في ظل هذه المخاوف، أطلق المحلل البريطاني "روبرت كورنويل" عبر صحيفة "اندبندنت"، تحذيرا لأوباما بأن اثنين من أسلافه علي الأقل أخفقا في تحقيق هذا الهدف، وأن هناك قائمة طويلة بأسماء الأماكن المرتبطة بجهود السلام منذ حرب الخليج 1991؛ مدريدوأوسلو وواي ريفر وشرم الشيخ وكامب ديفيد وطابا، وآخرها أنابوليس، إلا أن هناك أمرا مشتركا بينها، وهو الفشل، وتصرّ مجموعة آخذة بالتناقص من المتفائلين علي أن "الأمور مختلفة هذه المرة". مضي نحو 17 عامًا من مفاوضات السلام المتعثرة، منذ أن وقّع الجانبان (الفلسطيني والإسرائيلي) علي اتفاق أوسلو العام 1993، إلا أنه لم يجْرِ التوصل إلي حل أو تسوية حقيقية علي أرض الواقع؛ فدائما ما تكون المحادثات صعبة وتنتهي بالفشل، نظرا للخلافات الشديدة بين الجانبين بشأن قضايا عديدة، من أبرزها: القدس، وعودة اللاجئين، والمستوطنات اليهودية. وما زال هناك شك بإمكانية تحقيق أي نتائج إيجابية في جولات المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ رغم نيلها دفعة دبلوماسية قوية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتصب الشكوك جميعها في خانة إسرائيل وحكومة نتنياهو التي لم تكشف عن جديتها في الوصول إلي نتائج ملموسة؛ خاصة مع تجدد أحداث العنف في الضفة الغربيةالمحتلة علي يد الجيش الإسرائيلي. فعلي إثر اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقر وزارة الخارجية الأمريكية لاستئناف المحادثات المباشرة بعد تجميد لمدة عشرين شهراً، طرح المراقبون علامات استفهام؛ في مقدمتها: الخلفية التي علي أساسها يتم استئناف المحادثات المباشرة؟.. ولماذا بذلت الولاياتالمتحدة كل هذا الجهد لدفع المحادثات قدمًا؟.. وهل تتجنب هذه الجولة من المحادثات تكرار الدخول في دائرة اليأس؟ ويذهب بعضهم إلي أن هنالك عددًا من الأسباب تدعو إلي التشاؤم إزاء هذه المحادثات، إذ إن كلا الجانبين يبدو غير راغب في تقديم تنازلات كبري.. كما أن كلاًّ منهما ذهب إلي الولاياتالمتحدة لإرضاء واشنطن.. بينما يري آخرون أنه ربما تكون هناك بارقة أمل، خاصة أن الجانبين يدعمان الحل الخاص بإقامة دولتين، كما أن وتيرة العنف علي الأرض تراجعت، فضلاً عن شعور كل جانب بالإنهاك بسبب الصراع، ويحاول الجانبان - وفق الفترة الزمنية التي حددتها إدارة أوباما - التوصل في غضون عام إلي اتفاق يقيم دولة فلسطينية مستقلة، ويوفر الأمن لإسرائيل. لكن هذا الموعد - ضمن الجدول الزمني المقرر - طَموح للغاية؛ لأن الجهود التي بذلتها الإدارات الأمريكية السابقة لسنوات عديدة وعبر جولات كثيرة من المفاوضات والمباحثات، والمراوغات أيضا، فشلت في الوصول إلي تسوية للصراع. الضعف بلا شك ينتاب القيادة الفلسطينية؛ بسبب الخلاف بين حركتَي "فتح" و"حماس"، ويبدو أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ليس لديه أي خيار سوي ما تطرحه واشنطن، وفيما يري بعضهم أن أوباما نجح في وضع القضية من جديد ضمن دائرة الاهتمام، فإن هذا لا ينفي وجهة النظر التي تري أن احتمالات نجاح المحادثات ضعيفة للغاية؛ إذ لا تتعدي لدي كثيرين نسبة ال 1 في المئة. وتتوقع الأغلبية الفشل لهذه المحادثات. ومن المؤكد أن تغيير هذه المعادلة لترجيح كفة النجاح مرهون بمعطيات كثيرة، غير موجودة علي أرض الواقع، وليست في متناول أوباما، ومن بينها تعنت نتنياهو المتوقع مع دخول المحادثات مرحلة الجد، ورفضه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ولا يمكن إغفال تأثير أعمال العنف من الجانب الاسرائيلي وردود الأفعال الفلسطينية التي بدأت تعود إلي الواجهة مع انطلاق المفاوضات. وقد اعترف سفير إسرائيل لدي واشنطن "مايكل أورين"، قبل بدء المحادثات، بأنها لن تكون سهلة، في نواح كثيرة؛ إذ تعدّ قضية القدس - مثلا - حساسة ومعقدة للغاية، كما أن الجانب الفلسطيني يصر علي أن توقف إسرائيل بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. ومن المقرر أن ينتهي تعليق بناء المستوطنات الذي استمر لمدة عشرة أشهر، وكان نتنياهو قد قال خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، إنه لا يعتزم تمديد تجميد بناء المستوطنات، بيد أن رئيس السلطة الوطنية محمود عباس وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، أكدا أنه إذا واصلت إسرائيل بناء المستوطنات، فإن المحادثات المباشرة سوف تنهار، كما يعدّ انعدام الثقة بدرجة كبيرة بين