أثارت تصريحات وزارة الخارجية الإثيوبية حول نجاح عملية تحويل مجرى النيل الأزرق التي تهدف لإنشاء سد النهضة الإثيوبي، الذي يحظى بأهمية كبيرة في تلبية الاحتياجات المتزايدة لإثيوبيا على الطاقة تعادل توليد 8 آلاف ميجاوات من الطاقة بنهاية خطة النمو والتحول الخمسية التي تنتهي في عام 2015. حيث انتهت من إنشاء أكثر من 20% من إنشاءات هذا السد، الذي سينتج 6 آلاف ميجاوات من الطاقة عند اكتماله ويخزن 74 مليار متر مكعب من المياه. إلى أن أحدثت تلك التصريحات ضجة عنف وغضب بين كافة القوى السياسية والحزبية والشعبية، وإثارة مخاوف لدى قطاعات كبيرة من الشعب المصري، من حدوث نضوب ملموس في كمية المياه الواردة إلى مصر والسودان. وقد حذر خبراء المياه من خطورة بناء السد على حصة مصر، خاصة بعد الانتهاء من عملية ملء حوض النهضة بالمياه، إلى المنسوب الملائم لعمل مولدات الكهرباء، تصل كميتها ما بين 74 إلى 90 مليار متر مكعب من المياه، وقد تستغرق هذه العملية من 5 إلى 7 سنوات، طبقًا للمعدل الحالي لهطول الأمطار. وانتقد د. محمد نصر الدين علام وزير الري الأسبق، تصريحات كل من د. محمد بهاء الدين وزير الري خلال حضوره مؤتمر القمة الأفريقية، بأن مصر لم تعارض بناء سد النهضة كما أنها ليست ضد التنمية في دول حوض النيل وأن إثيوبيا لن تضر بحصة مصر المائية، والحقيقة أن إثيوبيا لا تعترف بحصة مصر المائية، وكذلك تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، بأن سد النهضة لن يؤثر على مصر والسودان، قائلًا: "أن هذا الأسلوب كذب وافتراء وتغطية للحقائق التي يعلمها العالم كله وفيه تخدير للشعب المصري، خاصة وأن هذا السد ستكون له آثار وخيمة على مصر". لافتًا إلى أن سد النهضة أول السدود الأربعة التي تعتزم إثيوبيا إنشاءها على النيل الأزرق للتحكم الكامل في مياه النيل، وبالتالي التحكم في مصر ومقاديرها، خاصة وأن محبس المياه في أديس أبابا وليس أسوان كما هو حاليًا. وأضاف وزير الري الأسبق، أن عدم اعتراف إثيوبيا بحصة مصر المائية هو السبب الرئيس لعدم توقيع مصر والسودان على اتفاقية "عنتيبي" متسائلًا فكيف لن يضروا بحصة مصر وهم غير معترفين بها؟ خاصة بعد الانتهاء من ما يقرب من 18% من سد النهضة، كما أنه سيتم تحويل مجرى النهر عن الخط الأساسي اليوم مما سيتسبب في جفاف الأراضي الزراعية المصرية، بالإضافة إلى زيادة ملوحة أراضي الدلتا، هذا بالإضافة إلى انخفاض عامل الأمان فيه، والذي يقل على ربع معامل الأمان في جسم السد العالي في مصر مما ينتج عنه في حالة هدمه غرق مدينة الخرطوم. في حين أوضح وزير الري والموارد المائية د. محمد بهاء الدين، بأن موقفنا من سد النهضة واضح ولم يتغير ويتركز في حماية حقوق مصر المائية وعدم التفريط فيها بأي حال من الأحوال كما يزعم البعض خطأ، خاصة أن جميع تصريحاته في أديس أبابا جاءت كلها لتؤكد هذا المعنى، الذي لا يتعارض مطلقًا مع تحقيق التنمية لكل دول الحوض بما فيها إثيوبيا، مشيرًا أن مصر في انتظار الانتهاء من التقرير الفني لتقييم سد النهضة، والذي سيصدر خلال أيام وعندها سيتم التعامل مع الموقف بناء على معلومات موثقة. وتابع: إن علاقات مصر مع دول حوض النيل هي علاقات أزلية استمرت في الماضى وستستمر في المستقبل لصالح جميع دول الحوض، مستشهدًا بتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي عقب لقائه بالرئيس المصري محمد مرسي، بعدم الإضرار بالمصالح المائية لمصر هو تصريح إيجابي ويجب البناء عليه بما يحقق مصالح الجميع. بينما أوضح د. هاني رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن استقبال د. مرسي في إثيوبيا لم تكن بالشكل الذي يليق به كرئيس لمصر، حيث كان