الرئيس السيسي: تطوير الموانئ تتويج لجهود الجميع.. وكامل الوزير: الفضل لتوجيهاتك    خلال لقاء نظيره التشادي.. وزير الخارجية يدعو لتضافر الجهود دعما للشعب السوداني    منتخب الجماز الفني للناشئين والناشئات يشارك في بطولة العالم بالفلبين    يلا شوووت.. إنجلترا تبحث عن رقم تاريخي أمام ألبانيا في ختام التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026    ارتياح في ليفربول بعد استبعاد صلاح من مباراة كاب فيردي    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط وسوهاج    عاجل- نقل الموسيقار عمر خيرت للعناية المركزة وإلغاء حفلاته    "القاهرة الإخبارية": اشتباكات مشتعلة بين الجيش السوداني والدعم السريع في بابنوسة    نتنياهو يواجه انتقادات عنيفة من اليمين المتطرف بعد بيان أمريكي يدعم إقامة دولة فلسطينية    محافظ أسوان يستقبل المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوى الإعاقة    جامعة أسيوط تفتتح فعاليات أسبوع الدعوة الإسلامية "مفاهيم حضارية"    الإحصاء: ارتفاع عدد المشتغلين ل32.5 مليون فرد خلال الربع الثالث من العام الحالي    نجل محمد صبري: والدي لم يكن يعاني من أي أمراض.. وطريقة لعبه تشبهه في كل شئ    الأهلي يستعد لتجديد عقد أحمد عابدين حال عدم تلقي عرض من فاماليكاو البرتغالي    نهاية الأزمة.. الأهلي يعلن تعيين حسام عاشور مديرًا لأكاديمية فرع التجمع الخامس    هيئة الرقابة المالية تعدل ضوابط مزاولة الشركات لنشاط تمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة    ضبط سائق توك توك تعدى على سيدة بالسنبلاوين بعد انتشار فيديو الواقعة    حزب «حماة الوطن» ينظم لقاءً جماهيريا بالقليوبية دعما لمرشحه في انتخابات النواب    نظام اليوم الواحد (One Day Light)، للتخلص من الانتفاخ واستعادة النشاط    حلا شيحة : دينا الشربينى جدعة ونيتها طيبة ومش خرابة بيوت ولكل من خاض فى عرضها اتقوا الله    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    جهود صندوق مكافحة الإدمان.. تخريج 100 طالب من دبلوم خفض الطلب على المخدرات بجامعة القاهرة    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    عودة قوية للجولف في 2026.. مصر تستعد لاستضافة 4 بطولات جولف دولية    أصوات انفجارات لا تتوقف.. قصف مدفعي إسرائيلي على المناطق الشرقية لخان يونس بغزة    خالد النبوي: حسين فهمي أستاذ وصديق    وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان فرع أكاديمية الفنون بعد التطوير    دولة التلاوة.. مصر تُعيد تلاوتها من جديد    المدون الموسيقي أحمد الموجي فى قراءة لحفل المتحف الكبير: الاحتفالية رحلة موسيقية من الماضى إلى الحاضر بعين معاصرة    ترامب يواصل إفيهات للسخرية من منافسيه ويمنح تايلور جرين لقبا جديدا    الأزهر للفتوى: الالتزام بقوانين وقواعد المرور ضرورة دينية وإنسانية وأمانة    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    محافظ الجيزة يثمن إشادة التعليم العالي بالشعار الجديد للجيزة ويؤكد: يجسد الإرث الحضاري    تشمل إمدادات الغاز.. زيلينسكي يعلن عن اتفاقيات جديدة مع شركاء أوكرانيا    الجامعة العربية: قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي استهدفها الاحتلال    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    بمشاركة 46 متدربًا من 22 دولة أفريقية.. اختتام الدورة التدريبية ال6 لمكافحة الجريمة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    أمين البحوث الإسلامية يبحث مع رئيس جامعة أسيوط تعزيز التعاون لنشر الوعي بين الطلاب    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 16 نوفمبر    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله الطحاوي يكتب عن الجماعات القبطية في القرن العشرين ..الأمة القبطية نموذجا
نشر في أموال الغد يوم 03 - 10 - 2010

علاقة جماعة الأمة القبطية بالإخوان ..وهل أعاد إبراهيم فهمي هلال استنساخ تجربة البنا؟
مدارس الأحد والقمصان البيضاء وفرق الشباب ..جماعات قبطية جمعها سؤال البحث عن الهوية ؟
قصة خطف البابا ليلة الاحتفال بعيد الثورة ..وكيف استعجلت الجماعة الصدام مع الدولة ؟
الجماعة برزت كتيار يزواج بين المدنية والدين.. ويرى أن وجودها يتجلى في المجال العام وليست الكنيسة
قدمت الجماعة الجانب المدني والاجتماعي من حياة المسيح ..وكانت تقدم المسيح نفسه بوصفه شخصية مصرية.
