أحدث ابتكارات ماسك، خبير يكشف مفاجأة عن صفحات تدار من إسرائيل للوقيعة بين مصر والسعودية (فيديو)    باحثون يحذرون من تزايد خطر تعرض السيارات المتصلة بالإنترنت لعمليات القرصنة    وزارة البترول تتعاون مع جامعة مردوخ الأسترالية لتطوير قدرات كوادر التعدين المصرية    «الوزير» يترأس الوفد المصري في اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية    آخر تطورات سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل إلى هذا المستوى    الاحتلال الإسرائيلي يكثف عدوانه على طوباس ويحتجز أكثر من 70 فلسطينيًّا    هوس التصنيف الإرهابي للإخوان.. حدود الضرر    ليفربول يكشف تفاصيل إصابة إيكيتيكي خلال مواجهة أيندهوفن    آرتيتا: تفوقنا على أفضل فريق في أوروبا    اعترافات صادمة لسائق متهم باغتصاب وسرقة سيدة بالسلام: الحشيش السبب    ضبط المتهم بالتعدى على فتاة من ذوى الهمم بطوخ وحبسه 4 أيام    الليلة، افتتاح الدورة ال 18 من مهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    مصرع 11 عاملًا وإصابة آخرين بعد اصطدام قطار بمجموعة من عمال السكك الحديدية بالصين    عاجل.. وفاة مذيعة قناة الشمس بشكل مفاجئ    اغتيال المغنية دي لاروسا في "كمين مسلح" بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي إلى 6ر2% في 2025    قرش يقتل امرأة ويصيب رجلا بجروح خطيرة على الساحل الشرقي لأستراليا    أسوان على خطوط السكك الحديدية — دليل الرحلات اليومية إلى القاهرة والإسكندرية الاثنين 24 نوفمبر 2025    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق هونج كونج إلى 44 قتيلا واعتقال 3 مشتبه بهم    اليوم.. انطلاق اختبارات شهر نوفمبر لصفوف النقل بجميع مدارس القاهرة    أسوان تشهد طقسًا خريفيًا معتدلًا اليوم الاثنين 24 نوفمبر 2025    جنة آثار التاريخ وكنوز النيل: معالم سياحية تأسر القلب في قلب الصعيد    ترامب: الولايات المتحدة لن تستسلم في مواجهة الإرهاب    ترامب: الهجوم على الحرس الوطني "عمل إرهابي" ويجب إعادة النظر في دخول الأفغان إلى أمريكا    محمد ياسين يكتب: يا وزير التربية    السيطرة على حريق شب في مقلب قمامة بالوايلي    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    محافظ كفر الشيخ: مسار العائلة المقدسة يعكس عظمة التاريخ المصري وكنيسة العذراء تحتوي على مقتنيات نادرة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    التموين تبدأ ضخ السلع بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا لصرف مقررات الشهر    زكريا أبوحرام يكتب: أسئلة مشروعة    رسميًا خلال أيام.... صرف معاشات شهر ديسمبر 2025    المصل واللقاح: فيروس الإنفلونزا هذا العام من بين الأسوأ    علامات تؤكد أن طفلك يشبع من الرضاعة الطبيعية    اليوم، قطع الكهرباء عن عدة مناطق في 3 محافظات لمدة 5 ساعات    أوركسترا النور والأمل يواصل البروفات في اليونان    أستاذة آثار يونانية: الأبواب والنوافذ في مقابر الإسكندرية جسر بين الأحياء والأجداد    ضعف المناعة: أسبابه وتأثيراته وكيفية التعامل معه بطرق فعّالة    الحماية من الإنفلونزا الموسمية وطرق الوقاية الفعّالة مع انتشار الفيروس    مدارس النيل: زودنا مدارسنا بإشراف وكاميرات مراقبة متطورة    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    برنامج ورش فنية وحرفية لشباب سيناء في الأسبوع الثقافي بالعريش    فيتينيا يقود باريس سان جيرمان لمهرجان أهداف أمام توتنهام    جمال الزهيري: حسام حسن أخطأ في مناقشة مستويات اللاعبين علانية    الرئيس السيسي: يجب إتمام انتخابات مجلس النواب بما يتماشى مع رغبة الشعب    إجراء مرتقب من رابطة التعليم المفتوح بعد حكم عودته بالشهادة الأكاديمية    ماذا قدمت منظومة التأمين الصحي الشامل خلال 6 سنوات؟    أتلتيكو مدريد يقتنص فوزا قاتلا أمام إنتر ميلان في دوري الأبطال    عبد الله جمال: أحمد عادل عبد المنعم بيشجعنى وبينصحنى.. والشناوى الأفضل    الكرملين: الدعوات لإقالة ويتكوف تهدف إلى عرقلة المسار السلمي في أوكرانيا    بسبب المصري.. بيراميدز يُعدّل موعد مرانه الأساسي استعدادًا لمواجهة باور ديناموز    ريال مدريد يكتسح أولمبياكوس برباعية في دوري أبطال أوروبا    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    السيسي يشهد اختبارات قبول الأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية    جامعة المنيا تخصص 10 ملايين جنيه لدعم الطلاب عبر صندوق التكافل المركزي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننشر نص كلمة شيخ الأزهر إلى الغرب أمام البرلمان الألماني
نشر في أموال الغد يوم 15 - 03 - 2016

ألقى الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر خطابا أمام نواب البرلمان الألماني أكد فيها أنه ما جاء واعظا ولا متغنيا للإسلام.. ولكن ليخاطِب عَدالة الغرب في إنصاف الدين الإسلامي.
وخاطب الإمام الأكبر مسلمي أوروبا قائلا "أنتم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الأوروبي فحافظوا على تعاليم الإسلام وصورته السمحة، شارحا دور علماء الأزهر وكيف أنهم يواجهون الآن فى كل مكان الأفكار المغلوطة التى تحرف الدين وتستغله فى الدعوة إلى الفتنة المدمرة والداعية للدمار والخراب.
وأشاد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بالموقف الإنساني للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل تجاه الفارين من جحيم الحروب وويلاتها فى الشرق وتنديدها بالإسلاموفوبيا حينما قالت إن الإسلام جزء من ألمانيا.
وقال الدكتور الطيب في خطاب له فى البرلمان الألماني "البوندستاج" إن الأزهر يقدر موقف ميركل، مؤكدا أنه ليس لديه أى انتماء سياسي أو توجه حزبي ولا يتبنى أية أيديولوجية من أيديولوجيات اليمين أو اليسار وإنما هو مسلم يسعي دائما فى البحث عن السلام وتمنيه لكل الناس مهما اختلفت أوطانهم وأجناسهم .
كما تحدث الدكتور الطيب عن دور المرأة ومعاناتها ودورها المساند للرجل ، مشيرا إلى أن معاناة المرأة فى الشرق الأوسط يعود إلى البعد عن حقيقة الإسلام وحديثه عن المرأة ودورها في المجتمع.
وفيما يلى نص كلمة فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أمام البرلمان الأوروبى :
"بسم الله الرحمن الرحيم
البروفيسور/ نوربرت لامرت رئيس البرلمان الألماني
السيِّدات والسَّادة: أعضَاء البوندستاج الموقَّرُون
الحُضُور الكَرِيم!
السَّلامُ عَليْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُه
واسْمَحُوا لِي في بِدايَة حَديثي أنْ أتقدَّم لَكُم بِخَالِص الشُّكر، لإِتاحَة الفُرصَة لِأْن أَكُون بَينكَم أتحَدَّث إلَىكم وإلى الشَّعب الألمَاني العَرِيق مِنْ خِلَالُكم أيُّهَا السَّادَة البَرلَمانيُّون، والسَّادَة الحُضُور.
وَكَمْ أنَا سَعِيد بِوجُودِي في مَبْنَى البُوندستاج التَّارِيخيِّ، الَّذِي تَخْتَزِن جُدرَانه ذِكْرَيَات أحْدَاثِ عَالَمِيَّةٍ كَانَت نُقْطَة تَحوُّل في مِسَار التَّارِيخ الأُوُربِّي. وكَيْفَ أَنَّ هَذا البَرلَمَان اسْتَطَاع أنْ يَعْبُر بِالشَّعْب الألمَاني مِن أزَمَاتِه السِّياسِيَّة والاقتِصَادِيَّة والاجتِمَاعيَّة إلَى دَولَة مَرمُوقَة يُشَار إليهَا بِالبَنَان كَأنمُوذج يحتذي في التِّنمِيَة المُسْتَنِدَة إلى قِيَم الحُريَّة والعَدْل والمُسَاوَاة.
