طوال ستين عاما من صدورها لم يخل عدد من مجلة “باريس ريفيو” من حوار أو أكثر مع أحد المبدعين، مما يجعل منها كنزا حقيقيا، بحسب تعبير الكاتب المصري أحمد الشافعي، الذي اختار حوارات نشرتها المجلة مع عدد من كبار الروائيين هم أرنست همنغواي وهنري ميلر وبورخيس وكارلوس فوينتس وميلان كونديرا وبول أوستر وسوزان سونتاغوأمبرتو إيكو، وتاسعهم أورهانباموق، وترجم الشافعي الحوارات وضمها في كتاب أصدرته مؤخرا الهيئة المصرية العامة للكتّاب بعنوان “بيت حافل بالمجانين حوارات باريس ريفيو”. التأثر بالواقع في تقديمه للكتاب يقول المترجم “لا أعرف ماذا في الحوار يجعله حبيبا هكذا إلى نفوس القراء، لا أعرف سر تلك اللهفة التي تجعل بعضنا يقبلون على قراءة حوارات يعرفون مسبقا أنهم قرأوا مضامينها في شهادات ومقالات ومصادر أخرى، ويشبه الأمر بأنه مثل استراق السمع إلى راكبين في قطار أو طائرة، ليس من المتوقع أن تصادف هامشا في حديثهما يوقف تدفق المتعة، هما مجرد اثنين يتكلمان تقريبا كما يتكلم الناس”. يروي باموق في مقالته أنه عندما قرأ حوارا مع فوكنر في “باريس ريفيو”، انتابه التيه “كما لو كنت عثرت على نص مقدس”. وكان يومها يجاهد لينتهي من روايته الأولى، بينما تومض أصداء فوكنر عليه حين يقول “كتابة المرء لروايته الأولى لا تقتضي فحسب أن يتعلم كيف يحكي حكايته وكأنها حكاية شخص آخر، إنها أمر يتعلق في الوقت نفسه بأن يصبح المرء شخصا يستطيع أن يتخيل رواية من بدايتها إلى منتهاها، بطريقة متزنة”. ومما تعلمه باموق عبر الحوار، نصائح فوكنر “لا تكف عن الحلم، واطمح إلى أعلى مما تحسب أنك قادر على تحقيقه، لا تقصر اهتمامك على أن تبز معاصريك أو أسلافك، حاول أن تتفوق على نفسك، الفنان خالق تدفعه الشياطين، وهو لا يعرف لماذا اختارته الشياطين هو بالذات، وهو دائم الانشغال بالتساؤل عن سر ذلك”. وفي ثنايا المقالة يجيب باموق عن تساؤلات المترجم بشأن قيمة الحوارات لمن يقرأها، حيث يقول “كلما كنت أجلس لقراءة تلك الحوارات، تتبدد الوحدة، كنت أكتشف أن ثمة آخرين يشعرون بمثل ما أشعر به”. لكل كاتب طريقته وطقوسه التي لا يشبه فيها أحد سواه، فهيمنغواي مثلا كان الوحيد الذي يكتب وهو واقف في مواجهة الآلة الكاتبة، وغيره يسلك مسالك أخرى، يقول هنري ميلر “يقوم كل فنان بضبط نفسه وتهيئتها للكتابة بطريقة ما”، طبيعي أن يختلفوا في تلك الطرق لكن ثمة أشياء كشف الحوار عن اتفاقهم فيها، منها حدود استفادة الكاتب من شخصيات وأحداث واقعية حقيقية، حيث قال هيمنغواي “بعض الشخصيات مستقاة من الحياة الواقعية، ولكن المرء غالبا ما يبتكر الشخصيات من خلال معرفته بالناس وفهمه لهم وتعامله معهم. وأردف بأن تصوير الشخص مثلما تفعل الصورة الفوتوغرافية يكون من وجهة نظري فشلا كبيرا أما إن أنت أقمته من بين ما تعرف فلا بد أن تجد فيه كل الأبعاد”. أما بول أوستر فبالرغم من فانتازية وغرائبية أعماله إلا أنه اعترف بأن الكثير من الشخصيات فيها خصوصا في “ثلاثية نيويورك” كانت واقعية، إلى درجة أنه اعترف متمنيا أن تكون المهلة القانونية انتهت بأنه اخترع شخصيات خيالية. ويذكر نجيب محفوظ أنه يكتب ما يحدث حوله، في البيت، في المدرسة، في الشارع، في العمل، وكذلك الأشياء التي يتحدث فيها أصدقاءه حين يمضي وقتا معهم، وتترك أثرا فيه. وكمثال يقول عن “اللص والكلاب” استوحيت القصة من لص روّع القاهرة لفترة. كان اسمه محمود سليمان. حينما خرج من السجن حاول أن يقتل زوجته ومحاميه اللذان نجحا في الهروب من القتل، ولكنه تعرض