يظل جدل العروبة والمصرية هو الجدل الذي قامت على أساسه أكثر الجماعات القبطية خلال التاريخ الحديث ..كان سؤال الهوية يشغل الجميع ..هل نحن عرب أم أقباط مصريين ؟ بهذه الخلفية ممكن أن نقرأ الجماعات القبطية التي شهدتها مصر خلال القرن العشرين وخاصة جماعة الأمة القبطية، بحسبانها أهم الجماعات التي رفعت شعار أن الأقباط أمة مسيحية لها تاريخ وذاكرة خاصة، وأن ثمة فصل بين العروبة والمصرية، وأن الفتح العربي كان غزوا، وضرورة إحياء التراث القبطي،واللغة القبطية وهي لم ترفع تلك المطالب بل بلورتها في تنظيم تجاوز عدد أفراده التسعين ألفا معظمهم من المدنيين وفيهم رجال دين، ومثقفين من أشهرهم المفكر سلامة موسى العلماني القح .
مدارس الأحد والقمصان البيضاء
لكن هل جماعة الامة القبطية هي التنظيم الوحيد الذي عرفه الاقباط في القرن العشرين ؟؟ الاجابة لا ، فهناك حركة مدارس الاحد، وليست تنظيما بالمعني الدقيق لكنها حركة لها زعامة وبرنامج واهداف ومنهج، وتزعمها حبيب جرجس ومن ابرز رموزها البابا شنوده وميلاد حنا ومعظم رجال الدين الحاليين.
بالاضافة الى تنظيم جماعة الشباب القبطي أو " القمصان البيضاء" حيث أعلن القمص سرجيوس خطيب ثورة 19 الذي انقلب عليها فيما بعد عن تشكيل "فرق الشباب القبطي" وكانت تحت رئاسته وكان السكرتير العام ابنه وليم سرجيوس.
وهدف التنظيم وأهم المبادئ التي قام عليها كما يقول الدكتور محمد عفيفي الذي درس حياة سرجيوس هي غرس المسيحية في عقلية الشباب، وتكوين الروح الرياضية ، وحياة الرجولة، والاعتماد على النفس مع الايمان بالله، وتهيئة الشباب للكفاح الادبي ضد الرزيلة، والرجعية والخرافات، وإنشاء لجنة للتدريب الرياضي، وان هذا التنظيم مكون من فرق كل فرقة مكونة من عشرة ، لها سكرتير، وكل ثلاث فرق تكون شعبة لها ضابط، وكل ثلاث شعب تكون فرقة لها قائد، وفي النهاية يتولى مجلس القيادة العامة، شؤن الفرق.
تأسيس الأمة القبطية
جماعة الأمة القبطية أقرب لما قام به القمص سرجيوس، وان كانت أشمل في برنامجها وحركتها، عن حركة القمص سرجيوس الذي اشتهر في تلك الفترة بسجاليته الشديدة وتمرده على الاوضاع الكنسية والقبطية. تأسست جماعة الأمة في 11سبتمبر 1952 بعد شهرين من قيام ثورة 23 يوليو، تم اختيار توقيت إعلان الجماعة بشكل مقصود حيث يصادف رأس السنة المصرية القبطية، كان حفل التاسيس لافتا بحي الفجالة في مقر مدرسة التوفيق وحضره حوالي 1000 شاب كانوا أوائل من التحقوا بالجماعة وحضر اللقاء أيضا ابراهيم باشا فهمي المنياوي وراغب باشا اسكندر كما حضر اثنان من المطارنة ممثلين عن البابا يوساب الثاني بطريرك الكنيسة.. هما الانبا بطرس مطران اخميم، والقمص اقلاديوس الانطوني، الانبا بولس أسقف حلوان فيما بعد .وأعلن لها ثلاثة أهداف وسبع آليات كما تقول الدكتورة سميرة بحر ..حيث أعلنت الجماعة أنها لا تعمل بالسياسة وليس لها من غرض خارج الاطار الديني الاجتماعي سعيا لتحقيق ثلاثة أهداف :
رفاهية الكنيسة القبطية الارثوذكسية .
