ما الذي جري للأرض والفلاح؟! بكل الشوق والحنين شددت الرحال الي مسقط رأسي في ميت العز دقهلية، كما هي العادة كل عام. المناسبة هي الافطار السنوي للعائلة في الخميس الثاني من رمضان. لم أكد أسعد بصلة الأرحام وبلقاء الأهل والأحباب والأصحاب، حتي حزنت لما آلت اليه أحوال الزراعة والفلاح. استجار بي الفلاحون وطلبوا مني توصيل صوتهم. قالوا لقد هربنا من الأرض بسبب سياسات الحكومة. قلت كيف؟ قالوا تعال معنا وانظر بنفسك. ذهبت لأري ، ولم أصدق ما رأيت. أرض بور .. خراب .. لا تجد من يزرعها. لأول مرة منذ عصر المماليك يهجر الفلاح المصري الأرض. قالوا إن ملاك الأرض لم يجدوا من يستأجرها لزرعة الذرة لأن الزرعة أصبحت خسارة علي الفلاح ، فبقيت الأرض بورا تنعي حالها. والسبب هو سياسات الحكومة التي تركت الفلاح بين المطرقة والسندان: مطرقة تجار مستلزمات الانتاج وسندان تجار الحبوب. والتفاصيل تجعل الولدان شيبا. زرعة الذرة تستمر ثلاثة أشهر تعطي نصف أردب في المتوسط ، وتحتاج الي تجهيز الأرض (حرث وتخطيط وتزحيف) وتقاوي وري وسماد كيماوي وسماد بلدي بخلاف عرق الفلاح. تعالوا نحسبها معا بالورقة والقلم. كيلوجرام تقاوي 40 جنيها، تسميد كيماوي 30 جنيها، تسميد بلدي 8 جنيهات، ري 5 جنيهات، عمالة 40 جنيها، تجهيز الأرض 7 جنيهات. اجمالي التكاليف من دون ايجار الأرض أو مقابل عرق الفلاح 130 جنيها. سعر الذرة كما أعلنته الحكومة في بداية الموسم 225 جنيها للإردب. فيكون العائد من زرعة قيراط الذرة (تعطي نصف إردب) هو 112.5 جنيه. يعني حتي وان تنازل المالك للمستأجر عن ايجارالأرض وتطوع المستأجر بمجهوده لوجه الله وحب الوطن، تظل زرعة الذرة خسرانة حوالي عشرين جنيها. لذلك هرب الفلاحون من الأرض، فخرجت الأرض والفلاح من الزراعة. يا لها من جريمة مضاعفة. والمجرم هو الحكومة. فالحكومة هي التي حولت بنك القرية من بنك تنمية الي بنك تجاري ينهش الفلاح. وهي التي غيرت وظيفة الجمعيات التعاونية من امداد الفلاح بالمستلزمات بأسعار معقولة الي مجرد تسجيل الحيازة. وهي التي تركت الحبل علي الغارب للقطاع الخاص لمص دم الفلاح. وهي التي أوقفت خلط الذرة بالقمح لانتاج العيش البلدي. وهي التي شجعت المستوردين علي استيراد القمح والذرة بدلا من تشجيع المنتجين. وهي التي ألغت دعم مستلزمات الانتاج الزراعي. ذنب الفلاح في رقبة الحكومة ممثلة في وزارات الزراعة والري والتجارة والصناعة والتضامن الاجتماعي. لا أملك الا ان أستصرخ رئيس الجمهورية باعتباره الراعي: رحماك برعاياك الفلاحين الذين ستسأل عنهم يوم الموقف العظيم. حكمة اليوم (بمناسبة عيد الفلاح يوم 9 سبتمبر):