الشيخ محمد النجيمي اختلط مع نساء الكويت في مؤتمر أقيم بمناسبة يوم المرأة العالمي -وهذا ليس خطأ- ولكن الناس في السعودية استغربوا موقفه المتناقض مع مبادئه المعلنة، خصوصاً أنه أحد صقور معركة الاختلاط، فاضطر لإصدار بيان توضيحي يؤكد فيه أن اختلاطه هذا كان اختلاطاً عابراً، وأن الصور مُفبركة، ثم أساء لمضيفاته من نساء الكويت وقال إنهن من القواعد (القواعد من النساء هن اللاتي لا يرجون نكاحا)، فما كان منهن إلا أن عرضن صوراً ومقاطع فيديو لأحاديث تميزت بالمزاح و"الميانة الطايحة والكركرة السايحة"! (تعبير خليجي عن الليونة والضحك والمزاح). ولأن البعض يتهمون وسائل الإعلام بأنها تتخذ موقفاً سلبياً من الدعاة والعلماء إما بدافع البحث عن الإثارة، أو تصفية لحسابات فكرية نقول بأن مثل هذا الاتهام الغريب -حتى لو صدق- لا يلغي حقيقة أساسية وهي أن أغلب الدعاة نجوم مشهورون وشخصيات مؤثرة في الرأي العام، وكل كلمة يتفوهون بها تحظى بقيمة كبيرة عند الناس، لذلك لا بد أن تؤدي شطحات بعضهم إلى ردود فعل قوية، وهنا لا يصح اتهام الصحافة بافتعال هذه الضجة؛ لأن الداعية النجم هو الذي قدّم لها قصة مثيرة على طبق من ذهب!. وبناء على كثرة بيانات التصحيح والتنويه هذه الأيام، يتضح أن المشكلة لم تعُدْ تتعلق بجمهور المتلقين -الذين لا يُحسنون الفهم- بل بهؤلاء الدعاة الذين شطحوا شطحات لم يكونوا مُجبرين عليها وحين واجهوا ردود فعل قوية اضطروا للتراجع عن مواقفهم الغريبة، وبما أن كبرياءهم الاجتماعي يمنعهم من الاعتراف بالخطأ تجدهم يوجهون اللوم للآخرين الذين لم يفهموا مواقفهم على نحو صحيح! ولو استعرضنا هذه التنويهات والتصحيحات لاكتشفنا حالة التخبط الواضحة التي يمر بها بعض الدعاة في عصر الانفتاح الإعلامي. فالشيخ محمد العريفي قال إنه سيذهب إلى القدس، وحين واجه ردة فعل قوية لم يجد مخرجاً سوى اتهام الآخرين بتحريف مقاصده، وهو بتنويهه هذا يؤكد صحة وجهات النظر التي أشارت منذ البداية إلى أن المسألة لا تعدو كونها فرقعة إعلامية، وقبل ذلك كان الشيخ عائض القرني قد عرض جائزة مليون ريال لمن يعارض قصيدته التي شدا بها محمد عبده، وحين واجه ردة فعل غاضبة من الجمهور الذين رأوا أن فقراء المسلمين أولى بهذا المال أوضح بأن الجائزة ليست مقدمة منه بل من جهة أخرى، أما الدكتور يوسف الأحمد فقد طالب بهدم الحرم المكي وإعادة بنائه منعاً للاختلاط، وحين أثارت فكرته العجيبة ردود فعل قوية جداً في العالم الإسلامي تراجع وقال إنه كان يقصد التوسعة، وكذلك فعل الشيخ محمد المنجد ووجد أن ما قاله حول قتل ميكي ماوس قد تحوّل إلى أضحوكة عالمية اضطر لتوضيح موقفه باللغة الإنجليزية!. الناس يحبون الدعاة، ويدافعون عنهم؛ لأنهم يمثلون بالنسبة لهم أرفع صور الوقار والحكمة والصدق، ومثل هذه الشطحات الغريبة للدعاة مزعجة لأحبابهم قبل أن تكون مفرحة لخصومهم، وكثرة البيانات التوضيحية للدعاة سوف تهزّ مصداقيتهم، وتربك صورتهم المثالية مهما دافع عنهم بعض الأنصار المتحمسين، فليس من المعقول أن كل هذه الشطحات جاءت بسبب خطأ في الترجمة أو لقلة فهم الجمهور، فالشخص الذي يضطر دائما لتصحيح كلامه وتوضيح موقفه هو أحد رجلين: إما أنه لا يقدر أهمية الكلام الذي يقوله، أو أنه يكابر ولا يريد الاعتراف بالخطأ. عن العربية بتاريخ الثلاثاء 13 أبريل 2010