تطبيق حكم الانجيل على أهل الانجيل .
تكلم " الامة القبطية " باللغة القبطية .
وحددت سبع آليات على الارض لتحقيق هذه الاهداف، التمسك بالكتاب المقدس وتنفيذ جميع احكامه عن طريق دراسة علمية حديثة وان يخرج منه العلم بجميع فروعه، دراسة اللغة القبطية بطريقة علمية حديثة واحلالها محل اللغات الاخرى، والتمسك بعادات وتقاليد الامة القبطية، ودراسة تاريخ الامة القبطية والتعامل على اساس التقويم القبطي . وأصدار جرائد يومية وأسبوعية وشهرية تكون المنبر القوي للدفاع عن الامة القبطية، وبهذا يوجد الرأي العام ، مطالبة الحكومة بانشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية، الاهتمام بالدعاية محليا ودوليا للأمة القبطية، والعمل على احترام الكرسي البابوي وتكريمه، الاهتمام بالجانب الرياضي بمختلف وجوهه، انشاء دار كبرى تسمى المركز الرئيسي للجماعة وسط القاهرة بجوار الاحياء القبطية " الفجالة ، شبرا ، القللي ، الازبكية " تجمع فيها مؤسسات الجماعة ومشروعاتها .
العلاقة بالإخوان
عند تحليل هذه الأفكار نجد أمامنا جماعة الاخوان المسلمين، والذي يظهر جليا كما في شعار الجماعة .. الله ملكنا ومصر بلادنا والأنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، علامتنا والشهادة في سبيل المسيح غايتنا ..حيث كان هناك توجس داخل الجماعة القبطية من حركة الاخوان كما يقول ميلاد حنا، الذي يرى أن الامة القبطية محاولة للتقليد والمواجهة، لكن ابراهيم هلال لا يرى ضررا من وجود الاخوان داخل المجال العام المصري، وأكد إعجابه الشديد بحسن البنا بل وحضر جنازته مشاركة مع مكرم عبيد باشا.
إعادة تجربة البنا
وواضح أنه تأثر باجتهاد البنا في دور الدين في حياة المجتمع، وقرر أن يعيد التجربة وينتجها مسيحيا، حيث ضرورة تحكيم الكتاب المقدس في كل شؤن الحياة، وحتى العلم في مقابل مرجعية القرآن،واعتماد اللغة القبطية مقابل الفصحى التي يعتبرها البنا من شعائر الاسلام، والتعامل على أساس التقويم القبطي. ومن مبادئها أن ما يؤخذ بالسيف فبالسيف يرد، والاهابة بالامة القبطية أن تستيقظ فإن المسيح جاهد في سبيل مبادئه حتى استشهد ثم انتصر.وحددوا ثلاثة اعوام لمرحلة التكوين الانتشار داخل القطر المصري.
اكتشاف الهوية
نحن نضع جماعة الامة في اطار حركة الأربعينات حيث بات المصريون والطبقة المتوسطة منها تتجه نحو إعادة اكتشاف هويتها الدينية ظهر هذا المستوى الإسلامي ظهر هذا المستوى المسيحي أي أن المجتمع المصري ككل بسبب ما يمر به من اضطرابات أو بسبب ما يمر به من تحديات ثقافية وتعليمية في ذلك الوقت وأيضًأ تحديات وجود الاستعمار هذه التحديات كلها جعلت هناك اتجاه إلى استعادة دور الدين أو اتجاه إلى اللجوء للدين ويرى رفيق حبيب أنه في القرن العشرين شاهدنا موجتين موجتان من الاتجاه إلى الدين موجة الأربعينات ثم موجة السبعينات.. الأمر الأخر إنه كان هناك شيء جديد يحدث داخل الكنيسة تمثل في ما يمكن أن نسميه الجيل الجديد من الرهبان الذي ظهر في أربعينات القرن العشرين هذا الاتجاه هو أن هناك جيل متعلم مثقف أنهى كل تعليمه الجامعي ثم فكر في أن يكون له دور داخل الكنيسة من داخل المؤسسة الكنسية وعن طريق مؤسسة الرهبنة باعتبارها المؤسسة التي تمثل ركيزة أساسية داخل المؤسسة الكنسية ثم في حركة الامة القبطية.
