وظائف خالية اليوم برواتب تصل إلى 6000 ريال سعودي.. اعرف التخصصات المطلوبة    تقديرًا لجهوده.. تكريم رئيس جامعة أسيوط وتسليمه درع كلية التجارة    وزير الصناعة والنقل يبحث مع سفير الهند بالقاهرة التعاون المستقبلي بين الجانبين في مجالي الصناعة والنقل    أسعار مواد البناء اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025    النقل: اختتام تدريب الدفعة الأولى ضمن مبادرة «سائق واعٍ .. لطريق آمن»    جامعة الأقصر تشارك في النسخة الثانية من مبادرة كن مستعدا لتأهيل الطلاب والخريجين لسوق العمل    "المطاعم السياحية": إدارة جديدة لخدمة الأعضاء ودعم المستثمرين    الغردقة تحت وطأة أزمة الإيجارات.. صرخات الأهالي تعلو: "الأسعار تحرق جيوبنا".. مطالبات عاجلة بوقف فوضى أسعار العقارات    ماذا قال وزير الخارجية بدر عبدالعاطي عن علاقة مصر مع إسرائيل ومعاهدة السلام؟    «أنا جعان».. الرحيل الموجع لعبد الله أبو زرقة (أعرف القصة)    الخارجية الفلسطينية: اجتياح غزة سيؤدي لنزوح أكثر من 900 ألف فلسطيني نحو جنوبي القطاع    سوريا والأمم المتحدة تبحثان تعزيز الاستجابة الإنسانية في الجنوب    الأهلي يعلن إصابة ياسين مرعي بشد من الدرجة الثانية في العضلة الخلفية    ميدو: لديّ كل ما يثبت صحة إجراءات الزمالك في التعامل مع أرض مدينة 6 أكتوبر    أمير هشام: الأهلي لم يتلقى عروضًا فرنسية لضم ديانج    التحقيق مع 3 أشخاص بتهمة غسل 100 مليون جنيه من النصب على المواطنين    استمرار ارتفاع درجات الحرارة على مراكز محافظة الشرقية    أمن المنافذ يضبط 53 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    فيديو.. النقل تناشد المواطنين مشاركتها في التوعية من السلوكيات السلبية بالمترو والقطار الخفيف    إطلاق أسماء 4 نقاد كبار على جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدا    رواية «بيت من زخرف» لإبراهيم فرغلي تصل للقائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية    جولة تفتيشية للوقوف على انتظام حركة التشغيل في مطاري الغردقة ومرسى علم    صور.. تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية في 20 محافظة    الإحصاء: 12.6% ارتفاعاً بقيمة التبادل التجاري بين مصر واليابان بأول 5 أشهر من 2025    قرار جمهوري.. ماجد إسماعيل رئيسًا تنفيذيًا لوكالة الفضاء بدرجة وزير    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    هل يمكن أن تسبب المشروبات الساخنة السرطان؟.. اعرف الحقيقة    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    وظائف وزارة الأوقاف 2025| تعرف على الشروط وطريقة التقديم    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    ضبط 108780مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    80 قطارًا.. مواعيد انطلاق الرحلات من محطة سكك حديد بنها إلى المحافظات الثلاثاء 19 أغسطس    «ضربة قوية».. الأهلي يعلن نتيجة الأشعة التي أجراها ياسين مرعي    «التأمين الشامل».. تشغيل عيادة علاج طبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    