للقتل في ثنايا ذلك. ابتكرت القصة من شخصيته. عن انشغال الكاتب بالسياسة يقول بورخيس “هناك شعراء كثيرون يكتبون جيدا وحينما تتكلم معهم لا يحدثونك إلا في حكايات السياسة الدنيئة، ويتبين أن كتابتهم ما هي إلا نوع من العرض الجانبي، هؤلاء لم يكونوا شعراء أو كتّاب على الإطلاق، إنما هي حيلة تعلموها وحذقوها، إنهم يأخذون الأشياء كما لو كانت مسلمات وحينما يضطرون للكتابة يعرفون بغتة أنهم يجب أن يكونوا ساخرين أو حزانى، يرتدى الواحد منهم قبعة الكاتب، وبعد أن ينتهي يخلعها ليعود للانخراط في السياسة”. أول ضوء يجمع الروائيون في حواراتهم بأن وقت الصباح هو الأنسب للكتابة، فهيمنغواي يقول “أكتب كل صباح بمجرد أن يظهر أول ضوء، قدر الإمكان، أبدأ في السادسة صباحاً، وقد أستمر إلى الظهر، وعندما تنتهي تكون فارغا أو كالفارغ، إذ أنك في الوقت نفسه تكون ممتلئا، كما يحدث لك بعد أن تكون مارست الحب مع شخص تحبه، حيث لا شيء يمكن أن يضيرك”. كذلك هنري ميلر يصف العمل في الصباح بأنه أفضل كثيرا، حيث يكتب لمدة ساعتين أو ثلاث كل صباح، وكارلوس فوينتس يقول إنه كاتب صباحي، يكتب ابتداء من الثامنة والنصف حتى الثانية عشرة والنصف. كذلك يجمعون على العمل الجاد، والدقة الشديدة التي تدفعهم لإعادة الكتابة أكثر من مرة، مثلا هيمنغواي الذي يقول “كتبت الصفحة الأخيرة من روايتي ‘وداعا للسلاح' تقريبا 39 مرة، قبل أن أرضى عنها”، كذلك يميلون للعزلة وخصوصا عن الكتاب من جيلهم يقول أورهانباموق “لم أكن صديقا لأي من الكتاب الأتراك في جيلي”، وهنري ميلر تعرف في باريس على العديد من الكتّاب الأميركيين لكنه يقول “لم تقم أبدا رابطة حقيقية بيني وبين أي منهم، ويعترف هيمنغواي “كلما توغلت في الكتابة صرت أكثر وحدة”. طوال ستين عاما من صدورها لم يخل عدد من مجلة “باريس ريفيو” من حوار أو أكثر مع أحد المبدعين، مما يجعل منها كنزا حقيقيا، بحسب تعبير الكاتب المصري أحمد الشافعي، الذي اختار حوارات نشرتها المجلة مع عدد من كبار الروائيين هم أرنست همنغواي وهنري ميلر وبورخيس وكارلوس فوينتس وميلان كونديرا وبول أوستر وسوزان سونتاغوأمبرتو إيكو، وتاسعهم أورهانباموق، وترجم الشافعي الحوارات وضمها في كتاب أصدرته مؤخرا الهيئة المصرية العامة للكتّاب بعنوان “بيت حافل بالمجانين حوارات باريس ريفيو”. التأثر بالواقع في تقديمه للكتاب يقول المترجم “لا أعرف ماذا في الحوار يجعله حبيبا هكذا إلى نفوس القراء، لا أعرف سر تلك اللهفة التي تجعل بعضنا يقبلون على قراءة حوارات يعرفون مسبقا أنهم قرأوا مضامينها في شهادات ومقالات ومصادر أخرى، ويشبه الأمر بأنه مثل استراق السمع إلى راكبين في قطار أو طائرة، ليس من المتوقع أن تصادف هامشا في حديثهما يوقف تدفق المتعة، هما مجرد اثنين يتكلمان تقريبا كما يتكلم الناس”. يروي باموق في مقالته أنه عندما قرأ حوارا مع فوكنر في “باريس ريفيو”، انتابه التيه “كما لو كنت عثرت على نص مقدس”. وكان يومها يجاهد لينتهي من روايته الأولى، بينما تومض أصداء فوكنر عليه حين يقول “كتابة المرء لروايته الأولى لا تقتضي فحسب أن يتعلم كيف يحكي حكايته وكأنها حكاية شخص آخر، إنها أمر يتعلق في الوقت نفسه بأن يصبح المرء شخصا يستطيع أن يتخيل رواية من بدايتها إلى منتهاها، بطريقة متزنة”. ومما تعلمه باموق عبر الحوار، نصائح فوكنر “لا تكف عن الحلم، واطمح إلى أعلى مما تحسب أنك قادر على تحقيقه، لا تقصر اهتمامك على أن تبز معاصريك أو أسلافك، حاول أن تتفوق على نفسك، الفنان خالق تدفعه