وَبِهَذِه المُنَاسَبة أُحَيي المستشارة السيدة/ أنجيلا ميركل، وأقدِّر لها باسم الأزهر الشريف، موقفها الإنساني النبيل من الرجال والنساء والأطفال الفارِّين من جحيم الحُروب وويلاتها في الشرق، رغم ما قد تعانيه هذه السيدة الفاضلة من ظروف ضاغطة لم تستطع أن تثنيها عن هذا الموقف الشجاع الذي سيكتبه لها التاريخ بحروفٍ من نُور، وقد أصدر الأزهر بيانًا شكر فيه المستشارة ميركل على أريحيتها الكريمة تجاه الإسلام والمسلمين حين شاركت سيادتها في مظاهرات برلين المندِّدة بالإسلاموفوبيا وثبَّتت – في شجاعة الأبطال – مقولة الرئيس الألماني الأسبق كرستيان فولف: إن الإسلام جزء من ألمانيا.
وأستسمحكم -أيُّهَا السَّادة البرلمَانيون!– أن أُقَدِّم نفسِي لحضراتكم بحُسْبَاني رَجُلًا مُسْلِمًا تخصَّص في دِراسَة الإسلام، وفَهمه كما أراده الله للنَّاس، وكما بلَّغه لهُم رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم.. وأنَّه لا انتِمَاء لي إلى أيِّ تيَّار سياسيِّ أو توجه حِزبيِّ، ولا أتبنَّى أيَّة أيديولوجيَّة من أيديولوجيات اليمين أو اليسَار، أو غيرها من أيديولوجيات العصر، ولا أسعى إلى ذلك، لا اعتقادًا ولا ترويجاً، وإنَّمَا أنَا مُسْلِم مُحِبّ للبَشريَّة جمعَاء، مهموم بقضايا «السَّلام»، بكل أبعاده الدِّينيَّة والاجتماعيَّة والعَالَميَّة، أبحث عن هذا السَّلام وأتمَنَّاه للنَّاس كل النَّاس، مَهْمَا اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقوميَّاتهم، وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم.
أيُّهَا السيدات والسادة الأجِلاء!
ما جئتكم واعِظًا ولا متغنيا بينكم للإسلام، ولكن جئت أُخاطِب عَدالتكُم في إنصاف هذا الدِّين الذي يستحق منكم أن تدفعوا عنه ما لحق به من ظلم وتهم، يبرؤ منها وينكرها أشد الإنكار، بسبب تصرفات قلة من المنتسبين إليه، فهمته فهمًا قبيحًا، وقدمته للناس في صورة دين دموي يعادي الإنسانية ويدمر الحضارات.
هذا الدين – كما تعلمون حضراتكم - دين مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوي لا ينفصم؛ فنحن المسلمين نؤمن بأنَّ كلاً من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدىً ونور للناس، وأن اللاحق منها مصدق للسابق، ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بمحمد إلا إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم، ونقرأ في القرآن قوله تعالى:"إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة، آية 26)
وليس صحيحًا ما يقال عن الإسلام من أنه دين قتال أو دين سيف، فلفظة «السيف» هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.. ويؤمن المسلمون بأن الله أرسل محمدًا رحمة للعالمين، وليس رحمة للمسلمين فحسب، بل أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات، جاء في القرآن الكريم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وقال محمد عن نفسه: "أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة"، ومن يفهم تعاليم هذا النبي خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي، فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيئ إليه.
والإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأيِّ دين آخر، فالله كما خلق المؤمنين خلق غير المؤمنين أيضًا: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ {التغابن: 2}، وما خلق الله غير المؤمنين ليأمر بقتلهم واستئصالهم، فهذا عبث لا يليق بحكمة البشر، فضلًا عن الحكمة الإلهيَّة، وحريَّةُ العقيدة مكفولة في القرآن بنص صريح، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ {الكهف: 29}. وقوله أيضًا:﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾{البقرة: 256}، وجاء في الدستور الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، ولم يسجل التاريخ عن المسلمين في البلاد التي حكموها حالة واحدة خيروا فيها أهل البلاد بين اعتناق الإسلام أو السيف، بل كانوا يُقِرُّون أهل هذه البلاد على أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولا يرون بأسًا من العيش بجوارهم والاختلاط بهم والتزاوج معهم.
