جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    محافظ الجيزة يتفقد حالة النظافة وإزالة الإشغالات بأحياء الطالبية والعمرانية والهرم والعجوزة    تحت شعار "إحنا مصر"..وزير السياحة والآثار يطلق حملة ترويجية لتسليط الضوء على أهمية السياحة للمجتمع    زيلينسكي: لا تنازل عن أراض أوكرانية والانضمام للاتحاد الأوروبي جزء من الضمانات الأمنية    مفاجأة، مانشستر يونايتد يفكر في إعادة دي خيا    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    القبض على التيك توكر" لى لى" بتهمتي نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء وحيازة الحشيش    أحمد سعد: أخويا عمرو هو نجمي المفضل وببقى فرحان وأنا بغني قدامه    قها التخصصي ينجح في إنقاذ طفلة من التشوّه بعملية دقيقة    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    خالد الجندي: القرآن الكريم تحدث عن أدق تفاصيل الحياة اليومية حتى المشي ونبرة الصوت    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    مقاومة المضادات الحيوية: خطر جديد يهدد البشرية    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    الرئيس السيسي يوجه بمواصلة دعم قدرات شبكات الاتصالات وتوسيع مناطق التغطية    السيسي يوجه بوضع استراتيجيات واضحة وقابلة للتنفيذ لتطبيق الذكاء الاصطناعي    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    صراع من أجل البقاء.. مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة والموت عطشًا    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    ما الذى فقدناه برحيل «صنع الله»؟!    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم هلال : خططت لعزل البابا بطلب من الآباء المطارنة وتحملت المسؤولية السياسية خوفاً عليهم من «بطش الدولة» (1-2)

يقف تاريخ مصر الحديث طويلاً أمام واقعة إعفاء بابا الأقباط الأرثوذكس الأنبا يوساب الثانى عام 1954 من منصبه، التى نفذها مجموعة من الشباب القبطى الغاضب من أحوال الكنيسة فى ذلك العهد يتزعمهم شاب يدعى إبراهيم فهمى هلال، فى واقعة اختلف المؤرخون طويلاً فى تصنيفها ما بين «انقلاب» و«حركة تطهير»، لكنهم اتفقوا على كونها خروجاً غير معهود على تقاليد سلمية راسخة اتبعها أقباط مصر فى التعامل مع كنيستهم.
وبعد 56 عاماً على هذه الحركة تلتقى «المصرى اليوم» زعيم جماعة «الأمة القبطية» إبراهيم فهمى هلال، الذى يشغل حالياً منصب أستاذ «كرسى» فى جامعة باريس وأستاذ القانون المصرى القديم بها، ليحكى لنا روايته الخاصة بأحداث تلك الفترة الحافلة بالتغيرات الدرامية فى تاريخ مصر وثورة 23 يوليو، خاصة أجواء عام 1954 الذى وقفت مصر فى شهر مارس منه أمام اختيار مصيرى: إما عودة الجيش إلى الثكنات واستئناف الديمقراطية والحياة البرلمانية، أو استمرار الحكم العسكرى، وهو ما حدث.
■ الكثير من الجدل يدور حول ظهور جماعة الأمة القبطية ودورها.. دعنا نلقِ نظرة سريعة فى البداية، متى أنشأتها وكيف تم حلها؟
- أُنشئت فى 11 سبتمبر عام 1952 الذى يوافق بداية السنة القبطية، وهذا أول تقويم للمصريين وضعه المصريون من 6250 عاماً أيام الملك مينا، وحلت الجماعة فى 24 أبريل عام 1954 ولم تستمر سوى عام ونصف العام.
■ هل كان حل الجماعة ضمن قرارات الدولة بحل الأحزاب والجماعات الأخرى مثل جماعة الإخوان المسلمين؟
- لا.. تم حل الجماعة ودخلنا السجن قبل الإخوان وقبل إلغاء الأحزاب.
