تنسيق الجامعات 2025.. 70 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    صراع بين مرشحي الشيوخ بالشرقية لكسب أصوات الناخبين    وزير الشباب والرياضة يزور رئيس مجلس الدولة لتقديم التهنئة    7.53 صادرات مصر لأعلى خمس دول خلال 4 أشهر من 2025    فنادق مرسى علم تحتفل باليوم الوطني البلجيكي    رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها    عملية خطف في غزة.. الاحتلال يستهدف مدير المستشفيات الميدانية    أمجد الشوا: العالم بات يتعامل بلامبالاة خطيرة مع ما يحدث في غزة    الكرملين: بوتين وترامب قد يلتقيان فى الصين سبتمبر المقبل    اليوم وديا .. بيراميدز يواجه "باندرما سبور" في معسكر تركيا    محمد إسماعيل مستمر فى معسكر زد.. وحسم موقفه النهائى مع الزمالك الليلة    الشناوي يعلق على كثرة النجوم في غرفة ملابس الأهلي    ريال مدريد يتمسك بأمل التعاقد مع إبراهيما كوناتي.. وليفربول يرفع سقف المطالب المالية    منتخب مصر للسلة يواجه إيران في بطولة بيروت الدولية الودية    بتروجت يعلن ضم عمر بدير لاعب الأهلي لتنس الطاولة    في مشهد صادم.. مصرع وإصابة 10 أشخاص بسبب سيارة تسير عكس الاتجاه| صور    مأساة دلجا بالمنيا تتفاقم.. فرحة ووالدها يصرعون المجهول بحثا عن الحياة والنيابة تواصل التحقيق    اليوم.. تعرف على برنامج عروض وندوات المهرجان القومي للمسرح    «هنو» يجتمع بمقرري لجان «الأعلى للثقافة» ويعلن آلية جديدة لاختيار أعضاء اللجان الدائمة    نادية رشاد: «أنا مش محجبة ولا صغيرة عشان أثير الفتن» (فيديو)    «أمنحتب الثاني».. تمثال يجسد السلطة الإلهية في قلب الدولة الحديثة    آمال ماهر تكشف كواليس ألبوم «حاجة غير» | فيديو    وزير الصحة يتفقد المجمع الطبي ومركز 30 يونيو للكلى بالإسماعيلية    مستشفى كفر الشيخ الجامعي ينقذ مريضة تعاني من ورم ضاغط على الوريد الأجوف العلوي    "الدراسات العليا" بجامعة قناة السويس يفتح باب القبول والتسجيل لبرامجه "دبلوم - ماجستير - دكتوراه"    آمال ماهر تتصدر تريند يوتيوب ب3 أغنيات بعد طرح ألبومها الجديد    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على نقل خبراتها المتراكمة في مكافحة الإرهاب لدعم القدرات النيجيرية    مدير صحة شمال سيناء يدعو المواطنين للمشاركة في المبادرة الرئاسية 100 يوم صحة    قيادي بحزب مستقبل وطن: محاولات الإخوان لضرب الاستحقاق الانتخابي مصيرها الفشل    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    "الزراعة" تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها بأسعار مخفضة في الجيزة    رئيس الوزراء يتابع موقف تقنين الأراضي المضافة لعدد من المدن الجديدة    بالفيديو.. الأرصاد: ارتفاع تدريجي في الحرارة والقاهرة تسجل 40 درجة مئوية    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    سوداني يوجه رسالة شكر للمصريين على متن «قطار العودة»: «لن ننسى وقفتكم معنا» (فيديو)    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة 39 متهما ب«خلية العملة»    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    الفلفل ب10 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    جامعة القاهرة تحتل المركز 487 بتصنيف ويبومتريكس الأسبانى يوليو 2025    تمهيدا لرفع الكفاءة.. متابعة علمية لمحطة بحوث الموارد المائية بطور سيناء    استمتع بمذاق الصيف.. طريقة عمل آيس كريم المانجو في المنزل بمكونات بسيطة    محافظ مطروح يهنئ السيسى بمناسبة الذكرى ال73 لثورة 23 يوليو المجيدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    وكيل صحة الدقهلية: أكثر من 35 ألف جلسة علاج طبيعي استفاد منها 6 آلاف مريض خلال يونيو    ترامب ينشر فيديو مفبرك بالذكاء الاصطناعي لاعتقال أوباما في البيت الأبيض    زعيم المعارضة الإسرائيلية: نهاجم في الشرق الأوسط حيثما نشاء دون سياسة واضحة    ناقد رياضي يكشف تطورات صفقة وسام أبو علي بعد الأزمة الأخيرة    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    اليوم.. «الداخلية» تعلن تفاصيل قبول دفعة جديدة بكلية الشرطة في مؤتمر صحفي    جريمة داخل عش الزوجية.. حبس المتهمة بقتل زوجها بالقليوبية    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سنة أولى" قصة قصيرة: "قصة لا تنتهي"
نشر في بص وطل يوم 21 - 01 - 2011

