تزايدت أهمية الحوكمة نتيجة لاتجاه كثير من دول العالم إلى التحول إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة لتحقيق معدلات مرتفعة ومتواصلة من النمو الاقتصادي. وقد أدى اتساع حجم تلك المشروعات إلى انفصال الملكية عن الإدارة، وشرعت تلك المشروعات في البحث عن مصادر للتمويل أقل تكلفة من المصادر المصرفية، فاتجهت إلى أسواق المال. وساعد على ذلك ما شهده العالم من تحرير للأسواق المالية، فتزايدت انتقالات رؤوس الأموال عبر الحدود بشكل غير مسبوق، ودفع اتساع حجم الشركات وانفصال الملكية عن الإدارة إلى ضعف آليات الرقابة على تصرفات المديرين، وإلى وقوع كثير من الشركات في أزمات مالية. ومن أبرزها دول جنوب شرق آسيا في أواخر التسعينات، ثم توالت بعد ذلك الأزمات، ولعل من أبرزها أزمة شركتي أنرون وورلد كوم في الولاياتالمتحدة في عام 2001. وقد دفع ذلك العالم للاهتمام بالحوكمة. وعلى ذلك، تهدف قواعد وضوابط الحوكمة إلى تحقيق الشفافية والعدالة، ومنح حق مساءلة إدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين وحملة الوثائق جميعا، مع مراعاة مصالح العمل والعمال، والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة، بما يؤدى إلى تنمية الاستثمار وتشجيع تدفقه، وتنمية المدخرات، وقد ظهرت الحاجة إلى الحوكمة في العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة خلال العقود القليلة الماضية، خاصة في أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد الأمريكي مؤخرا من انهيارات مالية ومحاسبية خلال عام 2002. وتعظيم الربحية، وإتاحة فرص عمل جديدة. كما أن هذه القواعد تؤكد على أهمية الالتزام بأحكام القانون، والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالي، ووجود هياكل إدارية تمكن من محاسبة الإدارة أمام المساهمين، مع تكوين لجنة مراجعة من غير أعضاء مجلس الإدارة التنفيذية تكون لها مهام واختصاصات وصلاحيات عديدة لتحقيق رقابة مستقلة على التنفيذ. وقد أكدت العديد من الدراسات على أهمية الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات وأثرها في زيادة ثقة المستثمرين في أعضاء مجالس إدارة الشركات ، وبالتالي قدرة الدول على جذب مستثمرين محليين أو أجانب ، وما يترتب على ذلك من تنمية اقتصادات تلك الدول . وصاحب ذلك قيام العديد من دول العالم والمنظمات الدولية بالاهتمام بمفهوم حوكمة الشركات ، وذلك من خلال قيام الهيئات العلمية ، والجهات التشريعية بإصدار مجموعة من اللوائح والقوانين والتقارير والقواعد التي تؤكد على أهمية التزام الشركات بتطبيق تلك المبادئ . ينصب الإشراف على التحقق مما إذا كانت الشركات المملوكة للدولة تعمل ما هو مفروض أن تعمله ويفيد في اكتشاف ومنع الفساد الإداري والمالي . أما التبصر فانه يساعد متخذي القرارات ، وذلك بتزويدهم بتقويم مستقل للبرامج والسياسات، العمليات والنتائج الحوكمة GOVERNANCE تعريف الحوكمة والهدف منها يعد مصطلح الحوكمة هو الترجمة المختصرة التي راجت للمصطلح CORPORATE GOVERNANCE ، أما الترجمة العلمية لهذا المصطلح، والتي اتفق عليها، فهي: ” أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة “. وقد تعددت التعريفات المقدمة لهذا المصطلح، بحيث يدل كل مصطلح عن وجهة النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف. فتعرف مؤسسة التمويل الدولية IFC الحوكمة بأنها: ” هي النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها “. كما تعرفها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بأنها: ” مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من المساهمين “. وهناك من يعرفها بأنها: ” مجموع “قواعد اللعبة” التي تستخدم لإدارة الشركة من الداخل، ولقيام مجلس الإدارة بالإشراف عليها لحماية المصالح والحقوق المالية للمساهمين “. وبمعنى أخر، فإن الحوكمة تعني النظام، أي وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسئول والمسئولية. محددات الحوكمة هناك اتفاق على أن التطبيق الجيد لحوكمة الشركات من عدمه يتوقف على مدى توافر ومستوى جودة مجموعتين من المحددات: المحددات الخارجية وتلك الداخلية ( انظر شكل 1 أدناه ). ونعرض فيما يلي لهاتين المجموعتين من المحددات بشيء من التفصيل كما يلي: أ- المحددات الخارجية: وتشير إلى المناخ العام للاستثمار في الدولة، والذي يشمل على سبيل المثال: القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي ( مثل قوانين سوق المال والشركات وتنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والإفلاس )، وكفاءة القطاع المالي ( البنوك وسوق المال ) في توفير التمويل اللازم للمشروعات، ودرجة تنافسية أسواق السلع وعناصر الإنتاج، وكفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية ( هيئة سوق المال والبورصة ) في إحكام الرقابة على الشركات، وذلك فضلا عن بعض المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة ( ومنها على سبيل المثال الجمعيات المهنية التي تضع ميثاق شرف للعاملين في السوق، مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها )، بالإضافة إلى المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والاستشارات المالية والاستثمارية. وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة، والتي تقلل من التعارض بين العائد الاجتماعي والعائد الخاص. ب-المحددات الداخلية: وتشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات داخل الشركة بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، والتي يؤدى توافرها من ناحية وتطبيقها من ناحية أخرى إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة. * المؤسسات الخاصة تشير إلى عناصر القطاع الخاص، وكيانات الادارة الذاتية، ووسائل الاعلام، والمجتمع المدني. وتلك الجهات التي تقلل من عدم توافر المعلومات، وترفع من درجة مراقبة الشركات، وتلقي الضوء على السلوك الانتهازي للإدارة. المصدر:Iskander, M. and N. Chamlou. (2002). Corporate Governance: A Framework for Implementation. P: 122, Fig. 6.1. Published in: Globalization and Firm Competitiveness in the Middle East and North Africa Region, edited by: S. Fawzy. Washington: World Bank. وتؤدى الحوكمة في النهاية إلى زيادة الثقة في الاقتصاد القومي، وتعميق دور سوق المال، وزيادة قدرته على تعبئة المدخرات ورفع معدلات الاستثمار، والحفاظ على حقوق الأقلية أو صغار المستثمرين. ومن ناحية أخرى، تشجع الحوكمة على نمو القطاع الخاص ودعم قدراته التنافسية، وتساعد المشروعات في الحصول على التمويل وتوليد الأرباح، وأخيرا خلق فرص عمل. معايير الحوكمة نظرا للاهتمام المتزايد بمفهوم الحوكمة، فقد حرصت عديد من المؤسسات على دراسة هذا المفهوم وتحليله ووضع معايير محددة لتطبيقه. ومن هذه المؤسسات: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبنك التسويات الدولية BIS ممثلا في لجنة بازل، ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي. وفي الواقع، نجد أنه كما اختلفت التعريفات المعطاة لمفهوم الحوكمة، فقد اختلفت كذلك المعايير التي تحكم عملية الحوكمة، وذلك من منظور وجهة النظر التي حكمت كل جهة تضع مفهوما لهذه المعايير، وذلك على النحو التالي: §معايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتم تطبيق الحوكمة وفق خمسة معايير توصلت إليها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1999، علما بأنها قد أصدرت تعديلا لها في عام 2004. وتتمثل في: 1-ضمان وجود أساس لإطار فعال لحوكمة الشركات: يجب أن يتضمن إطار حوكمة الشركات كلا من تعزيز شفافية الأسواق وكفاءتها، كما يجب أن يكون متناسقا مع أحكام القانون، وأن يصيغ بوضوح تقسيم المسئوليات فيما بين السلطات الإشرافية والتنظيمية والتنفيذية المختلفة. 2-حفظ حقوق جميع المساهمين: وتشمل نقل ملكية الأسهم، واختيار مجلس الإدارة، والحصول على عائد في الأرباح، ومراجعة القوائم المالية، وحق المساهمين في المشاركة الفعالة في اجتماعات الجمعية العامة. 3-المعاملة المتساوية بين جميع المساهمين: وتعنى المساواة بين حملة الأسهم داخل كل فئة، وحقهم في الدفاع عن حقوقهم القانونية، والتصويت في الجمعية العامة على القرارات الأساسية، وكذلك حمايتهم من أي عمليات استحواذ أو دمج مشكوك فيها، أو من الاتجار في المعلومات الداخلية، وكذلك حقهم في الاطلاع على كافة المعاملات مع أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين التنفيذيين. 4-دور أصحاب المصالح في أساليب ممارسة سلطات الإدارة بالشركة: وتشمل احترام حقوقهم القانونية، والتعويض عن أي انتهاك لتلك الحقوق، وكذلك آليات مشاركتهم الفعالة في الرقابة على الشركة، وحصولهم على المعلومات المطلوبة. ويقصد بأصحاب المصالح البنوك والعاملين وحملة السندات والموردين والعملاء. 5-الإفصاح والشفافية: وتتناول الإفصاح عن المعلومات الهامة ودور مراقب الحسابات، والإفصاح عن ملكية النسبة العظمى من الأسهم، والإفصاح المتعلق بأعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين. ويتم الإفصاح عن كل تلك المعلومات بطريقة عادلة بين جميع المساهمين وأصحاب المصالح في الوقت المناسب ودون تأخير. 6-مسئوليات مجلس الإدارة: وتشمل هيكل مجلس الإدارة وواجباته القانونية، وكيفية اختيار أعضائه ومهامه الأساسية، ودوره في الإشراف على الإدارة التنفيذية. §معايير لجنة بازل للرقابة المصرفية العالمية ( Basel Committee ) وضعت لجنة بازل في العام 1999 إرشادات خاصة بالحوكمة في المؤسسات المصرفية والمالية، وهي تركز على النقاط التالية: 1- قيم الشركة ومواثيق الشرف للتصرفات السليمة وغيرها من المعايير للتصرفات الجيدة والنظم التي يتحقق باستخدامها تطبيق هذه المعايير. 2-استراتيجية للشركة معدة جيدا، والتي بموجبها يمكن قياس نجاحها الكلي ومساهمة الأفراد في ذلك. 3-التوزيع السليم للمسئوليات ومراكز اتخاذ القرار متضمنا تسلسلا وظيفيا للموافقات المطلوبة من الأفراد للمجلس. 4-وضع آلية للتعاون الفعال بين مجلس الإدارة ومدققي الحسابات والإدارة العليا. 5-توافر نظام ضبط داخلي قوي يتضمن مهام التدقيق الداخلي والخارجي وإدارة مستقلة للمخاطر عن خطوط العمل مع مراعاة تناسب السلطات مع المسئوليات ( Checks & Balances ). 6-مراقبة خاصة لمراكز المخاطر في المواقع التي يتصاعد فيها تضارب المصالح، بما في ذلك علاقات العمل مع المقترضين المرتبطين بالمصرف وكبار المساهمين والإدارة العليا، أو متخذي القرارات الرئيسية في المؤسسة. 