على شاشة قناة الناس يطل برنامج دولة التلاوة كنافذة مضيئة تعيد للقلوب بريقها، وتستحضر في النفوس أمجاد مدرسة قرآنية راسخة، طالما أنجبت من الأصوات ما جعل العالم الإسلامي يقف بأكمله بخشوع أمام روعة الأداء، وسموّ المقام، وجلال النفَس القرآني. إنه برنامج لا يقدم مجرد تلاوات، بل يعيد تشكيل الوجدان، ويذكر بأن مصر ولادة... ولادة بالأصوات التى تعرف كيف تسمعك الآية وكأنها تنزل الآن، وتجعلك ترى الحرف نورا، وتلمس الإعجاز سكينه على القلوب. وليس غريبا أن نقول؛إن أردت أن تسمع القرآن كما ينبغي أن يُسمع..فعليك بالمقرئين المصريين. فهم الطليعة، والورثة، والسائرون على خطى أعلام خالدين ..امتداد المنشاوي بخشوعه، ومصطفى إسماعيل بعبقريته المقامية، وحمدي الزامل بثباته، والشيخ شعيشع بحضوره، وغلوش بطلالته المضيئة، وحصان بجلال أدائه، والليثي والطنطاوي وغيرهم كثيرون ممن نقشوا أسماءهم على صخور الزمن، فصاروا مدارس متفردة، ومراجع لا تجارى. ومصر – التى جمعت هذه المواهب – لم تكن مجرد أرض ولادة للأصوات، بل كانت وما زالت قبلة للعلم الشرعي، وموطنا لأعرق مؤسسة إسلامية على وجه الأرض..الأزهر الشريف. هذا الجامع – الجامعة – الذي ظل عبر القرون حصنا للقرآن، وجسرا لنشر علومه، ووعاء يحفظ لغة الوحي وأحكام التلاوة، ويخرج للعالم علماء وقراء وأئمة ينشرون النور حيثما حلوا. ولذا.. فإن تربية أولادنا على التعلق بالقرآن ليست نافلة ولا ترفا، بل هي زاد العمر، وطمأنينة الروح، وأمان الطريق. فلنوجه أبناءنا إلى حفظ كتاب الله؛ حفظا يصاحبه فهم، وتلاوة يتبعها عمل، مع الاعتناء بتجويده وترتيله على نهج الأولين، ليظل القرآن في صدورهم نورا، وفي حياتهم منهجا، وفي مستقبلهم سندا لا يزول. وستبقى دولة التلاوة.. دولة لا يحكمها بشر، بل يحكمها الجمال الإلهي المنسكب في صوت القارئ حين يقول: "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق".