في كل عام يطل علينا "عيد الفلاح"، لكن الحقيقة المؤلمة أن الفلاح المصري ما زال ينتظر من يرد له جميله، وما زال يحمل همّ الأرض فوق كتفيه دون أن يجد من ينصفه. هو الذي يروي أرض الوطن بعرقه، ويطعم أبناءه من خيرات يديه، ومع ذلك يعيش بين مطرقة الغلاء وسندان الإهمال. الفلاح في مصر لا يملك رفاهية الفرح بعيدٍ هو في الأصل عيده؛ فالمشاكل تحاصره من كل جانب. أسعار الأسمدة والمبيدات نار، والسولار الذي يشغّل ماكينته يلتهم ما تبقى من دخله، والتسويق الزراعي لا يرحمه من جشع السماسرة. المحصول الذي سهر عليه الليالي يُباع بأقل من تكلفته، بينما الوسطاء يحققون أرباحا خيالية. ثم تأتي أزمة الري، فإما مياه شحيحة تُقضى بها الحاجة بالكاد، أو طرق ري بدائية تُهدر أضعاف ما يحتاجه الزرع. وإذا نظرنا إلى مستقبل الفلاح، فلن نجد تأميناً صحياً يضمن له حياة كريمة، ولا معاشاً يحميه من عوز السنين، بل ديون متراكمة تثقل كاهله إن خانته الظروف أو خذلته السماء. وليس هذا فقط، بل إن التغير المناخي صار عدوا جديدا للفلاح؛ فموسم تفسده موجة حر، وآخر يضيع في بردٍ قارس، وبعض المحاصيل اندثرت لأنها لم تحتمل قسوة الطقس. إن ما يحتاجه الفلاح المصري ليس شعارات ولا احتفالات، بل تشريعات حقيقية تحت قبة البرلمان تحفظ حقه. قوانين تُلزم الدولة بشراء محاصيله بأسعار عادلة، ودعم مباشر للأسمدة والبذور، وجدولة ديونه بفوائد ميسرة، وتأمين صحي ومعاش كريم. يحتاج إلى مشروعات ري حديثة، وبحوث علمية تقدّم له بذوراً تتحمل تغيرات المناخ، وجمعيات تعاونية تعلّمه كيف يحوّل أرضه إلى مشروع ناجح. فى النهاية بقى أن أقول ؛ عيد الفلاح لن يكون عيداً بحق إلا إذا شعر الفلاح أن البرلمان يتحدث بلسانه، وينحاز لقضاياه، ويحول معاناته إلى حلول على أرض الواقع. إن نهضة مصر تبدأ من الأرض، ومن يزرعها بعرقه ودموعه يستحق أن يعيش مكرماً، لا مهموماً.