شهدت أسواق السندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدايةً ضعيفةً هذا العام في يناير. وبينما يعود جزء من سبب هذا الضعف إلى الأزمة المالية المستمرة والمهيمنة على منطقة اليورو، فإنه يمكن إرجاع هذا الأمر أيضاً للخطابات والتصريحات التصعيدية المناهضة لإيران، حيث كان لذلك أثر كبير في دفع العوائد للارتفاع وهو ما يعتبر أمراً جيداً بالنسبة للراغبين في شراء السندات، ولكنه ليس كذلك بالنسبة لأصحاب السندات. غير أن الأسواق استعادت عافيتها على مدى الشهر حيث ساعدها في ذلك الطلب القوي من المؤسسات المحلية التي حافظت على ثبات وضعها كمشتري للسندات. وعلاوةً على ذلك، تعززت الثقة في الأسواق أيضاً نتيجة لأخبار اعتزام دبي القابضة على سداد سنداتها التي تستحق في عام 2012 وكذلك ارتفاع توقعات تصنيف مجموعة دبي القابضة للعمليات التجارية من "سلبي" إلى "مستقر" حسب وكالة موديز وفيتش. ومن تاريخ 25 يناير، كان مؤشر HSBC/ناسداك دبي لإجمالي العوائد يظهر عوائداً إيجابيةً صغيرةً لهذا الشهر. كما ساهمت المخاوف المتزايدة المتعلقة بإيران وحالة عدم الاستقرار المستمرة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دفع بعض أصحاب السندات من الأجانب إلى بيع سنداتهم أو التحوط من التعرض لمخاطر أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في أوائل يناير. وقد أنعكس ذلك بتأثيرات متفاوتة على السندات المملوكة خارج المنطقة وخصوصاً تلك الصادرة في قطر و أبوظبي، حيث كانت عوائد سندات قطر التي تستحق في عام 2020، أثناء كتابة هذا المقال، 3,99٪ وهو ما يمثل ارتفاعاً بمقدار 17 نقطة أساس منذ بداية هذا العام. كما شهدت سندات ابوظبي التي تستحق في عام 2019 زيادة ملحوظة من حيث العائد من 3.19% الى 3.64%. ومن الجدير بالذكر هنا توضيح المعنى الذي نقصده من عوائد السندات. فعندما نتحدث عن العوائد فإنما نقصد إجمالي العوائد التي ستحصلون عليها في حال احتفاظكم بالسندات إلى حين أجل استحقاقها. وهذا الأمر يساوي كافة دفعات الفائدة التي ستحصلون عليها (على افتراض أنكم تعيدون استثمار هذه الدفعات بنفس معدل العوائد الحالية للسندات) زائد أية أرباح وخسائر. أما بالنسبة للمستثمرين، فإن ارتفاع العوائد يعني هبوط أسعار السندات. كذلك أخذت علامات الضعف تبدو واضحة في السوق بالنسبة لأدوات مقايضة العجز الائتماني (CDS) نظراً لاستخدام العملاء من المؤسسات الأجنبية هذه الأدوات للتحوط من التعرض لمخاطر أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعلى سبيل المثال، انتقل تصنيف سندات مقايضة العجز الائتماني في أبوظبي المحدد أجلها ب 5 سنوات من 125 نقطة أساس إلى 140 نقطة أساس. وواقع الامر ارتفعت تكلفة تأمين سندات حكومة أبوظبي التي تبلغ قيمتها 10 مليون دولار أمريكي من 125,000 دولار أمريكي سنوياً إلى 140,000 دولار أمريكي. وبالطبع فإن هذا الارتفاع لا يزال ضئيلاً جداً على المستوى المطلق- في الوقت الذي يتم فيه التداول بسندات مقايضة العجز الائتماني في إيطاليا بمقدار 425 نقطة أساس اثناء كتابة هذه المقال، وفي البرتغال بمقدار 1300 نقطة أساس. وعلى صعيد آخر أكثر إيجابيةً، أعلنت مجموعة دبي القابضة عن عزمها سداد سنداتها التي تستحق في عام 2012 بشكل كامل، وهذا بدوره أدى لتعزيز سندات حكومة دبي والسندات الصادرة عن شركات مثل المنطقة الحرة لجبل علي ومركز دبي المالي العالمي. ولمواجهة هذه التوجهات الإقليمية، فإنه من المتوقع إقفال عوائد سندات دبي التي تستحق في عام 2020 في شهر يناير بنسبة 6,80٪ وهو مستوى أقل ب 8 نقاط أساس مقارنة ببداية الشهر. وأخيراً، وعلى الرغم من البيئة المتفاوتة في شهر يناير، فإن السوق الأساسي للسندات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال يواصل أداءه بشكل جيد، وقد قام HSBC بتقديم الدعم والمساعدة لبنكين محليين في صفقات إصدار ناجحة لصكوك بقيمة 500 مليون دولار أمريكي في السوق- مصرف الإمارات الإسلامي وبنك الخليج الأول، حيث لاقت هذه الإصدارات في كلاً من البنكين إقبالاً قوياً من المستثمرين وخصوصاً في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا بدوره يثبت واحدةً من مزايا إصدار الصكوك - ألا وهي الوصول إلى قاعدة المستثمرين الذين لا يفضلون التداول أو التعامل بالسندات التقليدية. وقد أطلق بنك HSBC الشرق الأوسط صكوكه الخاصة في عام 2011، ولا نزال نشكل داعماً قوياً لهذا السوق الهام الذي يشهد نمواً مميزاً، وإننا إذ نتطلع قدماً لجذب المزيد من المؤسسات المحلية المصدرة للصكوك إلى السوق على مدى الأشهر القليلة القادمة.