السبت.. عزاء الدكتور يحيى عزمي عقب صلاة المغرب في مسجد الشرطة ب6 أكتوبر    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    وزير الخارجية يعرب لنظيره الهولندي عن الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية    مركز الأبحاث الإكلينيكية بالمعهد القومى للأورام يحصل على التسجيل والاعتماد    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    «زي النهارده».. وفاة الكاتب محفوظ عبد الرحمن 19 أغسطس 2017    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    مساعد الرئيس الروسي يكشف تفاصيل مكالمة بوتين وترامب    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديفيد ماكينزي ..طرائد ال «ويسترن» الحداثيّ
نشر في صوت البلد يوم 23 - 08 - 2016

«العدالة ليست جريمة»، يعلن شعار فيلم البريطاني ديفيد ماكينزي «مهما كلّف الأمر» (له عنوان ثان هو «كومانشيريا»)، لكن مَنْ يجرؤ على إنصاف جريمة؟ مفارقة قانونية تثّبت لا توازن اعتبارات اجتماعية تتحكم بحيوات ملايين الأميركيين وتحيلهم الى سلسلة خطايا متنوعة ومعقّدة، تبدأ بالعُسر وتنتهي بالعنصرية، فيما يكون الحمق والبَطَر والجسارات ونزعات الشرّ والانحطاط الفطريّ والطموح والتطبّع على الإجرام وأحيانا الصدفة، من بين دوافع أخرى. نصّ شديد الإمتاع ومتوهج ومفعم بطرائف سوداء، ينتمي الى نوعية هوليوودية (جنر) خاصة بالمطاردات، متباهياً بردائه الزاهيّ لبراريّ ورعاة بقر وعوالم «ويسترن» حداثيّة! في مشهدياته الكثيرة الضياء، لا يمتطي «الكاوبوي» حصانه بل يقود سيارات ذات تكنولوجيا جبارة تصارع وحشية الأرض القفر المترامية والمليئة بالدسائس وفرص الرغد والموت المجاني، من دون أن يتخلّى عن مسدسه وقبعته وسيكاره ورعونته.
إغواءات وشرور
وثّق كاتب السيناريو الأميركي تيلور شريدان، حكاية بطليه - الأب الشاب المُطَلّق والعامل السابق في شركة إنتاج غاز توبي (كريس باين) وشقيقه الأصغر والأزعر وصاحب السوابق تانر(بن فوستر) بروح روايات مواطنه كورماك مكارثي، خصوصا في ثلاثيته الشهيرة عن الحدود، لا بسبب إغواءات البقعة وشرور بشرها وخشونة أجوائها، بل بهذه الروح «التوراتية» عن الإثم والعقاب. من هنا، يتحوّل الثنائي توبي وتانر الى فريستي قانون لا يهادن، يديره بعناد ضابط الأمن الفدرالي ماركوس (أداء قوي من صاحب «الأوسكار» جف بريجز) حين يقرر إنهاء «لعبتهما» في السطو على فروع بنك واحد بعينه، لنكتشف لاحقا انه السبب في خراب عائلتهما وانهيارها وتفككها إثر تهديده بمصادرة مزرعتها/ رأس مالها عبر مناورات غير قانونية تخصّ ديناً عصياً. الخطة ذكية برغم خبثها، تقوم على فكرة «سرقة السارق ودفع بلائه»، أي مداورة ماله و «تنظيفه»، ومن ثم تسديد الأقساط المستحقّة بصكوك «منقّاة».
ما بدا كحكاية قنص، تتوسع بحنكة على يد المخرج ليحولها إلى نباهة سينمائية تصطاد بمكر، خيبات رأسمالية مفترسة تترصّد ضحاياها في حواف معزولة ومحاصرة بالقيظ، لم تقِها جفوتها الجغرافيّة من هزّة «وول ستريت» التي جعلت من «الدكاكين المصرفية» مصائد لقوى إنتاج واغتصاب مواردها.
