والثمانين من عمرها،تعيش في منزلها مع قططها وأصوات خفية تهمس لها ليلا بالأحلام والقصص•هي دوريس ليسينغ المرأة التي حصلت علي جائزة نوبل عام 2007،تلك الجائزة التي وصلتها متأخرة ثلاثين عاما كما تقول هي بنفسها • في كتاب بعنوان "مدخل الي دوريس ليسينغ" صادر عن دار أزمنة في الأردن كتبه وترجمه عدد من الكتاب هم : علاء أبو زينة،موفق ملكاوي،أحمد خريس،سعاد فركوج،حنان شرايخة،غيداء الفيصل، ،يقدم هؤلاء الكتاب مجتمعين صورة متكاملة عن حياة دوريس ليسينغ بكل ما فيها من أحداث وتحولات مفرقية،وآراء جريئة لا تتهرب صاحبتها عن الجهر بها،مثل معتقداتها الصوفية و إيمانها بوجود عالم آخر محجوب،واعترافها بأن الزواج ليس الحال المفضل بالنسبة لها،وأنها كانت أكثر سعادة في الأوقات التي لم تكن متزوجة،هذا مع العلم أن ليسينغ تزوجت مرتين،ولها اثنان من الأبناء•ولدت ليسينغ في إيران،من أبوين يحملان ندوب الحرب العالمية الأولي،كانت قارئة شغوفة،وكان بيت أسرتها مليئا بالكتب التي ترسل أمها في طلبها من لندن،لكنها لم تتلق تعليما كاملا في المدرسة،فقد تركت الدراسة وهي في سن الرابعة عشرة،تقول "لم أحظ بأي تعليم مناسب أو مؤهلات،وهكذا كان علي أن أصبح كاتبة•ماذا غير ذلك كان بإمكاني أن أفعل؟"•ولعل هذه المعلومة تبدو ضمن أكثر المعلومات إثارة في حياة ليسينغ إذ إنها ضربت بعرض الحائط القوانين الإنكليزية الصارمة عن ضرورة التحصيل العلمي • •يُبرز الكتاب أهم أعمال لينك وهي "المفكرة الذهبية" التي اعتبرت مرجعا نسويا مهما كما أن نجاحها فاجأ الكاتبة نفسها،ثم "أطفال العنف"،أيضا هناك"مدينة البوابات الأربع"،و "الإرهابية الطيبة" • يقف الكتاب في إحدي مقالاته التي ترجمتها حنان شرايخة علي وجود تشابه بين فيرجينا وولف ودوريس ليسنغ من حيث إن كلتا الكاتبتين وضعت "الحقيقة" إلي جانب "الخيال" بهدف خلق إحساس بالذات،وحسب المقال بأن السيرة الذاتية لفيرجينا وولف،وقلقها بشأن "الذات" والكتابة،ومن المحتمل جنونها أيضا،كلها أمور أصبحت إرثا لدوريس ليسنغ،هذا بالإضافة الي أن الكاتبتين تتمتعان بوعي جوهري لتغيير المنظور للحياة،هذا ما تعبر عنه ليسنغ بأنه أشبه ما يكون بتسلق جبل • لكن ليسينغ تبدو غير متعصبة للنسوية رغم اعتبارها عميدة بريطانية للحركة النسوية،إنها تطلب النظر بعين واعية للإنسان ككل من دون تحيز تقول: "إن أكثر النساء غباءً ورداءة طبع،يمكنها تهميش أكثر الرجال لطفا وعطفا وذكاءً،ولا أحد يمكنه الاحتجاج علي ذلك" • لعل من أكثر الجوانب الرائعة التي يبرزها الكتاب عن حياة ليسنغ بالإضافة لنزعتها الصوفية، إحساسها بعدمية الأشياء،وامتلاكها لفضيلة الاستغناء، ليسينغ تحكي عن بيتها أنها امتلكته من وقت قريب،كما يرد وصف بأنها تعيش كما لو أنها علي أهبة الرحيل،فهي تزدري عناصر الأمان التقليدية،ويعود ذلك لإحساسها بأن حياتها أشبه بنبتة اقتلعت من تربتها وغرست في مكان آخر،لقد ظلت تحس بالغربة طوال حياتها،وهي تري في ذلك شرطا بنيويا في طريقة عيشها وتفكيرها•البعض قد يعيشون ويستكينون بينما ليسينغ لا تمانع بأن تحمل حوائجها وتخيم في الخارج،حتي في داخل منزلها نفسه • أعد مقدمة الكتاب الروائي إلياس فركوح،ومما جاء فيها: " ليست هناك حياة تستحق أن تعاش وأن تكتب بالوقت نفسه مثل حياة دوريس ليسنغ،وهذا بالضبط ما قامت به هذه الشخصية الاستثنائية،إنها المرأة التي قبضت علي مصيرها بيدها،بوعي وإدراك،حاذفة من قاموس حياتها ذاك القدر الإغريقي المتسم به مصائر عديد من حيواتنا المستسلمة لشروط الواقع•••لقد اجترحت ليسينغ نموذجا يجبرنا علي أن نتوقف حياله،نموذج حياة ونموذج كتابة،ثم نموذج لطريقة تعميد الحياة بالكتابة وبمائها المقدس والمدنس في آن واحد،وأيضا نموذج في تطويع الحياة وتكييفها عبر الكتابة عنها من قلب عاصفتها،يكفي أن نذكر لدوريس ليسينغ،المرأة البيضاء في زيمبابوي التي كانت مستعمرة،موقفها الجريء في حسمه وفي إعلانه الرافض لسياسة التمييز العرقي التي اتبعها أبناء جلدتها من البيض،ويكفي أن نلحظ موقفها الرافض للحرب خاصة تلك التي روجت ومازالت تروج لها وسائل الإعلام الأميركية" • تجدر الإشارة إلي أن قراءة كتاب "مدخل إلي دوريس ليسينغ" يحتاج إلي أكثر من قراءة واحدة،فالكتاب علي صغر حجمه 132 ص من القطع الوسط،إلا أن هناك جهداً مبذولا في اختيار المادة واعدادها،يحتاج من القارئ إلي جهد يوازيه في قراءة حياة تلك المرأة المبدعة الحافلة بالأحداث،التأملات،الكتابة،والزهد أيضا•إنها حياة تستحق أن تعاش حقا •