أكد فضيلة الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر, شيخ الجامع الأزهر أن الإسلام ليس دين قتال أو دين سيف, مشيرا إلي أن لفظة السيف لم ترد في القرآن الكريم ولو مرة واحدة. وقال في كلمته أمس أمام البرلمان الألماني البوندستاج إنه يحيي ويقدر باسم الأزهر الشريف الموقف النبيل والإنساني للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الفارين من جحيم الحروب وتنديدها بالإسلاموفوبيا. وخاطب أعضاء البرلمان الألماني قائلا: جئت أخاطب عدالتكم لإنصاف هذا الدين الذي يستحق منكم أن تدافعوا عنه. وأضاف: لو أن كل دين سماوي حوكم بما يقترفه بعض أتباعه من جرائم القتل والإبادة لما سلم دين من تهمة العنف والإرهاب. وأوضح الإمام الأكبر أنه لا ينتمي إلي أي تيار سياسي أو توجه حزبي, ولا أتبني أية أيديولوجية من أيديولوجيات اليمين أو اليسار, أو غيرها من أيديولوجيات العصر, ولا أسعي إلي ذلك, لا اعتقادا ولا ترويجا, وإنما أنا مسلم محب للبشرية جمعاء, مهموم بقضايا السلام, بكل أبعاده الدينية والاجتماعية والعالمية, أبحث عن هذا السلام وأتمناه للناس كل الناس, مهما اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقومياتهم, وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم. وأشار إلي أنه سعيد بوجوده في مبني البوندستاج التاريخي, الذي تختزن جدرانه ذكريات أحداث عالمية كانت نقطة تحول في مسار التاريخ الأوربي. وكيف أن هذا البرلمان استطاع أن يعبر بالشعب الألماني من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلي دولة مرموقة يشار إليها بالبنان كأنموذج يحتذي في التنمية المستندة إلي قيم الحرية والعدل والمساواة. وقال الطيب إنني بهذه المناسبة أحيي المستشارة أنجيلا ميركل, وأقدر لها باسم الأزهر الشريف, موقفها الإنساني النبيل من الرجال والنساء والأطفال الفارين من جحيم الحروب وويلاتها في الشرق, رغم ما قد تعانيه هذه السيدة الفاضلة من ظروف ضاغطة لم تستطع أن تثنيها عن هذا الموقف الشجاع الذي سيكتبه لها التاريخ بحروف من نور, وقد أصدر الأزهر بيانا شكر فيه المستشارة ميركل علي أريحيتها الكريمة تجاه الإسلام والمسلمين حين شاركت سيادتها في مظاهرات برلين المنددة بالإسلاموفوبيا وأثبتت في شجاعة الأبطال مقولة الرئيس الألماني الأسبق كرستيان فولف: إن الإسلام جزء من ألمانيا. وتابع قائلا: ما جئتكم واعظا ولا متغنيا بينكم للإسلام, ولكن جئت أخاطب عدالتكم في إنصاف هذا الدين الذي يستحق منكم أن تدفعوا عنه ما لحق به من ظلم وتهم, يبرؤ منها وينكرها أشد الإنكار, بسبب تصرفات قلة من المنتسبين إليه, فهمته فهما قبيحا, وقدمته للناس في صورة دين دموي يعادي الإنسانية ويدمر الحضارات. هذا الدين كما تعلمون حضراتكم مرتبط بالأديان السماوية برباط عضوي لا ينفصم; فنحن المسلمين نؤمن بأن كلا من التوراة والإنجيل والقرآن, هدي ونور للناس, وأن اللاحق منها مصدق للسابق, ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بمحمد إلا إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسي وعيسي وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم, ونقرأ في القرآن قوله تعالي:إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأشار إلي أنه ليس صحيحا ما يقال عن الإسلام من أنه دين قتال أو دين سيف, فلفظة السيف هذه ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.. ويؤمن المسلمون بأن الله أرسل محمدا رحمة للعالمين, وليس رحمة للمسلمين فحسب, بل أرسله الله رحمة للإنسان والحيوان والجماد والنبات, جاء في القرآن الكريم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, وقال محمد عن نفسه: أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة, ومن