تتجمع في الأفق مؤشرات عديدة تنزع إلي التشكيك في جدوي المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وتتنوع مبررات التشكيك في هذه المفاوضات ما بين ضعف الجانب الفلسطيني وتمزقه, وبين يمينية الحكومة الإسرائيلية وشخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, إضافة إلي عدم قدرة إدارة أوباما علي ممارسة الضغوط الكافية علي الجانب الإسرائيلي للتجاوب مع متطلبات التسوية السياسية. وهناك من يقول إن أسس التسوية وكما حددها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في كلمته الشفوية التي ألقاها في الثالث والعشرين من ديسمبر عام2000 أمام الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي, لا يمكن أن تحظي بقبول اليمين الإسرائيلي بما في ذلك تكتل الليكود الذي يقوده نتنياهو, فحكومة اليسار التي كان يقودها في ذلك الوقت إيهود باراك لم تستطع هضم هذه الأسس, رغم أنها لم تحظ بقبول الجانب الفلسطيني. في المقابل يري تيار محدود في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وشريحة من المحللين ان المفاوضات المباشرة التي انطلقت من واشنطن سوف تفضي إلي تسوية سياسية للقضية الفلسطينية, فبنيامين نتنياهو2010, يختلف تماما عنه في عام1996, فهو الآن أكثر نضجا وأقل تطرفا, كما أنه يحظي بتأييد غالبية الرأي العام الإسرائيلي, ويدللون علي قولهم هذا بالتعبير الذي استخدمه نتنياهو لأول مرة عندما ذكر في كلمته في البيت الأبيض مصطلح الضفة الغربية متخليلا عن المصطلح التوراتي المتداول لدي اليمين الإسرائيلي هو يهودا والسامرة أوJvdiaandsmaria وهو الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة للغاية لدي اليمين الإسرائيلي والأحزاب الدينية وجماعات المستوطنين الذين رأوا في استخدام نتنياهو لمصطلح الضفة الغربية تحولا إيديولوجيا مقدمة للتنازل عنيهودا والسامرة كأرض توراتية حسب رؤية اليمين الإسرائيلي. إذا كان البعض يقول أن قبول نتنياهو بالتسوية السياسية سوف يفكك ائتلافه الحكومي لأن أحزابا مثل إسرائيل بيتنا بقيادة وزير الخارجية الحالي افيجدور ليبرمان سوف تغادر الحكومة, ومعها أحزابا من اليمين الديني, فان الرد علي ذلك هو أن نتنياهو يملك أوراقا أخري لإعادة تشكيل ائتلافه الحكومي وذلك عبر دخول حزب كاديما الذي يحتل المرتبة الأولي في الكنيست ب29مقعدا ودخوله الائتلاف يجعل للحكومة غالبية برلمانية كبيرة(71 مقعدا من120 مقعدا) إضافة إلي إمكانية ضم عدد من الأحزاب الدينية التي تتسم بالانتهازية السياسية ويمكن أن تشترك في الحكومة مقابل مخصصات مالية للمدارس الدينية, باختصار يمكن لنتانياهو شراء ولاء بعض الأحزاب الدينية لاسيما شاس مقابل المال, ومن ثم يزيد من عدد مقاعد ائتلافه الحكومي. يضاف إلي كل ذلك إعادة التأكيد علي أن اليمين الإسرائيلي عادة هو الأكثر قدرة علي الوصول إلي حلول تاريخية, فلن يتعرض للمزايدة من أحد, فهو صاحب فكرة أرض إسرائيل وهو الذي يإمكانه الحفاظ علي ما يمكنه الحفاظ عليه من هذه الأرض. ويبدو واضحا أن شقا كبيرا من الجدل سوف يحسم في السادس والعشرين من سبتمبر الجاري عندما تنتهي فترة العشرة شهور التي تم فيها تجميد الاستيطان, فماذا سوف يفعل نتنياهو في ظل عدم قدرة واشنطن علي بلورة رأي واضح ومحدد المعالم تجاه هذه القضية, فالحكومة الإسرائيلية تقول انها لن تجدد قرار التجميد وسوف تعطي التصريحات باستئناف البناء في المستوطنات, وجماعات المستوطنين والمجالس المعبرة عنهم تنتظر يوم السادس والعشرين لبدء عملية بناء ضخمة في المستوطنات, في المقابل يجمع الجانب الفلسطيني ممثلا في السلطة الوطنية الفلسطينية علي وقف المفاوضات في حال استئناف الاستيطان, وعلي الرغم من أنه لا يفصلنا عن هذا الموعد سوي أسبوعين, فان جميع الاطراف من معنية مباشرة بالمفاوضات وراعية لها ومهتمة ومتابعة لاتعرف علي وجه اليقين ما سيحدث في السادس والعشرين من سبتمبر القادم, هل ستستأنف عملية البناء في المستوطنات, ومن ثم تتوقف المفاوضات أم أن هناك بدائل وحلولا أخري يمكن أن تطرح فتحافظ علي آليه التفاوض ومن ثم تتجاوز الأطراف المعنية أول تحد حقيقي لهذه المفاوضات؟ هناك بالفعل مجموعة من الأفكار تطرح في هذا السياق منها ما اقترحته مصادر أمريكية, ومنها ما توصي به أطراف إقليمية. وهناك أفكار تطرح من عناصر تابعة لحزب العمل المشارك في الحكومة, ومن بين الأفكار المطروحة في هذا السياق إمكانية أن تواصل إسرائيل البناء داخل الكتل الاستيطانية الثلاث الكبري المتفق ضمنا ومن خلال المفاوضات التي جرت بين الجانبين سواء في كامب ديفيد, طابا وشرم الشيخ عام2000 ويناير من عام2001, أن يتم ضمها إلي إسرائيل في سياق عملية لتبادل الأراضي, وأن يسري التجميد علي باقي أنحاء الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية. أيضا هناك فكرة أخري تقول بتميديد تجميد البناء في المستوطنات لعدة أشهرة قادمة دون الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام, أي تجميد واقعي دون صدور قرار رسمي, إلي أن يتوصل الطرفان إلي اتفاق إطار يحدد أسس الحل النهائي, ومن ثم تبدأ عملية تفكيك المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية لتجميعها في الكتل الاستيطانية الثلاث الكبري التي لايوجد ما يفيد أنها محل خلاف شديد في إطار مبدأ تبادل الأراضي بين الطرفين. وتطرح دوائر من حزب العمل, شريك الائتلاف الحاكم في إسرائيل, فكرة أخري مؤداها أن تصدر الحكومة الإسرائيلية تصاريح بناء في مناطق محددة من الكتل الاستيطانية الثلاث الكبري التي تطالب إسرائيل بضمها, ثم تجدد قرار التجميد بعد انتهائه بساعات أو أيام قليلة.. عموما الأفكار كثيرة والبدائل متوافرة, ومنها ما يمكن التعاطي معه فلسطينيا ولا يفرض علي السلطة الوطنية الانسحاب من المفاوضات, ومنها ما لا يجعل لها من بديل سوي الخروج منها, فماذا تريد حكومة نتنياهو بالضبط؟ المؤكد أن القرار الذي سوف تتخذه هذه الحكومة بشأن قضية الاستيطان سوف يحدد إلي حد بعيد نوايا هذه الحكومة تجاه المفاوضات الجارية وتجاه مبدأ التسوية السياسية التعاقدية للقضية الفلسطينية.