سنة أولى قصة قصيرة.. باب ينضم إلى ورشة "بص وطل" للقصة القصيرة سننشر فيه بالتتابع القصص التي تعدّ المحاولات الأولى للكتّاب في كتابة القصة البسيطة.
تلك الكتابات التي لا تنتمي لفن القصة القصيرة بقدر ما تعد محاولات بدائية للكتابة.. سننشرها مع تعليق د. سيد البحراوي حتى تتعرّف على تلك المحاولات وتضع يدك على أخطائها..
وننتظر منك أن تُشارك أصحاب تلك المحاولات بالتعليق على قصصهم بإضافة ملاحظات إضافية حتى تتحقق الاستفادة الكاملة لك ولصاحب أو صاحبة القصّة..
"قصة لا تنتهي"
ينتابنى شعور عجيب بأننى أسقط .. ككتلة ثقيلة تهوى فى حفرة بلا قرار و صداع .. صداع عظيم يجتاح رأسى .. حاولت فتح عينى لأكتشف أن جفنى كتلتان صلدتان .. وصمت ثقيل من حولى .. لاصوت سوى صوت أنفاسى البطيئة
( أين أنا ؟ .. من أنا ؟ ) ضباب كثيف يجثم على ذاكرتى و يحجبها تماماً .. ببطء فتحت عينى فشعرت بعدة وخزات ما لبثت أن تلاشت .. الرؤية مختلطة و الصداع اللعين يعصف برأسى ..
مجهود جبار بذلته لأعتدل جالساً بعد أن أعلنت عضلاتى الصدأة عن وهنها .. ببطء تصير الرؤية أوضح و يتلاشى الدوار و .. وشعرت به .. جسماً ما يلتصق بمؤخرة رأسى ، تحسست الموضع فتبينت ضمادة مما يشى بجرح ما ..
أرتدى ما يشبه منامة زرقاء خفيفة و هذا يفسر تلك البرودة المحببة التى أشعر بها ..
الإضاءة خافتة و الغرفة ضيقة بحق .. فقط السرير الملتصق بالحائط الذى أرقد فوقه ثم مسافة قصيرة و حائط .. هكذا ولا شىء آخر ، لا توجد نوافذ حتى .. فقط عدة فتحات تهوية بالسقف .
فجأة انطلق صوت أزيز متصل .. أجفلت و نظرت ناحية الصوت لأرى ماسورتين معدنيتين رفيعتين انطلق من إحداهما سائل ما و استقر فى سلطانية معدنية أسفل الماسورة..
نهضت متجهاً ناحية المشهد لألاحظ وجود فتحة صغيرة فى الأرض جوار الماسورتين .. قربت السلطانية إلى أنفى ولكن السائل كان بلا رائحة ..
لزجاً ، دافئاً كان عندما مددت إصبعى السبابة لأحفر خندقاً داخله.. لعقت إصبعى ليصدمنى الطعم الذى كان مزيجاً مقززاً من الملوحة و السكرية
ما هذا المكان؟ والأهم .. من أنا؟!

***
طقساً شتوياً صرفاً خاصة مع تلك الغيوم الكثيفة .. مشهد لا ينقصه سوى بعض الأمطار ليكون لوحة رائعة تعبر عن منتصف الشتاء .. العجيب أن برودة الطقس هذه لا تعكس مطلقاً الجو المضطرب فى هذه المنطقة .
جمع غفير هو .. البعض يحمل لافتات و البعض الآخر اكتفى بالجلوس فى أوضاع تمثيلية .. الأنفاس المتلاحقة ، دقات القلب المتسارعة .. مشاعر اجتاحتهم جميعاً
وعلى مقربة منهم كان جمعاً أخراً .. جمعاً بدا على أفراده الصرامة و التنظيم و إن كان أقل من الجمع الاول .. مشهد ليس غريباً على أى حال .. مجرد مظاهرة صامتة أخرى..