7-الحوافز المالية والإدارية للإدارة العليا التي تحقق العمل بطريقة سليمة، وأيضا بالنسبة للمديرين أو الموظفين سواء كانت في شكل تعويضات أو ترقيات أو عناصر أخرى. 8-تدفق المعلومات بشكل مناسب داخليا أو إلى الخارج. §معايير مؤسسة التمويل الدولية وضعت مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي في عام 2003 موجهات وقواعد ومعايير عامة تراها أساسية لدعم الحوكمة في المؤسسات على تنوعها، سواء كانت مالية أو غير مالية، وذلك على مستويات أربعة كالتالي: 1- الممارسات المقبولة للحكم الجيد 2- خطوات إضافية لضمان الحكم الجيد الجديد 3- إسهامات أساسية لتحسين الحكم الجيد محليا 4- القيادة الحوكمة في مصر بدأ الاهتمام بالحوكمة في مصر عام 2001 بمبادرة من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية آنذاك ( وزارة التجارة حاليا )، حيث وجدت الوزارة أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته مصر منذ أوائل التسعينات لا يكتمل إلا بوضع إطار تنظيمي ورقابي يحكم عمل القطاع الخاص في ظل السوق الحر. وبالفعل تم دراسة وتقييم مدى التزام مصر بالقواعد والمعايير الدولية لحوكمة الشركات. وأعد البنك الدولي، بالتعاون مع وزارة التجارة الخارجية وهيئة سوق المال وبورصة الأوراق المالية، بالإضافة إلى عدد من المراكز البحثية وشركات المحاسبة والمراجعة والمهتمين من الاقتصاديين والقانونيين، أول تقرير لتقييم حوكمة الشركات في مصر. وكان من أهم نتائج التقييم: 1-أن القواعد المنظمة لإدارة الشركات، والمطبقة في مصر، تتمشى مع المبادئ الدولية في سياق 39 مبدأ من إجمالي 48 مبدأ. حيث تنص القوانين الحاكمة للشركات ولصناعة الأوراق المالية على ذات المبادئ، كما أن تطبيقاتها تتم بصورة كاملة مع المعايير الدالة على حسن الأداء. ومن أهم القوانين في هذا الصدد: قانون الشركات 159 لسنة 1981، وقانون قطاع الأعمال العام 2.3 لسنة 1991، وقانون سوق رأس المال 95 لسنة 1992، وقانون الاستثمار 8 لسنة 1997، وقانون التسوية والإيداع والحفظ المركزي 93 لسنة 2000. 2-لا يتم تطبيق بعض المبادئ الواردة في القوانين الحاكمة الحالية في السوق المصرية بشكل عملي، وقد يرجع هذا إلى ضعف وعى المساهمين أو إدارات الشركات بتلك المعايير، ومن ثم لا تتماشى هذه القواعد عمليا مع المبادئ الدولية في سياق 7 مبادئ من إجمالي ال 48 مبدأ، وهناك اثنان من المبادئ لا تطبق نهائيا في السوق المصرية. وتشير المعايير التي منحها التقرير لحوكمة الشركات في مصر إلى وجود العديد من الممارسات الإيجابية، ولكن من ناحية أخرى فهناك عدد من البنود التي تحتاج إلى تطوير لدرء بعض الممارسات السلبية. بالنسبة للممارسات الإيجابية في مصر، نجد أن القانون يكفل الحقوق الأساسية لحملة الأسهم، كالمشاركة في توزيع الأرباح، والتصويت في الجمعيات العمومية، والاطلاع على المعلومات الخاصة بالشركة. ويحمى القانون المصري حقوق أصحاب المصالح من حملة السندات والمقرضين والعمال، كما أن معايير المحاسبة والمراجعة المصرية تتسق مع المعايير الدولية. أما الممارسات السلبية فهي ترتبط بالإفصاح عما يتعلق بالملكية والإدارة، ومنها الإفصاح عن هياكل الملكية الصريحة والمستترة أو المتداخلة، ومكافآت مجلس الإدارة، والإفصاح عن المعلومات المالية وغير المالية ( مثل عوامل المخاطر المحتملة ). كذلك يجب تدعيم ممارسات المحاسبة والمراجعة السليمة. ومن الأمور الهامة تطوير ممارسات مجالس الإدارة بالشركات، وتدعيم وتشجيع ممارسة حملة الأسهم لحقوقهم المكفولة. وتعد مصر أول دولة في منطقة الشرق الأوسط التي تهتم بتطبيق مبادئ الحوكمة، ويؤدى تطبيق الحوكمة إلى تحقيق الشفافية، مما يساعد على جذب استثمارات جديدة سواء كانت محلية أو أجنبية، كما يؤدى إلى تراجع الفساد. ونشير إلى أنه عندما بدأ الحديث عن الحوكمة في مصر، لم يكن على مستوى الشركات، وإنما بدأ في المجتمع المدني. وكان الحديث عن كيف يمكن للدولة أن تدير النشاط الاقتصادي إدارة رشيدة في ضوء المتغيرات والأحداث، ضافة إلى ضرورة استكمال الإطار القانوني الذي يضمن التطبيق السليم للحوكمة، ومنها إصدار قانون سوق المال المعدل، وقانون الشركات الموحد، وقانون مزاولة مهنة المحاسبة والمراجعة، وقانون الإفلاس. وفى النهاية نشير إلى أن دور الحوكمة لا يقتصر على وضع القواعد ومراقبة تنفيذها أو تطبيقها، ولكن يمتد ليشمل أيضا توفير البيئة اللازمة لدعم مصداقيتها، وهذا لا يتحقق إلا بالتعاون بين كل من الحكومة والسلطة الرقابية والقطاع الخاص والفاعلين الآخرين بما فيهم الجمهور. أولا: الحوكمة في الجهاز المصرفي تعنى الحوكمة في الجهاز المصرفي: مراقبة الأداء من قبل مجلس الإدارة والإدارة العليا للبنك، وحماية حقوق حملة الأسهم والمودعين، بالإضافة إلى الاهتمام بعلاقة هؤلاء بالفاعلين الخارجيين، والتي تتحدد من خلال الإطار التنظيمي وسلطات الهيئة الرقابية. وتنطبق الحوكمة في الجهاز المصرفي على البنوك العامة والبنوك الخاصة والمشتركة. وتتمثل أهم العناصر الأساسية في عملية الحوكمة في مجموعتين: oتمثل المجموعة الأولى الفاعلين الداخليين، وهم حملة الأسهم ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والمراقبون والمراجعون الداخليون. oأما المجموعة الثانية فتتمثل في الفاعلين الخارجيين، المتمثلين في المودعين، وصندوق تأمين الودائع، ووسائل الإعلام، وشركات التصنيف والتقييم الائتماني، بالإضافة إلى الإطار القانوني التنظيمي والرقابي. وترتكز الحوكمة – كما سبق القول – على عناصر أساسية لابد من توافرها حتى يكتمل إحكام الرقابة الفعالة على أداء البنوك، تتلخص في الشفافية، وتوافر المعلومات، وتطبيق المعايير المحاسبية الدولية، والنهوض بمستوى الكفاءات البشرية من خلال التدريب. ولا يرتبط نجاح الحوكمة في الجهاز المصرفي فقط بوضع القواعد الرقابية، ولكن أيضا بأهمية تطبيقها بشكل سليم، وهذا يعتمد على البنك المركزي ورقابته من جهة، وعلى البنك المعني وإدارته من الجهة الأخرى. ويجب أن تكون إدارة البنك مقتنعة بأهمية مثل هذه القواعد والضوابط، مما يساعد على تنفيذها. وهذا ما يكشف عن دور كل من مجلس الإدارة بقسميه التنفيذي وغير التنفيذي، ولجان المتابعة التي توفر له البيانات اللازمة عن أداء البنك، وإدارات التفتيش داخل الجهاز المصرفي التي تعرض تقاريرها على مجلس الإدارة والمساهمين، الذين يجب أن يقوموا بدورهم في الرقابة على أداء البنك، إلى جانب المساهمة في توفير رؤوس الأموال في حالة حاجة البنك إليها. والممارسة السليمة للحوكمة تؤدى عامة إلى دعم وسلامة الجهاز المصرفي، وذلك من خلال المعايير التي وضعتها ” لجنة بازل ” للرقابة على البنوك وتنظيم ومراقبة الصناعة المصرفية، والتي من أهمها: الإعلان عن الأهداف الإستراتيجية للجهاز المصرفي وللبنك وتحديد مسئوليات الإدارة. التأكد من كفاءة أعضاء مجلس الإدارة وإدراكهم الكامل لمفهوم الحوكمة، وعدم وجود أخطاء مقصودة من قبل الإدارة العليا. ضمان فاعلية دور المراقبين وإدراكهم لأهمية دورهم الرقابي. ضرورة توفر الشفافية والإفصاح في كافة أعمال وأنشطة البنك والإدارة. ونشير إلى أن البنك المركزي المصري قد قام باتخاذ عدد من الإجراءات في ضوء القواعد الأساسية التي أقرتها لجنة بازل. ويتضمن الإطار القانوني والتنظيمي والرقابي لعمل البنك المركزي المصري وضع قواعد للرقابة الحذرة على عمل البنوك، تشمل: تحديد حجم ومجال نشاط كل بنك ونسبتي السيولة والاحتياطي، ومراقبة تطبيق معيار كفاية رأس المال، وقد قرر البنك المركزي المصري زيادة هذه النسبة من 8% إلى 10%، وطالب البنوك بالالتزام بها. وفى هذا السياق اهتم البنك المركزي المصري بأسلوب تصنيف الأصول، وتحديد المخصصات المناسبة لكل فئة منها، حيث إن السلامة المصرفية تتحقق عندما يتم التصنيف بشكل سليم. كما اهتم بمعيار تركز القروض لعميل واحد أو بعملة واحدة، وذلك حماية للبنك من التقلبات التي يمكن أن تحدث في أي من هذه الفئات. كذلك اهتم بالإقراض للأطراف المرتبطة والأطراف ذات الصلة، والتي يمكن أن تسبب أزمات للجهاز المصرفي. وفى هذا المجال أصدر البنك المركزي المصري في نوفمبر 2..2 قرارا يقضى بضرورة التعامل مع هذا النوع من الإقراض بحذر شديد. ويتطلب نجاح الحوكمة في الجهاز المصرفي وجود نوع من العقاب في حالة الخطأ ووجود آلية لتصحيح الأخطاء. ثانياً: حوكمة الشركات يشير مفهوم حوكمة الشركات، بشكل عام، إلى القواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية، وحملة الأسهم وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة ( حملة السندات والعمال والموردين والدائنين والمستهلكين من ناحية أخرى ). وبشكل أكثر تحديدا، يقدم هذا الاصطلاح إجابات لعدة تساؤلات من أهمها: كيف يضمن المالكون ألا تسيء الإدارة استغلال أموالهم؟ كيف يتأكد هؤلاء أن الإدارة تسعى إلى تعظيم ربحية وقيمة أسهم الشركة في الأجل الطويل؟ ما مدى اهتمام الإدارة بالمصالح الأساسية للمجتمع في مجالات الصحة والبيئة؟ وأخيرا، كيف يتمكن حملة الأسهم وأصحاب المصالح من رقابة الإدارة بشكل فعال؟ ويثير مصطلح حوكمة الشركات بعض الغموض لثلاثة أسباب رئيسية مرتبطة بحداثة هذا الاصطلاح: السبب الأول هو أنه على الرغم من أن مضمون حوكمة الشركات وكثير من الأمور المرتبطة به ترجع جذورها إلى أوائل القرن التاسع عشر، حيث تناولتها نظرية المشروع وبعض نظريات التنظيم والإدارة، إلا أن هذا الاصطلاح لم يعرف في اللغة الإنجليزية، كما أن مفهومه لم يبدأ في التبلور إلا منذ قرابة عقدين أو ثلاثة عقود. بينما يتمثل السبب الثاني في عدم وجود تعريف قاطع وواحد لهذا المفهوم. فبينما ينظر إليه البعض من الناحية الاقتصادية على أنه الآلية التي تساعد الشركة في الحصول على التمويل، وتضمن تعظيم قيمة أسهم الشركة واستمرارها في الأجل الطويل، فإن هناك آخرون يعرفونه من الناحية القانونية على أنه يشير إلى طبيعة العلاقة التعاقدية من حيث كونها كاملة أم غير كاملة، والتي تحدد حقوق وواجبات حملة الأسهم وأصحاب المصالح من ناحية، والمديرين من ناحية أخرى، كما أن هناك فريق ثالث ينظر إليه من الناحية الاجتماعية والأخلاقية، مركزين بذلك على المسؤولية الاجتماعية للشركة في حماية حقوق الأقلية أو صغار المستثمرين، وتحقيق التنمية الاقتصادية العادلة، وحماية البيئة. ويرجع السبب الثالث لغموض هذا المصطلح إلى أن هذا المفهوم مازال في طور التكوين، ومازالت كثير من قواعده ومعاييره في مرحلة المراجعة والتطوير. ومع ذلك هناك شبه اتفاق بين الباحثين والممارسين حول أهم محدداته وكذلك معايير تقييمه. أهمية حوكمة الشركات منذ عام 1997، ومع انفجار الأزمة المالية الآسيوية، أخذ العالم ينظر نظرة جديدة إلى حوكمة الشركات. والأزمة المالية المشار إليها، قد يمكن وصفها بأنها كانت أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم نشاط الأعمال والعلاقات فيما بين منشآت الأعمال والحكومة. وقد كانت المشاكل العديدة التي برزت إلى المقدمة أثناء الأزمة تتضمن عمليات ومعاملات الموظفين الداخليين والأقارب والأصدقاء بين منشآت الأعمال وبين الحكومة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل، في نفس الوقت الذي حرصت فيه على عدم معرفة المساهمين بهذه الأمور، وإخفاء هذه الديون من خلال طرق ونظم محاسبية “مبتكرة”، وما إلى ذلك. كما أن الأحداث الأخيرة ابتداء بفضيحة شركة إنرون Enron وما تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية، أظهر بوضوح أهمية حوكمة الشركات حتى في الدول التي كان من المعتاد اعتبارها أسواقا مالية “قريبة من الكمال”. وقد اكتسبت حوكمة الشركات أهمية أكبر بالنسبة للديمقراطيات الناشئة نظرا لضعف النظام القانوني الذي لا يمكن معه إجراء تنفيذ العقود وحل المنازعات بطريقة فعالة. كما أن ضعف نوعية المعلومات تؤدى إلى منع الإشراف والرقابة، وتعمل على انتشار الفساد وانعدام الثقة. ويؤدى إتباع المبادئ السليمة لحوكمة الشركات إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة، مع تشجيع الشفافية في الحياة الاقتصادية، ومكافحة مقاومة المؤسسات للإصلاح. وقد أدت الأزمة المالية بكثير منا إلى اتخاذ نظرة عملية جيدة عن كيفية استخدام حوكمة الشركات الجيدة لمنع الأزمات المالية القادمة. ويرجع هذا إلى أن حوكمة الشركات ليست مجرد شيء أخلاقي جيد نقوم بعملة فقط، بل إن حوكمة الشركات مفيدة لمنشآت الأعمال، ومن ثم فإن الشركات لا ينبغي أن تنتظر حتى تفرض عليها الحكومات معايير معينة لحوكمة الشركات، إلا بقدر ما يمكن لهذه الشركات أن تنتظر حتى تفرض عليها الحكومات أساليب الإدارة الجيدة التي ينبغي عليها إتباعها في عملها. وعلى سبيل المثال، فإن حوكمة الشركات الجيدة، في شكل الإفصاح عن المعلومات المالية، يمكن أن يعمل على تخفيض تكلفة رأس مال المنشأة. كما أن حوكمة الشركات الجيدة تساعد على جذب الاستثمارات سواء الأجنبية أم المحلية، وتساعد في الحد من هروب رؤوس الأموال، ومكافحة الفساد الذي يدرك كل فرد الآن مدى ما يمثله من إعاقة للنمو. وما لم يتمكن المستثمرون من الحصول على ما يضمن لهم عائدا على استثماراتهم، فإن التمويل لن يتدفق إلى المنشآت. وبدون التدفقات المالية لن يمكن تحقيق الإمكانات الكاملة لنمو المنشأة. وإحدى الفوائد الكبرى التي تنشأ من تحسين حوكمة الشركات هي ازدياد إتاحة التمويل وإمكانية الحصول على مصادر أرخص للتمويل وهو ما يزيد من أهمية الحوكمة بشكل خاص بالنسبة للدول النامية. إن حوكمة الشركات تعتمد في نهاية المطاف على التعاون بين القطاعين العام والخاص لخلق نظام لسوق تنافسية في مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس القانون. وتتناول حوكمة الشركات موضوع تحديث العالم العربي عن طريق النظر في الهياكل الاقتصادية وهياكل الأعمال التي تعزز القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وتجعل المنطقة أكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر، كما تحقق تكاملا للمنطقة في الأسواق العالمية. الحوكمة والياتها المقدمة لقد أثبتت الانهيارات والفضائح المالية ، التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال بشكل خاص ، في دول مثل الولاياتالمتحدة الأمريكية ، والمملكة المتحدة ، وروسيا ، واليابان ودول شرق آسيا فشل الأساليب التقليدية في منع مسببات تلك الانهيارات والفضائح ، والتي كان لظهورها آثار مدوية ونتائج مدمرة ، الأمر الذي دفع الجهات المعنية وعلى المستويين الوطني والدولي إلى إجراء دراسات معمقة لتحديد الأسباب الرئيسة التي كانت وراء حدوث الأزمات والانهيارات المشار إليها في أعلاه ، والتي كانت ترتبط بشكل كبير بالجوانب المحاسبية والتدقيقية . وكانت الحوكمة والياتها ثمرة هذه الدراسات لمنع حدوث مثل هذه الأزمات أو الحد منها في اقل تقدير ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات ، من أبرزها الشفافية والإفصاح عن المعلومات المالية وغير المالية وإعدادها وفقا للمعايير المحاسبية ذات الصلة ، وكذلك تعزز دور وظيفتي التدقيق الداخلي والخارجي ، وبخاصة ما يتصل باستقلالية هاتين الوظيفتين وتشكيل لجنة التدقيق من مجلس الإدارة للإشراف عليهما . تكتسب الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، وذلك لأنها مازالت تؤدي دورا مؤثرا في النشاط الاقتصادي في العديد من دول العالم ، ومنها العراق ، وتمثل جزءا مهما من الناتج المحلي الإجمالي ، وتوفر فرص العمل ، فضلا عن إنها غالبا ما تكون مسيطرة في الصناعات ذات المنافع العامة ، مثل الطاقة ، والنقل والاتصالات وغيرها . وان اداء هذه الشركات ذو أهمية كبيرة لعموم المواطنين ، هذا من جانب ، ومن جاني اخر ، اذا ما قررت الدولة خصخصة قسم من هذه الشركات ، فان الحوكمة تعد متطلبا أساسيا من متطلبات الخصخصة ، وذلك لتشجيع المستثمرين على شراء هذه الشركات والاستثمار فيها ، وضمان الحصول على اكبر عائد ممكن من عملية الخصخصة ، وذلك بمنع حالات الفساد المالي والإداري التي قد تكون مرتبطة بذلك . وقد تمثلت المشكلة التي حاول البحث التصدي لها بافتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تعاني منها هذه الشركات . ويهدف البحث إلى التاطير الفكري لمفهوم الحوكمة ، وذلك بتعريفها واستعراض نشأتها وتطورها ومبرراتها ، وكذلك تناول موضوع الفساد المالي والإداري ، وذلك بتعريفه وبيان أسباب حدوثه وابرز مظاهره ونتائجه ، ومن ثم التطرق إلى دور آليات الحوكمة في الحد منه . ولأجل تحقيق أهداف البحث ، فقد قسم إلى ست فقرات ، خصصت الأولى منها لمنهجية البحث ، فيما كرست الثانية لمفهوم الحوكمة والياتها . وتناولت الفقرة الثالثة مفهوم الفساد المالي والإداري . أما الفقرة الرابعة فقد خصصت لدور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي والإداري . واختتم الباحث بحثه بجملة من الاستنتاجات والتوصيات تناولتها الفقرتين الخامسة والسادسة . أولا : منهجية البحث 1 . مشكلة البحث تواجه اقتصادات العديد من الدول وخاصة تلك التي تمر بمرحلة انتقالية ،سواء كانت سياسية ، مثل التحول من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية ، أو اقتصادية ، مثل التحول من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق تحد كبير يتمثل بزيادة فرص ممارسة الفساد المالي والإداري ، وما يساعد على ذلك هو عدم اكتمال بناء المؤسسات الوطنية والقوانين التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين ، مستغلين ضعف الأجهزة الرقابية والقضائية في موجهة هذا الخطر الداهم لذا فان مشكلة البحث التي يحاول البحث التصدي لها تتركز في افتقار الشركات المملوكة للدولة إلى آليات حوكمة من شانها أن تحد من مشكلة الفساد المالي والإداري التي تهاني منها هذه الشركات . 2 . هدف البحث يهدف البحث إلى إلقاء الضوء على مفهوم حوكمة الشركات ، نشأتها وتطورها ، أهميتها ومبرراتها ، وكذلك استعراض أهم آلياتها مع التركيز على دور لجان التدقيق في مجالس الإدارة باعتبارها ابرز دعائم تحقيق هذا المفهوم الجديد ، وعلاقة هذه اللجان باليتين اخريتين هما التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي . كما انه يهدف إلى لفت الانتباه جميع الجهات المسؤولة إلى خطر الفساد المالي والإداري ، وذلك بعد تحديد مفهومه وأسباب ظهوره ، واهم مظاهره ونتائجه على الاقتصاد الوطني بشكل خاص وعلى المجتمع بشكل عام ، ودور آليات حوكمة الشركات في الحد منه . 3 . أهمية البحث يستمد هذا البحث أهميته من جانبين : الأول ، ويتمثل بخطورة الفساد المالي والإداري الذي استشرى في مؤسسات الدولة ومنها الشركات المملوكة لها ، وما يتركه من آثار كبيرة على الاقتصاد الوطني ومن ثم على المجتمع بأسره . الثاني ، هو تزايد الاهتمام بموضوع حوكمة الشركات في السنوات الأخيرة ، وكون أسسها ومبادئها والياتها تعد من المفاهيم الحديثة على المستوى العالمي بصفة عامة ، وعلى المستوى المحلي بصفة خاصة . وان الوعي بهذه المفاهيم وتطبيقاتها يؤدي إلى تحقيق قدر كبير من الشفافية والعدالة ، وكذلك منح حق مساءلة الشركة ، وبالتالي حماية حقوق الدولة وجميع أصحاب المصالح فيها ، والحد من مشكلة الفساد المالي والإداري ، الذي يتمثل بشكل كبير في استغلال السلطة والوظيفة في غير المصلحة العامة ، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة أداء هذه الشركات وتعظيم قيمتها وبالتالي توسعها وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين . 4 . أسلوب البحث يعتمد البحث على النهج الوصفي التحليلي Analytical Descriptive Approach لموضوع الدراسة، وهذا المنهج معمول به في كثير من البحوث والدراسات ، خاصة تلك التي تتناول ظواهر اجتماعية تتعلق بالممارسات اليومية ، حيث تم الاطلاع على عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات والمجلات العلمية المتخصصة ، وكذلك المنشورة على شبكة الانترنت ، بالإضافة إلى الاطلاع على آليات وقواعد الحوكمة الصادرة عن المنظمات والهيئات العالمية والمحلية ، وأخضعت للتحليل والمناقشة بما يخدم أهداف البحث ، ومن ثم اقتراح بعض التوصيات التي قد تساهم في اعطاء مرجعية مفيدة للشركات العراقية . ثانيا : مفهوم الحوكمة لقد أصبحت حوكمة الشركات من المصطلحات الأكثر شيوعا في قاموس الأعمال العالمي الحديث . وهذا يثير تساؤلا ” هل إن حوكمة الشركات مكون حيوي من مكونات منشات الأعمال الناجحة أم إنها مجرد بدعة أخرى سوف تضمحل وتتلاشى عبر الزمن ؟ ” ، والواقع إن هذا المصطلح اوجد ذاته وفرض نفسه قسرا أو طواعية ، حيث أوجدته ظروف غير مستقره ، واضطرابات قلقة وحوادث عنيفة اجتاحت بعض أسواق المال والأعمال ، وألقت عليها بظلال من الشكوك ، وألوان من القلق والهواجس ، ونشرت معها الكثير من التساؤلات الحائرة حول مصداقية البيانات التي تصدر عن هذه الشركات ، ومدى إمكانية الاعتماد عليها بصفة خاصة في اتخاذ أي قرار ، أو التعويل على المعلومات المنشورة بصفة عامة ، وصدقها في التعبير عن حقيقة أوضاع الشركات . ولا تقتصر أهمية الحوكمة على أولائك المتعاملين في أسواق رأس المال ( بائعين ، ومشترين ، و وسطاء ، و شركات معلومات ) ، والموردين ، و والمقرضين ، والممولين من المصارف وشركات التمويل ، بل امتدت إلى منشات الأعمال ، والحكومات والدول ، والمؤسسات الدولية ، خاصة بعد الانهيارات التي طالت كبريات الشركات في العالم ، والمدرجة في أسواق رأس المال في دول مثل الولاياتالمتحدة الأمريكية ، المملكة المتحدة ، و روسيا ، و اليابان ودول شرق آسيا . وكان لظهور هذه الفضائح آثار ونتائج مدمرة ، أدت إلى بروز أهمية الحوكمة . وفي ضوء ما تقدم تتناول هذه الفقرة موضوع الحوكمة من خلال التعرض لمفهومها وأهميتها ومبرراتها . 