الإسلام رسالة عالمية بدعوة عقلية..وعاطفية..وشعورية.. وحركية في كيان كل مسلم.. كما أن مصالح الإسلام لا تقوم علي الاستبداد وقهر الشعوب.. وكل انتصار للحرية في أي مكان في العالم انتصار للإسلام.. ومن مقاصد الإسلام تحرير المكلفين من كل قيد.. ورفع كل وصاية عنهم ليقرروا مصيرهم عن بينة ويختاروا منهجهم في الحياة بكل مسئولية.. وليحاسبوا عليه أمام الله عز وجل، بعد ذلك، في اليوم الآخر.. فيحسن لمن أحسن منهم.. ويجازي من أساء وشعب مصر فرح بثورة شعب.. وتم كسر الأغلال التي قيدت حركة الإنسان.. وتحرر المجتمع من نظام القمع والاستبداد. وحدث مع ثورة شعب ما كنا نحلم به بسقوط نظام مبارك البائد. وثورة شعب بحاجة لدور علماء الأمة في شتي مجالات الحياة.. لأن الفقه لبعض العلماء ليس بإحياء إطلاق اللحية.. أو ارتداء النقاب.. وتناسي هؤلاء العلماء أن واقع الأمة يعاني من: التخلف..والعجز..والجمود.. لأن الفقه لم يزدهر أو يتطور كلما وقع تطبيقه في حركة الحياة. والفارق شاسع بين ازدهار الفقه الإسلامي في عصر الصحابة «رضي الله عنهم» أكثر من أي وقت مضي.. وكان متجدداً وفعالاً.. وهي الفترة التي طبقت فيها الاجتهادات تطبيقا كليا.. وكان الفقيه يحكم بنصوصه وبرجاله..وهذا منتهي التفاعل.. وكانت المذاهب تزدهر عندما توضع اجتهاداتها موضع التطبيق. فالمذهب الحنفي مثلا هو أكثر المذاهب السنية انتشارا.. ويرجع ذلك إلي تولي الفقهاء الأحناف للقضاء.. فوضعوا اجتهاداتهم موضع التنفيذ فازدهر مذهبهم وانتشر كما أن المذهب المالكي لم يترسخ في منطقة الغرب الإسلامي إلا عندما وضع موضع التنفيذ.. وأصبح فقهاء المالكية قضاة فجمعوا بين الفقه النظري والعملي. علماء الأمة المعاصرين.. ومع انتشار الفضائيات.. افتقدوا قيمة ازدهار الفقه ..أو نشر روح التدين البناء.. والمجتمع بحاجة إلي فقه يجدد للناس الفتاوي والأحكام التي تناسب نصوص الدين ومستجدات الحياة. بل تنشد من العلماء عملاً فقهياً جماعياً.. وهذا هو الأصل.. ثم أين دور المجامع الفقهية .. ولجان الفتوي.. لتحقيق الازدهار الذي يواكب ثورة شعب؟ لأن إطلاق مليون لحية .. هل ينهض بحركة المجتمع..لأن المجتمع بحاجة لتشغيل العقل؟ وإطلاق اللحية يذكرني.. بموقف حدث لي في سبعينيات القرن الماضي.. وحينما كنت طالبا في المرحلة الثانوية.. ومع نمو جماعات الشباب المسلم.. وكنت قريبا من فكر تلك الجماعات.. شدني موقف.. من شاب مسلم.. لم يسلم علي.. في لقاء ما.. وسلم علي الآخرين.. وسألت أخ صديق.. ما سر ذلك؟ كان جوابه: إنني بدون لحية.. وبدون جلباب قصير وبنطلون.. وضحكت من الموقف. وابتعدت عن كل الجماعات الإسلامية منذ ذات الزمن. إذن ما الذي تغير؟ لأن من مصائب المفسرين.. أو دعاة الفتوي أنهم بعيدون عن ثوابت العقيدة..والمجتمع.. لأن الإسلام جاء من أجل بناء الحياة الإنسانية بناء يحقق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة.. والإسلام يسمي الحياة الإنسانية أحياء. وقال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم» «الأنفال 24»، وقال تعالي: «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» «الجمعة2». وهناك قاعدة إسلامية تقول: «أكثر الناس قيمة أكثرهم علما..وأقل الناس قيمة أقلهم علما». وقال تعالي: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون « الزمر9». كما أن الإسلام يجعل لكل فكرة من أفكاره.. ومفهوم من مفاهيمه عاطفة خاصة به لتكون هذه العاطفة هي المحرك باتجاه ما تتطلبه تلك الأفكار والمفاهيم من أعمال وسلوك. وقال تعالي: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم» «آل عمران 31». دور علماء الأمة.. مع ثورة شعب ضروري.. في ظل حالة الفوضي التي يشهدها المجتمع.. وانعدام الأمن.. كي تسير حركة الحياة.. ودور العلماء لملمة حركة المجتمع.. وإعادة ترتيب الأوراق.. واستعادة الثقة.. ثورة شعب لا تمثل هزيمة.. إنما هي تصحيح أوضاع مجتمعية. والأدب الشرعي يقتضي من الأمة أن تراجع ذوي الأمر من أهل الاختصاص كل في مجاله..كي تدور حركة الحياة بجادة الصواب. وقال تعالي: «ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» «آل عمران14». دور العلماء ضرورة حياتية لرسم السياسة الشرعية التي توجه جهود المجتمع إلي المسار الصحيح وفق ثوابت العقيدة.. مع الأخذ بأسباب النهضة والتمكين.. ونشر حقائق الدين وفضائله.. وترسيخ قواعد الأخوة والتضامن بين أبناء المجتمع.. والعمل علي إزالة الفرقة والخلاف فيما بينهم.. وإشاعة روح التفاهم والتسامح بين أبناء المجتمع.. وإزالة الفوارق المذهبية..ونبذ كل ما يفرق وحدة المجتمع.. ونشر العلم الشرعي.. والثقافة الإسلامية.. والاهتمام بدور المرأة من حيث التوعية والتثقيف العام.. للإسهام في خدمة المجتمع..وليس بارتداء النقاب. فقط تنهض المرأة والمجتمع.. والاهتمام بنشر حقوق الإنسان. وللدعوة أيضا مجالات: الثقافة..والإعلام.. والإغاثة.. والسياسة..والعلم.. وبما يوحد الأفكار والمشاعر لتحقيق العلاقات الاجتماعية..والمصالح المشتركة لنا في موقف انعزال وانقسام.. لكن أمام موقف بكيفية حركة حيوية المجتمع والإنسان الصالح يخدم مجتمعه..والنهضة تتشكل من فكر وتفكير. وقال تعالي: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» «الرعد11». وقال تعالي: «ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم» «الأنفال 53». والتغيير هو في واقع الحياة الدنيا ومتطلباتها.. ولابد أن يعقب التغيير في النفس ومقومات النفس.. مع الاستقامة علي المنهج. وقال تعالي : «وإن تطيعوه تهتدوا» «النور54».