تمر اليوم الذكرى ال117 على صدور كتاب أبو الصهيونية العالمية (تيودور هرتزل) بعنوان (الدولة اليهودية) و الذي صدر يوم 14 فبراير من عام 1896 بالنمسا و كتب الكتاب باللغة الألمانية بدار نشر (برينيتشتاين) و ذلك الكتاب قام هرتزل بتأليفه من أجل الترويج لمأساة اليهود حول العالم حيث الإضطهاد الديني و العرقي لهم على الرغم من عراقة حضارتهم على حد زعمه و التي بزغت بعد تحرير اليهود من خلال الخروج الكبير الذي نجى فيه اليهود من خلال نبي الله موسى و إنتشروا في كافة بقاع الأرض و لكن ظلت العنصرية تطاردهم في كل مكان. كتاب الدولة اليهودية لهرتزل الذي دفع هرتزل لكتابة هذا الكتاب شعوره بالإضطهاد الأوروبي لليهود ما بين شرقها و غربها و هذا ما شعر به في طفولته و لكن جاءت قضية الضابط الفرنسي (دريفوس) الذي أتهم بالتجسس لتفجر فيه صهيونيته على حسب قوله ليدعو يهود العالم بوضع نقطة فصل لحالة التشرذم التي إنتابتهم لأكثر من 2000 سنة من خلال إقامة دولة لهم تجمع كل اليهود تحت لوائها و كان فكر هرتزل علمانيًا حيث نظر للدولة بالشكل العلماني و لكنه وضع الشق الديني لكي يضمن إنضمام أكبر كم من يهود العالم لمساندته و كان شعار كتابه (ليكن الحلم حقيقة فبالحقيقة تتهاوى الأوهام). (اليوبيل الذهبي لتأسيس المنظمة الصهيونية العالمية) كان هرتزل يعمل مراسلاً صحفيًا بباريس و أثناء عمله في الصحافة تبنى قضية (دريفوس) التي جعل منها وترًا حساسًا يجذب بها أنظار العالم نحو إضطهاد اليهود و كان يرى أن ذوبان اليهود في المجتمعات التي يعيشون بها كأمريكا و فرنسا و إنجلترا و مصر و اليمن و غيرها من البلاد الذوبان فيها ضربًا من ضروب المستحيل و سراب قائم بذاته لأن الإندماج مع المجتمعات تعني طمس الهوية اليهودية بكل المقاييس و الحل لمواجهة هذا الطمس قيام دولة لليهود. (بطاقة دعوة لحضور مؤتمر بازل بسويسرا) من أجل أن يحافظ اليهود على هويتهم كانوا يلجأون ل(الجيتو) أي (حارة اليهود) في كل مكان و يوجد بمصر حارة لليهود بجانب حي الموسكي و كان اليهود في تلك الأحياء المخصصة لهم ما بين أوروبا و أمريكا و بعض البلاد العربية يحافظون فيها على طقوسهم الدينية و يتكلمون العبرية التي كانت لغة ميتة و تم إحياءها لإرادة اليهود بإعادتها للحياة مرة أخرى حيث ساهم الحاخام (يهودا الكلعي) في كتابة كتبًا للغة العبرية في (النحو) و (الصرف) و الصوتيات العبرية حتى تتأكد هوية دولتهم من خلال اللغة شهادة الميلاد الرسمية لقيام الدولة ، و كانت (الجيتو) موضوع مسرحية لتيودور هرتزل حيث أثار الموضوع أدبيًا و لكنه وجد أن الأدب عدد المهتمين به محدود فلجأ إلى الفكر و الثقافة بشكل عملي من خلال كتابه (الدولة اليهودية) ليجذب أكبر كم من يهود العالم ليوقظ فيهم يهوديتهم المحبوسة من تقاليد و عادات و نظام مجتمعاتهم المختلفة حسب مواطنة كل يهودي بين الشرق و الغرب. (هرتزل مع الوفد اليهودي بالقدس عام 1900) دعا هرتزل يهود العالم ليكونوا يدًا واحدة لإيجاد دولتهم المكتوبة في سجلات الغيب و القدر و لابد من تقليب صفحات القدر بالعمل المستمر حتى يتحقق الحلم و كان هرتزل يتسم بالعنصرية الشديدة في الدفاع عن بني جلدته حيث نبش في صفحات الماضي بقريبه و بعيده ليعطي المبرر للبحث عن أرض تقام عليها دولتهم فكان إختياره لقيام الدولة وقع على (الأرجنتين) و (فلسطين) أما (الأرجنتين) فلإمتلاكها أرضًا خصبة و مساحة شاسعة إلى جانب إمتلاكه لإتصالات عديدة بمن يسهل له بإعطائه جزءً من أرض الأرجنتين لقيام الدولة أما (فلسطين) فتذكره بتاريخية وطنهم الخالد في الذاكرة أبد الدهر فمجرد ذكر اسم فلسطين ينجذب الشعب اليهودي نحو القضية بقوة هائلة و إذا أعطى السلطان عبد الحميد الثاني فلسطين لهم فسيوفر لهم المال اللازم لتكون في خدمة خزانة تركيا و بالفعل طلب هرتزل من (السلطان عبد الحميد الثاني) بأخذ فلسطين مقابل المال لكن السلطان رفض. (شعار و علم إسرائيل الذي أقترحه هرتزل) أول ما فعله هرتزل في الفصل الأول من الكتاب هو (نحن شعب واحد) كدعوة لكل يهود العالم أن ينسوا جنسيات مولدهم و يتجهوا نحو هويتهم الدينية و الثقافية تجاه الإرث اليهودي و خطط بتكوين الشركة اليهودية التي تسخر المال اللازم لتجهيز المستوطنات بشكل جيد و