■ وما سبب الحل إذن؟
- بسبب مذكرة الدستور التى كتبناها فى 11 سبتمبر عام 1953، بمناسبة مرور عام على تأسيس الجماعة ووزعنا منها نصف مليون نسخة على الشعب، وعبدالناصر قال إن «هذه الجماعة تريد أن تعمل دولة»، وبسبب النشاط الضخم الذى كنا نقوم به تم حلنا فى 24 أبريل 1954 بحجة أننا نثير الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وحصلت الدولة على خطاب من الأنبا يوساب بحل «جماعة الأمة القبطية» وتم تحديد إقامتنا فى بيوتنا لمدة أسبوعين.
وقد حصلت على نسخة من خطاب حل الجماعة من مكتب زكريا محيى الدين، وذهبت إلى البابا وقلت له: «هل هذا الخطاب صادر منك يا سيدنا؟»، فقال لى: «لأ.. ملك هو الذى أصدره»، وكان ملك هو الخادم الخاص للبابا الذى تمتع بسطوة كبيرة جداً فى إدارة شؤون الكنيسة، وكان يحمل ختم البابا، فقلت للبابا أصدر خطاباً آخر ضد هذا الخطاب، وتركته لمدة أسبوع بناء على اتفاقنا، وعدت إليه لأسأله عن الخطاب فقال: «ملك لم يوافق»، وقد وصل جبروت ملك إلى أنه كان يأخذ نقوداً مقابل رسم المطارنة ورجال الدين، ووصلت العلاقة بين البابا وجماعة الأمة القبطية إلى طريق مسدود.
■ هل كانت جماعتكم حركة ثورية ضد البابا والكنيسة؟
- إطلاقاً، أعلنت الجماعة فى برنامجها أنها لا تعمل بالسياسة، وليس لها من غرض خارج الإطار الدينى الاجتماعى، سعياً منها لتحقيق 3 أهداف هى: رفاهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتطبيق حكم الإنجيل على أهل الإنجيل، وتكلم الأمة القبطية باللغة القبطية، وحددت الجماعة لتحقيق هذه الأهداف سبع وسائل من أهمها العمل على احترام الكرسى البابوى وتكريمه، بل الأهم من ذلك أن البابا يوساب نفسه تبرع بمبلغ 200 جنيه لطبع مذكرة الدستور، التى قمت بإعدادها، وكتب خطاباً إلى جميع الكنائس يطالبها بالعمل معنا، ويقول نص الخطاب الصادر فى 25 مارس 1954، قبل شهر من حل الجماعة:
«من يوساب الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية..
حضرة الابن المبارك الأستاذ إبراهيم هلال، الرائد العام لجماعة الأمة القبطية، باركه الرب..
بعد منحكم البركات وصالح الدعاء نتعشم أن تكونوا وحضرات الآباء المباركين إخوانكم أعضاء الجماعة فى خير وصحة، يسرنا ما علمنا عن جهودكم الطيبة فى خدمة الكنيسة وما تبذلونه من وقتكم فى العمل على نشر الفضيلة والآداب المسيحية التى تحض على عمل الخير ومحبة الناس لبعضهم والابتعاد عن كل ما يشين، ونتعشم أن تزدادوا أكثر فى الفضيلة وفى كل ما فيه خير للبلاد».
■ إذا كانت العلاقة متميزة مع البابا، فلماذا خططت لعملية العزل التى أصبحت المعلم الأبرز فى تاريخ الجماعة؟
- الكنيسة كانت تمر بظروف صعبة جداً فى ظل سيطرة حاشية البابا وخادمه ملك عليها.