1 . فكرة ومعنى الحوكمة أ – نشأت و تطور فكرة حوكمة الشركات إن حوكمة الشركات Corporate Governance عبارة عن مصطلح تم البدء في استخدامه مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي ، حيث تزايد استخدام هذا المصطلح بشكل واسع في السنوات الأخيرة منه ، وأصبح شائع الاستخدام من قبل الخبراء ، لاسيما أولائك العاملون في المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية . يشير ( سليمان ) إلى إن ظهور نظرية الوكالة * Agency Theory وما ارتبط بها من إلقاء الضوء على المشكلات التي تنشأ نتيجة تضارب المصالح بين أعضاء مجالس إدارة الشركات وبين المالكين إلى زيادة الاهتمام والتفكير في ضرورة وجود مجموعة من القوانين واللوائح التي تعمل على حماية مصالح المساهمين والحد من التلاعب المالي والإداري الذي قد يقوم به أعضاء مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية بهدف تعظيم مصالحهم الخاصة ، وذلك باعتبارهم الجهة التي تمسك بزمام الأمور داخل الشركة (1 (. أما عن جذور فكرة حوكمة الشركات فتشير ( أبو العطا ) إلى إنها تعود إلى Berle & Means اللذين يعدان أول من تناولا موضوع فصل الملكية عن الإدارة ، وذلك في سنة 1932 . وتأتي حوكمة الشركات لسد الفجوة التي يمكن أن تحدث بين مديري ومالكي الشركة من جراء الممارسات السلبية التي من الممكن أن تضر بالشركة وبالصناعة كلها (2. (وفي هذا السياق يأتي تأكيد Mitchel et al. و Monks & Minow بعد فترة من الزمن على إمكانية حل مشكلات الوكالة أو تخفيفها ، وذلك من خلال التطبيق الجيد لآليات حوكمة الشركات (4 ) و (5 ) . ب – معنى الحوكمة لاشك انه هناك العديد من المصطلحات في اللغة الانكليزية نجد لها معنى واضحا ومتفقا عليه إلى حد الإجماع في اللغة العربية . ولكن في مقابل ذلك هناك العديد من المفاهيم التي لا توجد لها ترجمة حرفية في اللغة العربية ، تعكس ذات المعنى والدلالات التي تعكسها اللغة الانكليزية ، وان احد الأمثلة الحية على هذه المفاهيم هو مصطلح Governance . وعلى المستوى المحلي والإقليمي لم يتم التوصل إلى مرادف متفق عليه في اللغة العربية لهذا المصطلح ، كما إن اقتران هذا المصطلح مع كلمة Corporate أعطاه أكثر من مدلول . وفي هذا السياق يذكر (الصالح ) انه وجد خمسة عشر معنى في اللغة العربية لتفسير المصطلح المذكور وهي ( حوكمة الشركة ، و حاكمية الشركة ، و حكما نية الشركة ، و التحكم المشترك ، و التحكم المؤسسي ، و الإدارة المجتمعة ، و ضبط الشركة ، و السيطرة على الشركة ، و المشاركة الحكومية ، و إدارة شؤون الشركة ، و الشركة الرشيدة ، و توجيه الشركة ، و الإدارة الحقة للشركة ، و الحكم الصالح للشركة ، و أسلوب ممارسة سلطة الإدارة(6 ). ولأغراض هذا البحث سوف يعتمد الباحث مصطلح حوكمة الشركات على Corporate Governance ، الذي يرمز له اختصارا ( CG ) ، الذي حدده المجمع العلمي المصري ، وذلك بالاستناد إلى مجموعة من الأسانيد اللغوية والعلمية (7 ) . وقد تعددت التعاريف المقدمة لهذا المصطلح بحيث يدل كل منها عن وجهة النظر التي يتبناها مقدم هذا التعريف ، إذ لا يوجد على المستوى العالمي تعريف موحد متفق عليه بين المحاسبين والإداريين والقانونيين والمحللين الماليين لمفهوم حوكمة الشركات Corporate Governance 8 ) ) . و تقع التعاريف الموجودة لحوكمة الشركات في إطار طيف واسع من المضامين ، إذ تتباين التعاريف من تلك التي تعبر عن وجهة نظر ضيقة في طرف من أطرافه إلى التعاريف التي تنطلق لتعبر عن وجهات نظر أوسع نطاقا وأكثر شمولا في الطرف الآخر منه . سوف يضعها الباحث بحسب محاور الاهتمام التي انطوت عليها وكما يأتي : * التعاريف التي تركز على العلاقة بين الشركة والمالكين وتوجيه أدائها . تنسجم هذه التعاريف مع أنموذج التمويل التقليدي ، معبرا عنه بنظرية الوكالة بشكلها المبسط . إذ إنها تركز على المالكين ودورهم في الرقابة على أداء الشركات وتوجيهها . وعلى وفق هذا المنظور عرفتها مبادرة Berlin بأنها ” المجموعة الكاملة من الترتيبات التشريعية والمؤسسية التي تحدد الإطار التنظيمي الواقعي والقانوني لإدارة الشركة والإشراف عليها ” ( 9 ) . ويرى الباحث إن التعاريف التي تقع في هذا الإطار قد أغفلت بيان المفاهيم الأساسية التي هي بمثابة الأعمدة التي تركز عليها عملية الحوكمة وهي المساءلة ، و الشفافية ، والنزاهة ، و الإنصاف ومسؤولية جميع الأطراف المشاركة وحماية حقوق جميع أصحاب المصالح في الشركة . * التعاريف التي تتمحور في تحديد الأطراف ذات العلاقة وتحديد مسؤوليات وواجبات وصلاحيات كل منها . ينظر إلى حوكمة الشركات على وفق هذه التعاريف كشبكة من العلاقات ، ليس فقط بين الشركة ومالكيها ، بل بين الشركة ومجموعة كبيرة من أصحاب المصالح الآخرين Stakeholders ( العاملين ، و الزبائن ، و المجهزين ، والمقرضين ، …الخ ) . كما إنها تنسجم مع نظرية أصحاب المصالح ، التي هي الشكل الموسع لنظرية الوكالة . وفي هذا السياق يأتي تعريف Sir Adrian Cadbury ، الذي عرفها بأنها ” تعنى بإقامة التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ، بين الأهداف الفردية والجماعية ، وان إطار حوكمة الشركات هنا لتشجيع الاستخدام الكفء للموارد وطلب المساءلة عن الوصايا عليها . وان الهدف هو الربط قدر الإمكان لمصالح الأفراد والشركات والمجتمع كله ” ( 10 ) . * التعاريف التي تركز على أهداف الشركات والبعد الاستراتيجي لها . تركز التعاريف في إطار هذا المضمون على أهداف الشركة ، ورسم الاتجاه الستراتيجي لها ، للسيطرة على متغيرات بيئتها الداخلية والاستعداد لمواجهة متغيرات البيئة الخارجية والتكيف معها ، وذلك لتحقيق مطالب أصحاب المصالح ، وديمومة بقاء الشركة . وفي هذا الاتجاه يعرف Hitt et al. حوكمة الشركات بأنها ” تمثل العلاقات بين أصحاب المصالح ، والتي تستخدم لتحديد الاتجاه الستراتيجي للشركة والرقابة على أدائها . وان حوكمة الشركات في جوهرها تهتم بتحديد طرق لضمان اتخاذ القرارات الستراتيجية في الشركة بشكل فعال( 11 ). وللتأكيد على دور أصحاب المصالح في الإشراف على المخاطر وإدارتها في الشركة ، يعرف كل من Hermanson و Rittenberg حوكمة الشركات بأنها ” عمليات تتم من خلال إجراءات تتخذ من قبل أصحاب المصالح لتوفير إشراف على المخاطر وإدارتها من خلال الإدارة ومراقبة مخاطر المنظمة والتأكيد على كفاية الضوابط الرقابية لتجنب هذه المخاطر ، مما يؤدي إلى المساهمة المباشرة في انجاز أهداف الشركة وحفظ قيمها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار إن أداء أنشطة الحوكمة يكون من مسؤولية أصحاب المصالح فيها ، لتحقيق فعالية رعاية العهدة Stewardship ” (12 ) . 2 . اهمية ومبررات الحوكمة لقد تعاظمت في الآونة الأخيرة أهمية حوكمة الشركات بشكل كبير لتحقيق التنمية وتعزيز الرفاهية الاقتصادية للشعوب . إذ برزت هذه الأهمية بعد ألازمة المالية الآسيوية 1997 – 1998 ، والانهيارات والفضائح التي طالت كبريات الشركات ، مثل شركة انرون Enron للطاقة وما تلا ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية التي كانت لا تعبر عن الواقع الفعلي لها ، وذلك بالتواطؤ مع كبرى الشركات العالمية الخاصة بالتدقيق والمحاسبة ، وهو ما جعل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD * تصدر مجموعة من القواعد لحوكمة الشركات الخاصة في سنة 2004 ولحوكمة الشركات المملوكة للدولة في سنة 2005 . فعلى الصعيد الاقتصادي أخذت تتنامى أهمية القواعد السليمة لحوكمة الشركات ، وهو الأمر الذي أكده Winkler بشدة ، حيث أشار إلى أهمية حوكمة الشركات في تحقيق التنمية الاقتصادية وتجنب الوقوع في مغبة الأزمات المالية ، وذلك من خلال ترسيخ عدد من معايير الأداء ، بما يعمل على تدعيم الأسس الاقتصادية في الأسواق وكشف حالات التلاعب والفساد المالي والإداري وسوء الإدارة ، بما يؤدي إلى كسب ثقة المتعاملين في هذه السواق ، والعمل على استقرارها والحد من التقلبات الشديدة فيها ، وبالتالي تحقيق التقدم الاقتصادي المنشود ( 13 ) . أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) فترى إن الحوكمة احد عوامل تحسين الكفاية الاقتصادية والنمو الاقتصادي ، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين . وان وجود نظام حوكمة فعال في أي شركة وفي أي اقتصاد بشكل عام ، يساعد في توفير درجة من الثقة ضرورية لكي يعمل الاقتصاد بشكل جيد . ونتيجة لذلك تكون تكلفة رأس المال منخفضة ، وان الشركات تشجع على استعمال الموارد بكفاية أكثر ، وبذلك تعزز النمو الاقتصادي ( 14 ) . ويذهب رئيس البنك الدولي Wolfensohn ابعد من ذلك في تقييمه لأهمية حوكمة الشركات ، إذ انه يقول ” إن حوكمة الشركات مهمة ألان في عالم الاقتصاد كأهمية حكم البلدان ( 15 ) . وفي الجانب المحاسبي والرقابي تتجسد أهمية الحوكمة بما يأتي ( 16 ) : 1 . محاربة الفساد المالي والإداري في الشركات وعدم السماح بوجوده او عودته مره أخرى . 2 . تحقق ضمان النزاهة والحيادية والاستقامة لكافة العاملين في الشركة بدءا من مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين حتى أدنى مستوى للعاملين فيها . 3 . تفادي وجود أخطاء عمديه أو انحراف متعمد كان أو غير متعمد ومنع استمراره أو العمل على تقليله إلى أدنى قدر ممكن ، وذلك باستخدام النظم الرقابية المتطورة . 4 . تحقيق الاستفادة القصوى من نظم المحاسبة والمراقبة الداخلية ، وتحقيق فاعلية الإنفاق وربط الإنفاق بالإنتاج . 5 . تحقيق قدر كاف من الإفصاح والشفافية في الكشوفات المالية . 6 . ضمان أعلى قدر من الفاعلية لمراقبي الحسابات الخارجيين ، والتأكد من كونهم على درجة عالية من الاستقلالية وعدم خضوعهم لأية ضغوط من مجلس الإدارة أو من المديرين التنفيذيين أما على الصعيد الاجتماعي فيذكر مركز الحوكمة في الجامعة التكنولوجية في سدني ( UTS ) * إنها تهتم بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية . ويشجع إطار حوكمة الشركات الاستخدام الكفء للموارد وضمان حق المساءلة عن السيطرة عليها ، ويهدف إلى ربط مصالح الأفراد والشركات والمجتمع بشكل عام ( 17 ) . وفي ذات الاتجاه يؤكد Hitt et al. إن حوكمة الشركات ذات أهمية كذلك للشعوب ، إذ يرغب كل بلد أن تزدهر وتنمو الشركات العاملة ضمن حدوده لتوفير فرص العمل أو الخدمات الصحية ، والإشباع للحاجات الأخرى ، ليس لتحسين مستوى المعيشة فحسب بل لتعزيز التماسك الاجتماعي ( 18 ) . مبررات حوكمة الشركات المملوكة للدولة وأهميتها تكتسب الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، إذ انه على الرغم من الخصخصة التي شهدتها العديد من الدول ، إلا إن تلك الشركات لازالت مساهماتها تمثل جزءا أساسيا من إجمالي الناتج المحلي وتوفير فرص العمل ، وتظهر بشكل بارز في اقتصادات العديد من الدول ومنها العراق ، الذي بلغت نسبة مساهمة القطاع العام في إجمالي تكوين رأس المال الثابت للمدة 1997 – 2002 ( 88.7 % ، 83.9 % ، 86.4 % ، 89.7 % ، 91.1 % ، 81.7 % ) على التوالي ، في حين بلغت مساهمة القطاع الخاص فيه لنفس المدة ( 11.3 % ، 16.1 % ، 13.6 % ، 10.3 % ، 8.9 % ، 18.3 % ) على التوالي ( 19 ) . كما بلغت نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للمدة 1997 – 2002 ( 77 % ، 73 % ، 81 % ، 85 % ، 79 % ، 74 % ) على التوالي . أما القطاع الخاص فقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمدة ذاتها ( 23 % ، 27 % ، 19 % ، 15 % ، 21 % ، 26 % ) عل ى التوالي * أما مساهمة القطاع العام في القيمة المضافة الإجمالية للسنوات 1997 – 2002 فقد بلغت ( 78 % ، 73 % ، 81 % ، 86 % ، 80 % ، 75 % ) ، فيما بلغت مساهمة القطاع الخاص فيها للمدة عينها ( 22 % ، 27 % ، 19 % ، 14 % ، 20 % ، 25 % ) . كما يبلغ عدد العاملين في هذه الشركات نحو ( 500000 ) شخص ، ويشكلون نسبة 12.5 % من إجمالي العاملين في العراق البالغ ( 4000000 ) شخص ( 20 ) . يتضح مما تقدم إن قطاع الشركات العامة وكما هو الحال في العديد من دول العالم ، لا يزال يمثل القسم الأغلب من النشاط الاقتصادي باستثناء الزراعة ، إذ إن هذه الشركات تؤدي دورا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني ، وذلك من خلال توفير فرص العمل لعدد كبير من المواطنين ، ومساهمتها بنصيب كبير من الناتج المحلي الإجمالي والقيمة المضافة الإجمالية . لذلك إن أي إخفاق يتعرض له هذا القطاع سوف لا تنحصر آثاره في القطاع نفسه ، بل تمتد إلى قطاعات أخرى من الاقتصاد الوطني ، والتي تعتمد على مخرجات هذا القطاع . وبناء على ما تقدم يجب تحليل ودراسة المشكلات التي يعاني منها ، وبخاصة مشكلة الفساد