على خلفية التوتر الحادث بين مصر وأمريكا بعد فتح الأولى ملف المنظمات الأهلية غير القانونية والمتهم فيها 44 شخصا منهم 19 أمريكيا وبلغت حدة الأزمة بين الجانبين ذروتها بقطع الوفد العسكري المصري زيارته الي واشنطن، اعتراضا علي اللهجة الامريكية في التعامل مع مصر في ملف المعونات، حيث حذر أعضاء بارزون فى الكونجرس من قطعية مع مصر. قمنا باستطلاع آراء عدد من الخبراء العسكريين حول مدى جدية الجانب الأمريكي في الإقدام على قطع المعونة عن مصر حيث أكدوا علي أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها فعليا قطع المعونة الاقتصادية والعسكرية عن مصر لعدة اعتبارات اهمها ان المعونة ليست منحة من الجانب الامريكي والادارة الامريكية تعي تماما قدرة مصر علي الاستغناء عنها تمامًا، وأن التلويح بقطعها عن مصر هو وسيلة ضغط سياسي ليس أكثر.
اللواء عبد المنعم سعيد -الخبير العسكري- أوضح أن المعونة الأمريكية لمصر لا تصرف في شكل أموال، وإنما يتفق علي إنفاقها في أوجه صرف، منها شراء قطع غيار أو صيانة معدات عسكرية، أو نقل خبرة في مجالات معينة، وأن هذه المعونة منصوص عليها في اتفاقية كامب ديفيد على أن تمنح بالتساوي بين مصر وإسرائيل لكي تضمن التزام الجانب المصري بالسلام وتضمن نوعًا من التوازن في التسليح مع إسرائيل.
وأشار سعيد إلى أن أمريكا تعي جيدًا أن مصر بإمكانها الاستغناء تمامًا عن المعونة، وأنها مطلب أمريكي أساسًا قبل أن تكون مطلبًا مصريًا، فالولاياتالمتحدة يهمها أن تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع مصر، لما لها من دور إقليمي واسع في المنطقة العربية، كما أنها تستفيد في أمور أخرى مقابل هذه المبالغ.
ولفت اللواء سعيد إلى أن ما أشعل الموقف بين مصر والولاياتالمتحدة مؤخرًا؛ هو أن الأخيرة لم تتعود على أن يقال لها "لا"، مثلما حدث من قبل المجلس العسكري في قضية المنظمات الحقوقية، مشيدًا بالموقف الوطني من قبل القائمين على القرار المصري، ومطالبًا بضرورة وجود موقف شعبي داعم للموقف الرسمي.
من جانبه، أوضح اللواء ممدوح عطية -مدير إدارة الحرب الكيماوية الأسبق- أن الإدارة الأمريكية "مرتبكة" في شأن علاقتها بمصر في مرحلة ما بعد الثورة، خاصة في ظل الصعود المتنامي للتيارات الدينية التي تقف موقفًا معاديًا من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهو ما دفع رئيس الأركان الأمريكي لزيارة مصر بعد قطع الوفد المصري زيارته إلى هناك، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن العقل المصري يعي ويقدر أهمية خيار السلام مع إسرائيل في الوقت الراهن، وهو ما يهم أمريكا.
واعتبر اللواء سامح أبو هشية -الخبير العسكري- التلويح الأمريكي بقطع المعونة العسكرية عن مصر قرارًا خاطئًا لأنها تعرف أن القاهرة تفرق بين الولاء والانصياع لأمريكا وبين الحفاظ المصالح المشتركة معها.
وقال إن الجانبين المصري والأمريكي بصدد إعادة صياغة العلاقة فيما بينهما وفق قواعد القوة بعد الثورة.
وشدد أبو هشيمة على أن تكلفة قطع المعونات عن مصر أكبر بالنسبة للولايات المتحدة فهي تعلم أن ثمن ذلك سيكون حرية أكبر في القرار المصري، ومن ثم تهديد لأمن إسرائيل، كما أن دور مصر القيادي في المنطقة يجعلها "رمانة ميزان" للحفاظ على توازن العلاقات مع جميع الأطراف، وأن مصر بإمكانها طلب تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل إذا قامت بقطع المعونة.
اللواء أبو هشيمة ألمح إلى أن الظروف الاقتصادية التي تمر بها الولاياتالمتحدة تدفعها إلى تقليص حجم المعونات الخارجية، وفي هذا المجال أمامها خياران؛ إما أن تخفض على الجميع أو أن تتخلي عن دعم بعض الدول وهو أمر لن ينطبق على مصر لأهمية دورها في المنطقة، ومن هنا رأى المفاوض المصري أنه ليس من مصلحته الحديث حول المعونة في الوقت الراهن، فكان انسحاب الوفد العسكري المصري وقطع الزيارة.
أبو هشيمة لفت إلى أن الوفد المصري كان يناقش معونة عام 2013 لأن قيمة المعونة السنوية لعام 2012 صدق عليها الكونجرس بالفعل، مؤكدًا على أن الفترة الانتقالية التي توقع أن تستمر أربع سنوات مقبلة هي مدة رئاسة أول رئيس جمهورية ستتسم بعدم وضوح الرؤية في العلاقات بين الجانبين المصري والأمريكي.
اللواء جمال حواش من ناحيته نبّه إلى أن المجلس العسكري يحكم لفترة مؤقتة، وبالتالي فإنه يمتلك حرية أكبر في التصرف بما لا يؤثر علي مصير العلاقات مع أمريكا، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها قطع المعونة لأنها أحد وجه إقامة التوازنات الاستراتيجية، وهي أداة سياسية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية مع مشروع مارشال لمساندة الدول المهزومة في الحرب.