منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، مرت عملية السلام في الشرق بمنحنيات كثيرة وسط اختلاف الرؤي الفلسطينية والإسرائيلية واستمرار الضغوط الدولية من أجل التوصل إلي اتفاق اطاري لتحقيق السلام العادل في المنطقة مروراً بقمة كامب ديفيد برعاية الرئيس بيل كلينتون وبمؤتمر أنابوليس الذي أعلن فيه الرئيس جورج بوش بدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وتمثل قمة واشنطن برعاية الرئيس باراك أوباما نقطة انطلاق للجولة الأولي من المفاوضات المباشرة بين الحكومة الإسرائيلية بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والسلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وعقب انتهاء الجولة الأولي من المفاوضات المباشرة، أعلن الجانب الفلسطيني عن ارتياحه بخصوص الاتفاق الإطاري الذي ينوي التوصل إليه بنهاية عام 2011 في ظل الحظر الأمريكي علي إسرائيل بتمديد العمليات الاستيطانية حتي نهاية العام الحالي، ووصف جورج ميتشيل، المبعوث الأمريكي في الشرق الأوسط، الاتفاق الإطاري بأنه ليس اتفاقية مرحلية أو اتفاق مبادئ بل هو اتفاق "يؤسس للتنازلات المحورية والضرورية للوصول الي معاهدة شاملة تنهي النزاع وتوصل إلي سلام دائم". وفي الوقت الذي أعلن فيه الوفد الفلسطيني عن بعض التفاؤل، اعتبر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس أن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المباشرة هي "سوق نخاسة لبيع فلسطين"، وأضاف خالد مشعل "نحن طريقنا الجهاد والمقاومة وهو طريق العزة والنصر، أما اجتماع واشنطن فهو اجتماع فاشل وليست له شرعية سياسية ولا وطنية ولا أخلاقية، وهو اجتماع الضعفاء المنبوذين الذين انفصلوا عن شعبهم بالأمر والنهي الأمريكي". غياب الدور الأوروبي الملاحظ في قمة واشنطن هو غياب الدور الأوروبي. وكانت القمة قد سبقتها قمة خماسية جمعت الرئيس الأمريكي مع بنيامين نتنياهو ومحمود عباس بحضور كل من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مبعوثاً عن اللجنة الرباعية الدولية وهو ما اعتبره المراقبون الأوروبيون حضورا أوروبيا متواضعا. وتابع الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي تطورات قمة واشنطن عبر مكالمة هاتفية تلقاها من الرئيس باراك أوباما أعلن بعدها في بيان رئاسي دعمه الكامل لسير المفاوضات تطرق فيه إلي نية باريس ايجاد دور لها في رعاية تطور المفاوضات حيث أكد البيان الرئاسي "الرئيس ساركوزي الذي كان شجع الأطراف علي إطلاق المفاوضات، أكد للرئيس أوباما دعم باريس الكامل لهذه المحادثات، وعزمها علي اتخاذ خطوات في الأشهر المقبلة من أجل تعزيز فرص نجاح هذه المفاوضات وتوصلها الي نجاح شامل ودائم وعادل". وحذر ساركوزي الأطراف المشاركة في المفاوضات من عرقلة السلام و التلاعب بعنصر الزمن لأن ذلك سيغذي مصالح المتطرفين من الجانبين. وأشارت وزارة الخارجية الفرنسية إلي زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلي مدريد للقاء نظيره الإسباني ميجيل انخيل موراتينوس علي أنها ستتطرق إلي التشاور حول التطورات في عملية السلام في الشرق الأوسط، والمشاركة السياسية للاتحاد الأوروبي كشرط أساسي لضمان السلام في المنطقة، وكان برنارد كوشنير قد أعلن عن استيائه من عدم دعوة أي ممثل أوروبي للمشاركة في إطلاق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في واشنطن، وقال كوشنير في ختام مؤتمر للسفراء الفرنسيين في العالم "لا يمكننا أن نتكلم عن وجود يجب ألا يقتصر علي الجانب المالي (في حل المشكلة الفلسطينية) ونكون في الوقت نفسه غائبين". ويعتبر تلميح كوشنير إلي الدعم المالي هو تلميح إلي مؤتمر باريس-2 لتوفير الدعم المالي للفلسطينيين بمبادرة الرئيس الفرنسي. وهذا التلميح عبر عن ضيق فرنسي عن استبعاد الدور الأوروبي واستفراد الإدارة الأمريكية برعاية المفاوضات المباشرة في الوقت الذي تطالب فيه الولاياتالمتحدة أوروبا بالمشاركة المالية لدعم المفاوضات. مقامرة محفوفة بالمخاطر ومن جانبه، أشار الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي أثناء لقائه بالرئيس المصري حسني مبارك في باريس إلي قمة مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط المقرر عقدها في برشلونة في نوفمبر المقبل برئاسة مصرية-فرنسية مشتركة علي أنها ستمثل الجهود المتوسطية لدعم عملية السلام. وعلق المحلل الصحفي البريطاني روبرت كورنويل في مقال له بصحيفة "ذي اندبندنت" علي جهود الرئيس الامريكي باراك أوباما في رعاية المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بأنه مقامرة محفوفة بالمخاطر لتحقيق ما لم يحققه أسلافه، وأضاف "هناك قائمة طويلة بأسماء الأماكن المرتبطة بجهود السلام منذ حرب الخليج في العام 1991: مدريد واوسلو وواي ريفر وشرم الشيخ وكامب ديفيد وطابا، وآخرها انابوليس. إلا أن هناك أمراً مشتركاً بينها مع ذلك وهو الفشل. وهكذا يسيرون نحو واشنطن في سبتمبر 2010". وبالإضافة إلي غياب الدور الأوروبي، غابت أيضاً أطراف دولية مهمة فقد تغيب باقي أطراف الرباعية الدولية الممثلين بروسيا والأمم المتحدة. كما غابت أطراف إقليمية ودولية مهمة طالبت السلطة الفلسطينية بحضورها كتركيا والهند والبرازيل. قمة التوقعات الضئيلة في الوقت الذي أبدت فيه فرنسا امتعاضها عن غياب الدور الأوروبي، أعربت الحكومة الألمانية عن ارتياحها لبدء المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في واشنطن، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية شتيفان بريدول أن غياب مفوضة الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين اشتون، عن قمة واشنطن لا يعني عزل أوروبا عن دورها في عملية السلام لأن الاتحاد الأوروبي شارك كطرف في الرباعية الدولية بصورة مكثفة في التحضير لهذه المفاوضات. ووصفت مجلة دير شبيجل الألمانية قمة واشنطن بأنها قمة التوقعات الضئيلة إذا ما قورنت بالقمم السابقة التي كانت تطمح لتوقعات عالية و باءت جميعها بالفشل. وفي الوقت الذي تري فيه دير شبيجل تحجيم الآمال المتوقعة من القمة بأنه شيء إيجابي، إلا أنها حذرت من أثر انعدام الثقة المتبادلة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي علي سير المفاوضات، وهو ما بدا بالفعل من غياب أي رؤية مشتركة حول القضايا الرئيسية مثل عودة اللاجئين، و إدارة مدينة القدس، ومستقبل بناء المستوطنات، و حتمية الاعتراف المتبادل بحل الدولتين إذا كان سيقدر لهذه الجولة من المفاوضات أو الجولات المستقبلية أي نوع من النجاح. وأضافت مجلة دير شبيجل "ما الذي سيدفع محمود عباس لأن يكون الرجل الذي سيذكره التاريخ علي أنه خان قضية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لأراضيهم إذا كان يعرف أن نتنياهو غير مهتم بعقد أي تفاهم بهذا الصدد؟ وما الذي سيدفع نتنياهو إلي تجميد بناء المستوطنات إذا كان يعتقد أن تجميد بناء المستوطنات سيجعل تل أبيب في متناول صواريخ المقاومة؟" استراتيجية جديدة وأرجع البعض توجه الولاياتالمتحدة إلي الاستفراد برعاية عملية السلام في الشرق الأوسط والتي تتزامن مع انسحاب قواتها القتالية من العراق وفقاً للاستراتيجية الأمنية الموقعة بين واشنطن و بغداد إلي تبني استراتيجية جديدة في المنطقة تسعي إلي احتواء النفوذ الإيراني من خلال تدعيم علاقاتها الإقليمية والحفاظ علي تأثير سياسي فعال في المنطقة تضمن عن طريقه تدعيم مصالحها العسكرية والأمنية والاقتصادية من ناحية، والحفاظ علي هذه المصالح عبر تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط من ناحية أخري. سواء صحت هذه التكهنات أم لا، فإنه من المؤكد أن الدور الأوروبي في قمة واشنطن كان محدوداً للغاية. غير أن النتائج التي توصلت إليها القمة تبدو محدودة أيضاً ولا يتوقع أن يحدث تطور إيجابي بشأنها في غياب الرعاة الأوروبيين والدوليين والإقليميين الآخرين. فمنذ الاعلان عن التجهيز لعقد القمة، أعلن 13 فصيلاً عسكريا فلسطينيا، بينها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تشكيل غرفة عمليات مشتركة لاستهداف المصالح الإسرائيلية. وجاءت عملية الخليل التي راح ضحيتها أربعة من المستوطنين الإسرائيليين لتنذر الأطراف المتفاوضة في واشنطن أن رعاية عملية السلام بغياب العديد من الأطراف المعنية أو بتجاهلهم وتجاهل مطالبهم لن يكون مصيرها سوي الفشل.