: - هل تريد مني أن أهبط هناك؟! أجابه أكرم في حزم: - اقترب فحسب. تساءل رياض في توتر، عما ينتوي أكرم فعله، وعقد ساعديه في عصبية، وهو يتابع اقتراب الهليوكوبتر من ذلك السطح، الذي أشار إليه أكرم، والذي قال بكل الحزم: - لا تتوقف لحظة واحدة.. واصل التحليق حول المكان بضع لحظات، كما لو أنك تتفقد موضع الانفجار فحسب، ثم ابتعد كما فعل أقرانك. اعتدل رياض، يسأله في عصبية: - ثم ماذا؟! ولكنه لم يحظ منه بجواب مباشر.. هذا لأن أكرم قد ألقى أمره الأخير، ثم وثب من الهليوكوبتر نحو السطح.. مباشرة.
*** يُتبع الحلقات السابقة: د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (1) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (2) د. نبيل فاروق يكتب.. الهدف أنت (3) الهدف أنت (4).. حلقة جديدة لدكتور نبيل فاروق