تمر علينا خلال هذه الأيام الذكرى 64 لثورة يوليو المجيدة الثورة البيضاء التى كانت نقطة تحول رئيسية فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وانتقلت فيها مصر من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى . ورغم مرور كل هذه السنون على الثورة مازالت تسهم في الجدل الفكري الدائر فى مصر والوطن العربي حتى الآن، لأنها مثلت بداية لمشروع حضاري لا يزال مستمرا, ولجأ البعض ومنهم النظام الحالى إلى ربط صورة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بصورته مستغلا ترويج الإعلام لذلك ؛ولن الشعب المصرى والشعوب العربية والإفريقية ما زالت تحتفظ بمكنون الحب الجم للزعيم الخالد ؛فيتم استحضار صورته للتغطية على فشل السياسات التى نعيش فيها . فما زال عبد الناصر قديساً فى قلوب فقراء العالم الثالث فهو الذى حررهم من الاستعمار وجعلهم يشعرون بأنهم "بنى آدمين" يعيشون بحرية وكرامة ..هذا الزعيم الذى ما زال قاصرى النظر يتطاولون عليه من التيارات الدينية ؛وهو الذى تربى على أيديهم وعرفهم وتعامل معهم بأسلوبهم ؛وهاهى الأيام تثبت انه على حق . عبد الناصر الذى ضيعه بعض مماته بعض من يعتنقون أفكاره الناصرية ؛وسولت لهم أنفسهم أن يسخروها لأهوائهم الشخصية ؛وتحكمت فيهم العقد والأنا ،فقد ضحى الكثير منهم فى سبيل إعلاء شأن المواطن المصرى والعربى وإحياء القومية العربية ؛ وكلل الله جهدهم بثورات الربيع العربى ،ولكنهم كعادتهم لم يتوحدوا ؛والشارع كان لهم وكان يستنشق عمن يتحدث بلغة الزعيم ؛ولكن الأنا والمصلحة الشخصية وعوامل تعرية الزمن الغابر جعلتهم جميعاً يعودون أدراج الرياح للمربع "صفر" ؛ بعضهم ذهب مع من ذهب ، وظل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر صامداً حتى فى قبره ..يستلهم منه البعض القوة حين تضيق بهم الساحة السياسية ؛لأنهم يعلمون ان استحضاره فى أوقات معينة سيرحمهم مما لا يحمد عقباه!! كانت ثورة يوليو التى قادها شاب فى بداية عقده الثالث .. ثورة ضد الحكم الملكي الفاسد بعد حرب 48 وضياع فلسطين، ثورة بيضاء تنفرد بين جميع الحركات العسكرية التى حدثت في المنطقة بأن تاريخ انتصارها هو"اليوم القومى لمصر" ،وبفضلها أنقذ الجيش المصرى البلاد من حكم ملكي فاسد سيطرت عليه قوى الاحتلال البريطاني والإقطاع والرأسمالية المستغلة التي تحالفت على مقدرات الشعب وحولته إلى فريسة للفقر والمرض والعوز، واكتسبت الثورة تأييدا شعبيا جارفا من ملايين الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانوا يعيشون حياة تتسم بالمرارة والمعاناة. ولم تقف الثورة على حدود "مصر" لا..بل شكلت قاعدة دعم لحركات التحرر الوطنى فى كل من افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، ورفض الأحلاف الدولية فى زمن صراعات الدول الكبرى ..كل ذلك شكل شهادة كبرى لعظمة الثورة ولمصر ولقائد هذه الثورة الزعيم خالد الذكر الراحل جمال عبد الناصر. وتعالى معى لنتمعن تلك الثورة ونقارن لمن لديه "لب" بينه وبين نفسه ..