جامعة قناة السويس تحافظ على تقدمها بتصنيف "التايمز" للتنمية المستدامة لعام 2025    عراقجي يدعو الإسرائيليين إلى الالتزام بأوامر الإخلاء الإيرانية وتجنب البقاء قرب مواقع عسكرية واستخباراتية    ريال مدريد يعلن نقل مبابي إلى المستشفى    محافظ الغربية يهنئ أوائل الشهادة الإعدادية هاتفيًا ويُشيد بتفوقهم    وزير الري ومحافظ السويس يتفقدان محطة مياه الشرب لمتابعة المناسيب المائية    جولة ميدانية لنائب محافظ الجيزة بمركز البدرشين.. صور    الأمين العام للاونكتاد: الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا تراجع للعام الثاني على التوالي نتيجة للتوترات الجوسياسية    فتح باب التقديم للالتحاق بمدرسة مياه الشرب والصرف الصحي بالمنوفية 2025    إسرائيل تقر باستمرار قدرة إيران على إطلاق الصواريخ    رئيس الرقابة النووية: مفاعل ديمونة لا يشكل خطرًا.. والضبعة من الأكثر أمانًا عالميًا    أسعار العملات الرقمية اليوم.. ارتفاع طفيف في بيتكوين وتراجع بسولانا وكاردانو    الأمن يضبط المتهمين بالتعدي بالضرب على طالب في القاهرة    محمد رمضان يغادر المحكمة بعد التصالح في واقعة تعدى نجله على طفل    السجن المشدد 15 عاما لعاطل يروج المخدرات في الإسكندرية: 500 طربة حشيش في حقيبتين    القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يستعد لدورته ال32    في آخر 24 ساعة.. تعرف على إيرادات فيلم "المشروع x" ل كريم عبدالعزيز    غدا قصور الثقافة تطلق قافلة ببرج العرب لدعم الموهوبين    أفضل طرق خسارة الوزن بدون حرمان    مجموعة الأهلي.. لعنة أتالانتا تطارد إنتر ميامي ضد بورتو في مونديال الأندية    محافظ القاهرة: أعلى قيمة لساعة انتظار السيارات 10 جنيهات    الصحة": نستهدف المشاركة في مبادرة الاتحاد الأفريقي لتوفير 60% من احتياجات القارة من اللقاحات البشرية مُصنعة محليًا بحلول عام 2040    ليفركوزن يفاوض مدافع ليفربول    الرئيس اللبناني: قررنا زيادة قوات الجيش في جنوب الليطاني إلى 10 آلاف جندي    10 مشاهد من مران الأهلي الختامي قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي وبالميراس    البورصة تعلن قيد أسهم "سولار سول للطاقة" بشكل مؤقت ب 25 مليون جنيه    ئيس الوزراء يقوم بجولة فى مشروع تصنيع أجهزة شاشات التليفزيون والهواتف المحمولة بمصنع "صافي جروب" ب 6 أكتوبر    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية.. وما يحدث في غزة فضح الصَّمت العالمي    ضبط 7 قضايا مخدرات وتنفيذ 818 حكمًا قضائيًا خلال حملات أمنية بأسوان ودمياط    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة في مجال مكافحة جرائم السرقة    ترحيل إجازة 30 يونيو 2025.. قرار رسمي بالتفاصيل    الرقابة النووية والإشعاعية تستهل حملتها التوعوية من مدينة بنها لطمأنة الجمهور ومجابهة الإشاعات في ظل الاحداث الإقليمية    إسرائيل: قصفنا مفاعل آراك ومواقع نووية في بوشهر وأصفهان ونطنز    أحمد الجنايني يرد على شائعات ارتباطه ب أيتن عامر    الدموع تغلب ماجد المصري في حفل زفاف ابنته | صور    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    إنهاء العقد.. قانون العمل يوضح مصير العامل حال العجز الكامل أو الجزئي    رئيس الوزراء: الخميس 26 يونيو إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة الهجرية والخميس 3 يوليو إجازة بمناسبة ذكري ثورة 30 يونيو    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    الكرملين: إيران لم تطلب مساعدات عسكرية لكن دعم موسكو لطهران موجود بشكل عام    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    كوريا الشمالية عن الهجمات الإسرائيلية على إيران: تصرف غير قانوني.. وجريمة ضد الإنسانية    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة الدستور الممتدة
نشر في أموال الغد يوم 17 - 12 - 2012

تناقضت الصور فى جولة الاستفتاء الأولى على دستور أحاطت مساجلاته دماء سالت فى الشوارع. مواطنون عاديون وقفوا لساعات طويلة فى طوابير ممتدة أمام لجان الاقتراع وفوضى فى التنظيم أفضت إلى عدم قدرة أعداد يصعب حصرها على الإدلاء بأصواتهم.
الزخم البشرى أدى إلى نتيجتين: أولاهما، الحد من معدلات العنف بصورة لافتة بعد مواجهات امتدت لأسابيع، وهذه شهادة لقدرة النسيج الوطنى المصرى على تجاوز احتمالات الاحتراب الأهلى.. وثانيتهما، الحد من معدلات التزوير الذى بدا فاضحًا فى وقائع ثابتة رصدتها منظمات حقوقية، وهذه شهادة أخرى لوعى جديد تبلور فى سؤال واحد واجهه المشرفون على الاقتراع: «هل يمكن أن تطلعنى على بطاقتك يا سيادة القاضى؟».
النتائج تقاربت فيها «نعم» و«لا» بصورة غير متوقعة والحسم تأجل للجولة الثانية. أرقام التصويت ودلالاتها تماشت إلى حد كبير مع تقارير التنمية الإنسانية، فالمناطق الحضرية التى ترتفع فيها معدلات النمو والتعليم منفتحة على العالم وصور الحياة الحديثة ذهبت إلى رفض الدستور بينما أيدته المناطق الأكثر فقرًا وبؤسًا، وهذه مأساة بذاتها فنصوص مشروع الدستور تجافى العدالة الاجتماعية التى تحتاجها المناطق المهمشة خاصة فى محافظات الصعيد.
لمرة أخرى استعصت العاصمة «القاهرة» بكتلتها السكانية الأكبر على الجماعة، وفى هذا خصومة تمتد مع المركز الرئيسى للقوى الحيوية فى البلد كله.
بالنظر إلى أن ثقافة الاستفتاء غائبة فى مصر، والخروقات الكبيرة التى شابت إجراءاته، فإن النتائج المعلنة للجولة الأولى ترجح احتمالات هزيمة انتخابية للتيار الإسلامى فى أول انتخابات نيابية.
ربما فاجأت الأرقام جماعة تعالت على مجتمعها حتى وجدت نفسها فى حالة انحسار فى شعبيتها. تصورت أن الاستفتاء نزهة نيلية فى ليلة صيف، ولم تدرك حجم فجوة الكراهية التى باتت تفصلها عن قطاعات واسعة فى الرأى العام وداخل الطبقة الوسطى المدينية بالخصوص. التصويت ب«لا» عقابى فى جانب رئيسى منه، والتصويت ب«نعم» فى جانب رئيسى آخر سعى للاستقرار، رغم أن «نعم» فى استفتاء (2011) جرى الحشد لها باسم استقرار لم يتحقق أبدًا من يومها إلى الآن.
الأرقام المتقاربة تؤكد فكرة الانقسام السياسى والاجتماعى حول مسألة هى بطبيعتها قضية وفاق، فمثل هذه النسب المتقاربة تصلح لحسم انتخابات نيابية ولكنها لا توفر شرعية دستورية مستقرة وقابلة للبقاء.
استعراض الحقائق فى صناديق الاقتراع يدخل بعد أيام جولة أخرى حاسمة.
فى حالة الحسم الأخير ب«لا» فإن احتمالات الحوار أفضل والمصالحة أكبر، إذ يمكن البدء من نقطة صحيحة، والتوافق على قواعد انتخاب جمعية تأسيسية جديدة.
يتعين على المعارضة هنا ألا تنخرط فى عبارات تشف واستعلاء تكرر الأخطاء ذاتها التى ارتكبتها الجماعة، وقد يكون الحسم ب«لا» لصالح الجماعة نفسها، التى يمكنها فى هذه الحالة أن تتخفف من ضغوط السلفيين عليها، وأن تصحح من صورتها، وأن تسعى إلى شىء من التوافق مع التيارات الأخرى يسمح لها بأن تعبر المرحلة الانتقالية بأقل قدر من الخسائر السياسية.
وفى حالة الحسم ب«نعم» فإن بعض الجماعات الإسلامية قد تصعد من مواجهاتها مع التيارات الأخرى بظن أن بوسعها حسم الصراع بالقوة، وهو احتمال يستحيل تصور تحققه، فالعنف يفضى إلى فوضى، والفوضى تأكل من شرعية الحكم، وتآكل الشرعية يؤدى إلى تدخل من نوع آخر ينهى التجربة الديمقراطية المتعثرة ويرجع بتلك الجماعات إلى النقطة رقم صفر.. وهو احتمال مرشح لاستنفاد طاقة البلد لفترة قد تطول. المعارضة بدورها قد تجد نفسها بعد حسم «نعم» مضطرة لمتابعة معركة الدستور الممتدة وتداعياتها الخطيرة على مصر وصورة المستقبل فيها، وداخلة فى اختبار الانتخابات البرلمانية بقوائم موحدة.