■ إذن عزلتم البابا رداً على قرار حل الجماعة والفساد الذى انتشر فى الكنيسة؟
- لا..الآباء المطارنة والمجمع المقدس كانوا فى حالة غضب من الحالة المتردية فى الكنيسة، وبدأوا يخاطبون أعضاء الجماعة لعزل البابا، وتحجيم دوره وتعيين قائم مقام يباشر أعمال الكنيسة بدلاً منه، لأن عملية العزل لا تتم إلا فى حالة كفر البابا أو «هرطقته»، وبدأوا يكلموننى ويترددون علىّ، وكانت إقامتى محددة بأمر من الرئيس عبدالناصر فلم أهتم كثيراً بكلامهم إلا أنهم كانوا يخاطبون أيضاً أعضاء الجماعة، الذين تحدثوا معى بدورهم، فأعطيت الضوء الأخضر، خاصة أن الآباء المطارنة اختاروا بالقرعة الأنبا ساويرس أقدم المطارنة ليقوم بأعمال البابا، وتم وضع الخطة بأن يقوم الآباء المطارنة بعزل البابا ونتحمل نحن المسؤولية السياسية أمام الدولة، لإبعادهم عن بطشها، وكان عددنا 33 عضواً بالجماعة و3 مطارنة،
وفى تمام الساعة الحادية عشرة مساء يوم 24 يوليو، قام الآباء المطارنة الثلاثة بالدخول على البابا، وقبلوا يده وطلبوا منه التنازل فوافق على الفور، وأنا كنت موجوداً بالبيت، لأن الأمر لابد أن يتم بمعرفة المجمع المقدس وفقاً لصلاحياته، وطلبوا من البابا أن يذهب إلى دير مارجرجس فى مصر القديمة، وأخذ المطارنة منه وثيقة التنازل لكى يقدموها لسكرتير المجمع المقدس.
■ متى تدخلت الدولة؟
- الدولة لم تكن تعلم بعد، وكانت منشغلة بالذكرى الثانية بالثورة، وذهبت إلى البطرخانة، لأطلب من المطارنة أن يذهبوا إلى بيت الوقف، وقلت لهم إن الجماعة هى المسؤولة، ولا علاقة لهم بما جرى.
■ كم استغرقت عملية العزل، وهل شهدت احتكاكاً من أى نوع؟
- كان مقرراً لها أن تتم فى 11 دقيقة، ولكنها تمت فى 9 دقائق وخرج البابا فى سيارة البطريرك، وفى الساعة العاشرة صباحاً جاء الوزير القبطى جندى عبدالملك ليتفاوض مع إخوتى حتى نخرج من القصر البطريركى بهدوء وكل شىء يعود لأصله، فقلنا له تفضل عندك المجمع المقدس وهو مجتمع فى بيت الوقف أمام البطريركية، ولكنه رفض الاجتماع معهم وعاد وقال لجمال عبد الناصر: «إنهم يرفضون الخروج من الكنيسة»، فأمر الجيش والشرطة بالهجوم على الكنيسة والقبض علينا، ونشرت الأهرام فى ذلك الوقت أن أكثر من نصف مليون قبطى فى ميدان باب الحديد كانوا يهتفون «إبراهيم..إبراهيم»، وتوافدت وكالات الأنباء والصحفيون عليّ فى سجن القلعة، ففوجئوا بأنى حديث السن بعدما كانوا يتخيلون أن عمرى 50 عاماً.
■ وإلام انتهت الأمور بعد تدخل الدولة؟
- قرر المجمع المقدس عزل الباب رسمياً، ولكن الدولة أعادته فى اليوم الرابع، فلم يعترف به المجمع المقدس، ورضخت الدولة بعد ذلك للمطارنة وعزلت البابا فى ديسمبر وذهب إلى دير المحرق فى أسيوط، ولكنها كانت تريد أن تساوم الكنيسة بإعادته.
■ الأنبا يوساب قال فى النيابة إنه فوجئ ب8 أشخاص يحيطون به ويطلبون منه أن يوقع على قرار التنازل عن الكرسى البابوى؟
- الأنبا يوساب كان أستاذاً فى اللاهوت والذين ذهبوا له كانوا 3 مطارنة تحدثوا معه باللغة القبطية وطلبوا منه فى خضوع ومحبة أن يستريح ويتنازل للأنبا ساويرس، فرد عليهم: «ليه ليه ليه؟»، فقالوا له إن الكنيسة تمر بظروف صعبة ولابد أن يمارس المجمع المقدس مهامه، فوافق ووقع وثيقة التنازل بثلاث لغات هى القبطية والعربية والفرنسية، وبعد أن تمت عملية العزل أذعت بياناً باللغة الفرنسية يعلن عن أن «جماعة الأمة القبطية» قامت بنقل البطريرك إلى مصر القديمة وتعيين الأنبا ساويرس بناء على القرعة الإلهية، واتصلت بالرئيس محمد نجيب فقال لى: «عملتم عملاً ليس لنا دخل فيه.. طالما ما فيش دم فأنتم أحرار».