***
دوى صوت الإنفجار عنيفاً ليستيقظ مفزوعاً وقد صار قلبه بين ضلوعه كالبهلوان .. تمالك روعه بعد لحظات و مسح وجهه بكفيه مطلقاً سبة خافتة .. ضغط زر إطفاء المنبه بجواره كى لا يتكرر ذلك الصوت المزعج ثانيأً ..
من بين كل الأصوات الموجودة بالمنبه لم يختر إلا صوت الإنفجار .. طريقة عجيبة هى فى الإستيقاظ و لكنها تناسب أمثاله عموماً من أصحاب النوم الثقيل .. أزاح الأغطية وبدأ فى ممارسة طقوس الصباح المعتادة .. لم يمض الكثير من الوقت قبل أن ينطلق بسيارته وسط الشوارع المزدحمة
رغم عشرات الكبارى والمحاور التى بنيت مؤخراً إلا أن الإزدحام مازال آفة المدينة الأبدية .. ساعة مملة قضاها فى الشوارع المختنقة قبل أن يصل لمقر الجريدة .
هناك داخل المبنى الضخم المفعم بالحركة قابله أحدهم مخبراً إياه أن رئيس التحرير يريده بمكتبه .. لم يكن من هواة التخمينات ولكن لِمَ يشعر أن الأمر ليس جيداً؟!
***
فترة لا بأس بها قضيتها أدور حول نفسى فى تلك الغرفة الضيقة ، و الصداع قد اختفى مخلفاً طنيناً كأسراب نحل تمرح داخل رأسى .. فى النهاية لم أجد بداً من الجلوس أرضأ مستندا إلى الحائط
مازالت حياتى ضائعة خلف ذلك الجدار من الضباب المخيم على ذاكرتى .. برهة من الوقت مرت غرقت فيها ببحر الخواء ..
ألم .. أشعر به يتسلل حثيثاً فى معدتى .. ذلك السائل الكريه مؤكد هو السبب .. أين أنا؟
من جديد يعاودنى ذلك السؤال .. فى غمرة بحثى عن هويتى نسيت تماماً ذلك السؤال .. حقا ما هذا المكان؟
ولأول مرة أفطن أننى لم أرَ أى كائن حى منذ فتحت عينى .. نهضت متطلعاً الغرفة من حولى .. هل هى مستشفى؟ .. كيف أترك وحيداً هكذا إن كانت كذلك وكيف تكون الغرفة بلا باب
بلا باب؟ .. من جديد أواصل ملاحظاتى العبقرية المبكرة جداً .. الغرفةفعلاً بلا باب .. أربعة جدران وسرير و ماسورتان غبيتان .. كيف دخلت الغرفة إذن؟
نظرت إلى الجدران فانتابنى شعور عجيب وكأنها ترمقنى ساخرة من مدى غبائى ..
هناك باب فى مكان ما .. لم أتجسد فى الغرفة ببساطة
تحسست الجدار المواجه لى كان بارداً ، أملساً كالمعدن
بل هو معدن بالفعل .. جدار معدنى .. أو .. أو باب معدنى .. باب و جدار فى وقت واحد
نظام معقد يذكرنى بال .. بالسجون
نعم .. من قد يبنى غرفة كهذه إلا إذا كان المبنى سجناً .. غرفة بباب مخبأ لا يفتح من الداخل كى يحجز وراءه الوحوش الآدمية
ماذا عن الجرح فى مؤخرة رأسى؟ ..
ظلام .. فجأة يكسو الغرفة ظلام بهيم .. ابتسمت و شبح الفهم قد بدأ يغزو ملامحى
كأى سجن يستحق لقبه هذا هو ميعاد النوم حيث تُطفأ الأنوار و تجبر على النوم المبكر
استلقيت على الفراش محدقاً فى الظلام سابحاً فى خواطرى الأشد ظلمة
إذن فأنا مجرم؟ .. بعد كل هذا تضح مثل هذه الحقيقة القاسية؟
ترى ما هى جريمتى؟ .. أم جرائمى؟
الصداع بدأ ينسل إلى رأسى إنسلالاً وكأن هذا هو ما ينقصه بعد ساعات من التفكير .. الأفضل أن أسارع بالنوم قبل أن تشتد حدة الصداع
عجيب هذا .. أن أكون مجرماً وربما خطيراً وأخشى شيئاً تافهاً كالصداع
لو أستطيع قتله لصرت مشهوراً بحق
المجرم الذى قتل الصداع .. ربما يُعفى عنى وقتها باعتبارى قدمت أفضل خدم....
***
مازال الوضع مضطرباً والكل مشدودون كالأوتار
المتظاهرون لسان حالهم يقول : ( كفانا صمتاً) ، وعناصر الامن بعصيهم ودروعهم يترقبون ما سيفعله هؤلاء المشاغبون من وجهة نظرهم
أحدهم وقف عن بعد يراقب المشهد بمعطفه الأسود الطويل والنظرة البوليسية إياها تطل من عينيه .. ملامحه الصارمة وكأنها تقول ( خلقت لهذا العمل ولاشىء سواه)
كلها مظاهر تؤكد أنه المسؤول هنا .. اتجه إليه أحد الضباط الصغار وقال فى صوت بدت المهابة فيه : ( هل نبدأ يا سيدى؟)
رد دون أن ينظر إليه : ( لا , طالما لم يبدءوا الهتاف بعد .. )