المزاوجة بين المدنية والدين
فهي حركة تثقيف ديني مدني يتمحور حول الأمة القبطية أو المصرية حيث حاول هلال أن يربطها، بالتيار المصري العلماني وهي إحدى الأفكار السياسية التي ازدهرت في بدايات القرن العشرين على يد عبد العزيز فهمي ولطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم، ولكن دون الوقوع في خطها العلماني الشديد، وبذلك برزت الجماعة كتيار يزواج بين المدنية والدين، ويرى أن وجودها يتجلى في المجال العام، وليست الكنيسة، وأن على الجماعة تقدم الجانب المدني والاجتماعي من حياة المسيح، بل تقدم المسيح نفسه بوصفه شخصية مصرية.
كنيسة الحياة
أما بالنسبة للجانب الديني عند الأمة القبطية، فقد كان هلال يدعو لكنيسة الحياة، أو تجلي الدين في الحياة العامة، كان يرون في المسيح جانبه العلماني، لا الكاهن فقط، الانسان الذي يعيش في المجتمع ويجول ويصنع الخير العام، لم تجذبهم الإتجاهات الكهنوتية، ومسار الاصلاح عندهم مختلف عن مسار حركة مدارس الاحد التي ترى قوة الاقباط تبدأ من الكنيسة، فقوة الاقباط تكمن في الجماعة ..جماعة المؤمنين، وكانوا يريدون تبسيط العقائد للشباب وتقليص أيام الصيام وساعات القداس، وبالتالي هم يبنون شرعيتهم على وجودهم داخل المجتمع والكفاح داخله وليس داخل المؤسسة الدينية. وقد ضمت تلك الجماعة طوائف متعددة بروتستانت وكاثوليك.
الثقافة المصرية
وهم يتمحورون بشكل كبير حول الكتاب المقدس ،ويرون في التقاليد المصرية القديمة أنها دينية وممزوجة بالمسيحية، ويقدمون الثقافة المصرية بحسبانها ممسوسة ببركة المسيح الذي بارك مصر بقدومه اليها طفلا ، وبالتالي المصرية لديهم أرض مقدسة ، منجلية من قداسة المسيحية.
وإذا كانت مدارس الاحد تتحرك من داخل الكنيسة لاصلاح الجماعة القبطية، فان جماعة الامة تتحرك من داخل الجماعة لتجديد الكنيسة، ثم الاتجاه بالجماعة والكنيسة في اتجاه السياسة . فهي كانت تتحرك في مستويين المجتمع الذي تواجهه لاعادة انتاج حياة لاقباط بشكل فاعل ، والكنيسة لكي يحدثون فيها تغيير يصاحب ممارستهم الاجتماعية.. فهم يفجرون ثورتين.
سلفية الحركة
لكن هذه المحاولة لا تعني الا تكوين امة داخل أمة أو بناء جماعة عرقية دينية متميزة داخل الجماعة الاسلامية الكبرى، وهو ما يزيد الاقباط انفصالا، وهي بهذا الشكل هي شبيهة بالحركة السلفية الجذرية، التى ترى في التاريخ والعودة للأصول حلا لما يواجه الواقع. يتوهم عقل الأقلية أحيانا أن الانتماء للديانة المسيحية الارثوذكسية منتج بالضرورة لخصوصية ثقافية جزئية مختلفة عن الخصوصية الغالبة، وأن ثمة ربط متلازم بين الدين والخصوصية في مثل هذه الأجواء طبيعي أن تزدهر أفكار حول النقاء الجنسي والعرقي ، والدمج بين القومية والديانة ، والكنيسة والهوية ، باعتبار كل هذه الصور معبرا عن جوهر واحد أصيل، يعطي للنفس أمنا ، وللمكافح مشروعية ، وللناسك عمقا ، وللانعزال مبررا ، وللذاكرة نشوة، وإذا كان هناك هوية وقومية وديانة ومؤسسة، فهناك هموم ومطالب وبالتالي أجندة ومسألة ، وجدار عال يحمي الضحية من الجاني .
عنف ضد الكنيسة
هنا تبدو الجماعات الدينية غير المؤسسية ذات الطابع الشبابي الهوياتي والرياضي سلمية في بدايتها أخلاقية في رؤيتها لكنها سرعانا ما تقوى ثم تتجه للعنف، وجماعة الأمة عندما قررت العنف واجهت الكنيسة التي تخيب مساعها ، ومن الممكن مع الاستمرار والاحساس بالذات ان توجه الدولة لتفرض مطالبها، بل تمثل حادثة الاختطاف كما يقول رفيق حبيب كانت عنفا موجها ضد الدولة ، لأن خطف البابا كان يهدف الى تغيير القيادة الكنسية ، حتى يتغير دور الكنيسة في المجتمع وعلاقتها بالدولة لهذا فهو عمل سياسي.