المالي والإداري التي استشرت فيه بشكل غير مسبوق ، ليس لغرض حماية هذه الشركات من الانهيار فحسب ، بل لحماية الشركات التابعة للقطاع الخاص التي تعتمد عليه بشكل كبير مصدرا لمدخلاتها أو سوقا لمخرجاتها ، وبالتالي حماية الاقتصاد الوطني كله . ثالثا : مفهوم الفساد المالي والإداري مما لاشك فيه إن الفساد المالي والإداري أصبح سمة بارزة من سمات العصر الحديث ، رغم إن نشأته تعود في جذورها إلى بداية الخليقة ونشأت البشرية ، وذلك بدلالة ما ورد في القران الكريم من قصص الخلائق ومنذ ادم عليه السلام ، إذ إن أول من بدأ بالإفساد هو إبليس الذي استأذن رب العزة تعالى ( قال ربي فانظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ( الآيات 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 83 ، 84 ، 85 من سورة ص ) . واليوم تعد ظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة عالمية واسعة الانتشار ، وذات جذور تأخذ أبعادا واسعة وتتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها ، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر ، وهو داء خطير يهلك الحرث والنسل لم تسلم منه أي دولة في العالم متقدمة كانت أم نامية ، ولكن بدرجات ونسب متفاوتة ، وهذا ما تؤكده العديد من الدراسات بان الفساد المالي والإداري يقل كثيرا في الدول ذات الاقتصاد القوي ، والمستوى المعيشي المرتفع ، بينما يرتفع بمعدلات و وتائر كبيرة في الدول النامية بصفة عامة ، وذات المستوى المعيشي المنخفض على وجه الخصوص . ويتجلى ذلك من خلال الأوجه العديدة للفساد المالي والإداري ، كانتشار الرشوة ، والتسيب بين الموظفين وضعف الإنتاجية وتفشي المحسوبية والوساطة وزيادة الروتين وتعقيد الإجراءات في تنفيذ المعاملات . سوف يتناول الباحث في هذه الفقرة مفهوم الفساد ، ومظاهره ، وأسبابه وآثاره وانعكاساته . 1 . مفهوم الفساد لغة واصطلاحا لقد دأب معظم الباحثين الأكاديميين على تحديد معاني المصطلحات التي تستعمل في بحوثهم ، وذلك لكي لا تخرج النقاشات والتحليلات عن إطارها الموضوعي ويتشتت جهد الباحث بدلا من التركيز على نقاط محددة. وعليه سوف يتم تحديد معنى الفساد لغة وتعريفه اصطلاحا . الفساد لغة : ورد الفساد في معاجم اللغة في ( فسد ) الشيء يفسد بضم السين ( فسادا ) فهو فاسد ، والمفسدة ضد المصلحة ( 21 ) . كما ورد الفساد في القران الكريم في مواضع عديدة ليدل على معاني مختلفة ، فقد ورد ليعبر عن ( الطغيان والتجبر ) ، كما في قوله تعالى ( الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) (الآية 83 من سورة القصص ) ، أو ( الجدب والقحط ) كما في قوله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) (الآية 41 من سورة الروم ) ، أو ( عصيان إطاعة الله ) كما في قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم ) (الآية 33 من سورة المائدة ) . تعريف الفساد : لقد وردت تعاريف عديدة للفساد ، إذ لا يوجد تعريف واحد محدد له ، إلا أنها تمحورت جميعها على مضمون واحد وهو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب شخصية . لقد ارتبط مفهوم الفساد في أذهان العديد من البشر بالشر ، و ربما يكون اصدق تعريف له هو الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية ” الفساد هو سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق مكاسب خاصة ، ويشتمل ذلك على جميع أنواع رشاوى المسؤوليتين المحليين أو الوطنيين أو السياسيين ، ولكنه لا يتضمن الرشاوى التي تحدث فيما بين القطاع ” ( 22 ) . ويرى الباحث انه في إطار هذا البحث يمكن أن ينظر إلى الفساد المالي والإداري بأنه التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، الذي يمثل تقويضا للثقة العامة ، أو خرقا للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العام ، لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع ، وذلك بإعطاء أو اخذ الرشاوى أو الامتيازات ، وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسسات الرسمية . 2 . أسباب ظهور الفساد المالي والإداري لا يمكن معالجة الظواهر السلبية التي تعاني منها المجتمعات مالم يتم تشخيص أسبابها وبواعث نشؤها . وقد حدد البنك الدولي World Bank مجموعة من الأسباب لظهور الفساد المالي والإداري أبرزها ما يأتي : أ – تهميش دور المؤسسات الرقابية ، وقد تكون تعاني من الفساد هي نفسها . ب – وجود البيروقراطية في مؤسسات الدولة . ج – حصول فراغ في السلطة السياسية ناتج عن الصراع من اجل السيطرة على مؤسسات الدولة . د – ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتهميش دورها . ه – توفر البيئة الاجتماعية والسياسية الملائمة لظهور الفساد . إضافة إلى ما تقدم ، يمكن تحديد ثلاثة أبعاد لأسباب حدوث الفساد المالي والإداري وهي : البعد السياسي ، تتمثل أسباب الفساد الإداري والمالي بالإرادة السياسية الضعيفة التي تتعايش مع الفساد ، ولا تمتلك المبادرات لمكافحته ، فإنها حتى وان أعلنت عن إصلاحات ، فإنها تبقى من قبيل العبث ، ويصبح من ثم وجود المصلحين بلا معنى ، حتى وان توفرت لديهم الجدية والرغبة الصادقة في الإصلاح . وبدون الإرادة السياسية ، فان مواجهة الفساد ستقتصر على الشكل ليس إلا ، ويبقى دور المصلحين مقتصرا على المناشدات والنداءات والتمنيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع . وان غياب الإرادة السياسية يؤدي إلى غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية . وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي . كما تتعطل إلى حد بعيد آليات الرقابة في الدولة ويخبو وازع المساءلة والمحاسبة ، حيث إن الحكومة لا تحاسب الإدارة مع علمها بالفساد المستشري في أوصالها ، وان يد القضاء لا تطول المسؤولين في الدولة مهما قيل أو عرف أو شاع عنهم ، وان هيئات الرقابة تكون معطلة أما بفعل شدة الفساد الذي يتجاوز في أبعاده قدرتها ، أو لان دم الفساد اخذ يدب في عروق بعضها . البعد الاقتصادي ، يتمثل في البطالة وتدني الرواتب والأجور وتباين الدخول بشكل كبير وانخفاض مستو المعيشة بشكل عام ، فضلا عن غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة وكثرة الصفقات التجارية المشبوهة او الناتجة عن عمليات السمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزا واسعا . البعد الاجتماعي ، يتجلى عندما يغدو لكل شيء ثمن يقاس بالدنانير ، وعندما يغدو للقيام بواجب وظيفي معين ثمن ، و لإجراء معاملة مع إدارات الدولة ثمن ، ولتصريف أعمال الحكم ثمن ، وللكلمة في وسائل الإعلام ثمن ، ولحكم القضاء في بعض الحالات ثمن . وعندما يصبح لكل شيء ثمن ، فان الفساد قد أضحى في حياتنا العامة من صلب ثقافة المجتمع وبذلك يكون المجتمع في هذا الحال قد ابتلي بما نسميه ثقافة الفساد ، وعندما يكون الفساد من صلب ثقافة المجتمع يصعب علاجه . فالفساد لا ينتج إلا مزيدا من الفساد ، والفاسد لا يرى في فساد عيبا ، وهنا يشكل الفساد طوقا يحتاج إلى من يكسره بقوة خارقة . 3 . مظاهر الفساد المالي والإداري ينطوي الفساد على آثار بالغة الخطورة ، مدمرة للمجتمع ، وبوصفه يمثل احد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية ، فانه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد ، وغالبا ما تجد طريقها إلى خارج البلد ، بدلا من توظيفها داخل البلد لجلب المنفعة العامة .وان الفساد كالجرثومة الخبيثة تفترس الحكم الجيد وتقوض أركانه ، وتدمر الشرعية السياسية ، وتغتصب حقوق المواطنين العاديين وتهمشهم في الحياة السياسية ، بل يسهم في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي ، وتكون الخيارات والقرارات خاطئة ، فتتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمس الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة . وعندما يستشري الفساد في المجتمع ويتحكم به ، تهتز أركان الحكم وتنقص سيادة القانون ويتمادى مرتكبو الفساد في البحث عن وسائل أخرى جديدة للحصول على مزيد من الأموال بطرق غير مشروعة ، وعندما يتحكم الفساد بالمجتمع ويضرب أطنابه فيه ، تدخل البلاد في حلقة مفرغة ، حيث يغذي الفساد في إطارها نفسه بنفسه ، وعندها يتعذر السيطرة عليه بسهولة . وللفساد المالي والإداري مظاهر متعددة وآثار خطيرة . أ – مظاهر الفساد المالي والإداري للفساد المالي والإداري مظاهر وتجليات سياسية ومالية وإدارية وأخلاقية . ففي الجانب السياسي ، يتجلى الفساد في الحكم الشمولي الفاسد ، وفقدان الديمقراطية وفقدان المشاركة وفساد الحكام وسيطرة نظام الحكم على الاقتصاد وتفشي المحسوبية . وفي الجانب المالي ، يتمثل الفساد بالانحرافات المالية وعدم الالتزام بالقواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية . وتتجسد مظاهر الفساد المالي بالرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي والمحسوبية في التعيينات والمراكز الوظيفية . أما الفساد الإداري ، فانه يتعلق بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية التي تصدر عن الموظفين العموميين أثناء تأديتهم لمهام عملهم ، وتتجسد مظاهر الفساد الإداري في التسيب لدى الموظفين وعدم احترام الوقت وتمضيته في أمور لا علاقة لها بمهام الوظيفة واستحقاقاتها ، وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار العمل وغبرها . وفي الجانب الأخلاقي ، يتمثل الفساد بالانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي يقوم بها موظفي الدولة ، والمتعلقة بسلوكهم الشخصي وتصرفاتهم المتمثلة باستغلال الوظيفة لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة و ممارسة المحسوبية دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة عند تعيين الموظفين . ب – آثار الفساد المالي والإداري إن للفساد المالي والإداري تكلفة ، وخاصة في الشركات العامة ، حيث يتم الحصول على مكاسب مالية وامتيازات أخرى على حساب المجتمع . وتتمثل تكاليف الفساد المالي والإداري في الزيادة المباشرة التي تطرأ على تكلفة المعاملة ، ومن ثم على السعر الذي يدفعه المستهلك للسلع أو المستفيد من الخدمات التي تقدمها الجهة التي تدفع الرشوة . إن الزيادة في التكلفة لا تعد بأي حال من الأحوال الجانب الأكثر خطورة من الجوانب الأخرى ، فعندما يكون احتمال الحصول على مكاسب شخصية عنصرا من العناصر ، فانه يتحول سريعا ليكون العنصر الأوحد الهام في المعاملة ، مع إزاحة عناصر التكلفة والنوعية ، وموعد وكيفية التسليم ، وجميع الاعتبارات القانونية الأخرى جانبا عند الموافقة على منح العقود . وينتج عن ذلك اختيار موردين غير مناسبين ، أو مقاولين غير ملائمين ، بالإضافة إلى شراء السلع غير المناسبة . وبناء على ذلك يتم إعطاء الأولوية للمشروعات الغير ضرورية على حساب الأولويات الوطنية الهامة بدون سبب سوى تمكين متخذي القرار الحكوميين من الحصول على رشاوى كبيرة وسريعة . وبصفة عامة يمكن تلمس بعض الآثار الاقتصادية للفساد ومنها ( 3 ) : يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها . للفساد اثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا ، فقد أثبتت الدراسات إن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها ، وبالتالي يسهم في تدني حجم الضرائب ومن ثم تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بشكل مستمر مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع . رابعا : دور آليات الحوكمة في الحد من الفساد المالي والإداري يعد الفساد المالي والإداري من اخطر المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة بصفة عامة ، والشركات المملوكة للدولة بصفة خاصة . ويتمثل الفساد المالي والاداري بالمكاسب والامتيازات التي يتم الحصول عليها بشكل غير مشروع ، والتي سبق وان أشار أليها الباحث آنفا ، ويترتب عليها تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها ، مما يضعف قدرتها على التنافس والبقاء ، وبالتالي تآكل رأس المال . وبدلا من أن تكون هذه الشركات احد محركات الاقتصاد وعامل من عوامل النمو ، تصبح عبئا على الاقتصاد الوطني يتحمله المجتمع بأسره . تؤدي حوكمة الشركات دورا مهما في معالجة المشكلات التي تعاني منها هذه الشركات ، والتي من أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري ، وذلك من خلال مجموعة من الآليات صنفها كل من Hess و Impavido إلى آليات حوكمة داخلية وأخرى خارجية . سيتم تناول هذه الآليات بشكل مختصر وكما يأتي (24 ): 1 . الآليات الداخلية لحوكمة الشركات تنصب آليات حوكمة الشركات الداخلية على أنشطة وفعاليات الشركة ، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف الشركة . ويمكن تصنيف آليات حوكمة الشركات الداخلية إلى ما يأتي : أ – مجلس الإدارة يذكر كل من Singh و Harianto إن الناشطين في مجال حوكمة الشركات والباحثين والممارسين يعدون مجلس الإدارة أحسن أداة لمراقبة سلوك الإدارة ، إذ انه يحمي رأس المال المستثمر في الشركة من سوء الاستعمال من قبل الإدارة ، وذلك من خلال صلاحياته القانونية في تعيين وإعفاء ومكافأة الإدارة العليا . كما إن مجلس الإدارة القوي يشارك بفاعلية في وضع إستراتيجية الشركة ، ويقدم الحوافز المناسبة للإدارة ، ويراقب سلوكها ويقوم أدائها ، وبالتالي تعظيم قيمة الشركة ( 25 ) . ولكي تكون هذه المجالس فعالة ينبغي أن تكون في الموقف الذي يؤهلها للعمل لمصلحة الشركة ، وفي ذات الوقت تأخذ الأهداف الاجتماعية للشركة بعين الاعتبار ، كما يجب أن تمتلك السلطة اللازمة لممارسة أحكامها الخاصة بعيدا عن التدخلات السياسية والبيروقراطية في شؤونها ، وتقوم باختيار الإدارة العليا ، فضلا عن الإشراف المستمر على أداء الشركة والإفصاح عن ذلك ( 26 ) . وفي هذا السياق يأتي تأكيد ( PSCGT ) * على ضرورة أن تقاد كل شركة من الشركات المملوكة للدولة بمجلس إدارة فعال ، يمارس القيادة ويوجه الشركة بنزاهة وحكمة ويعمل لمصلحة الشركة بشفافية ومسؤولية ( 27 (.ولكي يتمكن مجلس الإدارة في الشركة المملوكة للدولة من القيام بواجباته في التوجيه والمراقبة ، يلجا إلى تأليف مجموعة من اللجان من بين أعضائه من غير التنفيذيين ، أبرزها ما يأتي ( 28 ): لجنة التدقيق لقد حظيت لجنة التدقيق في الوقت الحاضر باهتمام بالغ من قبل الهيئات العلمية الدولية ، والمحلية المتخصصة والباحثين ، وبخاصة بعد الإخفاقات والاضطرابات المالية التي حصلت في الشركات العالمية . ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي يمكن أن تؤديه لجنة التدقيق كأداة من أدوات حوكمة الشركات في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها الشركات ، وذلك من خلال دورها في إعداد التقارير المالية وإشرافها على وظيفة التدقيق الداخلي في الشركات ، وكذلك دورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها ، فضلا عن دورها في التأكيد على الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات . لقد ظهر مفهوم هذه اللجنة بعد الانهيارات المالية لبعض الشركات الكبير كما تم ذكره . ففي الولاياتالمتحدة الأمريكية تم إصدار قانون Sarbanse Oxley Act في سنة 2002 ، الذي ألزم جميع الشركات بتشكيل لجنة التدقيق لما لها من دور هام في منع حدوث تلك الانهيارات المالية في المستقبل ، وذلك من خلال دورها في عملية إعداد القوائم المالية وكذلك في زيادة استقلالية كل من المدقق الداخلي والخارجي . أما في المملكة المتحدة فقد صدر عددا من التوصيات بتشكيل هذه اللجنة ، من أبرزها تقرير Smith Report في سنة 2003 ، الذي تضمن العديد من التوصيات الخاصة بدور ومسؤوليات لجنة التدقيق وكيفية الإفصاح عن هذه المسؤوليات في التقارير السنوية للشركات ( 29 ) . وتجدر الإشارة إلى انه هناك العديد من الدول الأخرى مثل كندا ، وفرنسا ، وألمانيا ، وماليزيا وسنغافورة قد ظهر فيها مفهوم هذه اللجنة منذ سنوات عديدة ، وتطور هذا المفهوم بعد صدور العديد من التوصيات والمقترحات لحل المشكلات التي تواجهها هذه اللجنة في الواقع العملي ، وبالشكل الذي أصبحت هذه اللجان في الوقت الحاضر أداة هامة من أدوات حوكمة الشركات . وعن تشكيل لجنة التدقيق في الشركات المملوكة للدولة ، فإنها على وفق المعلومات التي توفرت للباحث قد ظهرت الدعوة إليها لأول مرة في توصيات تقرير King Report * في جنوب أفريقيا في سنة 1994 وتلا ذلك صدور العديد من التوصيات لتأليف مثل هذه اللجنة في العديد من الدول . وقبل التطرق إلى أهمية هذه اللجنة والواجبات التي تقوم بها ، لابد من الإشارة إلى المقصود بها . ونظرا لتعدد التعاريف في أدبيات التدقيق لهذه اللجنة ، سوف يكتفي الباحث بإيراد تعريفين احدهما لإحدى الهيئات المهنية والآخر لأحد الباحثين . لقد عرفت لجنة التدقيق من قبل الهيأة الكندية للمحاسبين القانونيين ( CTCA )* بأنها ” لجنة مكونة من أعضاء مجلس إدارة الشركة الذين تتركز مسؤولياتهم في مراجعة القوائم المالية السنوية قبل تسليمها إلى مجلس الإدارة ، وتتلخص نشاطاتها في ترشيح المدقق الخارجي ومناقشة نطاق ونتائج التدقيق معه ، وكذلك مراجعة نظام الرقابة الداخلية للشركة والتأكد من فاعليته ، وكذلك التأكد من تطبيق قواعد حوكمة الشركات في الشركة ( 31 ) . كما عرفها ( ميخائيل ) بأنها لجنة منبثقة عن مجلس الإدارة ، تتكون من عدد من الأعضاء غير التنفيذيين ، ويحضر اجتماعات هذه اللجنة المدققون الداخليون والخارجيون إذا اقتضى الأمر ذلك ، وتفوض هذه اللجنة صلاحيات العمل طبقا للأحكام التي يقررها مجلس الإدارة ، وترفع تقاريرها الدورية إلى رئيس مجلس الإدارة ( 32 ). ويتضح للباحث من خلال التعاريف السابقة انه يتم تعريف هذه اللجنة في ضوء عضويتها ومسؤولياتها ، وإنها تتميز بأنها منبثقة عن مجلس الادارة وتقتصر عضويتها على أعضاء مجلس الإدارة من غير التنفيذيين ، والذين تتوافر لديهم الاستقلالية والخبرة في مجال المحاسبة والتدقيق ، وتتعلق مسؤوليتها بتدقيق عمليات إعداد التقارير المالية ومراجعة عمليات التدقيق الداخلي والخارجي ، وكذلك مراجعة الالتزام بتطبيق قواعد حوكمة الشركات من قبل إدارة الشركة . وظائف وواجبات ( مسؤوليات ) لجنة التدقيق سبق وان أشار الباحث إلى إن إحدى أهم مسؤوليات لجنة التدقيق هي التأكد من تطبيق قواعد الحوكمة على ارض الواقع ، والذي يتم من خلال مجموعة من الآليات ، كما إن وجود نظام رقابة داخلية يعد من أهم مسؤوليات مجلس الإدارة ، ويتمثل الدور الرئيسي للجنة التدقيق فيما يتصل بهذا النظام بالتحقيق من كفايته ، وفاعلية تنفيذه وتقديم التوصيات إلى مجلس الإدارة ، والتي من شانها تفعيل النظام وتطويره ، بما يحقق أغراض الشركة ويحمي مصالح المالكين وبقية أصحاب المصالح بكفاية عالية وتكلفة معقولة . وتقترح PSCGT الوظائف التالية للجنة التدقيق ((33: مراجعة الكشوفات المالية قبل تقديمها إلى مجلس الإدارة . التوصية بتعيين ومكافأة وإعفاء المدقق الخارجي . مناقشة نطاق وطبيعة الأولويات في التدقيق والاتفاق عليها . المناقشة مع المدققين الخارجيين لأية تحفظات أو مشكلات تنشأ أثناء عملية التدقيق . المناقشة مع المدققين الخارجيين والداخليين لتقويم فاعلية نظام الرقابة الداخلية في الشركة وإدارة المخاطر فيها . الإشراف على وظيفة التدقيق الداخلي ومراجعة التقارير التي تقدمها والنتائج التي تتوصل إليها وتقديم التوصيات للإدارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة . القيام بأية واجبات تكلف بها من قبل مجلس الإدارة ، والتي لها صلة بأعمال التدقيق والرقابة لجنة المكافآت توصي اغلب الدراسات الخاصة بحوكمة الشركات والتوصيات الصادرة عن الجهات المهتمة بها بأنه يجب أن تشكل لجان المكافآت من أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين. وفي مجال الشركات المملوكة للدولة فقد تضمنت إرشادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) تأكيدا على ضرورة أن تكون مكافآت أعضاء مجلس الإدارة و الإدارة العليا معقولة ، وذلك لضمان تعزيز مصالح الشركة في الأمد البعيد من خلال جذب المهنيين من ذوي الكفاءات العالية . وظائف لجنة المكافآت وواجباتها تتركز وظائف لجنة المكافآت وواجباتها في تحديد الرواتب والمكافآت والمزايا الخاصة بالإدارة العليا لذا فان Mintz حدد تلك الواجبات بما يأتي ( 34 ) : – تحديد والمكافآت والمزايا الأخرى للإدارة العليا ، و مراجعتها والتوصية لمجلس الإدارة بالمصادقة عليها . – وضع سياسات لإدارة برامج مكافأة الإدارة العليا و مراجعة هذه السياسات بشكل دوري . – اتخاذ خطوات لتعديل برامج مكافآت الإدارة العليا التي ينتج عنها دفعات لا ترتبط بشكل معقول بأداء عضو الإدارة العليا . – وضع سياسات لمزايا الإدارة ومراجعتها باستمرار . لجنة التعيينات يجب أن يتم تعيين أعضاء مجلس الإدارة والموظفين من بين أفضل المرشحين الذين تتلاءم مهاراتهم وخبراتهم مع المهارات والخبرات المحددة من الشركة . ولضمان الشفافية في تعيين أعضاء مجلس الإدارة وبقية الموظفين فقد وضعت PSCGT لهذه اللجنة مجموعة من الواجبات هي : – أن تقوم لجنة التعيينات في الشركة مع مجلس الإدارة وبمصادقة الوزير المختص بوضع المهارات والخبرات المطلوب توافرها لدى عضو مجلس الإدارة والموظفين المطلوبين . – يجب على لجنة التعيينات أن تضع آليات شفافة للتعيين، بما يضمن الحصول على أفضل المرشحين المؤهلين . – أن تقوم اللجنة مع بقية أعضاء مجلس الإدارة بتقويم المهارات المطلوبة للشركة باستمرار . – يجب أن تقوم اللجنة بالإعلان عن الوظيفة المطلوب إشغالها ، ودعوة المؤهلين لتقديم طلباتهم للتعيين. – على اللجنة أن تتوخى الموضوعية ، وذلك بمقارنة مؤهلات ومهارات المتقدم مع المواصفات الموضوعة من الشركة . ب- التدقيق الداخلي تؤدي وظيفة التدقيق الداخلي دورا مهما في عملية الحوكمة ، إذ إنها تعزز هذه العملية ، وذلك بزيادة قدرة المواطنين على مساءلة الشركة . حيث يقوم المدققون الداخليون من خلال الأنشطة التي ينفذونها بزيادة المصداقية ، العدالة ، تحسين سلوك الموظفين العاملين في الشركات المملوكة للدولة وتقليل مخاطر الفساد الإداري والمالي . وفي هذا السياق يرى Archambeault إن كل من التدقيق الداخلي والخارجي يعد آلية مهمة من آليات المراقبة ضمن إطار هيكل الحوكمة ، وبشكل خاص فيما يتصل بضمان دقة ونزاهة التقارير المالية ومنع واكتشاف حالات الغش والتزوير ( 35 ) . وقد اعترفت الهيئات المهنية والتنظيمية بأهمية وظيفة التدقيق الداخلي في عملية الحوكمة . فقد أكدت لجنة كادبيريCadbury committee على أهمية مسؤولية المدقق الداخلي في منع واكتشاف الغش والتزوير (36 ) . ولتحقيق هذه الوظيفة لأهدافها ، يجب أن تكون مستقلة وتنظم بشكل جيد وتستند إلى تشريع خاص بها . وفي هذا الاتجاه يؤكد Cohen et al. على انه يتم تقوية استقلالية هذه الوظيفة عندما ترفع تقاريرها إلى لجنة التدقيق بشكل مباشر وليس إلى الإدارة . يضاف إلى ذلك يمكن أن تزداد فاعلية لجنة التدقيق الداخلي عندما تكون قادرة على توزيع ملاك التدقيق الداخلي للحصول على معلومات مهمة عن قضايا خاصة بالشركة ، مثل تقوية نظام الرقابة الداخلية ونوعية السياسات المحاسبية المستخدمة ( 37) . 