فى ظل خزائن دولة خاوية وتعثر البنوك واحتياج شديد لقرض بمليارات اليورو، يشبه حال قبرص بالسفينة الجانحة التى ينفد منها الوقود بشكل سريع. وعندما يتوجه القبارصة إلى صناديق الاقتراع فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية بعد غد الأحد، سيختارون رئيسا مهمته المكلف بها هى المضى قدما فى طلب الحصول على برنامج إنقاذ أوروبى كانت نيقوسيا تقدمت به فى بادئ الأمر العام الماضى. لكن المحك ليس فقط خطر تعرض قبرص للإفلاس، فالمراقبون يعتقدون أنه ما لم يتم إيجاد حل فى المدى القريب، فمن الممكن أن تتسبب مشاكل السيولة النقدية للجزيرة فى اشتعال أزمة ديون منطقة اليورو من جديد. يقول أندرياس ثيوفانوس أستاذ الاقتصاد السياسى ورئيس مركز الشئون الأوروبية والدولية بجامعة نيقوسيا أن قبرص والاتحاد الأوروبى على السواء لديهما دور يتعين عليهما القيام به. ويضيف أن الأزمة "تتطلب مناهج جديدة محليا وكذلك مساندة وتضامن من الاتحاد الأوروبى". غير أنه حذر من أن "مجموعة اليورو، وسط صراع قوة سياسى بين الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبى، تستمر فى تنفيذ سياسات (مع قبرص) قد تخلق مشاكل بالنسبة لاستقرار منطقة اليورو ككل". ومع نفاد السيولة لدى قبرص سريعا، تتأكد صعوبة التوصل لاتفاق بشأن حزمة الإنقاذ، إذ أن كل الخيارات المدرجة على الطاولة فعليا من أجل تجنب العجز عن سداد الديون تطالها عراقيل فى ظل نضال واضعى السياسات الأوروبية لاستعادة ثقة المستثمرين. وبالمقارنة بمئات المليارات من اليورو التى تم استخدامها لمنع اليونان وأيرلندا والبرتغال من الانهيار، يعد مبلغ 17.5 مليار يورو التى تحتاج له البنوك القبرصية وخزينة الدولة صغيرا نسبيا. لكن من حيث القيمة الحقيقية للقرض، فهو يعادل قيمة اقتصاد الجزيرة بأكمله، كما يخشى كثيرون من ألا يتم سداده أبدا. وفى ظل مخاطر قرض لا يمكن تحمل سداده، قال تيوفانوس إنه"سيكون من الضرورى النظر فى ترتيبات أخرى، مثل عمليات رسملة البنوك التى تتولاها آلية الاستقرار الأوروبى. كما تعرضت مفاوضات إنقاذ قبرص لعقبات فى الأشهر القليلة الماضية بسبب اتهامات بأن بنوك البلاد هى مركز لعمليات غسل الأموال وملاذ للمتهربين من الضرائب. وكشرط لاستئناف المحادثات، سيخضع الرئيس الجديد لضغوط من أجل الموافقة على إجراء مراجعة على ودائع غير مواطنى الاتحاد الأوروبى بعدما ذكرت تقارير بأن الأثرياء الروس ورجال الجريمة المنظمة (المافيا) ومسئولين فاسدين يودعون 26 مليار دولار فى قبرص. وتصر ألمانيا على أن موسكو، نظرا لاستثماراتها الكبيرة فى الجزيرة، ينبغى أن تسهم فى أى برنامج إنقاذ. وستحتاج نيقوسيا إلى تسديد قرض بقيمة 2.5 مليار يورو كانت اقترضته العام الماضى من روسيا فى عام 2016، غير أنها طلبت من موسكو تمديد موعد استحقاقه إلى عام 2022. ويقول رئيس البنك المركزى الأوروبى ماريو دراجى أن تقديم أى حزمة إنقاذ لقبرص يجب أن يتم فى ظل مراقبة دقيقة ومستمرة بشأن التقدم الذى تحرزه البلاد فى مكافحة عمليات غسيل الأموال. وتجرى قبرص بالفعل بعض إجراءات التقشف التى طالبت بها ترويكا الدائنين المؤلفة من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزى الأوروبى وصندوق النقد الدولى. وتشمل تلك الإجراءات خفض الأجور لموظفى القطاع العام، لكن نيقوسيا توقفت فجأة عن اتخاذ خطوات أخرى مثل خصخصة شركات حكومية وكذلك تنفيذ إصلاحات كبيرة على نظام التقاعد والمعاشات. ولكن حتى إذا أجرت قبرص المزيد من التخفيضات وبيع حصص فى شركات الطاقة والاتصالات الحكومية، يشدد الكثير من المحللين على أنها ستظل عاجزة عن خفض الدين الحكومى المرتفع إلى مستوى غير محتمل. ويتجه الدين العام لتخطى نسبة 140% من الناتج المحلى الإجمالى فى ظل وجود خطة إنقاذ. وهناك مقترحات جذرية أخرى، مثل إعادة هيكلة أزمة الديون السيادية للبلاد وفرض خسائر على المودعين غير المؤمن عليهم فى البنوك، لكن هذه الاقتراحات لاقت رفضا من جانب المسئولين القبارصة والأوروبيين الذين يخشون من أنها ستضر بثقة السوق الهشة وتزيد المخاطر بالنسبة للبنوك العاملة فى دولة أخرى متعثرة بالاتحاد الأوروبى. بل أن وكالة موديز للتصنيف الائتمانى حذرت من أن فرض خسائر على المودعين كجزء من خطة إنقاذ قبرص ستؤثر على تصنيفات البنوك الأوروبية بشكل عام. ولكن بالنسبة لكل مشاكل قبرص، هناك عنصر حاسم يقبع تحت المياه قبالة سواحلها ألا وهو الغاز الطبيعى الذى تقدر احتياطياته بحوالى 60 تريليون متر مكعب فى جنوب وجنوب شرق الجزيرة. وحصلت الجزيرة بالفعل على نحو 200 مليون يورو مقابل إصدار تراخيص التنقيب عن النفط والغاز لشركات الطاقة العالمية. وقال تيودور كولومبيس الأستاذ الجامعى فى العلاقات الدولية بجامعة أثينا، إن "قبرص تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعى، لذا فهناك إمكانية، على الرغم من أنها ليست فورية، أن تستفيد من هذه المزايا وتساعد فى خفض الدين".