المواجهة مع الدولة
وقد استعجلت الجماعة المواجهة مع الدولة عند تقديمها مذكرة قانونية للجنة الدستور بعد الثورة، حيث تقدمت الجماعة الى اعضاء اللجنة في اول سبتمبر 1953 باعتبارها الهيئة الكبرى التي تمثل الاقباط، وقد قامت الجماعة بتوزيعها حوالي ربع مليون نسخة وتبرع لطباعتها الانبا يوساب وهي تدعو لفصل الدين عن الدولة ونزع مادة ان الاسلام هو دين الدولة، وتم حل الجماعة في 24 ابريل 1954 وواكب الحل تحديد اقامة بعضها في منازلهم .
ولو تأملنا البيان الصادر على حل الجماعة سنعرف مدى القوة والتحدي الذي اتسمت به جماعة الامة القبطية، حيث اعتبرت قرار الحل بمثابة رفض للحياة الكريمة للاقباط "غير عالمين بأن ما جمعه الله لايفرقه إنسان" ويحدد البيان السبب في الحل بحسبان الجماعة عارضت قيام دولة دينية في مصر، وحاولت تسمع المسؤلين صوت الاقباط في الدستور الجديد، ولانها طالبت بنصيب للاقباط في الاذاعة المصرية ونشرها اللغة القبطية ، ثم دعا البيان الاقباط الى صوم انقطاعي والصلاة من اجل الجماعة .
حيثيات حل الجماعة
وإذا قرأنا حيثيات الحكم بإدانة الجماعة سنفهم بجلاء حقيقة موقف الدولة والثورة من سلوك الجماعة، الذي رأتهم المحكمة مجموعة حركية دينية تعترض على الدستور المصري لاسيما في توجهه الديني، وأنها تطالب بدستور وطني لاديني مصري لا عربي، حيث تبين للمحكمة حسب الحيثيات أنها انحرفت بعيدا عن المبادئ التي انشئت من اجلها ، واتجهت للدفع بها في غمار سياسة الدولة ، والتدخل في صميم أعمال السلطات العامة وأبدت رأيها بجلاء في السياسة التي يجب أن تقوم عليها أسس الحكم وبث تلك الافكار في نفوس رجال الدين بل إن شباب الامة واجهوا قرار الحل وقرروا اعلان الحداد العام وطالبوا البطريرك بالدخول خصما من اجل الجماعة، كما طالبوا باغلاق القصر البابوي يوم عيد القيامة وعدم قبول التهاني بالعيد، ومنع اذاعة القداس ليلة العيد.
الخوف من تكرار تجربة الإخوان
والدولة المصرية حسمت الندية حيث خاضت من أجله صراعا مع الاخوان في بدايات الثورة لوأد هذه الندية أو ما تتصوره شراكة في السلطة.. وها هي تكرر ذات الصراع مع جماعة الامة . لذلك هناك اتجاه يرى أن سبب حل الجماعة هو خوف تكرر تجربة الاخوان مع السلطة.ويتردد أن البابا يوساب قد طلب من الحكومة حل هذه الجماعة ، وذلك بعد استطلاع رأي الحكومة ، حيث لمح البابا موقف عبد الناصر غير المستريح لنشاط الجماعة هذا إذا وضعنا أن جمال عبد الناصر يفهم معنى الجماعات السرية العقائدية وتحولاتها بحكم خبرته بالتنظيمات السرية، وكان هناك شبه اجماع عام داخل الاقباط غير مستريح من أسلوب إدارة الانبا يوساب لإدارة الكنيسة، سواء من داخل المجمع المقدس أو معظم الهيئات القبطية بما في ذلك مدارس الاحد ونظير جيد " البابا شنوده " الذي كان على وشك أن يقود مظاهرة ضد الانبا يوساب .
