سرب من غمام يحيط بقرص الشمس ، نظرت لساعة يدي وجدتها تقترب من الخامسة ، تتضاءل الفروق بين المغرب و وقت بزوغ الفجر، لا أدري إن كان الوقت نهاراً يحتضر بلحظاته الأخيرة أم فجر يوم وليد يحبو بخطواته الأولى.
تنتشر على المدى البعيد درجات متباينة من الأبيض (...)
وضع النادل " صينية الشاي " أمام " فتوح " ثم بصوت يموج بغضب : مرّت خمسة أيام , لم تدفع حسابك , صاحب القهوة يحمّلني بثمن مشروباتك التي لا تملّ من طلبها طوال اليوم .
لم يكن الحديث بمنأى عن بعض الزبائن , بتأفف قالت سيدة : " بلاش شُحّ , اعط الرجل ثمن (...)
يتصاعد خيط دخان لعود "بخور" يضفى على المكان رائحة طيبة، يتلوّى ببطء لأعلى، فيتشكّل فى صور غريبة أشكال تترك للعقل مساحة من حيرة لقراءتها وتفسيرها.
من بعيد يتهادى برفق قطار، يدخل إلى عرينه، يتثنّى مع أعمدة الدخان المتصاعدة من كل مكان، فقد خلت المحطة (...)
ما أشد حرارة الصيف, تلفح الوجوه , زادتها الرطوبة لهيباً يأخذ بخناق الناس .لم يكن موسماً عادياً , فمثله يستمر شهور قليلة, لا تتعدى أصابع الأيدي الواحدة , لكنه هذه المرّة تجاوز كل منطق , فترة قاربت العامين , أرهقت الجسد , أدمت العقل , باستثناء شذرات (...)
للعُرس طقوس، سمع بها، سخر كثيراً من زملائه الذين أوقعهم - حسب زعمه - حظهم العاثر لممارستها، لكنه اليوم بل تلك الساعة يخرج من "الحمّام" بعد أن مكث غير قليل، لا نزعم كراهيته للنظافة، لكنه أيضًا لم يكن من مُحبى الاستغراق فيها لدرجة الملل.
قرابة ساعتين، (...)
الخواجة" لقب شاع عنه، لاختلافه عن باقي سكان الحى، لون بشرته شديدة البياض، ووسامته الزائدة عن الحد . صمته الشديد، أدبه الجمّ، جلسته عقب آذان المغرب كل يوم على المقهى الكائن بناصية شارع " المحمّدية " عاقداً يديه على ركبته , واضعاً ساق على ساق, ناظراً (...)
لم تفلح " المراوح " المتعلقة بسقف " السرادق " من تخفيف حرارة الجو , رطوبة الهواء الخانقة الممتزجة بأنفاس المعزّيين ..
مرّت ربع ساعة كدهر طويل , يقلّب عينيه بين الحضور باحثاً عن صديقه " ابن المتوفى " تُرى أين ذهب ؟ هل أصابه مكروه حزناً على أبيه؟ (...)
لا تراه إلاّ وحقيبته بجواره، أو بيده، قابضاً عليها بشدة كعزيز يخشى فقده. بشوش الوجه، خفيض الصوت، يتقبل المزاح لأقصى مدى دون كدر، يتحدث حتى تظن أنه لن يسكت أبداً، فإن صمت تحسب كأن الكون على رأسه الطير. يعى ما يدور حوله من حوارات، يترفّع عن الخوض (...)
يجتمع الصبية عشيّة كل يوم جمعة، عقب مباراة كرة قدم، يخرجون منها جميعاً ما بين خاسر أو منكسر , يجلسون فى حلقة دائرية ببهو صغير ببيت أوسطهم سنّاً، تنطلق ضحكاتهم, تسبقها أحلامهم الكبيرة, فتتعجّب من براءتهم الجن و الهوام .
ثم تمر سنوات كثيرة ربما عشرة (...)
كلّما أنجز الفتى أمراً فوق استطاعته , أسرع من فوره يزف البشرى لأهله , فيجد آذاناً صمّاء , عقولاً شاردة لاهية , يسمع عبارة واحدة لم تتغير حتى شبّ عن الطوق : يعني انت نطيت المربع " ؟
كم دهمته تلك العبارة , أقلقت راحته , فعلمه بالرياضيات محدود , كما لم (...)
ما كل هذا الفراغ ؟ كيف يختفى العالم بصخبه وضجيجه فجأة، يحلُ صمت كبير هكذا ؟!
تُرى هل الأصمُ فى نعمة لا يدركها، ربما نحسده عليها نحن ؟
أفى الصمت توحدُ مع الكون؟ ردة لأصل الأشياء، حيث الضجيج استثناء!
تساؤلات هطلت على رأسى حينما رأيت ذلك الكهل ظهيرة (...)
التقيت فقيراً بالأمس، هناك عند ناصية ذلك الميدان الصغير، الذى تتوسطه جزيرة جرداء تقطنها كلاب تظل تنبح طول الليل ..
كيف عرفت أنه فقير ؟!