والجهاد في الإسلام ليس منحصرًا في القتال الذي هو رد العدوان، بدليل أن الجهاد الأكبر في الإسلام هو جهاد النفس والشيطان ونوازع الشر، ويدخل في مفهوم الجهاد الشرعي كل جهد يبذل من أجل تحقيق مصالح الناس، وفي مقدمتها المجهود الذي يبذل من أجل مقاومة الفقر والجهل والمرض، وإغاثة المحتاج، وخدمة الفقراء والبؤساء ومساعدتهم، والإسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه إلا في حالة رد العدوان، والتصدِّي للحروب التي يشنها عليهم أعداؤهم، فهنا يجب القتال للدفاع، وهذا النوع من الجهاد تقره كل الأديان والأعراف والحضارات. وليس صحيحًا، بل من الخطأ الفاحش ما يقال من أن الجهاد في الإسلام هو حمل السلاح لقتال غير المسلمين وتعقبهم والقضاء عليهم، ومما يؤسف له أشد الأسف أن يُروَّج هذا الفهم الخاطئ والتفسير المغرض لنصوص القرآن والحديث للإساءة إلى الإسلام والمسلمين.
وشريعة الإسلام شريعة مؤسسة على مبادئ العدل والمساواة والحرية وحفظ كرامة الإنسان، وقد أعلن نبي الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في زمن لم يكن قد نضج فيه العقل البشري لأن يستوعب فحوى هذا المبدأ أو يتصوره، لأنه لم يكن يعرف مجتمعًا غير مجتمع الطبقية والعبيد والسادة، ورغم ذلك أطلق محمد صلى الله عليه وسلم صرخته الخالدة : «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ»، ولم تمض على وفاة النبي عشر سنوات حتى جاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليصرخ هو الآخر في وجه أحد الولاة المسلمين، وهو يُعنِّفه: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».
وأعتقد أنه لديكم أيها السيدات والسادة هنا في أوروبا من القوانين والتشريعات كثيرًا مما يتطابق وتشريعات الإسلام –في هذا المجال-، روحًا ونصًا، وبخاصَّة تلكم التشريعات التي تحفظ للإنسان كرامته وتؤمِّن له حريته، وتحقق له العدالة والمساواة مع غيره، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو العرقية.
وهنا أقول لأبناء ديني من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الأوروبي الاجتماعي المتماسك، أن يراعوا هذه القِيَم العُليَا لمجتمعاتهم التي يعيشون على أرضها، وأن يفيدوا منها في تقديم صورة مماثلة، عن الإسلام وتعاليمه السمحة الجميلة، التي تحترم الآخر، بغض النظر عن دينه أو مِلَّته أو جنسه، وأن يكونوا على ذكر دائم لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ {سورة رقم60، الآية: 8}، وكم وددت لو أن كل مسلم يعيش فو أوروبا كتب هذه الآية في لوحة جميلة ووضعها على مكتبه أو متجره، أو على شاشة هاتفه النقال، وتذكَّر في كل حين، أنَّ البِرَّ الذي هو قِمَّة الأدب والإحسان مع الوالدين، مطلوب هو بعينه مع من يسالمنا ولا يقاتلنا، وأن القسط والعدل والوفاء هو خُلق المسلم مع أخيه في الإسلام وأخيه في الإنسانية سواء بسواء.
أمَّا المرأة فهي في شريعة الإسلام شريكة الرجل في الحقوق والواجبات، وبتعبير نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، ولا تظنوا أيُّهَا السَّادة أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقيَّة من تهميش هو بسبب تعاليم الإسلام، فهذا زعم باطل، والصحيح أن هذه المعاناة إنَّما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصة بالمرأة، وإيثار تقاليدَ عتيقة وأعراف بالية لا علاقة لها بالإسلام، وتقديم هذه التقاليد على الأحكام المتعلقة بالمرأة في الشريعة الإسلامية وقد فقد المجتمع المسلم كثيرًا من طاقاته الخلاقة والإنتاجية حين سَمَحْنا – نحن المسلمين - بتهميش دور المرأة وإقصائها عن مواقع التأثير في مجتمعاتنا الشرقية.
أيُّهَا السيدات والسادة!