خطف البابا وعيد الثورة
يقول كما زاخر وفى تحرك مرتب ومدروس يتفق اعضاء الجماعة على التوجه للبطريركية وإجبار البابا البطريرك يوساب الثانى على التنازل عن المهام الإدارية وتوقيعه على وثيقة بذلك، وتعيين الأنبا ساويرس مطران المنيا والأشمونين قائمقام محله يتولى ادارة الكنيسة، وترحيله إلى أحد الأديرة، وتم تنفيذ ذلك فى 24 يوليو 1954، ويوافق البابا على كل هذه الترتيبات ويغادر البطريركية فى هدوء، فى توقيت انشغال الأجهزة الأمنية والرسمية بالإحتفال بعيد الثورة، ويبدو أن شباب الجماعة قد استوحو هذا من نهج شباب حركة ضباط يوليو 52، وقد تمت الخطة كما قدروا لها وبغير عنف، بعد حشد ألفى عضو من أعضاء الجماعة لتأمين البطريركية من الداخل والخارج، وقد غادر البابا القصر البطريركى باحتفالية من الشمامسة أعضاء الجماعة بحسب الطقس الكنسى لاستقبال وتوديع البابا البطريرك والذى توجه الى دير مارجرجس للراهبات بمصر القديمة كرغبة البابا البطريرك.
ويقوم زعيم الجماعة بإبلاغ اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية وقتذاك، بما تم، والذى جاء رده عبر الهاتف ( وكان قد استقبله قبلاً فى مكتبه برياسة الجمهورية فى 7 يناير 1954 ) : ياإبراهيم أى حاجة لا يوجد فيها مساس بأحد من السلطة إنتم أحرار، فأجابه: ياريس ..لا يوجد أى مساس نهائيا على الأرض كان يجرى شئ أخر، فقد إرتجت القيادات الرسمية والكنسية، وتسارعت الأحداث فى اتجاهات عديدة.
5 سنوات مع الإخوان في السجن
وواضح أن هذه العملية عقدت الأمور أكثر حيث أعادت الدولة الانبا يوساب، وتم القبض على ابراهيم فهمي هلال، ولكن المجمع المقدس أصدر بيانا ايجابيا في حقه يطالب العفو عنه، الذي عاد ليمارس دوره من جديد بصدام جديد بسبب تعديلات الاحوال الشخصية والغاء المحاكم الملية والاستيلاء على الاوقاف القبطية ، فقادت الجماعة جبهة الرفض ، وفندت بالقانون والمحاضرات ، فتم القبض عليهم في 3نوفمبر 1954 وقدموا لمحاكمة عسكرية كان نصيب ابراهيم هلال خمس سنوات قضاها في سجن طرة مع الاخوان المسلمين ، وتم عزل الانبا يوساب وتعيين لجنة لادارة الكنيسة .
الوجدان الهائم
ما بين الانبا توماس وبيشوي وحركة الكتيبة الطيبية، وتيار الأمة القبطية وقبل ذلك مدارس الاحد، ما يسميه الكاتب غالي شكري "بالوجدان الهائم "، ونسميه بالهوية البديلة التي يبحث عنها الاقباط عن الهوية السائدة في المجتمع العربي الاسلامي، ومن رأي شكري أنه مع حل جماعة الامة القبطية في 24 ابريل 1954 ظلت أفكارها تبحث عن التجسيد والبلورة عند الكثيرين ومن هؤلاء الكثيرين كما يقول الشباب المسيحي المصري الذي هاجر الى الغرب، وهم أيضا هذه الاعداد الهائلة من شباب الجامعات الذي دخل في سلك الرهبنة في الخمسينات والستينات فأصبحوا منهم أساقفة ومنهم الابنا شنوده نفسه كما يقول غالي شكري، بل والمؤتمر القبطي الذي عقد في الاسكندرية تحت في يناير 1977 مؤتمر تحت قيادة البابا شنودة، وجاء في البيان الأول الصادر عنه أن الأقباط يمثلون "أقدم وأعرق سلالة" في الشعب المصري..الجميع أحد وامة ورهبانا جدد ..على أن الانتماء للديانة المسيحية الارثوذكسية منتج بالضرورة لخصوصية ثقافية جزئية مختلفة عن الخصوصية الغالبة، وأن ثمة ربط متلازم بين الدين والخصوصية، وكلهم تزدهر لديهم أفكار حول النقاء الجنسي والعرقي، والدمج بين القومية والديانة، والكنيسة والهوية، وأن هذا التصور يحمي الاقباط نفسها بسياج بالانعزال عن المحيط العام . دائما ما يقال أن الاقباط اختاروا أن يكونوا، مصريين لأن المسلمين اختاروا أن يكونوا عربا، وأن رد فعل الجماعات والمؤسسة الدينية المسيحية نحو الهوية القبطية المانعة لا الجامعة هو سبب انحياز الاغلبية لهوية نافية للآخر، وهكذا وكأن الاقباط فرض عليهم أن يكونا أقباطا..هل تصدق هذا ؟؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.