تقرير: العثور على الوثائق التحضيرية لقمة أنكوراج في طابعة بفندق في ألاسكا    السعودية ترحب بقمة ألاسكا وتؤكد دعمها للحوار الدبلوماسي    طلاب الثانوية العامة يبدأون امتحان مادة اللغة الثانية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    "محاولة التخلص منه وصدمة والدته".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة محمود الخطيب    القافلة السادسة عشرة.. شاحنات المساعدات تتدفق من مصر إلى قطاع غزة    قرار مترقب اليوم ضد المتهمين في واقعة مطاردة الفتيات بطريق الواحات    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    هل شعر بقرب الأجل؟.. منشور عن الغرق لتيمور تيمور يصدم محبيه: «كنت حاسسها وموت شهيد»    اليوم، البورصة المصرية تطلق رسميا أول تطبيق لها على الهواتف المحمولة    حياة كريمة.. 4 آبار مياه شرب تقضى على ضعفها بقرية الغريزات ونجوعها بسوهاج    السيسي يوجه بزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم    خالد الغندور يكشف ردًا مفاجئًا من ناصر ماهر بشأن مركزه في الزمالك    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري بعد هبوطه عالميًا    وزير الإسكان يتفقد مشروع "سكن لكل المصريين" و"كوبري C3" بالعلمين الجديدة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    100 عام على ميلاد هدى سلطان ست الحسن    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    وزير خارجية روسيا يبحث مع نظيريه التركي والمجري نتائج قمة ألاسكا    صربيا تشتعل، متظاهرون يشعلون النار بالمباني الحكومية ومقر الحزب الحاكم في فالييفو (فيديو)    مصرع سيدة وإصابة 9 آخرين فى حادث مرورى بين سيارة أجرة وتروسيكل بالإسكندرية    فرح يتحوّل إلى جنازة.. مصرع 4 شباب وإصابة آخرين خلال زفة عروسين بالأقصر    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 17 أغسطس 2025    7 شهداء فى غارة على ساحة المستشفى المعمدانى بمدينة غزة    الأهلي يعلن تفاصيل إصابة محمد علي بن رمضان لاعب الفريق    10 صور لتصرف غريب من حسام عبد المجيد في مباراة الزمالك والمقاولون العرب    خروج يانيك فيريرا من مستشفى الدفاع الجوى بعد إجرائه بعض الفحوصات الطبية    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث انقلاب دراجة بخارية بأسوان    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    رابط نتيجة تقليل الاغتراب.. موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 والكليات والمعاهد المتاحة فور اعتمادها    في تبادل إطلاق النيران.. مصرع تاجر مخدرات بقنا    «بأمان».. مبادرات وطنية لتوعية الأهالي بمخاطر استخدام الأطفال للإنترنت    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    لأول مرة بجامعة المنيا.. إصدار 20 شهادة معايرة للأجهزة الطبية بمستشفى الكبد والجهاز الهضمي    رئيس الأوبرا: واجهنا انتقادات لتقليص أيام مهرجان القلعة.. مش بأيدينا وسامحونا عن أي تقصير    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    نجم الزمالك السابق: سنندم على إهدار النقاط.. ومن المبكر الحكم على فيريرا    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    مي عمر على البحر ونسرين طافش بفستان قصير.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    كيف تتعاملين مع الصحة النفسية للطفل ومواجهة مشكلاتها ؟    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    حزن ودعوات| المئات يشيعون جثمان «شهيد العلم» في قنا    القائد العام للقوات المسلحة: المقاتل المصري أثبت جدارته لصون مقدرات الوطن وحماية حدوده    وزير الأوقاف: مسابقة "دولة التلاوة" لاكتشاف أصوات ذهبية تبهر العالم بتلاوة القرآن الكريم    الشيخ خالد الجندي: الإسلام دين شامل ينظم شؤون الدنيا والآخرة ولا يترك الإنسان للفوضى    الإصلاح والنهضة يواصل تلقي طلبات الترشح لعضوية مجلس النواب عبر استمارة إلكترونية    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله الطحاوي يكتب عن الجماعات القبطية في القرن العشرين ..الأمة القبطية نموذجا
نشر في أموال الغد يوم 03 - 10 - 2010

علاقة جماعة الأمة القبطية بالإخوان ..وهل أعاد إبراهيم فهمي هلال استنساخ تجربة البنا؟
مدارس الأحد والقمصان البيضاء وفرق الشباب ..جماعات قبطية جمعها سؤال البحث عن الهوية ؟
قصة خطف البابا ليلة الاحتفال بعيد الثورة ..وكيف استعجلت الجماعة الصدام مع الدولة ؟
الجماعة برزت كتيار يزواج بين المدنية والدين.. ويرى أن وجودها يتجلى في المجال العام وليست الكنيسة
قدمت الجماعة الجانب المدني والاجتماعي من حياة المسيح ..وكانت تقدم المسيح نفسه بوصفه شخصية مصرية.