في استقباله وزيرة التعدين الإثيوبية، في حين أن رئيس وزراء جنوب أفريقيا تم استقباله من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي، وفور عودته أعلنت أديس أبابا عن قرارها بتحويل مجرى نهر النيل، وبالتالي تصبح الأمور أكثر وضوحًا خاصة وأن هذه الطريقة لم تكن الأولى في تعامل إثيوبيا مع مصر بهذا الشكل، الذي يعكس طريقة تعامل إثيوبيا وموقفها من القيادة السياسية؛ ففي خلال زيارة مرسي الأولى للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا وأثناء التقاط الصورة الرسمية لرؤساء الدول المشاركة في القمة الأفريقية تم وضعه في الصف الخامس وهذا ترتيب لا يليق بمكانة مصر. برغم أنه كان من الأجدر أن تكون زيارة مرسي لإثيوبيا تعبيرًا عن المشاركة في القمة الأفريقية الثانية، لذا كان يجب أن يتم وضعها في إطارها الصحيح كتعبير عن النوايا الحسنة لدى مصر في العودة والإسهام في العامل الجماعي الأفريقي والانفتاح نحو أفريقيا وعودة العلاقات لمسارها الطبيعي وهذه الزيارة تعطي رسائل أخرى وهي أن مصر ليست بمعزل عما يحدث في الدول الأفريقية، الأمر الذي يشير إلى حرص القيادة السياسية في مصر على تعزيز العلاقات مع القارة السمراء. ولكن الحقيقة عكست موقف مصر الراضخ للمطامع والمخططات الإثيوبية، التي من شأنه إلحاق الضرر الجسيم بالأمن المائي المصري بمفهومه الواسع والشامل، خاصة بعد اسندت الحكومة الإثيوبية لشركة صهيونية مهمة إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء في إثيوبيا، ومنها الكهرباء المنتجة من سد النهضة الجاري تنفيذ مرحلته الأولى الآن، ليعكس تحكم هذه الشركة الإسرائيلية في عملية تسويق وتوزيع الكهرباء المنتجة من السد، وتحديد كميات المياه المنصرفة المسموح تدفقها إلى كل من مصر والسودان، بما يعزز الوجود الصهيوني في منابع النيل، وتأثيرها على الأمن القومي المصري. ومن جانبه وصف محمد عبد النعيم رئيس المنظمة المتحدة الوطنية لحقوق الإنسان، سد النهضة الذي يتم بناؤه الآن في إثيوبيا ب"الكارثة الكبرى لمصر والسودان"، خاصة بعد الفشل المعتاد للرئيس مرسي في زيارته الأخيرة لإثيوبيا ورفض الرئيس الإثيوبي مقابلته ورجوعه يجر أذيال الخيبة على حد تعبيره، في حين أنه تم الانتهاء مما يقرب من 18% من سد النهضة الإثيوبي، كما أنه سيتم تحويل مجرى النهر عن الخط الأساسي في شهر سبتمبر المقبل، مما سيتسبب في جفاف الأراضي الزراعية المصرية، لزيادة ملوحة أراضي الدلتا بالكامل والتي تؤثر بصورة خطيرة على الأوضاع الزراعية والاقتصادية في آن واحد نتيجة سد "النهضة" الإثيوبي حيث غير من هندسة البناء فمعامل الأمان فيه يقل على ربع معامل الأمان في جسم السد العالي في مصر مما ينتج عنه في حالة هدمه غرق دولة السودان بالكامل بالإضافة إلى الأراضي المصرية الجنوبية. وأشاد عبد النعيم بموقف الرئيس السابق حسني مبارك عندما هدد الرئيس الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي بنسف سد النهضة الإثيوبي في حال إقامته بالسلاح الجوي المصري، منتقدًا موقف النظام الحالي الصامت السلبي من أزمة البناء ومن قبلها طريقة الاستقبال المهينة لمصر ورئيسها عندما تهرب من مقابلته الرئيس الإثيوبي دون اتخاذ موقف دبلوماسية رادعة حفاظًا على كرامة مصر التي يتم امتهانها الآن. وحول تقدير النظام الحاكم لحكم مصر الآن، أكد د. مغاوري شحاتة الخبير المائي، أن النظام الحاكم تعامل مع الأزمة بسوء تقدير وعدم وضوح للرؤية من الإدارة السياسية المصرية حول الملف الشائك الخاص بحصة مصر في مياه نهر النيل، خاصة أن وزير الموارد المائية والري أعلن عن اعتراض مصر على إنشاء سد النهضة وليس قناة التحويل؛ لأن سد النهضة