الشياطين، وهو لا يعرف لماذا اختارته الشياطين هو بالذات، وهو دائم الانشغال بالتساؤل عن سر ذلك”. وفي ثنايا المقالة يجيب باموق عن تساؤلات المترجم بشأن قيمة الحوارات لمن يقرأها، حيث يقول “كلما كنت أجلس لقراءة تلك الحوارات، تتبدد الوحدة، كنت أكتشف أن ثمة آخرين يشعرون بمثل ما أشعر به”. لكل كاتب طريقته وطقوسه التي لا يشبه فيها أحد سواه، فهيمنغواي مثلا كان الوحيد الذي يكتب وهو واقف في مواجهة الآلة الكاتبة، وغيره يسلك مسالك أخرى، يقول هنري ميلر “يقوم كل فنان بضبط نفسه وتهيئتها للكتابة بطريقة ما”، طبيعي أن يختلفوا في تلك الطرق لكن ثمة أشياء كشف الحوار عن اتفاقهم فيها، منها حدود استفادة الكاتب من شخصيات وأحداث واقعية حقيقية، حيث قال هيمنغواي “بعض الشخصيات مستقاة من الحياة الواقعية، ولكن المرء غالبا ما يبتكر الشخصيات من خلال معرفته بالناس وفهمه لهم وتعامله معهم. وأردف بأن تصوير الشخص مثلما تفعل الصورة الفوتوغرافية يكون من وجهة نظري فشلا كبيرا أما إن أنت أقمته من بين ما تعرف فلا بد أن تجد فيه كل الأبعاد”. أما بول أوستر فبالرغم من فانتازية وغرائبية أعماله إلا أنه اعترف بأن الكثير من الشخصيات فيها خصوصا في “ثلاثية نيويورك” كانت واقعية، إلى درجة أنه اعترف متمنيا أن تكون المهلة القانونية انتهت بأنه اخترع شخصيات خيالية. ويذكر نجيب محفوظ أنه يكتب ما يحدث حوله، في البيت، في المدرسة، في الشارع، في العمل، وكذلك الأشياء التي يتحدث فيها أصدقاءه حين يمضي وقتا معهم، وتترك أثرا فيه. وكمثال يقول عن “اللص والكلاب” استوحيت القصة من لص روّع القاهرة لفترة. كان اسمه محمود سليمان. حينما خرج من السجن حاول أن يقتل زوجته ومحاميه اللذان نجحا في الهروب من القتل، ولكنه تعرض للقتل في ثنايا ذلك. ابتكرت القصة من شخصيته. عن انشغال الكاتب بالسياسة يقول بورخيس “هناك شعراء كثيرون يكتبون جيدا وحينما تتكلم معهم لا يحدثونك إلا في حكايات السياسة الدنيئة، ويتبين أن كتابتهم ما هي إلا نوع من العرض الجانبي، هؤلاء لم يكونوا شعراء أو كتّاب على الإطلاق، إنما هي حيلة تعلموها وحذقوها، إنهم يأخذون الأشياء كما لو كانت مسلمات وحينما يضطرون للكتابة يعرفون بغتة أنهم يجب أن يكونوا ساخرين أو حزانى، يرتدى الواحد منهم قبعة الكاتب، وبعد أن ينتهي يخلعها ليعود للانخراط في السياسة”. أول ضوء يجمع الروائيون في حواراتهم بأن وقت الصباح هو الأنسب للكتابة، فهيمنغواي يقول “أكتب كل صباح بمجرد أن يظهر أول ضوء، قدر الإمكان، أبدأ في السادسة صباحاً، وقد أستمر إلى الظهر، وعندما تنتهي تكون فارغا أو كالفارغ، إذ أنك في الوقت نفسه تكون ممتلئا، كما يحدث لك بعد أن تكون مارست الحب مع شخص تحبه، حيث لا شيء يمكن أن يضيرك”. كذلك هنري ميلر يصف العمل في الصباح بأنه أفضل كثيرا، حيث يكتب لمدة ساعتين أو ثلاث كل صباح، وكارلوس فوينتس يقول إنه كاتب صباحي، يكتب ابتداء من الثامنة والنصف حتى الثانية عشرة والنصف. كذلك يجمعون على العمل الجاد، والدقة الشديدة التي تدفعهم لإعادة الكتابة أكثر من مرة، مثلا هيمنغواي الذي يقول “كتبت الصفحة الأخيرة من روايتي ‘وداعا للسلاح' تقريبا 39 مرة، قبل أن أرضى عنها”، كذلك يميلون للعزلة وخصوصا عن الكتاب من جيلهم يقول أورهانباموق “لم أكن صديقا لأي من الكتاب الأتراك في جيلي”، وهنري ميلر تعرف في باريس على العديد من الكتّاب الأميركيين لكنه يقول “لم تقم أبدا رابطة حقيقية بيني وبين أي منهم، ويعترف هيمنغواي “كلما توغلت في الكتابة صرت أكثر وحدة”.