مايكل فارس عادت جماعة الأمة القبطية المنحلة في 1954 إلي الحياة مرة أخري عندما هدد بعض أعضائها في بيان باختطاف الأنبا بيشوي حال ترشحه للمنصب البابوي بعد رحيل البابا شنودة واختطاف القيادات الكنسية الداعمة لسكرتير المجمع المقدس. تهديدات الجماعة تبدو جدية في ضوء تاريخها المستند إلي العنف حيث اختطفت قبل حلها في 1954 البطريرك يوساب الثاني بعد محاصرتها للكاتدرائية من الداخل والخارج لإجباره علي الرحيل. تأسست جماعة الأمة القبطية في 11 سبتمبر 1953 أي بعد اندلاع ثورة لمواجهة المد الإسلامي وكأول جماعة تتبني مبدأ العنف وبلغ أعضاؤها وقت التأسيس نحو ألف عضو وصل إلي 90 ألف قبطي قبل تفكيكها. الجماعة أسسها إبراهيم فهمي هلال خريج كلية الحقوق ابن الثامنة عشرة وقتها، ورفعت الجماعة شعاراً وصف بأنه تحد لشعار الإخوان المسلمين يقول: «الله ملكنا، ومصر بلادنا، الإنجيل شريعتنا والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، والشهادة في سبيل المسيح غاية الرجاء» وهو الشعار الذي شجع الآلاف علي الانضمام للجماعة.. ففي خلال عام حسب مؤسسها إبراهيم هلال - انضم لعضويتها أكثر من 90 ألف قبطي وأعلنت الجماعة بداية تأسيسها أنها لا تعمل بالسياسة وتعمل في الإطار الديني الاجتماعي محددة ثلاثة أهداف أولها رفاهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ثانيها تطبيق حكم الإنجيل علي أهل الإنجيل وثالثها تحدث «الأمة القبطية» باللغة القبطية وبدأت وسائل تنفيذ الأهداف بالتمسك بالكتاب المقدس وتنفيذ جميع أحكامه عن طريق دراسة علمية حديثة ودراسة اللغة القبطية بطريقة حديثة وإحلالها محل اللغات الأخري والتمسك بعادات وتقاليد الأمة القبطية ودراسة تاريخها والتعامل علي أساس التقويم القبطي وإصدار جرائد يومية وأسبوعية وشهرية للدفاع عن الأقباط ومطالبة الحكومة رسميا بإنشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية والاهتمام بالدعاية محليا ودوليا والعمل علي احترام الكرسي الباباوي وتكريمه والاهتمام بالرياضة بمختلف أنواعها وإنشاء دار كبري باسم المركز الرئيسي للجماعة في وسط القاهرة بجوار الأحياء القبطية مثل القللي وشبرا والفجالة والأزبكية. وفي 14 يناير 1954 صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين وبعدها صدر قرار بحل جماعة الأمة القبطية وإن كان المحللون يرجعون ذلك إلي محاولة إحداث توازن في المجتمع وخوفا من أن تكون الجماعة القبطية بذرة أو نواة لحزب أو تيار سياسي مسيحي وهو ما ينفي أن تكون حادثة اختطاف الأنبا يوساب سبباً في حل الجماعة حيث وقعت الحادثة قبل القرار بثلاثة شهور وكان السبب الاساسي في اعتقال قيادات الجماعة وتقديمهم للمحاكمة العسكرية ما أعدته الجماعة من مذكرة لتعديل الدستور قدمت للجنة إعداد الدستور في سبتمبر 1953 وكانت ضمن التهم الموجهة لقادة الجماعة العمل علي تكدير السلم العام ومقاومة السلطات. وسبب اختطاف الأنبا يوساب وحسب ما جاء في كتاب «العلمانيون والكنيسة صراعات وتحالفات» أن البابا يوساب كان قد طلب من الحكومة حل الجماعة وعندما علم مؤسسها إبراهيم هلال ذهب للقاء البابا مستفسراً فنفي البابا أنه طلب هذا مباشرة وفسر الأمر بأن سكرتيره الشهير «ملك جرجس» يحتفظ بخاتم البابا ويقوم بكتابة الخطابات وختمها بخاتم البابا فيما يذهب آخرون إلي أن البابا يوساب وافق علي الخطاب بعد أن أقنعه وزير التموين القبطي في حكومة الثورة د.