نقابل خلال كلّ هجمة للشقيقين، خيبة اقتصادية متلّبسة سحنة مواطن عادي يقف بضعف أمام المفاجأة، لكنه يحسدهما على نزقهما، برغم إيمانه بأنهما سينتهيان إما كنزيلي سجن أو جثتين. تشرح عزيمة الشقيقين عنوانَي الفيلم. يشير الأصلي الذي وضعه شريدان «كومانتشيريا» الى بقعة جغرافية في فيافي تكساس كانت ملكاً لقبائل أصيلة حاملة الاسم الشهير، نهبها المستعمرون الأوروبيون الأوائل، وهي تورية بيّنة لما يقوم البطلان به من سلب مُدَبّر ومتوارث. أما العنوان الثاني «مهما كلّف الأمر» (ويحمل كلمة «جحيم» وصيغة «مياه عالية» HELL OR HIGH WATER )، فهو تعبير دارج يوكد العزم، يرد على لسان موظف كبير في المصرف المستهدف. يخيّر الأخوان بين عودة مال القرض أو مصادرة أرض والدتهما المتوفاة حديثاً، أي حريتهما أو شطب وسَم سلالتهما. أيضا، هو إشارة الى صلابة نيّاتهما في تحصين جذرهما الأسري، يردّ توبي بصدق جارح على ظنون ابنه البكر بشأن شائعات جرائمه: «صدق كل ما تسمعه عني، لقد ارتكبتها كلّها». إذ لا مشيئة أخرى في حياة كائن يتحايل على خساراته بزيجته وأبوته ولاحقا برباط أخوّته، سوى ان يكون نزيهاً مهما كلّفه الأمر. هذه الأخيرة، تصبح ملاذاً نهائياً للأخوين حينما يحاصرهما ماركوس قبيل تقاعده(!) ومعه زمرته من رعاة بقر استكبروا أفعال قاطعي طريق محليين يتشبهان ب «روبن هود»، لتصبح المطاردة الختامية انحيازاً مطلقاً لولاء عائلي. يناور تانر بمتفجرات لتعطيل تقدم عدو متشابك العروق لسطوة دولة وغيلان مال، قبل أن تصفيه رصاصة قائد متأنق، فاسحاً ممراً آمناً لشقيقه الأكبر الذي وصفه ماركوس بخبث: «هذا رجل يمكنه مصادرة منزلي» لينجو من موقعة دموية... ربما الى حين.
الوباء المتوارث
لا يتناكف الشقيقان أبداً، برغم شكاوى توبي لابنه حول فقرهم الذي هو: «وباء توارثناه جيلاً إثر جيل»، إلا أن فوضى حياتية تتراكم حولهما على مدى 102 دقيقة كمؤشر نفسي على هزيمة مقبلة تتفجر بحسم درامي مع حماقة تانر في السطو، مستغفلاً استشارة توبي المنشغل بمشاعره الصافية والطاهرة مع نادلة مقصف (كيتي مكسون) يسلمها 200 دولار بخشيشاً، وهي حماقة أخرى تحسم شكوك ماركوس وتحقيقاته حولهما. هذه الزلّة المبرّرة أخلاقياً، كونها إشارة الى تعفّفه، حتمية في نصّ شريدين/ ماكينزي، لتماشيها مع أخرى يقترفها العمدة الفدرالي مع معاونه النصف كومانتشي ألبرتو (جل برمنغهام) أثناء مناكفاتهما العرقيّة، يقول فيها الأخير لرفيقه الأبيض: «كل هذه الأرض كانت ملكاً لأجدادي. اغتصبها منهم أبناء جلدتك قبل أن تُسرق منهم لاحقا، ليس على يد جيش انفصالي بل من قبل أولاد الزنا هؤلاء!» مشيراً بسبابته الى بوابة «بنك ميدلاند». لن يخفي الاثنان إعجابهما بأسلوب اللصين في تمويه تعقبهما وانضباطهما، لكن سوء الفهم (وهو تاريخيّ النزعة هنا) يبقى على إصراره مؤدياً الى مقتل ألبرتو على يد تانر لتتحقق دورة الإثم حسب مكارثي في أن مجرمي «أميركاه» يؤسسون على منوال أزليّ إمبراطورية شغوفة بالقتل الذي يترك لطخته المشينة على وجهها الكونيّ، تماما كما فعلتها شخصية الوحش الإنساني إنتون شغور في «لا وطن …» وتصفياته العبثية لمن يقابلهم، راسماً خيط دم جهنميّا لن يتجاسر أحد على حبس إهراقه.