يظل جدل العروبة والمصرية هو الجدل الذي قامت على أساسه أكثر الجماعات القبطية خلال التاريخ الحديث ..كان سؤال الهوية يشغل الجميع ..هل نحن عرب أم أقباط مصريين ؟ بهذه الخلفية ممكن أن نقرأ الجماعات القبطية التي شهدتها مصر خلال القرن العشرين وخاصة جماعة الأمة القبطية، بحسبانها أهم الجماعات التي رفعت شعار أن الأقباط أمة مسيحية لها تاريخ وذاكرة خاصة، وأن ثمة فصل بين العروبة والمصرية، وأن الفتح العربي كان غزوا، وضرورة إحياء التراث القبطي،واللغة القبطية وهي لم ترفع تلك المطالب بل بلورتها في تنظيم تجاوز عدد أفراده التسعين ألفا معظمهم من المدنيين وفيهم رجال دين، ومثقفين من أشهرهم المفكر سلامة موسى العلماني القح .
مدارس الأحد والقمصان البيضاء
لكن هل جماعة الامة القبطية هي التنظيم الوحيد الذي عرفه الاقباط في القرن العشرين ؟؟ الاجابة لا ، فهناك حركة مدارس الاحد، وليست تنظيما بالمعني الدقيق لكنها حركة لها زعامة وبرنامج واهداف ومنهج، وتزعمها حبيب جرجس ومن ابرز رموزها البابا شنوده وميلاد حنا ومعظم رجال الدين الحاليين.
بالاضافة الى تنظيم جماعة الشباب القبطي أو " القمصان البيضاء" حيث أعلن القمص سرجيوس خطيب ثورة 19 الذي انقلب عليها فيما بعد عن تشكيل "فرق الشباب القبطي" وكانت تحت رئاسته وكان السكرتير العام ابنه وليم سرجيوس.
وهدف التنظيم وأهم المبادئ التي قام عليها كما يقول الدكتور محمد عفيفي الذي درس حياة سرجيوس هي غرس المسيحية في عقلية الشباب، وتكوين الروح الرياضية ، وحياة الرجولة، والاعتماد على النفس مع الايمان بالله، وتهيئة الشباب للكفاح الادبي ضد الرزيلة، والرجعية والخرافات، وإنشاء لجنة للتدريب الرياضي، وان هذا التنظيم مكون من فرق كل فرقة مكونة من عشرة ، لها سكرتير، وكل ثلاث فرق تكون شعبة لها ضابط، وكل ثلاث شعب تكون فرقة لها قائد، وفي النهاية يتولى مجلس القيادة العامة، شؤن الفرق.
تأسيس الأمة القبطية
جماعة الأمة القبطية أقرب لما قام به القمص سرجيوس، وان كانت أشمل في برنامجها وحركتها، عن حركة القمص سرجيوس الذي اشتهر في تلك الفترة بسجاليته الشديدة وتمرده على الاوضاع الكنسية والقبطية. تأسست جماعة الأمة في 11سبتمبر 1952 بعد شهرين من قيام ثورة 23 يوليو، تم اختيار توقيت إعلان الجماعة بشكل مقصود حيث يصادف رأس السنة المصرية القبطية، كان حفل التاسيس لافتا بحي الفجالة في مقر مدرسة التوفيق وحضره حوالي 1000 شاب كانوا أوائل من التحقوا بالجماعة وحضر اللقاء أيضا ابراهيم باشا فهمي المنياوي وراغب باشا اسكندر كما حضر اثنان من المطارنة ممثلين عن البابا يوساب الثاني بطريرك الكنيسة.. هما الانبا بطرس مطران اخميم، والقمص اقلاديوس الانطوني، الانبا بولس أسقف حلوان فيما بعد .وأعلن لها ثلاثة أهداف وسبع آليات كما تقول الدكتورة سميرة بحر ..حيث أعلنت الجماعة أنها لا تعمل بالسياسة وليس لها من غرض خارج الاطار الديني الاجتماعي سعيا لتحقيق ثلاثة أهداف :
رفاهية الكنيسة القبطية الارثوذكسية .