2 . الآليات الخارجية لحوكمة الشركات تتمثل آليات حوكمة الشركات الخارجية بالرقابات التي يمارسها أصحاب المصالح الخارجيين على الشركة ، والضغوط التي تمارسها المنظمات الدولية المهتمة بهذا الموضوع ، حيث يشكل هذا المصدر احد المصادر الكبرى المولدة لضغط هائل من اجل تطبيق قواعد الحوكمة . ومن الأمثلة على هذه الآليات ما يأتي ( 38 ) : أ – منافسة سوق المنتجات ( الخدمات ) وسوق العمل الإداري تعد منافسة سوق المنتجات ( أو الخدمات ) احد الآليات المهمة لحوكمة الشركات . ويؤكد على هذه الأهمية كل من ( Hess and Impavido ) ، وذلك بقولهم إذا لم تقم الإدارة بواجباتها بالشكل الصحيح ( أو إنها غير مؤهلة ) ، إنها سوف تفشل في منافسة الشركات التي تعمل في نفس حقل الصناعة ، وبالتالي تتعرض للإفلاس . إذن إن منافسة سوق المنتجات ( أو الخدمات ) تهذب سلوك الإدارة ، وبخاصة إذا كانت هناك سوق فعالة للعمل الإداري Labor Market للإدارة العليا ، وهذا يعني إن إدارة الشركة إلى حالة الإفلاس سوف يكون له تأثير سيئ على مستقبل المدير وأعضاء مجلس الإدارة ، إذ غالبا ما تحدد اختبارات الملائمة للتعيين انه لا يتم إشغال مواقع المسؤولية من أعضاء مجلس إدارة أو مديرين تنفيذيين سبق أن قادوا شركاتهم إلى الإفلاس أو التصفية (39 ) . ب – الاندماجات والاكتسابات Mergers and Acquisitions مما لاشك فيه إن الاندماجات والاكتسابات من الأدوات التقليدية لإعادة الهيكلة في قطاع الشركات في أنحاء العالم . ويشير كل من (John and Kedia ) إلى وجود العديد من الأدبيات والأدلة التي تدعم وجهة النظر التي ترى إن الاكتساب آلية مهمة من آليات الحوكمة ( في الولاياتالمتحدة الأمريكية على سبيل المثال ) ، وبدونه لا يمكن السيطرة على سلوك الإدارة بشكل فعال ، حيث غالبا ما يتم الاستغناء عن خدمات الإدارات ذات الأداء المنخفض عندما تحصل عملية الاكتساب أو الاندماج ( 40) . أما في الشركات المملوكة للدولة فتشير OECD إلى إن الحكومة الصينية على سبيل المثال قد استفادت من هذه الآلية ، وذلك بعد إعطاء هذه الشركات قدرا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات ومنها قرارات الاكتساب والاندماج ، ولكن تبقى الدولة بحاجة إلى أن تتأكد من عدم الإضرار بحقوقها كمالك للأسهم جراء مثل هذه القرارات المهمة التي تتخذها الإدارات ( 41 ) . ويرى الباحث إن آلية الاكتساب ليس لها تأثيرا على الشركات المملوكة للدولة ، وذلك لأنها يمكن أن تحصل في الشركات المساهمة الخاصة ، وهي ليست موضوع الدراسة . أما الاندماج فقد نص عليه قانون الشركات العامة ، إلا انه على حد علم الباحث لم يتم تفعيل هذه الآلية . ج – التدقيق الخارجي External Auditing يؤدي المدقق الخارجي دورا مهما في المساعدة على تحسين نوعية الكشوفات المالية ، ولتحقيق ذلك ينبغي عليه مناقشة لجنة التدقيق في نوعية تلك الكشوفات ، وليس مقبوليتها فقط . ومع تزايد التركيز على دور مجالس الإدارة ، وعلى وجه الخصوص لجنة التدقيق في اختيار المدقق الخارجي والاستمرار في تكليفه ، يرى Abbot and Parker إن لجان التدقيق المستقلة والنشيطة سوف تطلب تدقيقا ذا نوعية عالية ، وبالتالي اختيار المدققين الأكفاء والمتخصصين في حقل الصناعة الذي تعمل فيه الشركة ( 42 ) . يمثل التدقيق الخارجي حجر الزاوية لحوكمة جيدة للشركات المملوكة للدولة ، إذ يساعد المدققون الخارجيون هذه الشركات على تحقيق المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها ، ويغرسون الثقة بين أصحاب المصالح والمواطنين بشكل عام . ويؤكد معهد المدققين الداخليين في الولاياتالمتحدة الأمريكية Institute of Internal Auditiors ( IIA ) على إن دور التدقيق الخارجي يعزز مسؤوليات الحوكمة في الإشراف Oversight ، التبصر Insight والحكمة Foresight . . وأخيرا تحدد الحكمة الاتجاهات والتحديات التي تواجهها الشركة . ولانجاز كل دور من هذه الأدوار يستخدم المدققون الخارجيون التدقيق المالي ، وتدقيق الأداء ، والتحقق والخدمات الاستشارية ( 43 ) . وقد أكدت بعض المنظمات المهنية والهيئات التنظيمية على ضرورة اخذ وظيفة التدقيق الداخلي بنظر الاعتبار من المدقق الخارجي . فعلى سبيل المثال تطلب معيار التدقيق SAS No. 65 الصادر عن المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين من المدقق الخارجي أن يأخذ بعين الاعتبار وظيفة التدقيق الداخلي عند التخطيط لعملية التدقيق . أما معيار التدقيق SAS No.78 فقد عرف وظيفة التدقيق الداخلي كمصدر للمراقبة يجب على المدقق الخارجي أن يأخذه بنظر الاعتبار عند تقييمه لنظام الرقابة الداخلية في الشركة . د – التشريع والقوانين غالبا ما تشكل وتؤثر هذه الآليات على التفاعلات التي تجري بين الفاعلين الذين يشتركون بشكل مباشر في عملية الحوكمة . لقد أثرت بعض التشريعات على الفاعلين الأساسيين في عملية الحوكمة ، ليس فيما يتصل بدورهم ووظيفتهم في هذه العملية ، بل على كيفية تفاعلهم مع بعضهم . فعلى سبيل المثال قد فرض قانون Sarbanes-Oxly Act متطلبات جديدة على الشركات المساهمة العامة ، تتمثل بزيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة المستقلين ، وتقوية إشراف لجنة التدقيق على عملية إعداد التقارير المالية ، والطلب من المدير التنفيذي ( CEO ) ومدير الشؤون المالية ( CFO ) الشهادة على صحة التقارير المالية وعلى نظام الرقابة الداخلية ، ووضع خطوط اتصال فعالة بين المدقق الخارجي ولجنة التدقيق وتحديد قدرة المسؤولين في الشركة على المصادقة على المعاملات التي تخصهم في الشركة ، والتي قد تكون مضرة بمصالح المالكين وأصحاب المصالح الآخرين في الشركة . كما أناط مسؤولية تعيين وإعفاء المدقق الخارجي والمصادقة على الخدمات غير التدقيقية التي يمكن أن تقدمها شركات التدقيق لزبائنها بلجنة التدقيق ( 44 ) . وفي العراق ، فقد نظم قانون الشركات العامة رقم (22 ) لسنة 1977 شؤون الشركات المملوكة للدولة من حيث التأسيس والإدارة والتصفية وكذلك أخضعها لرقابة ديوان الرقابة المالية . ه – آليات حوكمة خارجية أخرى Another Corporate Governance Mechanisms هناك آليات حوكمة خارجية أخرى فضلا عن ما تقدم ذكره ، تؤثر على فاعلية الحوكمة بطرق هامة ومكملة للآليات الأخرى في حماية مصالح أصحاب المصالح في الشركة . ويذكر Cohen et al. إنها تتضمن ( ولكن لا تقتصر على ) المنظمين ، المحللين الماليين وبعض المنظمات الدولية (45 ) . فعلى سبيل المثال تمارس منظمة الشفافية العالمية ضغوطا هائلة على الحكومات والدول ، من اجل محاربة الفساد المالي والإداري ، وتضغط منظمة التجارة العالمية ( WOT ) من اجل تحسين النظم المالية والمحاسبية ، وفي قطاع البنوك ، تمارس لجنة بازل ضغطا من اجل ممارسة الحوكمة فيها . ويرى الباحث انه بسبب تنوع آليات الحوكمة وتعدد مصادرها ، فان تنفيذها يتطلب وضع إطار شامل لها ، يأخذ بنظر الاعتبار جميع أصحاب المصالح في الشركات سواء أكانت خاصة أم مملوكة للدولة . إذ أن كل طرف من هذه الأطراف يؤدي دورا مهما في عملية الحوكمة ، وإنها تتفاعل فبما بينها ضمن إطار الحوكمة . مثال على ذلك التفاعل فيما بين لجنة التدقيق والمدقق الخارجي ، المدقق الداخلي ، مجلس الإدارة والإدارة العليا . وان لهذا التفاعل تأثيرا كبيرا في الحد من حالات الفساد المالي والإداري . خامسا : الاستنتاجات لقد توصل الباحث إلى جملة من الاستنتاجات ، أبرزها ما يأتي : 1 . أدى ظهور نظرية الوكالة وما ارتبط بها من إلقاء الضوء على المشكلات التي تنشأ نتيجة تضارب المصالح بين أعضاء مجالس إدارة الشركات وبين المالكين ، والتي من أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري إلى زيادة الاهتمام والتفكير في ضرورة وجود مجموعة من القوانين واللوائح والآليات التي تعمل على حماية مصالح المالكين وبقية أصحاب المصالح ، وذلك بالحد من التلاعب المالي والإداري الذي يحصل في هذه الشركات من قبل الإدارات التنفيذية ، باعتبارها الجهة التي تمسك بزمام الأمور داخل الشركة . 2 . يعد الفساد المالي والإداري من اخطر المشكلات التي تعاني منها مؤسسات الدولة بصفة عامة ، والشركات المملوكة للدولة بصفة خاصة ، ويترتب عليه تحمل الشركات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها ، مما يضعف قدرتها على التنافس والبقاء . 3 . تكتسب الشركات المملوكة للدولة أهمية خاصة ، إذ انه على الرغم من موجات الخصخصة التي شهدتها العديد من دول العالم ، إلا إن تلك الشركات لازالت مساهماتها تمثل جزءا أساسيا من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والقيمة المضافة وتوفير فرص العمل لعدد كبير من المواطنين . 4 . للفساد المالي والإداري مظاهر وتجليات سياسية ومالية وإدارية وأخلاقية . 5 . يؤدي الالتزام باليات الحوكمة وقواعدها من قبل الشركات المملوكة للدولة إلى الحد من الفساد المالي والإداري فيها وزيادة كفاءة أدائها ، وبالتالي زيادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالشركات المملوكة للدولة ومن ثم في الدولة كلها ، وبالتالي يزيد من قدرة الدولة على جذب الاستثمار وما ينتج عنه من تنمية لاقتصاد البلد . سادسا : التوصيات تتناول هذه الفقرة أهم التوصيات التي يراها الباحث لمعالجة مشكلة البحث ، من أهمها ما يأتي : 1 . تطبيق آليات الحوكمة التي أوردها الباحث لمعالجة مشكلة الفساد المالي والإداري التي تعاني منها الشركات المملوكة للدولة . 2 . يتطلب تطبيق آليات الحوكمة نشر ثقافة الحوكمة في المجتمع ، وذلك من خلال وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني . فإذا ما أدرك المجتمع إن الحوكمة تمثل له خط الدفاع الأول والحصن المنيع ضد أي فساد أو إفساد يحاول أن يسلب المجتمع ثرواته وأمواله ومكاسبه ، فانه سوف يدعم تطبيقها وإرساء قواعدها والدفاع عنها . وعليه يوصي الباحث باستحداث مركز يعنى بقضايا الحوكمة ، ويتولى مهمة إعداد برامج إعلامية وتدريبية لترسيخ ثقافة الحوكمة في العراق . 3 . التزام الشركات المملوكة للدولة بمبادئ الشفافية والإفصاح ، وذلك من خلال قيامها بما يأتي : أ – تحدد كل شركة من الشركات الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ، الاستراتيجية وقصيرة الأجل ، والإفصاح عنها عبر الوسائل التي تمكن الجمهور من الاطلاع عليها ، وان تقوم بنشر تقرير يتضمن مستوى تحقيق الأهداف الموضوعة لها . ب – إلزام الشركات المملوكة للدولة بنشر التقارير المالية السنوية والإيضاحات المكملة لها وتقرير مراقب الحسابات وتقرير مجلس الإدارة ، على أن تتضمن هذه التقارير العديد من المؤشرات المالية وغير المالية التي تعكس أداء الشركة ، مثل نسب الربحية والسيولة وتطور هذه النسب من سنة لأخرى ، وذلك في الصحف المحلية وعلى موقع الشركة على الشبكة الدولية للمعلومات ( الانترنت ) ، ليتسنى للجمهور الاطلاع عليها . 