أربعة آلاف مصنع تعمل فى أقدم الصناعات المصرية وأهمها من الناحية الاستراتيجية تواجه سنوياً خساذر بلغ حجمها أكثر من 10 مليارات جنيه.. هذا هو واقع صناعة الغزل والنسيج طبقاً لبيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء، وهو الواقع الذى يلخص أزمة الصناعة المصرية بوجه عام، والتى تعرضت لعدد من التحديات الناتجة عن عملية التحول الاقتصادى من ناحية، وما طرأ على الاقتصاد العالمى من تطورات وأزمات من ناحية أخرى. وتعد صناعة الغزل والنسيج بالنسبة للاقتصاد المصرى الصناعة الأم، حيث كانت العماد والذى تأسس عليه الاقتصاد الوطنى مع ظهور طلعت حرب، وهى المكانة التى استمرت بعد ثورة يوليو المجيدة والتحول إلى اقتصاد الدولة ولاتزال كذلك حتى بعد تطبيق سياسات الخصخصة، وهو ما ترجمه الدعم الذى قدمته الحكومة لهذا القطاع الحيوى من الصناعة المصرية، لتمكنه من تفادى آثار الأزمة المالية العالمية. وترجع تلك الأهمية النسبية لأن الناتج من هذه الصناعة يمثل 25% من اجمالى الصادرات المصرية، كما أنها تستوعب ما يزيد على 30% من حجم القوى العاملة فى السوق المصرية موزعين على 4 آلاف مصنع تتفاوت أنماط ملكياتهم بين القطاعين العام والخاص والاستثمارى، لأنها صناعة كبيرة وقديمة تعرضت للعديد من المشكلات المتراكمة التى ظهرت خلال حقبة الثمانينيات.. فحسب دراسات وتقارير أكاديمية لم يستطع هذا القطاع تحمل رفع الدعم عن سعر المنسوجات الشعبية التى كانت تمثل 80% من انتاج المصانع ما دفع ادارتها للاقتراض من البنوك التجارية بفائدة بلغت 20% وهو ما أدى الى ارتفاع اسعار منتجاتها ما خفض من قدرتها التنافسية سواء فى السوق المحلى أو أسواق التصدير. ولم يكن رفع الدعم الحكومى التحدى الوحيد أمام تلك الصناعة العريقة فحتى قبيل وقوع الأزمة المالية العالمية، واجهت الصناعات النسيجية مشكلة ارتفاع وتعدد الضرائب المستحقة عليها على سبيل المثال ضريبة مبيعات بنسبة 18% من قيمة الخامات و10% على الآلات المستوردة، و30% رسوماص جمركية و22% ضريبة ارباح صناعية وضريبة ايراد عام تبدأ من 8% وتصل إلى 47% وضريبة أجور تبدأ من 2% وتصل الى 22% وضريبة دمغة تتراوح بين 06،0% و1% الىجانب التأمينات الاجتماعية على الأجور التى تصل إلى 40% منها 26% على صاحب العمل و14% على العامل، بالاضافة إلى 8 ضريبة عقارية. كذلك تواجه الصناعات النسيجية ارتفاعاً غير عادى فى أسعار الطاقة والتى زادت بنسبة 1100% منذ عام 1984 وحتى عام 2008 ورغم قيام الحكومة بخفض قيمة الجمارك على مستلزمات الانتاج فإن صناعة الغزل والنسيج مازالت محاطة بحزمة من الضرائب والأعباء التى تقلل من قدرتها التنافسية. غير أن التهريب عبر نقاط التجارة الحرة وما يعرف بتجارة الترانزيت والسماح المؤقت يشكل الغول الذى يهدد هذه الصناعة العريقة بالشلل والانهيار، فوفق البيانات الرسمية يتسبب تهريب الغزول والأقمشة والملابس فى خسائر سنوية تتراوح بين 10 إلى 15 مليار جنيه تتحملها الصناعة الوطنية، ذلك أن سوق التهريب يستجلب منتجات أقل سعراً تهدد تنافسية المنتج الوطنى فى السوق المحلية، وبلغ حجم هذا الغول إلى حد بأنه صار الخطر الأول فى وجه صناعة الغزل والنسيج. فى هذا السياق يشير تقرير للإدارة المركزية لمكافحة التهريب إلى أنه تم ضبط 438 حالة تهريب فقط عبر نقطة التجارة الحرة ب «بورسعيد» وكانت تضم 78 ألفاً و375 قطعة، إضافة إلى 339 حالة تهريب للأقمشة بلغ وزنها 19 طناً من نفس النقطة وتشهد منافذ الموانئ طوفاناً متدفقاً من الأقمشة الأجنبية المهربة الى السوق المحلية عبر الجمارك والتى تباع بسعر منخفض، لأنها مدعومة من مصادرها ومحررة من عبء رسوم الجمارك وضريبة المبعيات التى يتم تطبيقها على منتجات النسيج مصرية المنشأ، حيث يتجه قطاع كبير من التجار المصريين إلى استيراد منتجات الغزل والنسيج من سوريا والأردن لتمتعها بمزايا عند استيرادها طبقاً لاتفاقيات موقعة بينهما وبينمصر، وتباع هذه المنتجات للمستهلك المصرى بنصف سعر المنتج المحلى، المدهش أن إحدى شركات الاستيراد قامت باستيراد خيوط البوليستر من السوق الزردنية وتم بيعها فى السوق المصرية بسعر أقل ألف جنيه فى الطن عن السعر الذى تبيع به شركة الحرير الصناعى ب «كفر الدوار» رغم أن الأردن ليس بها شركات لإنتاج البوليستر وتستورده من تركيا وتعيد تصديره كونه أردنى المنشأ، ومن أخطر الممارسات التى تمارسها مافيا تهريب المنسوجات فى مصر أن بعض المهربين يلجأون إلى استيراد المنسوجات من آسيا والصين التى تنتج منسوجاتها بأسعار متدنية لا سبيل لمنافستها ويكتب عليها «صنع فى مصر» ويتم تصديرها إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية لتخصم بذلك من حصة مصر التصديرية إلى هذه الأسواق. فى السياق ذاته، قال محمد المرشدى - رئيس غرفة صناعة الغزل والنسيج باتحاد الصناعات: إن غول التهريب يتسبب فى خساذر تتجاوز 10 مليارات جنيه سنوياً، مطالباً الأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة التهريب الذى أضحى يهدد صناعة الغزل والنسيج بالانهيار، مؤكداً أن ضبط عمليات الاستيراد عبر فرض رسوم وضريبة المبيعات سيجعل المنتج المصرى الأقدر تنافساً من ناحية السعر والجودة. وهو الأمر الذى أكده أيضاً محمد نجيب - صاحب أحد مصانع النسيج وعضو مجلس إدارتى غرفة صناعة الغزل والنسيج وجمعية الغزل والنسيج ب «شبرا الخيمة» - والذى علق قائلاً: إن المنسوجات المهربة تهدد عملياً نشاط مصنعه وغيره من آلاف المصانع. وأوضح تقرير شعبة الملابس الجاهزة والمنسوجات باتحاد الغرف التجارية أن المستهلك المصرى أقبل على شراد الملابس الصينية المهربة لتدنى أسعارها ورداءة منتجها بالمقارنة بالمنتج المصرى، فيما عزف عن المنتج المصرى بسبب ارتفاع سعره من ناحية، وارتفاع اسعار اللحوم والأسماك والسلع الغذائية ومعظم مستلزمات الأسرة المصرية من ناحية أخرى. وطبقاً للدراسة التى حملت عنوان« الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها على قطاع الصناعة فى مصر» والصادرة عن مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية والتى قامت باعدادها د. منال متولى - مدير المركز ود. نهال المغربل - الاستشارى بالمركز، كان القطاع الصناعى المصرى