فقد عكست ثورة يوليو "البيضاء" بصدق روح شعب مصر الذى ينبذ العنف ويحترم حق الحياة ،كما كانت استجابة تاريخية لمتطلبات عصر تغيرت مفاهيمه الأساسية وبقيت ثوابتها صامدة وخالدة وهى قيم الحرية والعدل والكرامة ..ألا تتذكرون عندما قامت ثورة 25 يناير كان شعارها هو نفس شعار ثورة يوليو (العيش –الحرية-العدالة الاجتماعية –الاستقلال الوطنى). ولو شغلت عقلك عزيزى القارىء فيما أسرده عليك ستكتشف بنفسك عظمة الزعيم جمال عبد الناصر وعبثنا الذى نحن فيه ..فنحن نجيد خلط الأوراق فيما لا طائل منه . فثورة 23 يوليو تختلف عن غيرها من الثورات لأنها جمعت بين الثورة على الحكام من أبناء أسرة محمد على ، وعلى الوجود البريطانى فى البلاد ، وإنهاء مجتمع النصف فى المائة .. فقد كان كل شىء فى مصر يطالب بالثورة وينتظرها بدليل تجاوب الشعب المصرى بجميع طبقاته معها لأنها وضعت حدا لسوء توزيع الثروات والجهل المستشرى فى البلاد ..معايا حضرتك فى الكلام ده .. أعتقد هاتين من سوائتنا . كما كانت تحكم البلاد ثلاث سلطات .. سلطة الاحتلال البريطانى وسلطة القصر وعلى رأسها الملك ، وسلطة وطنية تمثلها المظاهرات الطلابية والحركات الشعبية. وحتى تنجح الثورة المحاطة بالقصر والإستعمار والأحزاب والجهل ورجال الأعمال الفاسدين ؛ فى ظل هذا كله كان من أهم عوامل نجاحها ..إعلانها ستة مبادىء عبرت جميعها عن طموحات ومطالب الشعب وهى القضاء على الاستعمار وأعوانه،والقضاء على الإقطاع،والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال ،وإقامة عدالة اجتماعية ،وإقامة جيش وطنى قوى ، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة..هذا هو القائد الشاب يده ليست مرتعشة لديه رؤية يعلم ماذا يريده الوطن . وكانت اولى خطواتها الأولى ..عزل الملك فاروق عن العرش وتنازله لابنه الطفل أحمد فؤاد ، وفى 18 يونيو 1953 أعلنت الثورة إلغاء الملكية وقيام أول جمهورية فى التاريخ المصري وتولى اللواء محمد نجيب رئاسة الجمهورية وحلت الأحزاب السياسية بعد أن عجزت عن المقاومة أمام النظام الجديد. ثم بدأت الثورة باتخاذ مجموعة من الإجراءات للقضاء على الإقطاع وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين بإصدار قوانين الإصلاح الزراعي وتمليك الاراضى للفلاحين ليحصد الفلاح ، لأول مرة فى حياته ، ما يقوم بزراعته . ولم تغفل الثورة الدور الرائد لمصر كدولة زراعية حيث بدأت مجموعة من المشروعات منها مشروع مديرية التحرير ..كما جسدت الثورة حلم المصريين فى وطن مرفوع الرأس فوقعت اتفاقية الجلاء فى 20 أكتوبر عام 54 بعد 74 عاما من الاحتلال. إيه يا عم الجمال ده ..هذا هو الزعيم فعلا وليس قولا – ألم أقل لكم اليد ليست مرتعشة وهناك رؤية –فكانت الخطوات سريعة ..ويأتى من يقول لماذا يحب الشعب العربى والمصرى الزعيم جمال عبد الناصر؟!!يا قاصرى النظر ..الرجل اتى ببراهينه..أين براهينكم يا فشلة!! وضع الزعيم مشاريع قومية أمام عينيه ،وجعل الجميع يشارك فيها ؛ليست مشاريع مبادرة الأخبار ولا وزارة الشباب (وكام عيل يلبسوهم كام تى شيرت ونضفوا الشوارع ) لا..مشاريع قومية خاض معاركها الزعيم بمشاركة شعبه على المستوى الداخلى كان أهمها :- معركة تأميم قناة السويس فى 26 يوليو عام 56 ، ردا على قرار المؤامرة الدولية برفض تمويل مشروع السد العالي ..