التعَدُّديَّة بينَ النَّاس واختلافُهم طبيعة قرَّرها القُرآن الكَريم، ورتَّب عليها قَانُونَ العَلاقَة الدَّوليَّة في الإسلام، وهو «التَّعَارُف» الذي يَسْتَلزم بالضَّرورَة مبدأ الحوار مع من نتفق ومن نختلف معه، وهذا ما يَحتاجه عالَمُنا المُعاصِر -الآن- للخروج من أزماته الخانقة، ومن هنا كان من الصعب على المسلم أن يتصوَّر صَبَّ النَّاس والأُمَم والشعوب في دين واحد أو ثقافة واحدة، لأن مشيئة الله قضت أن يخلق الناس مختلفين حتى في بصمات أصابعهم، يقول القرآن: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، والمؤمن بالقرآن لا يرتاب في أنه ليس في إمكان قوَّة ولا حضارة أن تُبدِّل مَشِيئة الله في اختلاف النَّاس،وينظُر إلى النَّظَريَّات الَّتي تحلم بجمع الناس على دين واحد أو ثقافة مركزية واحدة نظرته إلى أحلام اليقظة أو العبث الذي يُداعِب أحلام الطفولة.
وَمِنْ هُنَا كان من الطبيعي والمنطقي أن ينفتح الإسلام على المسيحيين واليَهُود انفتاحًا لافتًا للنظر، ويمد معهم من جسور العيش المُشْتَرك والسَّلام المُتبادَل، ما يصل إلى إقرار زواج المُسْلِم من مَسِيحيَّة أو يَهُوديَّة تبقى على دينها مع زوجها المُسْلِم، ولا يجوز لزوجها المسلم أن يحول بينها وبين الذِّهاب إلى كنيستها أو مَعْبَدها، أو يمنعها من مُمَارسة شعائرها في بيت زوجها المسلم.
ولَعَلَّ بعض حضراتكم أيُّهَا السَّادة النواب المحترمون! – يتهامس مُعترضًا على ما أقول، أو مُتسائلِاً مُستنكِرًا فيما سمع: إذا كان الإسلام والمسلمون بهذه الصورة الورديَّة المُضيئة، فكيف خرجت الحركات الدِّينيَّة المُسَلَّحَة من عباءَة الإسلام والمسلمين، مثل «داعِش» وأَخواتها. تَقْتُل وتُدَمِّر وتقطَع الرِّقَاب بِاسْمِ الله وبِاسْمِ الإسلام وشريعته؟ ألا تهدم هذه المشاهد اللاإنسانيَّةُ المُرعبة كلَّ ما قُلتَه عن الإسلام من أنَّه دين السَّلام والأخوة الإنسانيَّة والتراحم بين النَّاس؟
وإجابتي على هذا السُّؤال – باختصار- هي: لو أنَّ كل دين من الأديان السَّمَاويَّة حُوكِم بما يقترفه بعض أتباعه من جرائم والقتل والإبادة لَمَا سَلِمَ دين من الأديان من تُهمَة العُنف والإِرهاب، ذلك أنَّ الإرهابيين الَّذين يُمارسون جرائمهم باسم الأديان لا يمثلون هذه الأديان، بل هم – في حقيقة الأمر - خائنون لأمانات الأديان التي يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها.
إنَّ الأديان إنَّما تُفهَم من تعاليمها الإلهيَّة ومن تطبيقات الأنبياء الَّذين حملوا هذه التعاليم وبلَّغوهَا للنَّاس ودعَوهم إليها.. هكذا كانت رسالة سيدنا محمد، وهكذا كانت رسالة سيدنا عيسى وسيدنا موسى وكل رسالات السَّمَاء إلى البَشر..
ثُمَّ إنَّ هذا الإِرهاب الَّذي نعانيه جميعًا الآن أدَانَه العَالَم الإسلامي كله: شعوبًا وحكومات وأزهرًا وكنَائِس وجامعات ومفكرين ومثقفين وغيرهم، وعلينا جميعًا – مسلمين وغير مسلمين - أن نقف صفًا واحدًا لمجابهة التطرف والإرهاب والظلم بجميع أشكاله، وأن نبذل أقصى ما يمكن من أوجه التعاون من أجل القضاء على هذا الوباء القاتل.
ثمُّ إنَّ الإرهاب لا يُفَرِّق بين ضَحايَاه ما داموا لا يعتنقون أيديولوجيته وأفكاره المُتطرِّفة، وإذا كان البعض لا يزال يعتقد أن الإسلام يبرر جرائم الإرهاب فعلى هذا البعض أن يتذكر أنَّ المُسْلِمين هم من يدفعون ثمن هذا الإرهاب من دمائهم، وأشلاء أجسادهم ونسائهم وأطفالهم أضعاف أضعاف ما يدفعه غير المسلمين من ضحايا هذا الوباء.. فكيف يصح في الأذهان أن ينسب المسلمون إلى هؤلاء القتلة الذين يبرؤ منهم الإسلام والمسلمون أنفسهم.