الجانبين من أكبر العقبات التي لا تزال قائمة في طريق مسعي أوباما لتحقيق حل الدولتين الذي فشل في تحقيقه كثير ممن سبقوه ممن تعاقبوا علي البيت الأبيض. وفي ظل هذه المخاوف، أطلق المحلل البريطاني "روبرت كورنويل" عبر صحيفة "اندبندنت"، تحذيرا لأوباما بأن اثنين من أسلافه علي الأقل أخفقا في تحقيق هذا الهدف، وأن هناك قائمة طويلة بأسماء الأماكن المرتبطة بجهود السلام منذ حرب الخليج 1991؛ مدريدوأوسلو وواي ريفر وشرم الشيخ وكامب ديفيد وطابا، وآخرها أنابوليس، إلا أن هناك أمرا مشتركا بينها، وهو الفشل، وتصرّ مجموعة آخذة بالتناقص من المتفائلين علي أن "الأمور مختلفة هذه المرة". وأوضح "كورنويل" أن هدف أوباما هو نفسه حل الدولتين الذي سعي إليه من قبله الرئيسان السابقان كلينتون وبوش، والذي يستند إلي اتفاق حول القضايا المحورية (الأمن، والحدود، واللاجئين الفلسطينيين، ووضع القدس). كما أن الخطوط العامة لأي تسوية نهائية قابلة للاستمرار، وهي معروفة منذ وقت طويل؛ وتتلخص في: حدود آمنة ربما تراقبها قوات خارجية، وعودة معظم مساحة الضفة الغربية إلي الفلسطينيين، مع مبادلات أرض للمناطق التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية التي لا تريد إسرائيل إخلاءها، وسيكون هناك حق عودة رمزي تمامًا للاجئين إلي داخل إسرائيل، بينما تشارك الدولتان في القدس كعاصمة لكل منهما. ولا شك أن أوباما سعي إلي معرفة آراء ضيوفه خلال اجتماعاته الثنائية معهم، بشأن صيغة "حل وسط" يرضي الجانبين، ولكن ليس هناك ما يضمن التوصل إلي حل وسط. ويبدو تصميم أوباما سلاحًا ذا حدين، نعم، إنه يتصرف في وقت مبكر من رئاسته أكثر بكثير مما فعله سلفاه، وهذا ينطوي علي مجازفات؛ لأن الرئيس أوباما عندما يخوض الجولة الثانية لإعادة انتخابه في 2012 لا يريد بالتأكيد أن يضيف اللوبي الأمريكي المؤيد لإسرائيل إلي قائمة خصومه. وفي هذا السياق، حلل "مارتين إنديك" نائب رئيس ومدير قسم السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز (مقرها واشنطن)، الأسباب التي تقف وراء رغبة الولاياتالمتحدة لإنجاح هذه المحادثات، فهو يري أن إسرائيل وبعض الدول العربية حلفاء للولايات المتحدة، وسيسبب الصراع العربي - الإسرائيلي توترا في علاقات الولاياتالمتحدة مع الإسرائيليين والعرب، كما أن الاستقرار في الشرق الأوسط يعدّ أمرًا بالغَ الأهمية للتدفق الحر للنفط بأسعار معقولة إلي الغرب، فما دام الصراع مستمرًا، فهنالك دائما احتمال لحدوث انفجار في المنطقة، الأمر الذي يهدد أسعار النفط. ويشير إنديك إلي أن الولاياتالمتحدة في حالة حرب مع "القاعدة"، التنظيم الذي يستغل الصراع كوسيلة لتشويه صورة الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي. ويعتقد إنديك أن حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أفضل وسيلة لإظهار أن الأسلوب الأمريكي يشهد نجاحًا، وأن حل الصراع يمكن أن يعرقل خطة إيران لاستخدامه كوسيلة للخروج من العزلة التي فرضتها عليها الولاياتالمتحدة إلي حد كبير. ويذهب إنديك إلي أن بيئة المفاوضات المرتقبة تصب في مصلحة السلام أكثر من أي وقت مضي في العقد الأخير، وأن جهود السلام تعتمد علي قوة الإرادة لدي الزعماء، وأن وتيرة العنف التي شهدتها المنطقة في تسعينيات القرن الفائت تراجعت، كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية تحافظ علي النظام في الضفة الغربية لصد أية هجمات علي الجانب الإسرائيلي، وقد أثبتت في هذا السياق أنه من الممكن الاعتماد عليها كشريك في المفاوضات. وأشار إنديك إلي أن هنالك تباطؤًا في بناء المستوطنات الإسرائيلية؛ نتيجة قرار التجميد الجزئي لمدة 10 أشهر الذي اتخذته إسرائيل.. موضحا أنه بعد رفض نتنياهو تمديد القرار، فمن الممكن للجانبين أن يتواصلا إلي حل وسط إذا قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بتقييد البناء في المناطق التي يمكن استيعابها في إسرائيل بعد التوصل إلي اتفاق؛ لأن الناس في الجانبين - كما يري - يؤيدون أيضا حل الدولتين. أما "روبرت دانين" المحلل بقسم دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية؛ فيؤكد أن الثقة غائبة في العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية؛ إذ إن الانتفاضة الثانية 2002 - 2003 لم تسفر فقط عن مصرع الآلاف من الجانبين، بل أدت أيضا إلي تضاؤل الشعور بين كثيرين بأن تحقيق السلام أمر ممكن.