لن أعلق هنا على شىء أصل الكلام مفهوم. وحرصت الثورة على القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال من خلال قوانين يوليو الاشتراكية عامى 1961 ، و1964 لتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد المصرى فى المجالات الصناعية والتجارية والخدمية وإشراك العمال فى مجالس إدارتها، وكانت قرارات التأميم الصادرة هى حجر الزاوية فى تغيير النظام الاقتصادي..مش حكومة فاشلة بتشحت من الغلابة وبتدوس على رقابهم وتفرض ضرائب وتزيد الأسعار !! واتجهت الثورة بعد ذلك لتمصير البنوك الأجنبية ، وإقامة قاعدة صناعية ضخمة،وتحقيق العدالة الاجتماعية وصدر دستور عام 1956 ليؤكد ذلك وهو أول دستور مصرى يتضمن نصوصا بضرورة تحقيق هذا المبدأ. وكان بناء جيش وطنى قوى من أهم أهداف الثورة وبدأت جهود قادة الثورة بمحاولة إحياء اتفاق 1950 بين الحكومتين المصرية والبريطانية بشأن بيع الأسلحة الثقيلة إلا أن بريطانيا رفضت وجاء رد مصر بعقد صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفكيا عام 1955 ثم تنوعت مصادر الأسلحة بعد ذلك من الاتحاد السوفيتى والصين ومعظم دول اوروبا الشرقية . ثم جاءت سنوات مابعد هزيمة 67 والتى شهدت عمليات إعادة بناء القوات المسلحة ، ولاشك أن حرب أكتوبر 73 فتحت الباب لمرحلة تطوير جديدة فى القوات المسلحة . وفى نفس الوقت سعت الثورة إلى تحقيق حياة ديمقراطية بوسائل عديدة ففى عام 56 صدر الدستور الذى نص على إقامة تنظيم جديد هو الاتحاد القومى الذى استمر ست سنوات وحل محله الاتحاد الاشتراكى الذى أعيد تشكيله ثلاث مرات وبعد نكسة 67 صدر بيان 30 مارس عام 68 الذى نص على تحويل مصر الى مجتمع مفتوح وقبول الرأى والرأى الأخر . كل هذا تم بدون وجود أحزاب ولا دياوله ..ومع كل حرب نخوضها ننهزم عسكرياً ؛ونفوز سياسياً..حتى أن بعض الخبراء قالوا :ما وجدنا قائدا فى التاريخ ينهزم إلا ويخرج منتصراً..هذا هو الزعيم جمال عبد الناصر. أما على الصعيد الدولى فقد تزامن قيام الثورة مع مجموعة من الظروف الإقليمية والدولية ساعدتها على القيام بدور فعال على الساحة الدولية ، وأتاحت لمصر قيادة معارك عديدة ضد الاستعمار وظهورها على المسرح الدولى كنموذج يحتذى للحركات الثورية . واكب قيام الثورة إنشاء العديد من المنظمات الدولية على رأسها الأممالمتحدة التى قامت على مبدأ المساواة بين كل الدول ودعا ميثاقها إلى احترام مبدأ تساوى الشعوب وحقها فى تقرير المصير مما اعتبر بداية لبزوغ عصر التحرر الوطنى . وصادف عصر الثورة فترة الحرب الباردة فى بداية الخمسينات من القرن العشرين وحلول قطبين جديدين هما الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتى محل القوى الأوروبية التقليدية مما كان يسمح بالمناورة السياسية بين القطبين . كما تزامن قيام الثورة مع تزايد موجة التحرر الوطنى التى خاضها عديد من شعوب العالم الثالث ، وقد دعم كل هذه الظروف عامل آخر مهم هو شخصية الرئيس جمال عبد الناصر الطموحة ذات التوجه الاستقلالي والتى مكنته من الظهور كزعيم قومى وسط قادة العالم الثالث نتيجة المعارك السياسية التى خاضها . وانطلاقا من كل هذه العوامل اتخذت مصر منذ عام 52 سياسة خارجية طموحة ومتحررة استندت على تاريخ مصر وموقعها الجغرافى ..