تطبيق حكم الانجيل على أهل الانجيل .
تكلم " الامة القبطية " باللغة القبطية .
وحددت سبع آليات على الارض لتحقيق هذه الاهداف، التمسك بالكتاب المقدس وتنفيذ جميع احكامه عن طريق دراسة علمية حديثة وان يخرج منه العلم بجميع فروعه، دراسة اللغة القبطية بطريقة علمية حديثة واحلالها محل اللغات الاخرى، والتمسك بعادات وتقاليد الامة القبطية، ودراسة تاريخ الامة القبطية والتعامل على اساس التقويم القبطي . وأصدار جرائد يومية وأسبوعية وشهرية تكون المنبر القوي للدفاع عن الامة القبطية، وبهذا يوجد الرأي العام ، مطالبة الحكومة بانشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية، الاهتمام بالدعاية محليا ودوليا للأمة القبطية، والعمل على احترام الكرسي البابوي وتكريمه، الاهتمام بالجانب الرياضي بمختلف وجوهه، انشاء دار كبرى تسمى المركز الرئيسي للجماعة وسط القاهرة بجوار الاحياء القبطية " الفجالة ، شبرا ، القللي ، الازبكية " تجمع فيها مؤسسات الجماعة ومشروعاتها .
العلاقة بالإخوان
عند تحليل هذه الأفكار نجد أمامنا جماعة الاخوان المسلمين، والذي يظهر جليا كما في شعار الجماعة .. الله ملكنا ومصر بلادنا والأنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، علامتنا والشهادة في سبيل المسيح غايتنا ..حيث كان هناك توجس داخل الجماعة القبطية من حركة الاخوان كما يقول ميلاد حنا، الذي يرى أن الامة القبطية محاولة للتقليد والمواجهة، لكن ابراهيم هلال لا يرى ضررا من وجود الاخوان داخل المجال العام المصري، وأكد إعجابه الشديد بحسن البنا بل وحضر جنازته مشاركة مع مكرم عبيد باشا.
إعادة تجربة البنا
وواضح أنه تأثر باجتهاد البنا في دور الدين في حياة المجتمع، وقرر أن يعيد التجربة وينتجها مسيحيا، حيث ضرورة تحكيم الكتاب المقدس في كل شؤن الحياة، وحتى العلم في مقابل مرجعية القرآن،واعتماد اللغة القبطية مقابل الفصحى التي يعتبرها البنا من شعائر الاسلام، والتعامل على أساس التقويم القبطي. ومن مبادئها أن ما يؤخذ بالسيف فبالسيف يرد، والاهابة بالامة القبطية أن تستيقظ فإن المسيح جاهد في سبيل مبادئه حتى استشهد ثم انتصر.وحددوا ثلاثة اعوام لمرحلة التكوين الانتشار داخل القطر المصري.
اكتشاف الهوية
نحن نضع جماعة الامة في اطار حركة الأربعينات حيث بات المصريون والطبقة المتوسطة منها تتجه نحو إعادة اكتشاف هويتها الدينية ظهر هذا المستوى الإسلامي ظهر هذا المستوى المسيحي أي أن المجتمع المصري ككل بسبب ما يمر به من اضطرابات أو بسبب ما يمر به من تحديات ثقافية وتعليمية في ذلك الوقت وأيضًأ تحديات وجود الاستعمار هذه التحديات كلها جعلت هناك اتجاه إلى استعادة دور الدين أو اتجاه إلى اللجوء للدين ويرى رفيق حبيب أنه في القرن العشرين شاهدنا موجتين موجتان من الاتجاه إلى الدين موجة الأربعينات ثم موجة السبعينات.. الأمر الأخر إنه كان هناك شيء جديد يحدث داخل الكنيسة تمثل في ما يمكن أن نسميه الجيل الجديد من الرهبان الذي ظهر في أربعينات القرن العشرين هذا الاتجاه هو أن هناك جيل متعلم مثقف أنهى كل تعليمه الجامعي ثم فكر في أن يكون له دور داخل الكنيسة من داخل المؤسسة الكنسية وعن طريق مؤسسة الرهبنة باعتبارها المؤسسة التي تمثل ركيزة أساسية داخل المؤسسة الكنسية ثم في حركة الامة القبطية.