«العدالة ليست جريمة»، يعلن شعار فيلم البريطاني ديفيد ماكينزي «مهما كلّف الأمر» (له عنوان ثان هو «كومانشيريا»)، لكن مَنْ يجرؤ على إنصاف جريمة؟ مفارقة قانونية تثّبت لا توازن اعتبارات اجتماعية تتحكم بحيوات ملايين الأميركيين وتحيلهم الى سلسلة خطايا متنوعة ومعقّدة، تبدأ بالعُسر وتنتهي بالعنصرية، فيما يكون الحمق والبَطَر والجسارات ونزعات الشرّ والانحطاط الفطريّ والطموح والتطبّع على الإجرام وأحيانا الصدفة، من بين دوافع أخرى. نصّ شديد الإمتاع ومتوهج ومفعم بطرائف سوداء، ينتمي الى نوعية هوليوودية (جنر) خاصة بالمطاردات، متباهياً بردائه الزاهيّ لبراريّ ورعاة بقر وعوالم «ويسترن» حداثيّة! في مشهدياته الكثيرة الضياء، لا يمتطي «الكاوبوي» حصانه بل يقود سيارات ذات تكنولوجيا جبارة تصارع وحشية الأرض القفر المترامية والمليئة بالدسائس وفرص الرغد والموت المجاني، من دون أن يتخلّى عن مسدسه وقبعته وسيكاره ورعونته.
إغواءات وشرور
وثّق كاتب السيناريو الأميركي تيلور شريدان، حكاية بطليه - الأب الشاب المُطَلّق والعامل السابق في شركة إنتاج غاز توبي (كريس باين) وشقيقه الأصغر والأزعر وصاحب السوابق تانر(بن فوستر) بروح روايات مواطنه كورماك مكارثي، خصوصا في ثلاثيته الشهيرة عن الحدود، لا بسبب إغواءات البقعة وشرور بشرها وخشونة أجوائها، بل بهذه الروح «التوراتية» عن الإثم والعقاب. من هنا، يتحوّل الثنائي توبي وتانر الى فريستي قانون لا يهادن، يديره بعناد ضابط الأمن الفدرالي ماركوس (أداء قوي من صاحب «الأوسكار» جف بريجز) حين يقرر إنهاء «لعبتهما» في السطو على فروع بنك واحد بعينه، لنكتشف لاحقا انه السبب في خراب عائلتهما وانهيارها وتفككها إثر تهديده بمصادرة مزرعتها/ رأس مالها عبر مناورات غير قانونية تخصّ ديناً عصياً. الخطة ذكية برغم خبثها، تقوم على فكرة «سرقة السارق ودفع بلائه»، أي مداورة ماله و «تنظيفه»، ومن ثم تسديد الأقساط المستحقّة بصكوك «منقّاة».
ما بدا كحكاية قنص، تتوسع بحنكة على يد المخرج ليحولها إلى نباهة سينمائية تصطاد بمكر، خيبات رأسمالية مفترسة تترصّد ضحاياها في حواف معزولة ومحاصرة بالقيظ، لم تقِها جفوتها الجغرافيّة من هزّة «وول ستريت» التي جعلت من «الدكاكين المصرفية» مصائد لقوى إنتاج واغتصاب مواردها.