***
اتجه به المصعد إلى الطابق الأخير فى سرعة حتى شعر وكأنه يشاركه فضوله
خطوات قليلة اجتاز بها الدهليز إلى أن وصل إلى مكتب رئيس التحرير
شد قامته وقرع الباب فى هدوء فأتاه الصوت من الداخل يسمح له بالدخول ..
صافحه رئيس التحرير محيياً ودعاه للجلوس
رمقه لحظات مضيقاً عينيه ثم سأله : ( هل طالعت عدد اليوم؟ )
أومأ برأسه نفياً وهو يقول : ( لا, ليس بعد)
ناوله رئيس التحرير جريدة مطوية قائلاً : ( ها هو ذا .. هناك شىء ما أريدك أن تراه)
تساءل كالمخاطب نفسه عما هناك وبدأ يقلب صفحات الجريدة .. لا جديد
قصف .. مظاهرات .. اتفاقيات تُعقد وأخرى تُنقد
وكأنه فيلم يعاد عرضه كل ي.. ولكن لحظة .. توقف عند إحدى الصفحات وتعلقت عيناه بالأحرف العريضة المكتوبة بدلاً من مقاله اليومى
( يعتذر عن الكتابة اليوم و سيستكمل قريباً بإذن الله )
انتابته الدهشة وطلت من عينيه وهو يسأل رئيس التحرير : ( ولكنى لم أعتذر عن الكتابة وسلمت المقال أمس )
رد بهدوء : (أعلم , كان المقال غير صالحاً للنشر .. فاضطررت إلى حذفه)
انعقد حاجباه و تسائل : ( ماذا؟! .. غير صالح للنشر؟! )
رد رئيس التحرير بنفس الهدوء ونبرة الصوت الواثقة : ( صدقنى .. حاولوا فى قسم المراجعة حذف بعض الفقرات وتخفيف البعض ولكنه بدا فى النهاية مشوهاً )
بدأ الأنفعال يعرف طريقه إلى نبرات صوته وهو يقول : ( منذ متى و قسم المراجعة له علاقة بما يكتب فى المقالات ؟؟ .. وماذا يعنى حذف بعض القفرات؟ .. ظننت أن اسم الجريدة هو الحرية ..)
رد رئيس التحرير بسرعة : ( الحرية وليس الإنتحارية .. اسمع يا (خالد) .. مقالاتك تروقنى بحق ولكن زادت حدتها فى الآونة الاخيرة .. أنت تعلم إلام قد يقودك هذا ..
مقالاتك سوف تقضى عليك وعلى الجريدة .. قد تكون الحادثة إياها مازالت تؤثر عليك ، علماء النفس يقولون أن الإنسان قد يندفع و يتهور أحياناً لرغبته فى الخلاص من حياته بطريق غير مباشر نتيجة اليأس و الإحباط .. سأعطيك إجازة وفكر فى كلامى بهدوء )
نهض قائلاً ببرود : ( اعتبرها إجازة مفتوحة )
واندفع كسهم طائش خارجاً من الغرفة .. تحرك ككتلة من الغضب متجاهلاً أحد السمجين الذى قابله بابتسامة بلهاء ملقياً دعابة ما ..