المزاوجة بين المدنية والدين
فهي حركة تثقيف ديني مدني يتمحور حول الأمة القبطية أو المصرية حيث حاول هلال أن يربطها، بالتيار المصري العلماني وهي إحدى الأفكار السياسية التي ازدهرت في بدايات القرن العشرين على يد عبد العزيز فهمي ولطفي السيد وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم، ولكن دون الوقوع في خطها العلماني الشديد، وبذلك برزت الجماعة كتيار يزواج بين المدنية والدين، ويرى أن وجودها يتجلى في المجال العام، وليست الكنيسة، وأن على الجماعة تقدم الجانب المدني والاجتماعي من حياة المسيح، بل تقدم المسيح نفسه بوصفه شخصية مصرية.
كنيسة الحياة
أما بالنسبة للجانب الديني عند الأمة القبطية، فقد كان هلال يدعو لكنيسة الحياة، أو تجلي الدين في الحياة العامة، كان يرون في المسيح جانبه العلماني، لا الكاهن فقط، الانسان الذي يعيش في المجتمع ويجول ويصنع الخير العام، لم تجذبهم الإتجاهات الكهنوتية، ومسار الاصلاح عندهم مختلف عن مسار حركة مدارس الاحد التي ترى قوة الاقباط تبدأ من الكنيسة، فقوة الاقباط تكمن في الجماعة ..جماعة المؤمنين، وكانوا يريدون تبسيط العقائد للشباب وتقليص أيام الصيام وساعات القداس، وبالتالي هم يبنون شرعيتهم على وجودهم داخل المجتمع والكفاح داخله وليس داخل المؤسسة الدينية. وقد ضمت تلك الجماعة طوائف متعددة بروتستانت وكاثوليك.
الثقافة المصرية
وهم يتمحورون بشكل كبير حول الكتاب المقدس ،ويرون في التقاليد المصرية القديمة أنها دينية وممزوجة بالمسيحية، ويقدمون الثقافة المصرية بحسبانها ممسوسة ببركة المسيح الذي بارك مصر بقدومه اليها طفلا ، وبالتالي المصرية لديهم أرض مقدسة ، منجلية من قداسة المسيحية.
وإذا كانت مدارس الاحد تتحرك من داخل الكنيسة لاصلاح الجماعة القبطية، فان جماعة الامة تتحرك من داخل الجماعة لتجديد الكنيسة، ثم الاتجاه بالجماعة والكنيسة في اتجاه السياسة . فهي كانت تتحرك في مستويين المجتمع الذي تواجهه لاعادة انتاج حياة لاقباط بشكل فاعل ، والكنيسة لكي يحدثون فيها تغيير يصاحب ممارستهم الاجتماعية.. فهم يفجرون ثورتين.
سلفية الحركة
لكن هذه المحاولة لا تعني الا تكوين امة داخل أمة أو بناء جماعة عرقية دينية متميزة داخل الجماعة الاسلامية الكبرى، وهو ما يزيد الاقباط انفصالا، وهي بهذا الشكل هي شبيهة بالحركة السلفية الجذرية، التى ترى في التاريخ والعودة للأصول حلا لما يواجه الواقع. يتوهم عقل الأقلية أحيانا أن الانتماء للديانة المسيحية الارثوذكسية منتج بالضرورة لخصوصية ثقافية جزئية مختلفة عن الخصوصية الغالبة، وأن ثمة ربط متلازم بين الدين والخصوصية في مثل هذه الأجواء طبيعي أن تزدهر أفكار حول النقاء الجنسي والعرقي ، والدمج بين القومية والديانة ، والكنيسة والهوية ، باعتبار كل هذه الصور معبرا عن جوهر واحد أصيل، يعطي للنفس أمنا ، وللمكافح مشروعية ، وللناسك عمقا ، وللانعزال مبررا ، وللذاكرة نشوة، وإذا كان هناك هوية وقومية وديانة ومؤسسة، فهناك هموم ومطالب وبالتالي أجندة ومسألة ، وجدار عال يحمي الضحية من الجاني .
عنف ضد الكنيسة
هنا تبدو الجماعات الدينية غير المؤسسية ذات الطابع الشبابي الهوياتي والرياضي سلمية في بدايتها أخلاقية في رؤيتها لكنها سرعانا ما تقوى ثم تتجه للعنف، وجماعة الأمة عندما قررت العنف واجهت الكنيسة التي تخيب مساعها ، ومن الممكن مع الاستمرار والاحساس بالذات ان توجه الدولة لتفرض مطالبها، بل تمثل حادثة الاختطاف كما يقول رفيق حبيب كانت عنفا موجها ضد الدولة ، لأن خطف البابا كان يهدف الى تغيير القيادة الكنسية ، حتى يتغير دور الكنيسة في المجتمع وعلاقتها بالدولة لهذا فهو عمل سياسي.
