المعروف والمثبت في الدستور واللوائح والقوانين، أن التليفزيون المصري والصحف القومية هي مؤسسات عامة تعود ملكيتها إلى شعب مصر، بينما يثبت الواقع يوماً بعد يوم أنها مملوكة للرئيس -أي رئيس- وأعوانه، وحاشيته، ورجال السلطة، رغم أن الرواتب والحوافز التي يتقاضاها كتبة النظام وخدمه، مصدرها الوحيد هو جيوبنا! في الإعلام الحكومي ستجد الشيزوفرينيا والتناقض في أبلغ صوره.. ستجد الفنانين يسبّون ويلعنون الحكومة في كواليس البرامج، قبل أن يظهروا على الشاشة ليؤكدوا أن السيد الرئيس هو راعي الفن والفنانين! ستجد المعدّين والمخرجين يشتكون غلاء المعيشة، وعدم وجود 20 جنيه على بعض في جيوبهم، لكنهم ينتقون فقط من يشيد بالحكومة والمسئولين من الجمهور العادي الذي يتصل لعمل مداخلة تليفونية، أو الذين يأخذون آراءهم أمام الكاميرات في تقارير الشارع التليفزيونية.. ستجد المحرر الشاب الثائر الذي عاد للتوّ من الشارع ومعه آراء البسطاء الحقيقية، وفضائح المسئولين الكبار، قبل أن يوبّخه رئيسه في العمل على كتابة مثل هذا التخريف، ويُلقي الورق في وجهه بغضب وحنق صائحاً فيه: "روح غيّر الهبل اللي أنت كاتبه ده.. أنت عايز تودينا في داهية؟".
رغم كوني ضد العنف، وأحد الملايين الذين رددوا في ثورة 25 يناير المجيدة "سلمية.. سلمية"، فإنني لا ألوم متظاهرين أخذهم الحماس، وحاولوا أن يقتحموا مبنى "ماسبيرو" ليطهّروه من النفاق، والزيف، وخلط الوقائع بالأكاذيب، واختيار أنصاف الحقائق لتضليل الرأي العام، ونشر الفتنة بين الصفوف حتى ينجح النظام مرة أخرى في فرض سيطرته واستحواذه على إرادة الشعب من جديد، ولولا حكمة الجيش، وتمكّن ضباطه وجنوده من ضبط النفس، لسالت الدماء أنهارا بين كلا الطرفين، قبل أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتنتصر إرادة الشعب.
الآن وطبقاً لقناة العربية يتم التحفظ على أنس الفقي وزير الأكاذيب (الإعلام سابقا)، ولا بد أن يتم التحفّظ على غيره من رؤساء تحرير الصحف القومية، ورؤساء مجالس إدارة تلك المؤسسات الصحفية، الذين عبدوا النظام، وكتبوا إملاءاته المزيّفة، ووزّعوها على الشعب؛ ليضللوا البسطاء.
لا بد أن تتم محاكمتهم بتهمة خيانة العظمى؛ لأن من يخون أمانة الكلمة، ويخدع الأمة، ويغرقها في أكاذيب متعمّدة مع سبق الإصرار والترصّد؛ لحماية أسياده من اللصوص والمزورين، رغم أنه يتقاضى راتبه وحوافزه من جيب الشعب المضحوك عليه، لهو العميل الحقيقي للفاسدين والمفسدين، وليس شباب التحرير الذين اتّهموه بقبض الدولارات والأكل من كنتاكي!
الآن يثور الشرفاء من المحررين والعاملين بتلك المؤسسات الصحفية والإعلام الحكومي ضد رؤسائهم المزوّرين.. الآن يخرج الكبت المحبوس من سنوات طويلة ما دام البعض قد اضطر فيها أن يكتب ما يخالف ضميره تحت ضغط الترهيب والترغيب.. الآن تتغير السياسات التحريرية وخطة العمل لإعلامنا الحكومي الكاذب، لنسترده من بطش النظام الراحل، وتعود معلوماته وأخباره نقلاً حقيقياً عما يجري في الشارع المصري، وليس شوارع سويسرا التي كانوا ينقلون أخبارها ويصدّرونها لنا باعتبارها أخبارا مصرية، فلا تتركوا إعلامنا المملوك لنا يضيع منا مرة أخرى، ويكذب علينا من جديد.
نكتة أخيرة خبر عاجل: رؤساء تحرير الصحف القومية قاموا بسحب كل كميات "البامبرز" من الأسواق والصيدليات ورغم ذلك لم تكفهم.. على الإطلاق!