■ لا أحد لديه توقعات كبيرة حول المفاوضات التى أعلن عن استئنافها قبل أيام، فهى أشبه بالمناورات أكثر منها بالمفاوضات، فحكومة نتنياهو تريد أن تتجنب الضغوط الدولية والأمريكية الآتية لا ريب إذا استمر الجمود فى العملية السياسية، التى يمكن أن تصل إلى فرض حل على إسرائيل.. والقيادة الفلسطينية تريد استرضاء إدارة أوباما ومنحها فرصة جديدة لعلها تنجح فيما فشلت فى تحقيقه حتى الآن وتتجنب تحمل المسؤولية عن استمرار الجمود وضمان استمرار الدعمين الأمريكى والدولى. غير أن الخلافات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل قد تفجرت مبكراً عما هو متوقع لها، فبعد انطلاقها بيوم واحد فقط أصابها فيروس الفشل على إثر إعلان إسرائيل استمرارها فى خطط التوسع الاستيطانى فى القدس، ونيتها بناء 14 وحدة استيطانية جديدة فى حى رأس العمود شرق المدينة، بخلاف ما أعلنته الإدارة الأمريكية وأبلغته للفلسطينيين حول تعهدات إسرائيل بتجميد البناء فى المدينة المقدسة. ودون شك، فإن المفاوضات غير المباشرة التى انطلقت وسرعان ما تعثرت باتت مرتبطة بإرادة الجهة الراعية لها، وهى الإدارة الأمريكية، وبجوهر الهدف الذى حددته هذه الجهة من وراء إطلاق المباحثات!.. فإن كان الهدف هو مجرد تحريك العملية السياسية، فإن هذه المباحثات قد تستمر طويلاً، لكن ذلك لا يمنع الأخذ فى الاعتبار طبيعة الحكومة الإسرائيلية ذاتها، لكن هذه المفاوضات تظل مختلفة فى طبيعتها - غير المباشرة - وفى أهدافها عن تلك التى انطلقت فى مرحلة سابقة، لأن الحديث لا يجرى هذه المرة عن التوصل لاتفاق مرحلى يتبعه اتفاق على مفاوضات لحل نهائى، كما أن هذه المفاوضات تجرى بعد مراجعة حاسمة للموقف الدولى، الذى كان قد بارك فى السابق اتفاقات أوسلو بين الجانبين، فقد بدأت أول مباحثات رسمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فى مدريد عام 1991، وبعد 19 عاما من التفاوض مع إسرائيل توصل خلالها الفلسطينيون إلى قناعة راسخة بأن إسرائيل لا تسعى أبداً إلى إعطائهم دولة فلسطينية، وعملياً كانت اتفاقية أوسلو التى وقعت فى 13 سبتمبر 1993 هى أول اتفاق رسمى وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فى مدينة واشنطن فى الولاياتالمتحدة، وسمى «أوسلو» نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التى تمت فيها المباحثات السرية. وتباحث الفلسطينيون والإسرائيليون طويلاً فى مختلف القضايا بعد ذلك، وأجروا مفاوضات فى القاهرة عام 1995، وفى طابا نهاية سبتمبر 1995، والخليل فى 15 يناير 1997، وواى ريفر فى 23 أكتوبر 1998، وشرم الشيخ فى 4 سبتمبر 1999، وكامب ديفيد 2000. غير أن كل هذه المفاوضات لم تأت للفلسطينيين بالدولة المرجوة، كما أن إسرائيل لم تطبق أياً من التزاماتها فى كل الاتفاقات، وظلت الخلافات تطال كل شىء، وفى كامب ديفيد تفجر الموقف، وتمسك الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفاتبالقدسالشرقية، وكامل الأراضى المحتلة عام 1967 وبعد ذلك بقليل فى 28 سبتمبر 2000 تفجرت انتفاضة الأقصى، وتوقفت المباحثات تماماً، وساءت العلاقات بين السلطة وإسرائيل بشكل غير مسبوق. والآن، تنطلق المفاوضات دون التزام إسرائيلى بمرجعية واضحة وملزمة بعملية السلام، أى أن المفاوضات سيدة نفسها، وستكون مفاوضات من أجل المفاوضات، والفلسطينيون أنفسهم يعرفون من خلال التصريحات الواردة على لسان كبير المفاوضين د. صائب عريقات أن المفاوضات غير المباشرة ستركز على الحدود والأمن خلال الأربعة شهور المقبلة، ويعترف أيضاً بأن اللحظة قد جاءت لمصارحة الشعب الفلسطينى بأن قيادته لم تستطع أن تحقق حل الدولتين من خلال المفاوضات التى استمرت 18 عاماً، وباتت هناك قناعة بأن إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية مستقلة على الأراضى الفلسطينية.