المواجهة مع الدولة
وقد استعجلت الجماعة المواجهة مع الدولة عند تقديمها مذكرة قانونية للجنة الدستور بعد الثورة، حيث تقدمت الجماعة الى اعضاء اللجنة في اول سبتمبر 1953 باعتبارها الهيئة الكبرى التي تمثل الاقباط، وقد قامت الجماعة بتوزيعها حوالي ربع مليون نسخة وتبرع لطباعتها الانبا يوساب وهي تدعو لفصل الدين عن الدولة ونزع مادة ان الاسلام هو دين الدولة، وتم حل الجماعة في 24 ابريل 1954 وواكب الحل تحديد اقامة بعضها في منازلهم .
ولو تأملنا البيان الصادر على حل الجماعة سنعرف مدى القوة والتحدي الذي اتسمت به جماعة الامة القبطية، حيث اعتبرت قرار الحل بمثابة رفض للحياة الكريمة للاقباط "غير عالمين بأن ما جمعه الله لايفرقه إنسان" ويحدد البيان السبب في الحل بحسبان الجماعة عارضت قيام دولة دينية في مصر، وحاولت تسمع المسؤلين صوت الاقباط في الدستور الجديد، ولانها طالبت بنصيب للاقباط في الاذاعة المصرية ونشرها اللغة القبطية ، ثم دعا البيان الاقباط الى صوم انقطاعي والصلاة من اجل الجماعة .
حيثيات حل الجماعة
وإذا قرأنا حيثيات الحكم بإدانة الجماعة سنفهم بجلاء حقيقة موقف الدولة والثورة من سلوك الجماعة، الذي رأتهم المحكمة مجموعة حركية دينية تعترض على الدستور المصري لاسيما في توجهه الديني، وأنها تطالب بدستور وطني لاديني مصري لا عربي، حيث تبين للمحكمة حسب الحيثيات أنها انحرفت بعيدا عن المبادئ التي انشئت من اجلها ، واتجهت للدفع بها في غمار سياسة الدولة ، والتدخل في صميم أعمال السلطات العامة وأبدت رأيها بجلاء في السياسة التي يجب أن تقوم عليها أسس الحكم وبث تلك الافكار في نفوس رجال الدين بل إن شباب الامة واجهوا قرار الحل وقرروا اعلان الحداد العام وطالبوا البطريرك بالدخول خصما من اجل الجماعة، كما طالبوا باغلاق القصر البابوي يوم عيد القيامة وعدم قبول التهاني بالعيد، ومنع اذاعة القداس ليلة العيد.
الخوف من تكرار تجربة الإخوان
والدولة المصرية حسمت الندية حيث خاضت من أجله صراعا مع الاخوان في بدايات الثورة لوأد هذه الندية أو ما تتصوره شراكة في السلطة.. وها هي تكرر ذات الصراع مع جماعة الامة . لذلك هناك اتجاه يرى أن سبب حل الجماعة هو خوف تكرر تجربة الاخوان مع السلطة.ويتردد أن البابا يوساب قد طلب من الحكومة حل هذه الجماعة ، وذلك بعد استطلاع رأي الحكومة ، حيث لمح البابا موقف عبد الناصر غير المستريح لنشاط الجماعة هذا إذا وضعنا أن جمال عبد الناصر يفهم معنى الجماعات السرية العقائدية وتحولاتها بحكم خبرته بالتنظيمات السرية، وكان هناك شبه اجماع عام داخل الاقباط غير مستريح من أسلوب إدارة الانبا يوساب لإدارة الكنيسة، سواء من داخل المجمع المقدس أو معظم الهيئات القبطية بما في ذلك مدارس الاحد ونظير جيد " البابا شنوده " الذي كان على وشك أن يقود مظاهرة ضد الانبا يوساب .
