السلام عليكم.. أنا في مرحلة طلاق وجالسة عند أهلي وعندي بنتين 6 و8 سنين، والبنت الكبيرة مش مستوعبة إني راح أترك أبوها ودايم معصّبة وتصرخ عليّ، وكأني أنا اللي مش عاوزة أبوها.. وأنا مش مقصرة معاها أبدا، ودايم أفهمها، ولما حد من إخواتي يقول هنجوز أمك تزعل وتصرخ وتعصّب عليّ وتقول لا لا.. طيب كمان مش متقبلة الوضع الجديد عند أهلي بالرغم من توفر كل شيء لها واللي تطلبه يكون عندها.. وكمان دايم تضرب أولاد أخوالها وأختها الصغيرة، وأنا أخاف أتجوز ثاني وتكرهني وتحقد عليّ؛ لأنها دايم تقول ماما ما تتركيني وتروحين تتجوزين، وأصلا البنات متعلقات فيني كتير. وشكرا وجزاكم الله خير، أرجو الرد بأقرب وقت؛ كي أفهم بنتي وأصل معها إلى لغة حوار تفهمني وتقدر وضعي وأنه مو بيدي إني اتطلقت.
Jouf
أهلا وسهلا بك سيدتي، وأعانك الله على هذه المرحلة؛ ولكنني أودّ أن أوضح لك أنه من المهم جدا أن تتفهّمي مشاعر ابنتك الداخلية حتى تتمكني من احتواء تصرفاتها الخارجية التي تزعجك؛ فالطلاق بين الأبوين يقع وكأنه كالزلزال تماما على الأبناء، ولكن هذا الزلزال يكون زلزالا نفسيا؛ يجعل الطفل يشعر وكأن الأرض الثابتة التي كان يترتكز عليها صارت تهتزّ، وكأن كل ما كان ثابتا يبعث على الأمان والاطمئنان يتحرّك بشدة وعشوائية! فكيف ستكون توقعاتك أنت لو حدث زلزال تحت قدميك يجعلك ترين كل ثابت وقوي يهتز ويسقط؟ هكذا هي كما تشعر تماما الآن؛ فتوقعاتها كلها لن تكون جيدة أو طيبة، فهل يأتي الزلزال أبدا بخير؟ لذا بدلا من إضاعة الوقت في الكلام فقط والذي غالبا لا يتحدث عن مشاعرها هي وكله دفاع عن نفسك أو شكوى فلتترجميه للفعل الصادق الواعي، وللغة جسد مطمئنة؛ بالربت والاحتضان والنظرة الحانية؛ فتصل لها رسالة منك مفادها أنني أشعر جدا بمشاعرك التي أعترف لك فيها أنها فعلا مخيفة ومؤلمة وقاسية، بل وأقدرها ولا أقلل من شأنها أو أتنكر لها أو أتجاهلها.. وهو ما يعرف بمهارة "التعاطف"؛ فابنتك تحتاج لأن تشعريها بأنك تتفهمين وتحترمين وتشاركين مشاعر خوفها وحزنها وألمها وفراق والدها وتوقعاتها السيئة، فتفتح لك الباب لتتناقشي معها بهدوء وتطمئنيها أنك بجانبها، وأنك لن تتركيها تصارع تلك المشاعر وحيدة، وتبثي في رأسها التفكير الإيجابي للتعامل مع ما حدث.. كذلك التغيير الجذري في المناخ الاجتماعي والدراسي والرياضي إن كان موجودا حين يحدث في ظل وجود أسرة كاملة ومستقرة وليس في أسرة غاب عنها أحد الوالدين تحدث لدى الابن ما يعرف باضطراب عدم التوافق، أو اضطراب التكيف؛ فابنتك غيرت مكان معيشتها، وأصدقاءها ومدرستها، وجيرانها، وشارعها، وحجرتها، أي تاريخها كله الذي تملكه على المستوى المادي والمعنوي؛ فمن أهم أساسيات استقرار الإنسان وأمانه أن يكون منتميا لجماعة، لمكان، لفكر... إلخ. فلقد خُلعت من المكان والجماعة التي كانت تنتمي إليها؛ كل هذا يجعلها تتأذى وترفض هذا الوضع الجديد الذي جعلها تترك كل ما تعلقت به وكان أساسيا في حياتها ووجدانها؛ كذلك فراقها لوالدها؛ فهو لم يعد زوجك نعم أو حتى لا يصلح لك كزوج؛ ولكنه بالنسبة لها أبوها الذي تحبه وتحتاج لوجوده مهما وجدتِه أنت سيئا كزوج، فهي تحتكّ به في مساحة "الأبوة" وليس مساحة "الرجولة والمسئولية". كذلك كيف كان الطلاق بينكما؟ هل كان راقيا أم كان فيه تدهور في التصرفات والأخلاق؟ هل كان هناك تشويها لأحدكما من أي منكما؟ هل استخدمتما الأبناء بينكما كورقة ضغط أو عمل فريق وكأنه ضد فريق؟ كيف كانت التعاملات والشجارات؟ كل تلك الأمور لها أثرها البالغ فيما تتعرض له الابنة الكبرى؛ لأنها أكثر إدراكا وواقعية عن أختها الصغرى؛ حدثتك عن غالب وليس كل ما تتعرض له ابنتك من ضغوط قد لا ترينها بتلك العين؛ حتى تتعاملي معها بوعي ونضوج.. فالطمأنة هي أهم ما يمكنك القيام به لتستقر نفسيتها، فتطمئنيها على كونك بجانبها ولن تتزوجي أبدا الآن، ولن تتزوجي إلا برضاها، وأن تتحدثي عن والدها بالخير دوما وأنها سوف تراه ويزورها ويحضر معها المناسبات المختلفة؛ كعيد ميلاها وتكريمها في المدرسة ورياضتها كلما سمحت له الظروف، وتتعاملي معها ومع أختها دون توصيل رسالة أنهما صارتا في وضع غير الوضع السليم المتعارف عليه؛ لأنهما ستشعران بذلك وسيكون له أثر عليهما.. فمجتمعاتنا ما زالت تتعامل مع الطلاق وأبناء الطلاق بتخلّف، عليك أن تَجبُريه بالتلقائية والطبيعية؛ فالأسرة ما زالت قائمة حتى مع غياب أحد مكونيها بشكل جزئي؛ ففتاتك حين تجد منك التفهم والتقبل لمشاعرها، والطمأنة، وتعاملك المحترم الجيد مع والدها، وتواجد الأب في حياتها رغم انفصالكما على مستوى الزواج لكنكما موجودان على مستوى الوالدية سيفرق كثيرا معها، وستخفت عصبيتها وتتعلم أن تعبر عن مشاعرها بغير الصراخ والغضب والشجار، فتتعلم "الحوار" والتفهم هي كذلك، وستفهم منك أنك ووالدها لم تعودا زوجين لعدم وجود تفاهم بينكما.. ولكنكما كما أنتما تماما وستظلان -حتى لو تزوجت- والديها اللذين يشاركانها ما يتعلق بها وبأحلامها وبهمومها، وتناقشان بعضكما بعضا فيما يتعلق بمتطلباتها ومواجهة مشكلاتها وتوجيهها؛ أعلم أن ما حدثتك عنه هو الوضع المثالي الراقي للتعامل مع الطلاق؛ وعليك أن تحاولي قدر الإمكان ألا تبتعدي كثيرا عن هذا الوضع، وبقدر ما ستبتعدين بقدر ما ستحاولين أن يكون التعويض عن طريق التفهم، ومهارة التعاطف والطمأنة وتوجيه الطاقة في الأنشطة والهوايات والنجاحات والإنجازات، ولكن مع عدم التفريط في وضع قوانين ودستور يتضح فيه وبشكل جيد جدا المقبول وغير المقبول في السلوكيات والأخلاق والتعاملات؛ حتى لا يحدث تدليل أو يكون التعويض كله ماليا أو عينيا؛ فنضرها من حيث لا نعلم. حدثتك عن نصف ما أردت قوله، ولكن أنا أراهن على ذكائك وقدرتك على الاحتواء؛ لأنك تهتمين بصدق لاستقرارهما نفسيا إن شاء الله.. فتوكلي على الله واستعيني به تعالى واسأليه التوفيق وستجدين خيرا بإذنه تعالى.