■ هل حدث تخريب أو احتكاك بين المسلمين والمسيحيين لحظة عزل البابا؟
- إطلاقا، ثقافة الفرق بين المسلمين والمسيحيين لم تكن موجودة والمسلمون كانوا بيهتفوا باسمى، وعصر يوم الاثنين نزل الجيش وألقى القبض على ألفى شخص منهم شقيقى وكمال الجداوى الصحفى بالأهرام، وذهبنا إلى معتقل القلعة وكان مخصصاً للضباط الإنجليز، فاعتبرناها مكاناً رائعاً ل«التصييف» واستمر حبسنا فيه 15 يوماً، ثم بدأوا التحقيق، وصدر قرار الاتهام فى 4 يناير يطالب بأقصى عقوبة ممكنة لى وهى الأشغال الشاقة 5 سنوات، وقام المطارنة وأعلنت الكنيسة الحداد يوم 7 يناير وتطورت الأمور بشكل خطير وصعب، وأصدر المجمع المقدس مجموعة من القرارات فى 25 سبتمبر هى:
أولا: مطالبة البطريرك بالتنازل عن القضية المرفوعة أمام المحكمة العسكرية والصفح عن جميع المتهمين، وثانيا: إبعاد حاشية البطريرك وخادمه ملك جرجس الذين كانوا سبباً فى الإساءة لسمعة الكنيسة، وتشكيل هيئة من ثلاثة من حضرات الآباء المطارنة لمعونة غبطة البابا فى تدبير شؤون الكنيسة، وثالثا: تبليغ هذه القرارات لغبطة البابا والجهات الرسمية.
وحصل شىء غريب وأنا فى السجن، فقد نشرت الأهرام فى صفحتها الأولى أن السفير الأمريكى جيفرسون كافرى يريد مقابلتى، وأنا لا أعرف السفير الأمريكى ولم أقابله من قبل، وفوجئت فى اليوم الثانى بالعقيد أنور المشنب، عضو مجلس قيادة الثورة، يزرونى وقال لى: «هل هناك شىء ينقصك»، فقلت له: «لأ، سيادتك بتزورنى ليه؟»، فرد: «علشان أطمئن عليك»، وعرفت بعد ذلك أن السفير الأمريكى عندما قرأ لائحة الاتهام خشى أن تصدر بحقنا تلك الأحكام، فطلب مقابلتنا مما أدى إلى خشية الدولة، وفعلاً بعد الزيارة بدأت الدولة فى الإفراج عن أعضاء الجماعة، وكنت آخر واحد خرج يوم 12 فبراير 1955.
■ وماذا عن قصة حبسك مرة أخرى عام 1955؟
- كانت الدولة تدرس تطبيق قانون جديد للأحوال الشخصية، من المنتظر أن تبدأ تطبيقه فى يناير 1956 وتنوى إلغاء المحاكم الشرعية والملية وتريد تطبيق الشريعة الإسلامية، ولما عرفت اعترضنا وعملنا مظاهرة كبيرة بدأت من البطراخانة فى «كلوت بك» إلى مجلس الوزراء، فأصدر الرئيس عبد الناصر قرارا فى 3 نوفمبر 1955 بالقبض عليّ للمرة الثانية ومعى مطران الكاثوليك إلياس زغبى ولكن الدولة أفرجت عنه بعد 4 أيام بسبب ثورة الفاتيكان على مصر.
■ هل خرجت من السجن بعد وفاة البابا؟
- لا.. أكملت فترة عقوبتى والحقيقة كانت فترة السجن فى طرة أفضل فترة وكانت صلتى بالله قوية خلالها، وكان معى فى السجن 2000 مسجون من الإخوان المسلمين، و8 من اليهود الذين شاركوا فى تفجيرات سينما مترو، و100 سجين من اليساريين، وكان معنا صالح الرقيق نائب المرشد، وأجرينا انتخابات داخلية فاختارونى لأكون نقيب السياسيين.