فى المشهد السياسى المضطرب إشارات وعلامات على امتداد الأزمة لا انتهاءها وتفاقمها لا احتواءها.
فالاستفتاء بذاته لا يحسم الأزمة المتفاقمة بين الرئاسة والقضاء.. وامتناع غالبية القضاة عن الإشراف على الاستفتاء له وجهين أولهما، تعلق باعتراض جوهرى على تغول السلطة التنفيذية على أعمال القضاء والشك فى سلامة إجراءات الاستفتاء على دستور يستهدف فى بعض مواده السلطة القضائية ذاتها.. وثانيهما، ترتب عليه نقصًا فادحًا فى الإشراف القضائى أفضى إلى إجراء الاستفتاء على مرحلتين ودمج لجان بما أدى إلى فوضى بشكوك انتابت المصوتين من أن هناك تلاعبًا ممنهجًا فى الإجراءات على ما رصدت منظمات حقوقية.
والاستفتاء بذاته لا يوقف المواجهات مع الإعلام الخاص والحزبى، التى وصلت إلى عدوان خطير فى وقائعه ودلالاته على حزب «الوفد» وجريدته وبوابته الإلكترونية وحرق سيارات فى مقره دون أن يعترض رئيس أو أن يقبض على المتورطين فى تلك الجريمة قبل أن تتمدد التهديدات إلى مقارات صحف خاصة عاشت ليلة الاستفتاء وإعلان نتائجه تنتظر اقتحامًا مماثلًا، كأن مصر باتت شبه دولة يحكمها شبه قانون. «مرسى» نفسه ترسخت عنده «عقدة الإعلام»، رغم أن عشرات القنوات الفضائية التابعة للدولة تسانده، والقنوات الدينية تناصره وتهاجم معارضيه بعبارات لا سقف يحدها أو كوابح تضبط ألفاظها، فضلًا عن أكثر من (50) صحيفة ومجلة قومية قام مجلس الشورى الذى تسيطر عليه جماعته بتعيين رؤساء تحريرها.
فى الشكوى اعترافان، الأول إخفاق الأداء الإعلامى للتيار الإسلامى فى كسب معركة الرأى العام.. والثانى قوة تأثير الإعلام الخاص على توجهات الرأى العام.. وهذه شهادة لصالحه قد تؤدى تاليًا لإنقضاض أكبر عليه.
فى رسالة «مرسى» المكتوبة بالإنجليزية إلى الإعلام الأجنبى اعتراف آخر بقضيتين، الأولى، أن أزمته مع الإعلام الخاص دعته إلى تجاهله.. والثانية، أن صورته فى العالم تدهورت، وهذه مسألة تقلقه أكثر من أزمته مع الإعلام الخاص.
فى الرسالة إشارة إلى إجابات على تحفظات، وإلى تصورات لما بعد الاستفتاء، كان يعتقد أن كل شىء محسوم، وأن «نعم» مؤكدة، نسب لنفسه العمل على «توسيع دائرة الحوار الوطنى حول المواد التى يمكن تعديلها فى الدستور وسيتم عرضها على البرلمان المقبل». افترض هنا أن جماعته ستكسب البرلمان ولها الكلمة الحاسمة فيه بعد أن تكسب الاستفتاء وتفرض هيمنتها على المجتمع كله، وتولى نائبه المستشار «محمود مكى» حوارًا حول التعديلات الدستورية فى غياب تام لقوى المعارضة، كأن «مرسى» يحاور نفسه والجماعة تحاور نفسها!
هذا نهج قد يتبعه «مرسى» فى حالة حسم «نعم» فى الجولة الثانية، وعود معلقة فى الهواء وتوافق لا تبدو له مقدمات.
مشكلة «مرسى» هنا أن مشكلاته تفوق قدراته، وأزماته تسبق تقديراته، الاستفتاء بذاته لا يخفض احتقانًا أو يوفر استقرارًا.
نذر الغضب الاجتماعى تتبدى فى نصوص مشروع الدستور، والاحتقان الاجتماعى قد يتسع مداه خارج أى نطاق وفوق أى حساب.
الاحتقان الاقتصادى يلاحق الاحتقان السياسى ويدفع البلد إلى مواجهات من نوع مختلف وأخطر.
الصراع عنوانه الدستور ونصه.. وصلبه المستقبل وسؤاله. من هذه الزاوية فإن معركة الدستور ممتدة.. ففى الصراع على المستقبل لا يمكن لاستفتاء على دستور استدعى انقسامًا فادحًا أن يضع خطًا فى الهواء تحته عبارة: «الأزمة انتهت».
المصدر الشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.