نقابل خلال كلّ هجمة للشقيقين، خيبة اقتصادية متلّبسة سحنة مواطن عادي يقف بضعف أمام المفاجأة، لكنه يحسدهما على نزقهما، برغم إيمانه بأنهما سينتهيان إما كنزيلي سجن أو جثتين. تشرح عزيمة الشقيقين عنوانَي الفيلم. يشير الأصلي الذي وضعه شريدان «كومانتشيريا» الى بقعة جغرافية في فيافي تكساس كانت ملكاً لقبائل أصيلة حاملة الاسم الشهير، نهبها المستعمرون الأوروبيون الأوائل، وهي تورية بيّنة لما يقوم البطلان به من سلب مُدَبّر ومتوارث. أما العنوان الثاني «مهما كلّف الأمر» (ويحمل كلمة «جحيم» وصيغة «مياه عالية» HELL OR HIGH WATER )، فهو تعبير دارج يوكد العزم، يرد على لسان موظف كبير في المصرف المستهدف. يخيّر الأخوان بين عودة مال القرض أو مصادرة أرض والدتهما المتوفاة حديثاً، أي حريتهما أو شطب وسَم سلالتهما. أيضا، هو إشارة الى صلابة نيّاتهما في تحصين جذرهما الأسري، يردّ توبي بصدق جارح على ظنون ابنه البكر بشأن شائعات جرائمه: «صدق كل ما تسمعه عني، لقد ارتكبتها كلّها». إذ لا مشيئة أخرى في حياة كائن يتحايل على خساراته بزيجته وأبوته ولاحقا برباط أخوّته، سوى ان يكون نزيهاً مهما كلّفه الأمر. هذه الأخيرة، تصبح ملاذاً نهائياً للأخوين حينما يحاصرهما ماركوس قبيل تقاعده(!) ومعه زمرته من رعاة بقر استكبروا أفعال قاطعي طريق محليين يتشبهان ب «روبن هود»، لتصبح المطاردة الختامية انحيازاً مطلقاً لولاء عائلي. يناور تانر بمتفجرات لتعطيل تقدم عدو متشابك العروق لسطوة دولة وغيلان مال، قبل أن تصفيه رصاصة قائد متأنق، فاسحاً ممراً آمناً لشقيقه الأكبر الذي وصفه ماركوس بخبث: «هذا رجل يمكنه مصادرة منزلي» لينجو من موقعة دموية... ربما الى حين.
الوباء المتوارث
لا يتناكف الشقيقان أبداً، برغم شكاوى توبي لابنه حول فقرهم الذي هو: «وباء توارثناه جيلاً إثر جيل»، إلا أن فوضى حياتية تتراكم حولهما على مدى 102 دقيقة كمؤشر نفسي على هزيمة مقبلة تتفجر بحسم درامي مع حماقة تانر في السطو، مستغفلاً استشارة توبي المنشغل بمشاعره الصافية والطاهرة مع نادلة مقصف (كيتي مكسون) يسلمها 200 دولار بخشيشاً، وهي حماقة أخرى تحسم شكوك ماركوس وتحقيقاته حولهما. هذه الزلّة المبرّرة أخلاقياً، كونها إشارة الى تعفّفه، حتمية في نصّ شريدين/ ماكينزي، لتماشيها مع أخرى يقترفها العمدة الفدرالي مع معاونه النصف كومانتشي ألبرتو (جل برمنغهام) أثناء مناكفاتهما العرقيّة، يقول فيها الأخير لرفيقه الأبيض: «كل هذه الأرض كانت ملكاً لأجدادي. اغتصبها منهم أبناء جلدتك قبل أن تُسرق منهم لاحقا، ليس على يد جيش انفصالي بل من قبل أولاد الزنا هؤلاء!» مشيراً بسبابته الى بوابة «بنك ميدلاند». لن يخفي الاثنان إعجابهما بأسلوب اللصين في تمويه تعقبهما وانضباطهما، لكن سوء الفهم (وهو تاريخيّ النزعة هنا) يبقى على إصراره مؤدياً الى مقتل ألبرتو على يد تانر لتتحقق دورة الإثم حسب مكارثي في أن مجرمي «أميركاه» يؤسسون على منوال أزليّ إمبراطورية شغوفة بالقتل الذي يترك لطخته المشينة على وجهها الكونيّ، تماما كما فعلتها شخصية الوحش الإنساني إنتون شغور في «لا وطن …» وتصفياته العبثية لمن يقابلهم، راسماً خيط دم جهنميّا لن يتجاسر أحد على حبس إهراقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.