وفى السجن شاهدت بنفسى ألوان التعذيب والقتل التى قامت بها الدولة ضد السياسيين، وبالأخص الإخوان المسلمين، وكان أكثرها بشاعة المذبحة التى وقعت فى أول يونيو 57، والتى أشرف عليها زكريا محيى الدين، وحدثت معجزة فى ذلك اليوم أنقذتنى من المذبحة، فقد فوجئت بكلاب كثيرة وكان يوجد ضابط يدعى «عبدالعال سالومة» قال لى: «اهرب يا إبراهيم» فدخلت غرفتى وكنت أسمع صوت صراخ المساجين وحالات الاستنجاد واختبأت فى مكان جانبى، وكانت عمليات القتل فى جميع العنابر،
وعندما وصلوا إلى غرفتى رشمت الصليب وقلت: «يارب فى يديك أستودع روحى»، فنظر السجان إلى الغرفة وقال يا فندم مفيش حد، وأعطى الأوامر للغرفة المجاورة وتم قتل المسجون الذى كان فيها، وقدر عدد القتلى فى هذا اليوم ب 52 منهم مستشارون وشخصيات جديرة بالاحترام، وفى فجر هذا اليوم شاهدت والدتى مناماً وأيقظت شقيقى الدكتور عادل، وقالت له إن إبراهيم فى ضيق، فاتصل بغنام باشا وكان صديق والدى وابنته زوجة مأمور أول السجن، فأخبرهم أن السجن حدث فيه شىء ولكن إبراهيم حى ولم يكن من بين القتلى.
■ بعض الدراسات والكتب ربطت بين أهداف جماعة الأمة القبطية وجماعة الإخوان المسلمين.. هل كان الأمر كذلك؟
- قد يكون هذا واحداً من أهداف إنشاء الجماعة، أن تكون للأقباط جماعة رعوية واجتماعية، والحقيقة أن هناك مجموعة أخرى من الأسباب منها التوجه الغريب للدولة تجاه القومية العربية والإسلامية، وبالتالى بدا فى الأفق تضاؤل دور الأقباط، بالإضافة إلى تردى أوضاع الكنيسة والفساد الذى انتشر بها، حلمنا بالمشاركة فى بناء مجتمع جديد مع الدولة الجديدة حتى نحافظ على مكتسبات الأقباط، ونستطيع خدمة وطننا.
مصر فى تلك الفترة من عام 53 إلى 54 كانت تحتمل جميع الأفكار، ولكن الفكر الديكتاتورى الذى فرضه الرئيس عبدالناصر هو الذى سيطر وتم إغلاق الأحزاب والجمعيات والتيارات.
■ بعد 56 عاماً من حل جماعة الأمة القبطية.. ونصف قرن على خروجك من السجن هل أنت راضٍ عما فعلته، وما تقييمك لهذه الفترة؟
- ضميرى مستريح، وأريد أن أقول إن جماعة الأمة القبطية كان عددها 92 ألف عضو عندما صدر قرار الحل، لكن هذا العدد قفز إلى مليون عضو عندما دخلنا السجن، لأن الناس آمنت أن المجموعة التى أسست الجماعة لم تكن تتكلم كلام «عيال»، والبابا يوساب نفسه قال إن الشعب يعقد على جماعة الأمة القبطية آمالاً عظيمة، والبابا كيرلس قال: «إننا هنا بفضل جماعة الأمة القبطية»، والرئيس محمد نجيب قال لى: «أرشحك للوزارة»، رغم أن الرئيس عبدالناصر كان له موقف آخر، والدكتور عبدالرازق السنهورى قال عن مذكرة الدستور إنها أعظم ما كتب فى الفقه القانونى،
وعندما خرجت من السجن فى الفترة الأولى قابلت السادات، وخاطبنى بشأن إعادة جماعة الأمة القبطية، وقال لى: «هنتكلم تانى، وعاوزينك معانا بس تهدا شوية وتكون مرن»، وعندما كنت فى السجن قامت والدتى ومعها أمهات عدد من المساجين بمقابلة السادات يوم 12 فبراير 1954، فاقترب منها وقال لها: «أهلاً وسهلاً يا أم الزعيم، إنتى أنجبت لنا ولد ممتاز، ولكن لو يمشى معانا شوية هيبقى أعظم وأعظم».. بعد كل هذه الأحداث التى صنعتها أقول لك أنا راض تماماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.