***
من جديد يعاودنى ذلك الشعور بالسقوط .. سقوط هادىء ممل كورقة شجر تغوص فى اللانهاية ..
أزحت الغطاء الرمادى كئيب المنظر متثائباً وبدت أحداث أمس بعيدة وكأنه قد مضى عليها دهر . مازلت لا أتقبل بعد فكرة كونى مجرماً مازال أمامى ساعات من التفكير و عصر الذهن
صوت الأزيز ينطلق ليبعثر أفكارى .. إنه السائل المقزز من جديد .. صحيح أنه سىء المذاق ، صحيح أننى لا أدرى طبيعته ولكنه يعطى شعوراً بالشبع على أية حال
اتجهت إلى الماسورة الثانية و ضغطت سطحها ليسيل خيط الماء الرفيع .. عجيب هذا السجن كل شىء يدار فيه بنظام دقيق للغاية و آلية ..
سجن آلى على ما ..
ماذا؟!! .. لمحة خاطفة برقت فى سماء عقلى .. ( سجن آلى) .. تعود تلك الشرارة لتضىء فى جزء من الثانية .. نبضات قلبى تتسارع و كأنها تخوض سباقاً محموماً ..
( سجن آلى ) .. هذه الكلمة مرتبطة بشىء ما .. شىء ما أراد التحرر من الضباب المخيم على ذاكرتى .. شىء ما انقبض قلبى له
ضربت جبهتى براحتى عدة مرات وكأنى أنفض ذلك الضباب اللعين
بدوت كالممسوس وأنا أدور حول نفسى وأتقافز كالحشرات
سجن آلى .. سجن آلى .. سجن آ ..
اصطدمت الكلمة بعقلى فجأة .. نعم هى ( مناطق العزل)

***
مرت ساعة منذ غادر مبنى الجريدة وسار بسيارته على غير هدى إلى أن توقف فى النهاية فوق إحدى الكبارى .. ترجل من السيارة ووقف يتأمل وكأنه يشاهد حياته على صفحة الماء الهادىء
حياته التى ظن أنها توقفت بوفاة والديه فى ذلك الحادث الأليم ليكتشف بعدها ببساطة أن الحياة لا تتوقف أبداً وإنما تحولت إلى فاصل طويل من الوحدة والكآبة والإحباط والملل ..

وها هو يكتشف أن حتى آراءه لا يستطيع التعبير عنها .. لابد من ذلك الجلاد الذى لا يتورع عن وأد أفكاره وتمزيق آراءه وربما سحقه هو أيضاً إذا لم يتوقف .. ركب سيارته من جديد واتجه إلى حيث لا يدرى ..

***
( مناطق العزل) .. سطعت الكلمة بعقلى لتسيل بعدها المعلومات وقد بدأ الضباب يخف قبضته قليلاً عن ذاكرتى .. نعم هذا يفسر كل شىء ..
مناطق العزل .. المعتقلات الإلكترونية التى تتحكم بها الحواسب المركزية العملاقة
زنانزين تحت الأرض ولاشىء آخر
مناطق العزل التى تنكر السلطات أى وجود لها ولكن الجميع يعلم ويصمت .. مناطق العزل التى تنتهى علاقة الشخص بالعالم الخارجى بمجرد دخوله لها ويصير حبيس الجنون قبل القضبان .
قد أكون مراقب الآن كأى فأر تجارب .. أكاد أرى ذلك العالم فى عويناته الدقيقة ومعطفه الأبيض وهو يدون ملاحظاته عن ذلك الأبله الذى يدور حول نفسه فى الغرفة أمامه
شبح ابتسامة خلقها الأسى تكونت قبل أن تتلاشى فى سرعة .. ما الذى أتى بى إلى هنا إلا إذا كنت .. معتقل سياسى !! ..

***
لم يتحرك بالسيارة كثيراً قبل أن يوقفه مشهد المظاهرة الصامتة .. واصطدم بعقله ذلك الخبر الذى عرفه منذ أيام عن تنظيم مظاهرة ضد صدور أحد القوانين ..

ركن السيارة وترجل متجهاً نحو الجمع الكبير ليجد البعض وقد رفعوا لافتات استنكار و البعض استلقى فى أوضاع تمثيلية ليعبر عن موت الحرية.. على البعد عناصر الأمن فى حالة تأهب وكاميرات الصحف ووكالات الأنباء موزعة فى كل مكان ..
صاح موجهاً كلامه للجميع : ( لِمَ الصمت؟!)
سؤال لا يحتاج إجابة فأقصى ما قد يصلوا إليه هو تنظيم مظاهرة صامتة أبعد من ذلك قد تكون عواقبه وخيمة ..
اتجهت إليه الأنظار .. البعض تمتم بكلام غير مفهوم ، و البعض رمقه بتعجب ولم يدر ماذا يقول ..

أطلق زفرة حارة وبكل حنقه ويأسه و انفعاله كور قبضته ورفعها مطلقاً عبارة مسجوعة لتردد وراءه عدة أصوات على استحياء ..