خطف البابا وعيد الثورة
يقول كما زاخر وفى تحرك مرتب ومدروس يتفق اعضاء الجماعة على التوجه للبطريركية وإجبار البابا البطريرك يوساب الثانى على التنازل عن المهام الإدارية وتوقيعه على وثيقة بذلك، وتعيين الأنبا ساويرس مطران المنيا والأشمونين قائمقام محله يتولى ادارة الكنيسة، وترحيله إلى أحد الأديرة، وتم تنفيذ ذلك فى 24 يوليو 1954، ويوافق البابا على كل هذه الترتيبات ويغادر البطريركية فى هدوء، فى توقيت انشغال الأجهزة الأمنية والرسمية بالإحتفال بعيد الثورة، ويبدو أن شباب الجماعة قد استوحو هذا من نهج شباب حركة ضباط يوليو 52، وقد تمت الخطة كما قدروا لها وبغير عنف، بعد حشد ألفى عضو من أعضاء الجماعة لتأمين البطريركية من الداخل والخارج، وقد غادر البابا القصر البطريركى باحتفالية من الشمامسة أعضاء الجماعة بحسب الطقس الكنسى لاستقبال وتوديع البابا البطريرك والذى توجه الى دير مارجرجس للراهبات بمصر القديمة كرغبة البابا البطريرك.
ويقوم زعيم الجماعة بإبلاغ اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية وقتذاك، بما تم، والذى جاء رده عبر الهاتف ( وكان قد استقبله قبلاً فى مكتبه برياسة الجمهورية فى 7 يناير 1954 ) : ياإبراهيم أى حاجة لا يوجد فيها مساس بأحد من السلطة إنتم أحرار، فأجابه: ياريس ..لا يوجد أى مساس نهائيا على الأرض كان يجرى شئ أخر، فقد إرتجت القيادات الرسمية والكنسية، وتسارعت الأحداث فى اتجاهات عديدة.
5 سنوات مع الإخوان في السجن
وواضح أن هذه العملية عقدت الأمور أكثر حيث أعادت الدولة الانبا يوساب، وتم القبض على ابراهيم فهمي هلال، ولكن المجمع المقدس أصدر بيانا ايجابيا في حقه يطالب العفو عنه، الذي عاد ليمارس دوره من جديد بصدام جديد بسبب تعديلات الاحوال الشخصية والغاء المحاكم الملية والاستيلاء على الاوقاف القبطية ، فقادت الجماعة جبهة الرفض ، وفندت بالقانون والمحاضرات ، فتم القبض عليهم في 3نوفمبر 1954 وقدموا لمحاكمة عسكرية كان نصيب ابراهيم هلال خمس سنوات قضاها في سجن طرة مع الاخوان المسلمين ، وتم عزل الانبا يوساب وتعيين لجنة لادارة الكنيسة .
الوجدان الهائم
ما بين الانبا توماس وبيشوي وحركة الكتيبة الطيبية، وتيار الأمة القبطية وقبل ذلك مدارس الاحد، ما يسميه الكاتب غالي شكري "بالوجدان الهائم "، ونسميه بالهوية البديلة التي يبحث عنها الاقباط عن الهوية السائدة في المجتمع العربي الاسلامي، ومن رأي شكري أنه مع حل جماعة الامة القبطية في 24 ابريل 1954 ظلت أفكارها تبحث عن التجسيد والبلورة عند الكثيرين ومن هؤلاء الكثيرين كما يقول الشباب المسيحي المصري الذي هاجر الى الغرب، وهم أيضا هذه الاعداد الهائلة من شباب الجامعات الذي دخل في سلك الرهبنة في الخمسينات والستينات فأصبحوا منهم أساقفة ومنهم الابنا شنوده نفسه كما يقول غالي شكري، بل والمؤتمر القبطي الذي عقد في الاسكندرية تحت في يناير 1977 مؤتمر تحت قيادة البابا شنودة، وجاء في البيان الأول الصادر عنه أن الأقباط يمثلون "أقدم وأعرق سلالة" في الشعب المصري..الجميع أحد وامة ورهبانا جدد ..على أن الانتماء للديانة المسيحية الارثوذكسية منتج بالضرورة لخصوصية ثقافية جزئية مختلفة عن الخصوصية الغالبة، وأن ثمة ربط متلازم بين الدين والخصوصية، وكلهم تزدهر لديهم أفكار حول النقاء الجنسي والعرقي، والدمج بين القومية والديانة، والكنيسة والهوية، وأن هذا التصور يحمي الاقباط نفسها بسياج بالانعزال عن المحيط العام . دائما ما يقال أن الاقباط اختاروا أن يكونوا، مصريين لأن المسلمين اختاروا أن يكونوا عربا، وأن رد فعل الجماعات والمؤسسة الدينية المسيحية نحو الهوية القبطية المانعة لا الجامعة هو سبب انحياز الاغلبية لهوية نافية للآخر، وهكذا وكأن الاقباط فرض عليهم أن يكونا أقباطا..هل تصدق هذا ؟؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.