ولعلكم تتفقون معي في أنَّه لا مفر للشرق والغرب حيال هذا الإرهاب العابر للقارَّات من انفتاح حقيقي متبادل بين الأديان والمؤمنين بها، بل لا مفر من صنع السلام أوَّلًا بين رجال الأديان وعلمائها، وأنا مِمَّن يؤمنون بقوة بالشعار الذي أطلقه منذ وقت قريب اللاهوتي المعاصر هانس كونج «Hans Kung» وأعلن فيه أنه: «لا يمكن أن يكون ثم سلام بين الشعوب مادام لا يكون ثَمَّ سلام بين الأديان»( ).. وهو نفس الشعار الذي أطلقه شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي في لندن عام (1936) عندما نادى بالزمالة العالمية والفهم الصحيح المتبادل بين حضارة الغرب وحضارة المسلمين.
واسمحوا لي أيُّهَا السيدات والسٍّادة أن أقول: إنَّنِي حين أتحدَّث عن مجتمعاتكم بشيء من الإعجاب بسياساتكم التي تقوم على المُسَاواة والدِّيمُوقراطيَّة ورعاية حُقُوق الإنسان، يَسألني البعض مُستنكِرًا: إذا صحَّ ما تقول فيما بين الشعوب الأوروبيَّة فإنَّنَا لا نَرى شيئًا من ذلك في كثير من مواقف الغَرب حِيال البلاد الإسلاميَّة، فالكثيرون في الشَّرق العَربيِّ والإسلاميِّ لا يعرفون من الغرب إلا سياسة الكيل بمكيالين، وسياسة المصالح الخاصة التي لا تراعي مصالح الشعوب، ويضربون من الأمثلة على ذلك ما حدث في «العراق» و«ليبيا» وغيرهما، ورسالتي إليكم أو رجائي الكبير هو أنْ تعملوا – باهتمام – على تغيير هذه النَّظرة القاتِمة المتشائمة، ولَعَلَنا نبدأ معًا صفحة جديدة نعمل فيها على ترسيخ السَّلام العَالميِّ، وإخماد نيران الحروب ووقف شلالات الدماء والفرار من الأوطان، وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلاً يضمن السلام والاستقرار في المنطقة. فهذه يدي ممدودة إليكم للعمل سويًّا من أجل هذه الأهدف الإنسانية النبيلة.. فهل من مُجيب؟
السيدات والسادة !
إنَّ الديموقراطيَّة الَّتي نتطلع لأن ترفرف أعلامها عالية خفاقة في بلادنا العربيَّة والإسلاميَّة، لَا يمكن أن تتحقَّق بالحروب وصراع الحضارات والفوضى الخلَّاقة وأنهار الدِّماء وقعقعة السِّلاح، بل بالتبادل الحضاري بيننا وبينكم، والحوار المتكافئ غير المستبد، وبرامج تبادل التعليم والصناعة والتكنولوجيا.
وَمَعَ أنَّ الأزهر دائم الاهتِمام بتجديد خطابه ومناهِجه التعليميَّة، إلَّا أنَّه ضَاعَف من هذه المُهِمَّة في السَّنوات الأخيرة، ويضيق الوقت عن سَرد الخطة الشَّاملة للتجديد والتطوير، ويكفي أنْ تَعْلَمُوا أنَّ عُلَمَاء الأزهر يتصدون الآن في كل مكان للأفكار المَغلُوطة، التي تَحرِّف الدِّين وتستغله في الدعوة إلى الفِتنة العَمْيَاء الَّتي تَسْتَحِلّ الدِّمَاء وتُدَمِّر الأوطَان، وذلك من خلال وسائل عدة منها القوافل التي تجوب العالم للدعوة إلى السلام العالمي، وتُحصِّن عقول الشباب من التردي في بؤرة الإرهاب، وكذلك من خلال مرصد الأزهر الإلكتروني الذي يعمل بلغات عدة، ونتوقع له انتشارًا عالميًا في المستقبل القريب.