بناء مميز عن المباني المخصصة للعمال اليهود في أوروبا لكي يشعروا بأدميتهم في وطنهم المطلوب و المرجو منذ زمن بعيد و طالب اليهود الذين يتأففون من الحرف اليدوية أن يتحملوا العمل اليدوي كمرحلة أولية للوصول للأفضل و لجأ إلى نظام المقايضة من أجل ترسيخ قاعدة الدولة إلى جانب تشجيع الفقراء للهجرة إلى أرض الميعاد حتى يجدوا و يشقوا الأفضل من باطن الأرض بالعمل الزراعي من أجل ترسيخ القاعدة و لتشجيع الأغنياء على الهجرة من أجل إستمرار الدعم للدولة اليهودية و في الفصل الرابع تحدث عن الجماعات المحلية المنظمة للهجرة و تصميم المستوطنات و تنظيم الهجرة في مجموعات إلى جانب تخصيص حبر لكل مجموعة و تقوم كل مجموعة بإختيار حبرها و يكون الحبر قائد كل مجموعة لحل مشكلات كل مجموعة و هنا تكون قوام الديمقراطية كما قال هرتزل و في الفصل الخامس ركز على جمعية اليهود و الدولة اليهودية من خلال وضع الدستور و حماية المصالح و اللغة و القوانين و الجيش و العلم و طلب بتوحيد اللغة من خلال التحدث باللغة السويسرية رمز التوحد اللغوي (البروتاروماني) لقلة معرفة اليهود بالعبرية و لم يتعلم هرتزل العبرية و كان يجيد الفرنسية و الألمانية و الإنجليزية و أقترح شكل العلم أن يكون به سبعة نجوم ذهبية اللون ترمز المنطقة البيضاء إلى حياة اليهود الجديدة و ترمز النجوم الذهبية اللون السبعة إلى الساعات الذهبية السبع التي يتكون منها يوم العمل لكي يسير اليهود إلى الأرض الموعودة حاملين شارة الشرف. (المؤتمر الصهيوني السابع و العشرين عام 1968 و صورة هرتزل تتسيد المكان) في يوم 29 أغسطس من عام 1897 تحول الكلام النظري إلى واقع عملي من خلال عقد المؤتمر الصهيوني الأول بمدينة بازل بسويسرا حيث أقترح هرتزل بإقامتها بميونيخ لكن القيصر الألماني وليم الثاني رفض فكانت بازل هي مكان ميلاد الصهيونية العالمية و أكثر من شارك فيه من يهود أوروبا هم يهود الروس و من يهود العرب يهود الجزائر حيث ذكر هرتزل في كتابه أن اليهود في روسيا و الجزائر يتعرضون للضرب و الإهانة و من هنا كان المؤتمر الذي أقترح اسم (إسرائيل) للدولة المطلوبة و هو لقب نبي الله يعقوب عليه السلام و لجأ اليهود لهذا الاسم حتى لا تتعرض الدولة للسباب و الهجوم و هنا كان المؤتمر هو البداية في إختيار فلسطين كأرض للميعاد المأمول. (جنازة تيودور هرتزل بفيينا 1904) كانت هناك إقتراحات لدول أخرى ك(كينيا) و (أنجولا) و (أوغندا) و (قبرص) و (بيرو) حيث بعث ألبرت أينشتاين برسالة للمنظمة الصهيونية العالمية بإقتراح بيرو لخصوبة تربتها و لكن كان التركيز على فلسطين لما لهم فيها من أدلة تاريخية و دينية على حد زعمهم تقوي موقفهم في إقامة الدولة الإسرائيلية و ظل هرتزل يحاول جاهدًا بالوصول إلى الهدف المطلوب و قال في كتابه (الحلم الذي نصبوا إليه من الممكن أن يأخذ خمس سنوات و لكن لكي نكون واقعيون فسيأخذ مننا خمسون عامًا من المجهودات). (ذكرى ميلاد هرتزل بمدرسة بيزلال اليهودية عام 1906) حينما سأم هرتزل في الوصول لفلسطين كدولة لهم قدم مقترح أوغندا لكن اليهود رفضوا ذلك و ظل على محاولاته حتى عام 1904 عام وفاته بفيينا التي دُفن بها و إستكمل أنصاره دعوته لإقامة الدولة حيث أخذوا يطبقون تعاليم كتابه (الدولة اليهودية) و كأنه توراة العصر الحديث و أخذ الكتاب يُطبق بحذافيره إلى أن أتت اللحظة يوم 15 مايو من عام 1948 بإعلان (ديفيد بن جوريون) قيام دولة إسرائيل و التي أخذت خمسون عامًا من المحاولات لإقامتها على حساب شعب عربي مسالم جرد من أراضيه و هويته بالتهويد. (نموذج لمؤتمر بازل الأول بمتحف هرتزل بالقدس) عند إعلان قرار التقسيم في عام 1947 من خلال الأممالمتحدة قام يهود النمسا عام 1947 بالذهاب إلى ضريحه للإحتفال بقرار التقسيم كرسالة عرفان لأبو الصهيونية و في عام 1949 تم نقل رفات (تيودور هرتزل) من النمسا إلى القدس و سط جنازة شعبية عسكرية حضرها 1500 يهودي و تم وضع اسمه على جبل (جبل هرتزل) إلى جانب وضع اسمه على مدينة (هرتزيليا) و كانت سفينة التهجير اليهودية تحمل اسمه كماركة مسجلة لدعوته و الصورة الموضوعة في المؤسسات الحكومية بإسرائيل صورته لأنه (أبو الصهيونية العالمية) ذلك الرجل الذي فشل كاتبًا و نجح زعيمًا لبني جلدته.