وكانت فلسفة الثورة عام 54 أول وثيقة مصرية حاولت رصد ثلاث دوائر رئيسية للتحرك الخارجى هى العالم العربى والقارة الأفريقية والعالم الاسلامى والدائرة الأفرو اسيوية . وكان التركيز على الدائرة العربية حيث اهتمت الثورة بقضية فلسطين التى كانت فى مقدمة قضايا التحرر الوطنى ، كما قدمت العديد من أشكال الدعم لحركات التحرر الوطنى فى الجزائر ، وتونس والمغرب واليمن والعراق والسودان وليبيا ، والتقت الحركات الوطنية فى العالم العربى مع الثورة المصرية وتجاوبت مع فكرها أما على الصعيد الأفريقى والعالم الثالث .. وقفت الثورة مع الدول التى كانت تناضل من أجل تحرير إرادتها إيمانا منها بحق الشعوب فى تقرير مصيرها وبوحدة النضال فى مواجهة الاستعمار ، فساندت الثورة فى كينيا ، وثورة الكاميرون ، وثورة الكونغو ، ثم ثورات أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو ووقفت مع شعب روديسيا "زيمبابوى" كما أيدت حركات التحرر بجنوب افريقيا. كما فتحت مصر أبوابها لتدريب حركات التحرر الأفريقية والتزمت فى جميع مراحل تعاملها مع الحركات والتنظيمات الوطنية بعدم التدخل فى شئونها الداخلية كما كان لمصر دور رئيسى فى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية "سابقا" 1963 وساعدتها على تحقيق أهدافها فى النهوض بالقارة الافريقية ومساندة شعوبها فى مسيرة التحرير والتنمية. أما على صعيد دول العالم الثالث فقد ساهمت مصر فى نشأة حركة التضامن بين قارتى آسيا وإفريقيا حيث عقد مؤتمر باندونج فى عام 1955 ومن مؤتمر باندونج شاركت مصر فى تأسيس حركة عدم الانحياز وعقد المؤتمر الأول للحركة عام 1962 . وامتدت تجربة 23 يوليو الثورية من فضاء مصر إلى ربوع الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وشكلت بمجمل أهدافها مركزًا محفزًا وداعمًا لقضية التحرر الوطني في كثير من البلدان العربية كالجزائر والعراق والسودان وليبيا، وأصبحت في مدى عمرها الفعلي في مدى عقدين من السنين نموذجًا حافلًا بالكثير من مضامين النهوض والتقدم، إضافة إلى الجوانب المضيئة سواء في ممارسة الحكم أو التخطيط والبناء من أجل المستقبل . كما خاضت ثورة 23 يوليو تحدى الاستقلال وغمار المواجهة مع أنساق الاستعمار، ووقفت بثبات إزاء التبعية للأنظمة الرأسمالية والاحتكارية، وحاربت الاحتلال الصهيوني، واضعة قضية فلسطين على صدارة مهامها، فاضطلعت بدورها الوطني والقومي معبرة عن طموحات وآمال الجماهير، حينما تبنت مسألة التنمية والنهوض الاقتصادي، وجنحت نحو الطريق الوحدوي حلًا لمشاكل الأمة العربية الوطنية والقومية. هذه هى ثورة يوليو يا قاصرى النظر ..وهذا هو الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ذو الرؤية الثاقبة داخلياً وعربياً وافريقياً وعالمياً..نستلهم حضوره عندما تضيق بنا الدنيا ،ولكن أتمنى أن يكون الإلهام على مستوى فكر الزعيم الراحل..رحمك الله يا أبا خالد.