من أهم القطاعات التى تأثرت سلباً بالأزمة حيث انخفض معدل نمو الرقم القياسى لإنتاج الصناعة التمويلية من 3،7% إلى 1،4% خلال عامى 2008 و2009 وأشارت الدراسة إلى أنه من المتوقع استمرار انخفاض الانتاج الصناعى خلال العام الحالى مدفوعاً بانخفاض الطلب المحلى، وكذلك الصادرات فقد انخفض الطلب المحلى خلال الربع الأول من العام المالى، كما انخفضت الصادرات بنسبة 1،11% خلال نفس العام. وتؤكد الدراسة على الأهمية النسبية لصناعة الغزل والنسيج فى مجال التشغيل والانتاج الصناعى، لافتة إلى أن النسبة تصل إلى 4،18% فى مصانع الغزل والنسيج و2،9% فى مجال الملابس الجاهزة بالنسبة للتشغيل، أما الأهمية النسبية للانتاج الصناعى فقد بلغت 2،5% فى مجال الغزل والنسيج و3،2% فى مجال الملابس الجاهزة وهى من كبرى النسب إسهاماً فى الإنتاج الصناعى الكلي. وأعادت الدراسةتراجع نسبة التشغيل فى الصناعة ككل إلى تراجع الإنتاج الذى ترتب على انخفاض صادرات مصر من الملابس الجاهزة بعد انخفاض الطلب عليها من شركاء مصر التجاريين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوروبى فى أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث انخفضت الصادرات المصرية من الملابس بما يقرب من 7،48% فى نهاية ديسمبر 2008 بالمقارنة بمنتصف نفس العام، وفى سبيل مواجهة آثار تلك الأزمة اتخذت الحكومة عدداً من الإجراءات لتدعيم القطاع الصناعى، ومنها ما انعكس حتماً على صناعة الغزل والنسيج ومنها تخفيض تكلفة الانتاج بتثبيت أسعار الغاز والكهرباء، وتزجيل سداد اقساط الاراضى الصناعية، وخض نسب مساهمة الشركات فى تكلفة الحصول على خدمات مركز تحديث الصناعة ب 50% وخفض الجمارك على 250 بنداً جمركياً بتكلفة مليار جنيه، وتخفيض سعر الفائدة على القروض ب 1%. وخصت الإجراءات الحكومية الصناعات النسيجية بسلسلة خطوات كان أهمها تشكيل لجنة لوضع أسعار استرشادية خاصة بمنتجات الغزل والنسيج والملابس والمفروشات التى يتم استيرادها من الخارج. وتقديم الدعم المادى بواقع 275 قرشاً لكل كيلو غزل مصنوع من القطن المصرى، وإنشاء مركز تكنولجيا الملابس الجاهزة بمدينة المحلة الكبرى لخدمة كل المصانع بالتعاون مع الجانب الإيطالى، وكذلك إنشاء المجلس الزعلى للصناعات النسيجية برئاسة وزير التجارة والصناعة. وبشأن تلك الإجرادات قال محمد المرشدى - رئيس غرفة صناعة الغزل والنسيج باتحاد الصناعات المصرية: إن اللجنة الاستشرادية تقوم بوضع اسعار المنسوجات وتقدمها لادارة الجمارك وذلك لضبط حركة السلع المستوردة، وأوضح أن الحكومة وضعت برنامجاً لدعم مصانع الغزل بمختلف أنماط ملكيتها بقيمة اجمالية بلغت 400 مليون جنيه وتم تنفيذه فى يونيو 2009، وينتهى بحلول يونيه المقبل، ويقضى هذا البرنامج بدفع 275 قرشاً عن كل كيلو غزل حلقى للمصانع، جنيهان عن كل كيلو غزل مفتوح الأطراف، وواحد جنيه عن كل كيلو خيط بوليستر وقد نتج عن هذا الدعم احكام السوق الداخلية، ذلك أنه لا يقدم إلا للمصانع التى تقوم ببيع الغزول بفواتير مثبت فيها عناوين وسجلات مصانع النسيج وكذلك قيمة ضريبة المبيعات، ما