يعد واحدًا من أربعة وثلاثين سدًا تم اقتراحهم من قبل مكتب الاستصلاح الأمريكي عام 1964، للرد على بناء السد العالي المصري برعاية الاتحاد السوفيتي سابقًا، إضافة أن سد "النهضة" الذي يتم بناؤه الآن طاقته التخزينية 11 مليار متر مكعب، ويخضع لمواصفات فنية وطبيعة جيولوجية للمنطقة محل الإنشاء، دون الأخذ في الاعتبار أن تحويل السد لاستيعاب سبعة أضعاف ما كان مقترحًا بالسابق، أي ما يعادل استيعاب 74 مليار متر مكعب، برغم أن طبيعة المكان الجغرافية والجيولوجية لم تتغير لتتواءم مع الأوضاع الجديدة بعد البناء سيجعل من انهيار هذا السد أمرًا حتميًا. وأضاف الخبير المائي، أن تعاقد إسرائيل على إدارة السد وتوزيع الكهرباء ومخزون المياه يعني وجود محاولة للسيطرة على مصر مائيًا بواسطة إسرائيل، خاصة وأن مصر والسودان لا تحصلان على أكثر من 5% فقط من مياه النيل، في حين تحصل أكبر نسبة من المياه بناء على طبيعتها الجغرافية من هطول الأمطار في بؤر كثيرة على مدار العام، ويكفيها إنشاء سدود صغيرة وإن كانت ليست في حاجة للسد، مشيرًا إلى تربص إثيوبيا بمصر منذ وقت طويل، لسوء العلاقات الدبلوماسية المصرية بدول حوض النيل. ومع مرور الوقت أخذت القضية منحنى آخر من التفاوض على زيادة حصة المياه المصرية لمعالجة زيادة السكان إلى أزمة طاحنة للمياه؛ نظرًا لحاجة السد لمدة تزيد عن ستة أعوام ليصل للمنسوب المحدد، وبالتالي سوف يخصم من حصة مصر والسودان من المياه الكثير، ومزيد من تدهور الحالة التنموية في مصر. وحول تداعيات السدود الإثيوبية وأثارها السلبية المتوقعة على الزراعة والأمن الغذائي في مصر؛ حذر د. نادر نور الدين محمد خبير الموارد المائية والأراضي كلية الزراعة جامعة القاهرة ، من الخطورة الكبرى من إقامة سد النهضة على منحدر شديد الوعورة مع احتمالات عالية للغاية لانهياره لكون معامل أمانة لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالي الذي يصل إلى 8 درجات والذي حالة انهياره سوف يمحو مدينة الخرطوم من الوجود ويستمر دماره لجميع المدن التي تقع شمالها وصولًا حتى السد العالي ومدينة أسوان.. مضيفًا أن إثيوبيا تتبع سياسة الاستعجال والأمر الواقع في بناء السد لتضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع، وبالرغم من أن اللجنة الدولية الثلاثية لتقييم سد النهضة لم تنتهِ من أعمالها حتى الآن؛ إلا أن الدولة الإثيوبية مستمرة في بناء السد بل أعلنوا أنهم قد انتهوا بالفعل من18% من أعماله المقرر اكتمالها في2015، وإعلان إثيوبيا تغيير مجرى النيل خلال شهر سبتمبر القادم. وقال د. نور أحمد عبد المنعم الخبير المائي: إن سد النهضة مدمر للتنمية المصرية خاصة وأنه سيتسبب في قطع تدفق المياه عن مصر والسودان لمدة 50 يومًا، لحاجته لتخزين المياه بمقدار 74 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، لتوليده من الكهرباء ما يقرب من 600 ميجا وات سنويًا من خلال تخزين 25 مليار متر مكعب لتوليد الكهرباء، ومن ثم تخسر مصر 12 مليار متر مكعب من المياه، إضافة لتأثير بناء هذا السد على تصريف المياه الذي سيتم تصريفه على مدار السنة بدلًا من أشهر الفيضان مما سيؤدي لانخفاض منسوب المياه أمام السد العالي، وبالتبعية ستنخفض الطاقة الكهربائية السنوية المولدة منه بخلاف سنوات الشح المائي التي تؤدي لتقليل المياه الواردة إلى مصر أمام السد العالي وذلك يزيد من حدة وحجم الأزمة التي تكمن في تعرض مصر لمشكلة مائية تصل إلى حد ندرة مياه للشرب وانقطاع مطلق للكهرباء. متهمًا مؤسسة الرئاسة والإدارة المسئولة عن هذا الملف بالتقصير والتقاعس واللامبالاة من الرئاسة والحكومة التي تمارس الكذب في مناقشة ملف المياه.