يفهم تعاليم هذا النبي خارج إطار الرحمة العامة والسلام العالمي, فهو جاهل به وبتعاليمه ومسيء إليه. والإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأي دين آخر, فالله كما خلق المؤمنين خلق غير المؤمنين أيضا: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير,وما خلق الله غير المؤمنين ليأمر بقتلهم واستئصالهم, فهذا عبث لا يليق بحكمة البشر, فضلا عن الحكمة الإلهية, وحرية العقيدة مكفولة في القرآن بنص صريح, وذلك في قوله تعالي: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر,وقوله أيضا:لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي, وجاء في الدستور الذي بعث به النبي صلي الله عليه وسلم إلي اليمن: من كره الإسلام من يهودي ونصراني, فإنه لا يحول عن دينه, ولم يسجل التاريخ عن المسلمين في البلاد التي حكموها حالة واحدة خيروا فيها أهل البلاد بين اعتناق الإسلام أو السيف, بل كانوا يقرون أهل هذه البلاد علي أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم, ولا يرون بأسا من العيش بجوارهم والاختلاط بهم والتزاوج معهم. وأوضح شيخ الأزهر أن الجهاد في الإسلام ليس منحصرا في القتال الذي هو رد العدوان, بدليل أن الجهاد الأكبر في الإسلام هو جهاد النفس والشيطان ونوازع الشر, ويدخل في مفهوم الجهاد الشرعي كل جهد يبذل من أجل تحقيق مصالح الناس, وفي مقدمتها المجهود الذي يبذل من أجل مقاومة الفقر والجهل والمرض, وإغاثة المحتاج, وخدمة الفقراء والبؤساء ومساعدتهم, والإسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه إلا في حالة رد العدوان, والتصدي للحروب التي يشنها عليهم أعداؤهم, فهنا يجب القتال للدفاع, وهذا النوع من الجهاد تقره كل الأديان والأعراف والحضارات. وليس صحيحا, بل من الخطأ الفاحش ما يقال من أن الجهاد في الإسلام هو حمل السلاح لقتال غير المسلمين وتعقبهم والقضاء عليهم, ومما يؤسف له أشد الأسف أن يروج هذا الفهم الخاطئ والتفسير المغرض لنصوص القرآن والحديث للإساءة إلي الإسلام والمسلمين. وقال إن شريعة الإسلام شريعة مؤسسة علي مبادئ العدل والمساواة والحرية وحفظ كرامة الإنسان, وقد أعلن نبي الإسلام مبدأ المساواة بين الناس في زمن لم يكن قد نضج فيه العقل البشري لأن يستوعب فحوي هذا المبدأ أو يتصوره, لأنه لم يكن يعرف مجتمعا غير مجتمع الطبقية والعبيد والسادة, ورغم ذلك أطلق محمد صلي الله عليه وسلم صرخته الخالدة: الناس سواسية كأسنان المشط, ولم تمض علي وفاة النبي عشر سنوات حتي جاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليصرخ هو الآخر في وجه أحد الولاة المسلمين, وهو يعنفه: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. وهنا أقول لأبناء ديني من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الأوروبي الاجتماعي المتماسك, أن يراعوا هذه القيم العليا لمجتمعاتهم التي يعيشون علي أرضها, وأن يفيدوا منها في تقديم صورة مماثلة, عن الإسلام وتعاليمه السمحة الجميلة, التي تحترم الآخر, بغض النظر عن دينه أو ملته أو جنسه. وشدد علي أن المرأة في شريعة الإسلام شريكة الرجل في الحقوق والواجبات, وبتعبير نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال, ولا تظنوا أن بعض ما تعانيه المرأة الشرقية من تهميش هو بسبب تعاليم الإسلام, فهذا زعم باطل, والصحيح أن هذه المعاناة إنما لحقتها بسبب مخالفة تعاليم الإسلام الخاصة بالمرأة, وإيثار تقاليد عتيقة وأعراف بالية لا علاقة لها بالإسلام, وتقديم هذه التقاليد علي الأحكام المتعلقة بالمرأة في الشريعة الإسلامية وقد فقد المجتمع المسلم كثيرا من طاقاته الخلاقة والإنتاجية حين سمحنا نحن المسلمين- بتهميش دور المرأة وإقصائها عن مواقع التأثير في مجتمعاتنا الشرقية.