للفقراء فى بلدنا علامات، يُعرفون بسيماهم !!, تسخر من كلامي ؟!
حسناً أنظر لنفسك في المرآه بعيد صحوك من النوم , (...)
قلت لصديقى الحكيم: أقابل فى طريقى كثير من الناس، بعضهم أعرفه جيداً لكنى لا أتذكّره إلاّ بعد أن يغادرنى، كما ألتقى آخرين أراهم رأى العين , أشدُّ على أيديهم بالسلام , أسامرهم , منهم من أمشى معه بعض الوقت , رغم يقينى أنهم ماتوا منذ سنوات , فهل للموتى (...)
جمع غفير يلتفّون حول جثة, تغطيها أوراق صحيفة، عدا أطرافها الأربعة، تتدلّى فى الفراغ ، لغط كبير بين الناس، مصمصة شفاه، أسى ممزوج بحسرة على وجوه بعضهم، ترحّم على الفقيد، طلب المغفرة له، بينما انشغل الباقون بالبحث عن كيفية وفاته .
فقد صحوت اليوم على (...)
"أكل العيش مُرّ " عبارته المفضلة , مأثورته التي يلقيها في وجوه السائلين , المتطفلين فيُفحمهم , يئد أي حديث.
لم يخجل من سرد تفصيلات عمله الشاق حسب زعمه , إذ يبدأ يومه مبكراً قبل أن تغادر الطيور مهاجعها , يصحوا فتبدأ الكلاب في النباح دون أن ندري إن (...)
بعد أن تدبّرنا الأمر جيداً، أعددنا العُدة، حسبنا كل خطوة، أدركنا بثاقب نظر تأثير كل تصرف، عقدنا النية على عقد اجتماعنا صبيحة اليوم التالى، وزّعنا المهام كما نفعل كل مرّة، عدا تلك الأخيرة، إذ بدت على بعض الوجوه مسحة من تفكير هكذا ظننت الأمر، إلى أن (...)
كان أعزكم الله يلهج لسانه دائما بعبارة يرددها آناء الليل وأطراف النهار: "خفّ تعوم " تحذيراً للمارقين ، تنبيهاً للغافلين ، تربية للنشء .
فلمّا أقبل يوم توارت فيه الشمس خلف سحب سوداء خجلاً من رؤيته هبّت ريح باردة رغم أن الصيف كان بمنتصفه ..
هنا وقف (...)
قيل إن مرضا أصاب عينيه، قبيل مرحلة الصبا، فانطفأ نورهما مبكرا، يضع نظارة سوداء سميكة لا تغادره ليل نهار، أن كان بعض المتنمّرين يقسمون بزيف عماه، أنه يتخذنا هزوا، تنطّعا على خلق الله، علّلوا فريتهم بأنه يجدُّ فى سيره ليل نهار بالشوارع الجانبية، لم (...)
ما الصدفة إلاّ ترتيب غاب مغزاه عن وعينا, تذكّرت ما حدث, علت وجهى بسمة أفلتت دون إرادتى , فاليوم غريب من أوله .
فقد صحوت على يد ترفق بى, تهزّنى بلطف كأم تهدهد وليدها , فتحت عينى لأجد فراغا يحيط بى وفراشة ملوّنة الأجنحة ترف حول رأسى , ابتهجت لرؤيتها , (...)
يقول : ما عشقت إلاّ الخيال، ما كرهت بحياتى سوى واقعى.
قلت : جميعنا يحنّ لماض جميل، يسعى وراء صورة رقيقة تستحوذ على عقله , تأخذه بعيدا عن مرارات الحياة , سُخفها, لكنها لحظات يا عزيزى , نسقط بعدها من شاهق .
رنا إلى , شبح ابتسامة ساخرة على شفتيه , قال: (...)
جلس على الطاولة المجاورة للمقهى، أحسست برغبته في الحديث , إذ كان يتململ فى جلسته، يميل برأسه ناحيتى، يعلق على برنامج فى التلفاز بصوت مرتفع.. قلت : أرى كأنك تريد أن تفاتحنى بموضوع ؟
صحيح , يطلُّ الذكاء من عينيك .
لا داعى للمجاملات , فأنا لا أعرفك.. (...)
علامات تدل على قدومه , ريح خفيفة تهب فجأة , قد يسكن الجو فيصبح الهواء خانقاً لا يُطاق , نسمع عويلاً يأتى من لا مكان .
يأتى وبين يديه اسراب من بوم , غربان سود , تحط على الأشجار الجرداء منذ زمن , تستوطن أعمدة الإنارة التى فقدت الحياة منذ أن ارتفعت (...)
قلت بضيق : أنت مجنون ! , قسماً بالله لقد وصل جنونك لمرحلة متأخرة .
كانت عيناه تبرقان بشدة , يستمع لكلماتي بينما تنفرج شفتاه عن ابتسامة غريبة , كمن اعتادت أذناه على ذلك الحديث , قال: ما الجنون يا صاحبي ؟ وماذا فعلت كي تتهمني ؟ على فرض أن الجنون تهمة (...)