أدى إلى استعادة كل جنيه قامت بدفعه الدولة بما قيمته 4 جنيهات حصيلة ضريبة المبيعات على المراحل المختلفة التى مرت بها الغزول وصولاً إلى مرحلة المنتج النهائى. وطالب المرشدى الحكومة بتجديد العمل بهذا البرنامج الذى نتج عنه زيادة مبيعات مصانع الغزل المصرية فى السوق المحلية بنسبة 55% علاوة على استفادة خزانة الدولة بحو مليار ومائتى مليون جنيه، وحذر من الامتناع عن المد بالعمل بهذا البرنامج وأوضح رئيس غرفة الغزل والنسيج أن حصة القطاع العام من مصانع الغزل والنسيج تصل الى 60% بينما تتوزع ال 40% المتبقية بين القطاع الخاص والاستثمارى، بينما تبلغ حصة القطاع العام فى مصانع الأقمشة 30% و70% للقطاع الخاص والاستثمارى، بينما تنخفض حصة القطاع العام من مصانع الملابس الجاهزة إلى 10%. وكشف المرشدى النقاب عن أن الحكومة أدركت أخيراً أهمية قطاع صناعة الغزل والنسيج وهو ما دفعها الآن لمراجعة برامج اعادة الهيكلة لتحويل مصانع القطاع العام وضخ المزيد من الاستثمارات بها بعد أن ادى اهمالها الى تهالك الميكنة الصناعية بسبب عدم إجراء عمليات إحلال وتجديد لآلات المصانع التى تشهد تطوراً تكنولوجياً خطيراً، لافتاً إلى أن القطاع الخاص يتمتع بميزة امتلاكه الات حديثة تمكنه من إخراج منتج عالى الجودة ويمتلك جميع آليات القدرة التنافسية. ومن جانبه، أكد رجل الأعمال محمد نجيب - عضو مجلس إدارة جمعية شبرا الخيمة للغزل والنسيج - أن برنامج الدعم الذى قدمته الحكومة لمصانع الغزول قد انعكس بالإيجاب، حيث عمل على خفض سعر الغزول، إلا أنه عاد ليقول إن ثمة مشكلة تكمن فى الغزول التى تنتجها مصانع القطاع العام وهى انخفاض جودتها بالمقارنة بالغزول المستوردة بسبب تخلف الآلات الصناعية المستخدمة فى مصانع القطاع العام، اضافة إلى أن حجم المنتج من الغزول سواء من القطاعين العام أم الخاص لا يكفى لاستهلاك السوق المحلية. وفجر «نجيب» عقبة جديدة تواجه صناعة الغزل والنسيج تتجسد فى ظهور مهن غير ذات جدوى حتى على مستوى الفرد كقيادة عربات التوك توك، والاتجار فى أجهزة المحمول وكروت الشحن وهى المهن التى انتشرت فى المجتمع المصري بين فذات الشباب حديثى السن والذين هجروا تعلم المهن والحرف الصناعية، وفى القلب منها صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، ما أثر بالسلب على حجم العمالة وأدى الى ندرتها موضحاً أن مصانع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة لا تزال فى حاجة إلى المزيد من الأبدى العاملة وبوسعها الرسهام فى القضاء على البطالة بشكل كبير وذكر فى هذا السياق أن أجر العامل المتبدئ يصل إلى 35 جنيهاً فى اليوم، بينما يصل أجر الصنايعى المحترف إلى 60 جنيها يومياً حسب مهاراته. ويذكر فى هذا الإطار أن هذا القطاع من الصناعة يستوعب نحو 7 آلاف عامل أجنبى من الهند وباكستان والصين، إلى ذلك تبقى مشكلة القطن المصرى حاضرة فى مشهد صناعة الغزل والنسيج خاصة بعد تراجع انتاجة الفدان من 13 قنطاراً إلى أقل من 4 قناطير، بينما تحتاج شركة الغزل والنسيج ب «المحلة الكبرى» وحدها إلى مليون قنطار قطن سنوياً.