جندي عبدالملك بأن جمال عبدالناصر لايستريح لنشاطها، مما يشير إلي أن قرار الحل جاء تلبية لرغبة القيادة السياسية لا الكنيسة والواقع بحسب الكتاب فإن سلبية الانبا يوساب وتركه أمور الكنيسة في يد سكرتيره ساهم في اشتعال الأزمة. يواصل الكتاب «في تحرك مدروس ومرتب يتفق أعضاء الجماعة علي التوجه للبطريركية وإجبار البابا يوساب الثاني علي التنازل عن المهام الإدارية وتوقيعه علي وثيقة بذلك وتعيين الانبا ساويرس مطران المنيا والأشمونين قائمقام محله يتولي إدارة الكنيسة وترحيله إلي أحد الأديرة وتم تنفيذ ذلك في 24 يوليو 1954 ويوافق البابا علي كل هذه الترتيبات ويغادر البطريركية في هدوء في توقيت انشغال الاجهزة الأمنية والرسمية بالاحتفال بعيد الثورة ويبدو أن شباب الجماعة قد استوحوا هذا من نهج شباب حركة ضباط يوليو 52 وقد تمت الخطة كما قدروا لها وبغير عنف بعد حشد ألفين من أعضاء الجماعة لتأمين البطريركية من الداخل والخارج وقد غادر البابا القصر البطريركي باحتفالية من الشمامسة أعضاء الجماعة حسب الطقس الكنسي لاستقبال وتوديع البابا البطريرك» والذي توجه إلي دير مارجرجس للراهبات بمصر القديمة وفق رغبة البابا البطريرك إبراهيم هلال زعيم الجماعة أبلغ اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية وقتها هاتفيا - كان نجيب قد استقبل هلال في رئاسة الجمهورية في 7 يناير 1954 انزعج الرئيس محمد نجيب وإن قال لإبراهيم هلال: يا إبراهيم أي حاجة لايوجد فيها مساس بأحد من السلطة انتم أحرار! فأجابه إبراهيم: ياريس.. لايوجد أي مساس نهائيا! لكن الواقع كان شيئاً آخر حيث انتشر الخبر وارتجت القيادة الرسمية والكنيسة وعبر الوزير القبطي جندي عبدالملك قامت مفاوضات استمرت ثلاثة أيام انتهت بالقبض علي قيادات جماعة الأمة القبطية وإعادة البطريرك إلي قصره، وطالب المجمع المقدس الحكومة بالإفراج عن قادة الجماعة وهو ما حدث بعد 6 أشهر ولكن عاودت الجماعة نشاطها وأيدتها الكنيسة هذه المرة واستحوذت علي تأييد ملايين الأقباط حيث بدأت حكومة الثورة في الاعداد لقانون ينظم الاحوال الشخصية للمسيحيين فبعد إلغاء المحاكم الشرعية للمسلمين رأت الثورة أن تنظر مثل هذه القضايا أمام المحاكم المدنية سواء للجانبين كذلك اتجهت حكومة الثورة للاستيلاء علي الأوقاف القبطية وأصدرت الجماعة مذكرة توضح فيها الاسانيد القانونية الكنسية لرفضهم قانون الأحوال الشخصية الذي يجيز تطبيق الشريعة الإسلامية علي الأزواج المتنازعين مختلفي الملة وفي 3 نوفمبر 1954 ألقي القبض علي قادتها وقدموا لمحاكمة عسكرية عليا أصدرت علي قادتها أحكاماً متفاوتة بالسجن وقضي زعيمهم إبراهيم هلال 5 سنوات بسجن طرة وقضت المحكمة علي 33 منهم بأحكام تتراوح ما بين سنتين إلي ثلاث سنوات وبراءة 4 من القضايا 297 و646 لسنة 1954 وبينما كانت تجري محاكمتهم صدر قرار جمهوري بعزل الانبا يوساب الثاني وفي 5 سبتمبر 1955 اجتمع المجتمع المقدس وواقف علي قرار العزل، وتوفي الانبا يوساب في منفاه في ديسمبر 1956.