ردد العبارة ثانية ليزيد عدد الأصوات تدريجياً .. ولم يدر من أين أتى ذلك الشخص الذى انحنى ورفعه فوق كتفيه ..فقط شعر وكأنه قد تحول إلى شعلة أو آلة تهتف بلا انقطاع ..

وكأنه كان الفتيل الذى أشعل حماس الجميع ، هتفوا ليشق هتافهم عنان السماء وقد حولهم الغضب و الأدرينالين إلى قنابل
تحرك الجمع فى تحد ٍ واضح إن لم يكن للسلطة فلأنفسهم على الأقل وكأنهم يصرخون : ( لن يكبلنا الصمت بعد الآن )
وتأهب عساكر الأمن ومن جهاز الإستقبال الصغير المثبت داخل خوذاتهم جاءهم صوت أحد الضباط يأمرهم بمهام معينة فتحركوا حثيثاً ليشكلوا سداً أمام السيل القادم ..
كان المشهد كالسيل حقاً .. سيلاً من البشر اندفع ليرتطم بدروع العساكر .. زاد المتظاهرون من الضغط على الدروع الشفافة لعساكر الامن فى محاولة لفتح ثغرة و العبور .. إلى أين؟ .. إلى حيث يصل هتافهم إلى كل الناس .. إلى العالم أجمع لا يهم
المهم أن هذا الجدار من العساكر ذكرهم كثيراً بذلك الجدار الذى أحال حياتهم جحيماً .. جدار الإستبداد
تعالى الهتاف إلى أقصى حد له .. وزاد الضغط على الدروع إلى أن أتى الأمر إلى العساكر عبر الأثير ليرن الصوت هادراً داخل خوذاتهم ويأمرهم بالسحق .. لقد تمادى هؤلاء .. تمادوا كثيراً وصار تأديبهم أمراً قاطعاً ..
تحركت العصى المطاطية لتضرب فى ضراوة وبلا هوادة .. ساد الهرج و المرج وتقهقر المتظاهرون ..
أحدهم يحاول جذب أحد العصى ليرد الضرب بمثله .. آخر يعدو وقد تحول وجهه إلى كرة دامية .. العساكر يلتفون حول بعض المنظاهرين الذين سقطوا و يوسعونهم ركلاً ..

مجموعة أخرى من المتحمسين لا تدرى من أين جاءوا بهذه العصى المعدنية دخلوا معركة مميتة مع بعض العساكر .. عدة قنابل مسيلة للدموع ألقيت لتزيد الفوضى فوضى ..

كل ذلك فى مزيج رهيب لا يوصف من الأصوات .. أصوات الصراخ و البكاء و العويل و تحطم العظام و السباب .. مزيج جهنمى
وهو .. فجأة وجد نفسه يسقط أرضاً وقد اختفى الشخص الذى كان يحمله .. دار دورة كاملة حول نفسه وقد بدا الأسى على وجهه واضحاً جلياً
كان صدره يعلو و يهبط فى سرعة وبدا وكأنما الزمن قد توقف به .. لا يدرى ماذا يفعل؟ .. حتى وقعت عيناه عليه ..
أحد الأشخاص يزحف وقد لوث الدم وجهه ويبدو أنه قد تلقى ضربة عاتية .. أسرع نحوه وجثا على ركبتيه محاولاً مساعدته على النهوض فقط ليتلقى عدة ضربات موجعة .. وبلا رحمة استمرت الضربات المنهمرة على ظهره و لأنها ضربات طائشة كان يجب أن تصيب إحداها .. إصابة فى الهدف ..
فجأة شعر بذلك الألم الهائل يزلزل رأسه .. الأصوات تختلط ومعها الرؤية .. يزداد الامر صعوبة وقد صارت قدرته على الوقوف مستحيلة و .. وجاء الإغماء الرحيم ..

تمت

ممدوح ابراهيم ياسين


التعليق:
بل هو فصل من قصة واقعية تجيد وصف حالنا، وتجسّد أزمة حقيقية للأحرار في وطننا. وبهذا يمكن أيضا أن تكون قصة قصيرة جيدة لو تخلصت من الإطالة في وصف الحجرة.

د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة
ملحوظة:
ينشر الموقع القصص كما وردت من أصحابها، أي دون تدخل بالمراجعة، وذلك لأن الجوانب الإملائية واللغوية والتنسيقية يُعتد بها في تقييم النص. لذا وجب التنبيه، وشكرًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.