وقد عقد الأزهر مؤتمرًا في ديسمبر من عام 2014 دعا إليه علماء المسلمين من الشيعة والسنة ورؤساء الكنائس الشرقية وبعض الكنائس الغربية وممثل الإيزيديين من العراق، وانتهى في بيانه الجماعي إلى إدانة كل الفرق والجماعات المسلحة والمليشيات التي تنتهج العنف والإرهاب وتروع الآمنين، وأن المسيحيين والمسلمين في الشرق إخوة عاشوا معًا على مدى قرون عديدة والجميع عازم على مواصلة العيش في دولة وطنية تحقق المساواة وتحترم الحريات، وأن التعرض للمسيحيين وغيرهم باسم الدين هو خروج عن تعاليم الإسلام، وأن التهجير القسري جريمة مستنكرة نجمع على إدانتها، وقد ناشد الأزهر المسيحيين أن يتجذروا في أوطانهم حتى تزول موجة الإرهاب الذي نعاني منه جميعًا.
واليوم يدين الأزهر جميع الأعمال الوحشية التي يقترفها دعاة الإرهاب والتي كانت كوت ديفوار آخر مسارحها الكريهة، ولا يفوتنا هنا أن نعزي الشعب الألماني في ضحيتهم في هذا الحادث المؤسف.
السَّيدات والسادة!
يعيش في أوروبا اليوم ما يَقْرُب من عشرين مليون مُسْلِم، معظمهم ولد في أوروبا وأصبح أوروبيًّا ، وأقول: يجب أنْ يتمتع هؤلاء جميعًا بالمُسَاواة بينهم وبين المُواطِنين من أصول أوروبية، وألَّا تتركوهم يشعرون بأنَّهُم مُهَاجِرون يَعيشُون على هامِش المُجتَمَع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذي ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو «المَناعَة» القَويَّة الَّتي تَقِف ضِدَّ الانزِلاق إلى التَّطَرُّف والعُنف.
هذا وإنَّ شُعوب الشَّرق العَربيِّ والإسلاميِّ لتنظُر إلى أوروبا باعتبارها الشَّريك الأقرب في حضارة البحر المُتوسط، ومن ثَمَّ فإنَّ هذه الشعوب تعوِّل عليكم كثيرًا في نهضاتها التنمويَّة والعلميَّة، ولا يكون ذلك إلا بالتعاون المثمر وباحترام إرادة شعوبها في اختيار مصائرها ورسم مستقبلها.
ومرَّة أُخرى أُكَرِّر ما قُلته آنفًا من أن الأزهر إنما جاء ليمد يده إليكم، وإلى الإتِّحاد الأوروبيِّ من خلالكم.. من أجل ترسيخ علاقات الإخاء الإنساني، والسَّلام العالَميِّ بين الشَّرق والغَرب بصفة عامَّة وبين الأزهر والمواطنين المُسْلِمين في أوروبا، الَّذين أتوجَّه إليهم في ختامي كَلِمَتِي أمام هذا البَرلمَان العَريق بأنْ يمثلوا النموذج الإنساني الرَّاقي للدِّين الإسلاميِّ ولنبيهم الَّذي بُعثَ رَحْمَةً للعالَمين جميعًا وليس للمُسْلِمين وحدهم.. والأزهر مستعد لتقديم المناهج التي تعصمكم من الاستقطابات المنحرفة، وتعينكم على تمثيل دينكم الإسلامي بحسبانه دينًا صالحاً للتعايش في كل زمان ومكان، وتذكَّروا أن دينكم هذا كانت له في قلب أوروبا إضاءاتٌ إنسانيةٌ وحضاريةٌ، لا يزال صداها يتردد في أروقة الجامعات الأوروبية حتى يوم الناس هذا، وحسبنا ما شهد به الأديب الألماني، جوته ومن قبله الأديب والناقد المسرحي ليسنج للإسلام وحضارة المسلمين..
لقد أطلت عليكم، وعذري أنني جئت إليكم وفي قلبي أمل، يتردد مثله في قلوب مليار وسبعمائة مليون مسلم، في التعايش السلمي والحوار الحضاري بين الشرق والغرب، وليس أقدر على تحقيق هذه الأمنية من هذا البرلمان العريق، الذي يمثل شعبًا يقدر الحرية والديموقراطية تقديرًا حقيقيًا، جعلنا نحتفظ لألمانيا في قلوبنا بشعور خاص وثقة نعتز بها. ونعول عليها في علاقات متميزة في المستقبل إن شاء الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.