4 . نشر الوعي الفكري والاقتصادي والاجتماعي والديني ، وذلك لرفع المستوى الحضاري للمجتمع واعتبار محاربة الفساد المالي والإداري مهمة وطنية يشارك فيها الجميع ، كل من موقعه ، لان المجتمع يساهم بشكل فعال في الحد من هذه الظاهرة . 5 . تقليل نسب البطالة وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل بما يؤمن دخل ثابت ومتوازن لكافة أبناء الشعب ، والعمل على تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية والتامين الصحي ، وذلك لشعور المواطن بالأمان والابتعاد عن الغش والسرقة والفساد بشكل عام . 6 . وضع القوانين لفرض عقوبات صارمة بحق مرتكبي الفساد المالي والإداري والمتلاعبين بأموال الشعب واعتبار جريمة الفساد من الجرائم المخلة بالشرف . قائمة المصادر 1 . سليمان ، محمد مصطفى ، ” حوكمة الشركات ومعالجة الفساد المالي والاداري – دراسة مقارنة ” ، الدار الجامعية ، مصر ، 2006 ، ص13 . 2 . أبو العطا ، نرمين ، ” حوكمة الشركات – سبيل التقدم مع إلقاء الضوء على التجربة المصرية ” ، مجلة الإصلاح الاقتصادي ، العدد ( 8 ) ، يناير 2006 ، ص48 . 3. Ehsenhardt, M.K., ( Agency Theory : An Assessment and Review ” , Vol. (14), No. (1), 1989, p.165. 4. Mitchell, J., et al., ” Corporate Finance and Governance ” , Carolina Academic Press, 1996, P.152 . 5. Monk, R. and Minow , N. , ” Corporate Governance ” , 2nd ed., Black Well Publishers, Malden, 2001, p. 8. 6 . الصالح احمد علي ، ” بناء محافظ رأس المال الفكري من الأنماط المعرفية ومدى ملاءمتها لحاكمية الشركات في القطاع الصناعي المختلط في بغداد ” ، اطروحة مقدمة إلى مجلس كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد كجزء من متطلبات شهادة الدكتوراه فلسفة في إدارة الأعمال ،2006 ، ص117 . 7 . أبو العطا ، نرمين ، مصدر سابق ذكره ، ص47 . 8. The Encyclopedia of Corporate Governance , ” What is Corporate Governance ” , 2002. http://www.encycogvom, P. 2. 9. Berlin Initiative Group ( BIG) , 2000.Gccg.de, p. 4. 10 . الصلاح ، محمد سليمان ، ” الاستفادة من أدوات الرقابة وإدارة المخاطر لخدمة حوكمة الشركات ” ، بحوث وأوراق عمل المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات ، القاهرة ، 2005 ، ص5 . 11. Hitt , Michael A. et al., ” Strategic Management : Competitiveness and Globlization ” 5th ed., South-Western Thomson , 2003, p.308. 12. Hermanson , Dana R. and Rittenberg , larry E. , ” Internal Audit and Organizational Governance ” , The Institute of Internal Auditors Research Foundation , 2003 , P. 27. 13. Winkler , Adalbert , ” Financial Development , Economic Groth and Corporate Governance ” , Working paper Series : Finance and Accounting , http://www.econpapers.repec.org/paper/frafranaf/12htm , p.18. 14. Organization for Economic Cooperation and Development (OECD) , ” Principles of Corporate Governance ( Introduction ) , 2004 , http://www.oecdorg , p.3. 15. Shah , Asad Ali , ” Auditing and Governance Framework for Private Sector in Pakistan ” , ADB/OECD Anti Corruption Initiative for Asia- Pacfic Master Training Seminar , 2005 . p.31. 16 . ميخائيل ، اشرف حنا ، ” تدقيق الحسابات في إطار منظومة حوكمة الشركات ” ، بحوث وأوراق عمل المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات ، القاهرة ، 2005 ، ص83 . 17.University of Technology , Sydney-Center for Corporate Governance ” , 2003 , http://www.business-uts-au/managemen…ccg/corporate- governance , p. 1. 18. Hitt, Michael A. , et al., op cit , p. 309. 19 . إجمالي تكوين رأس المال الثابت في العراق للسنوات 1997 – 2004 ، سلسلة معدلة ، وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ، الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات ، آب 2005 ، ص4 . 20. World Bank , ” State-Owned Enterprises in Iraq ” , 2004 , p.5. 21 . الرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ، ” مختار الصحاح ” ، الكويت ، 1983 ، ص503 . 22 . ستاورت ، جورج مودي ، ” تكلفة الفساد ” ، الإصلاح الاقتصادي ، المجلد (21 ) ، العدد ( 2 ) ، 1999 ، ص16 . 23 . الوائلي ، ياسر خالد بركات ، الفساد الإداري مفهومه ومظاهره وأسبابه ، مركز دراسات المستقبل ، 2005 ، http://www.mesr.net ، ص4 . 24. Hess , David and Impavido, Gregorio, ” Governance of Public Pension Funds , Lessons from Corporate Governance and International Evidence ” , 2003. http://www.Econ.worldbank.org,P.5. 25. Singh, H. and Harianto, F. , ” Management-Board Relationships, Takeover Risk and Adoption of Golden Parachutes ” , Academy of Management Journal, Vol.(32) , 1989, p.127. 26. World Bank , ” The Challenge of State –Owned Enterprise Corporate Governance for Emerging Markets ” , 2006. RRU – Page not found, p.24. 27. Private Sector Corporate Trust , ” Good Corporate Governance in State-Owned Corporations –Final Draft Guidelines ” 2002 , p. 17. 28. Robert, John, ” Agency Theory , Ethics and Corporate Governance ” , presented at the Corporate Governance and ethics Conference, Mac Quarie, Graduate School of Management –Sydney, Australia, June 28-30, 2004, p. 4. 29. Smith Report, Financial Reporting Council (FRC) , ” Audit Committee-Combined Code Guidance ” , Smith Report , London , 2003, p. 16. 30. King , Mervyn E. et al., ” The King Report on Corporate Governance ” , Institute of South Africa , Johannesburg, Nov. 1994. 31 . ألرحيلي ، عوض سلامة ، ” لجان المراجعة كأحد دعائم حوكمة الشركات –حالة السعودية ” ، بحوث وأوراق عمل المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات ، القاهرة ، 2005 ، ص11 . 32 . ميخائيل ، اشرف حنا ، ” تدقيق الحسابات في إطار منظومة حوكمة الشركات ” ، بحوث وأوراق عمل المؤتمر العربي الأول حول التدقيق الداخلي في إطار حوكمة الشركات ، القاهرة ، 2005 ، ص32 . 33. Private Sector Corporate Governance Trust , op cit ,p. 35 . 34. Mintz, Steven M., ” Improving Corporate Governance Systems : A Stakeholders Theory Approach ” , 2003 , http://www.aaahq/Am2003/cpe/ethics/Forum , p.14. 35. Archambeault, Deborah S., ” The relation between Corporate Governance Strength and Fraudulent Financial Reporting : Evidence from SEC Enforcement Cases ” , Nov. 2002, p. 8. 36. Cadbury Committee , Report of the Committee on the Financial Aspects of Corporate Governance , London ,Gee and Co. ltd. , 1992, p. 30. 37. Cohen, Jeffrey et al., ” The Corporate Governance Mosaic and Financial Reporting Quality ” , Journal of Accounting Literature , 2004 , p.33. 38. Wikipedia , the Free Encyclpedia , ” Corporate Governance ” , 2007. http://www.en,wikipedia.org/wiki/corporate-governance , p.7. 39. Hess, David and Impavido, Gregorio, op cit , p. 5. 40. John, Kose and Kedia, Simi, ” Design of Corporate Governance : Role of Ownership Structure , Takeovers, and Bank Debit ” , 2003.www.Icf.som.yale.edu/pdf , p.9. 41. Organization for Economic Cooperation and Development, Beijing, 2000. http://www.oecd.oeg/daf. , p.4. 42. Abbott, L. G. and Parker, S., ” Auditor Selection and Audit Committee Charecteristics ” , Auditing : A Journal of Practes and Theory Vol. ( 19 ) , 2000,p.47 43. The Institute of Internal Auditors ( IIA) , ” The Role of Auditing in Public Sector Governance ” , 2006. Thiia.org , p.3. 44. Sarbanes, P. and Oxley ,M., ” Sarbanes-Oxley Act of 2002 ” , A Congress , Washington DC. 45. Cohen et al., op cit , p. 152. قائمة المراجع المراجع باللغة العربية: 1- إبراهيم العيسوي، التنمية في عالم متغير: دراسة في مفهوم التنمية ومؤشراتها. القاهرة: دار الشروق، 2003. 2- البنك الأهلي المصري، النشرة الاقتصادية، العدد الثاني، المجلد السادس والخمسون، 2003. 3- مارك هيسيل ” محرر “، ممارسة سلطات الإدارة. مركز المشروعات الدولية الخاصة بالتعاون مع مؤسسة جامعات وسط أوربا، 2001. 4- مركز المشروعات الدولية الخاصة، الإصلاح الاقتصادي اليوم، النشرة الدورية لمركز المشروعات الدولية الخاصة، أعداد متفرقة. 5- مركز المشروعات الدولية الخاصة، دليل تأسيس أساليب حوكمة الشركات في الاقتصادات النامية والصاعدة والمتحولة، مارس 2002. المراجع باللغة الإنجليزية: 1- Alamgir, M. Corporate Governance: A Risk Perspective, paper presented to: Coorporate Governance and Reform: Paving the Way to Financial Stability and Development, a conference organized by the Egyptian Banking Institute, Cairo, May 7 – 8, 2007. 2- Azab, B. The Role of Commercial Banks in Promoting Corporate Governance of their Clients, paper presented to: Coorporate Governance and Reform: Paving the Way to Financial Stability and Development, a conference organized by the Egyptian Banking Institute, Cairo, May 7 – 8, 2007. 3-BIS. Enhancing corporate governance for banking organizations, Basel Committee on Banking Supervision, February 2006. 4- Freeland, C. Basel Committee Guidance on Corporate Governance for Banks, paper presented to: Coorporate Governance and Reform: Paving the Way to Financial Stability and Development, a conference organized by the Egyptian Banking Institute, Cairo, May 7 – 8, 2007. 5- IIF. Corporate Governance in Poland. Institute of International Finance. February 2003. 6- Iskander, M. and N. Chamlou. (2002). Corporate Governance: A Framework for Implementation. PP: 119-137. Published in: Globalization and Firm Competitiveness in the Middle East and North Africa Region, edited by: S. Fawzy. Washington: World Bank. 7-Fawzy, S. (April 2003). Assessment of Corporate Governance in Egypt. Working Paper No. 82. Egypt, The Egyptian Center for Economic Studies. 8- UNDP, Governance for Sustainable Human Development, UNDP Governance Policy Paper, extracted from UNDP web site, Jan. 1997. مواقع الكترونية: 1- http://www.cipe.org 2- http://www.nacdoline.org